5- الفصل الخامس

4.4K 127 1
                                    


رددت ميغان عدة مرات لنفسها انه ليس لديها نية في الذهاب مع الاستاذ يوم الجمعة, ولكنها وجدت نفسها في الوقت نفسه تتفحص خزانة الثياب وكانها مصممة على الذهاب وبافضل مظهر, السترة الرمادية والتنورة الموشاة تفيان بالامر اذ انهما تناسبانها تماما. اعدتهما للصباح وذهبت الى النوم لتقوم بعد نصف ساعة وتضعهما ثانية في الخزانة, وتبحث عن تنورة بنية اللون مع قميص اصفر وشال. كانت تنوي ان تتمشى وتعمل في الحديقة عندما تصل الى البيت. لذلك سيكون من السخف ان تتانق. غصت بالبكاء, لا فائدة من التانق اذ لا يوجد احد تتانق له. عادت الى السرير وراحت في نوم عميق. عندما استيقظت في الصباح لم تكن للاسف في احسن احوالها. وعلى الرغم من جهدها في اخفاء ذلك, قال لها الاستاذ عندما فتحت له الباب: "كنت تبكين ثانية."
حمل سلة ميريدث ورافقها الى السيارة, وضع السلة في المقعد الخلفي وجلس بجانبها, ثم قال من دون ان ينظر اليها: "سنسلك الطريق الطويلة أتوافقين؟ في اي وقت يتوقعون وصولك؟"
"عندما اقود بنفسي اصل حوالي الساعة الحادية عشرة عادة."
"عظيم عظيم, سنسلك طريق ويكومب, هذا سيعطيك وقتا لتخبرني لماذا تبدين بائسة."
"لا ابدا يا استاذ, اشعر بقليل من التعب فقط."
"ليكن, لماذا تشعرين بقليل التعب. هل العمل في الجناح كثير عليك."
"طبعا لا, استلمته منذ حوالي خمس سنوات..."
"أنت في حالة مزرية وتحتاجين الى التغيير."
ارتجف صوتها حين قالت: "هل تتجرا وتقول لي انه بسبب الغاء زواجي باوسكار ستكون فكرة جيدة ان اترك الريجنت؟"
"بالطبع لا, انت تديرين الجناح بشكل جيد. وانا بالذات سآسف لرحيلك."
"ولكنك اقترحت..."
"ان ترحلي؟ اجل." بقي صوته هادئا كعادته حين اضاف: "على كل حال هذا قرارك وحدك أليس كذلك؟ طالما ترين اوسكار الامر الذي لا يمكنك تجنبه, ستحزنين وتكتئبين ليس لانك تحبينه, بل لانك سوف تتحسرين على ركام قديم, وهذا يا عزيزتي ميغان مضيعة للوقت."
جلست ميغان صامتة, كرهت ان تعترف بذلك ولكنه كان مصيبا, على الرغم من ان ذلك يعني التخلي عن عملها الخاص لبقية حياتها. عليها ان تبدا من جديد بعيدا عن لندن الى مكان حيث لا ترى اوسكار الا نادرا. بدات بالتفكير بالامر حين قاطعها رفيقها بهدوء: "سانعطف نحو الطريق الداخلية حيث السكينة والهدوء, ماذا تنوين ان تفعلي؟"
"اعمل في الحديقة واتمشى قليلا مع ميلاني, واتناول طعام كثيرا على ما اظن."
كانا يسلكان الطريق الريفي باشجاره ومروجه الجميلة المترامية على الجانبين, كانت السماء زرقاء ولكن الهواء كان باردا ولاحت غيوم في الافق.
"انه طقس جميل للمشي ولن يضيرك ان تاكلي كثيرا فقد خف وزنك."
كانت نبرة صوته غير شخصية كصوت اي طبيب وهو يسدي نصائح لمريضه, ونظرت ميغان من النافذة ولم تنتبه لنظرته وابتسامته السريعتين.
وصلا البيت في العاشرة والنصف, لم تقل لامها ان الاستاذ سيوصلها فقد كانت مصممة حتى اللحظة الاخيرة على الا تاتي معه. على كل حال لم تظهر السيدة رودنر اي اندهاش عندما رات السيارة. خرجت من البيت لملاقاتهما فحضنت ابنتها وسلمت على الاستاذ.
"كم هو جميل ان نراك ثانية. هذه المرة ستبقى لتناول القهوة."
رافقتهما الى البيت: "هل انت متاكد انه ليس عليك العودة بسرعة؟"
ابتسم لها: "لا يا سيدة رودنر."
"رائع, ابق على العشاء."
كانا في غرفة الاستقبال حين سالت ميغان: "اين ميلاني؟"
"انه يوم الجمعة يا عزيزتي, موعد ترتيب الازهار في الكنيسة, ستعود قريبا. لقد اخبرتك انها واوسكار سيقابلان الاسبوع المقبل والديه؟"
شحب لون ميغان قليلا ولكن بقي صوتها ثابتا: "اتمنى ان تعجب بها السيدة فيلدينغ على الرغم من صعوبة ذلك. هل تريد ميلاني تمضية الليلة قبل ان يذهبا؟"
"اظن ان اوسكار تدبر الامر فسيمر بها في طريقه." ثم قالت للاستاذ: "هل تحب العيش في انجلترا؟ لغتك الانجليزية ممتازة جدا لدرجة انني انسى انك هولندي, هل تذهب الى بلدك دائما؟"
"اه دائما, انا مولع بالريف, قضيت وقتا طويلا هنا فمن السهل علي ان اتي واذهب دائما."
"هل تعمل في المختبر هناك ايضا؟"
"اجل وفي مركز استشاري تماما كما في الريجينت."
"لا بد ان حياتك مليئة بالمشاغل, حياة ميغان ممتلئة ايضا واظن احيانا انها ممتلئة اكثر من اللازم. انها بحاجة الى التغيير."
هذا عظيم, فخلال ساعتين يريد شخصان منها ان تغير حياتها, فلا ينقصها الان سوى شخص ثالث وسوف تقتنع بالفكرة.
وقفت السيدة رودنر قائلة: "حسنا يا اعزائي انا ذاهبة لاعداد الغداء. لا ميغ, لا اريد مساعدتك ولكن يمكنك الذهاب الى القرية لتري اذا استلمت السيدة سلوكومب البسكويت بالجبنة.ويمكنك ان تمري على ميلاني في طريق عودتك. ميغ خذي الاستاذ معك, قد يحب ان يرى القرية."
"ربما من الافضل ان يجلس في الحديقة."
اشار بصوته الهادئ الى انه امضى الصباح جالسا في السيارة: "بعض التمرين سيفيدنا نحن الاثنين."
كانت القرية على بعد عشر دقائق مشيا, كانت الطريق جميلة فعلا بمروجها وحقولها الخضراء التي كانت الخراف والنعاج ترعى عليها.
"هذا رائع." وقف الاستاذ قليلا ليستنشق الهواء العليل وقال: "أليس عندكم كلب؟"
"جانوس انه مع ابي, ميلاني تريد جروا وبما انها ستتزوج قريبا فستاخذه معها. امي تريد واحدا ايضا ولكنها تفضل الانتظار حتى تذهب ميلاني."
"ما نوعه؟"
"كان لدينا سبانيل, كانت جميلة جدا اسميناها فلوسي. ولكن كا يجب ان نختار نوعا اخر حتى لا يذكرنا بها كثيرا."
"بالطبع." وصلا الى متجر السيدة سلوكومب الذي يستخدم كمكتب بريد ايضا كمركز لاطلاق الشائعات والفضائح في القرية, قالت ميغان العالمة تماما بما سيحصل عند رؤيتهما معا: "اظن انه من الافضل ان تنتظر خارجا."
لم يعر ملاحظتها اي اهتمام على الرغم من ان المتجر كان يعج بالناس.
حالما دخلا المتجر لفتا نظر الجميع. سالت السيدة سلوكومب: "هل انت في عطلة يا انسة ميغان؟"
"ليوم واحد فقط سيدة سلوكومب."
"عزيزتي لقد احضرت صديقا معك أليس كذلك؟"
"شخصا في المستشفى, كان لطيفا جدا فاقلني."
"هذا لطيف." وافقتها السيدات على ذلك محدقات الى الاستاذ الذي كان يقف مبتسما للجميع بارتياح.
"انسة ميغان اظن انك مستعجلة نظرا لعطلتك القصيرة. اظن ان السيدة تومسون لن تمانع في خدمتك في الحال."
"هذا لطف منك, ارادت امي ان تعرف اذا كان لديك بسكوتا بالجبنة من النوع الذي تشتريه عادة." احمرت ميغان قليلا عندما سمعت الاستاذ يخبر السيدة تومسون عن الربيع الرائع الذي يتمتعان به. كانت متاكدة ان هذا الحديث لن يتوقف عند هذا الحد. وهذا ما حصل فعلا, فقد سالته السيدة تومسون عن مسقط راسه, وعندما قال: "انا من هولندا." صفرت باهتمام مما لفت نظر الجميع.
"اذن انت في زيارة؟"
اكد لها انه يعيش منذ سنين طويلة في لندن: "انا لم اذهب الى لندن ابدا, طبعا انت تعرف الانسة ميغان."
"نعم اعرفها." اجاب الاستاذ.
"اظنك ستبقى للغداء, لا بد انكما اتيتما في سيارة."
"اجل هذه القرية بعيدة عن ازدحام السير, أليس كذلك؟ يا له من مكان ساحر."
تاخرت السيدة سلوكومب في ايجاد البسكويت ووضعه في الكيس وتاخرت اكثر في اعطاء ميغان باقي المال.
شكرتها ميغان بادب وتمنت يوما سعيدا للجميع ثم خرجت مع الاستاذ, ولكن سمعت ثرثرة قبل ان تغلق الباب.
"لقد طلبت منك ان تبقى خارجا. هذه قرية صغيرة يصدق جميع من فيها اخبار بعضهم البعض ويختلقون المزيد." قالت بغضب.
"ولكن ليس لدينا شيء لنخفيه." اخذ منها البسكويت واضعا يده تحت مرفقها وسارا باتجاه الكنيسة.
قالت بحدة: "لم اعن ذلك." ثم اضافت حين ضحك: "ارجوك كن جديا..."
وقف وسط الشاارع على مراى الجميع وقال: "عزيزتي ميغان لا تكوني حمقاء وتفسدي يومي هذا, فقد استمتعت حتى الان بكل لحظة منه."
لم تنظر اليه بل اكملت طريقها شامخة راسها عاليا لدرجة انها لم تر طريقها فتعثرت. ساعدها الاستاذ على الوقوف قائلا: "ها هي ميلاني, هل تعتقدين انها جاهزة؟"
لم يكن هناك داع للجابة فقد سارت باتجاههما وهي تكاد ترقص فرحا غير مبالية بزوجة الكاهن التي كانت تحدق اليهما والتي انفرجت اساريرها عندما رات ميغان فسارت باتجاههم بوجه فضولي.
قالت زوجة الكاهن قبل ان تحييها ميغان: "عزيزتي ميغان لقد صدمت لسماع اخبارك. انا متاكدة من ان الجميع يتمنون السعادة لميلاني."
هنا نظرت الى الاستاذ مضيفة: "هل تستضيفون زائرا؟"
قالت ميغان بسرعة: "انه شخص اقلني الى البيت, هل تمانعين اذا اخذت ميلاني؟ سنتناول الغداء باكرا, الى اللقاء سيدة بروستر."
ابتسمت ميغان وهي تصطحب اختها بسرعة قبل ان يتمكن احد من قول المزيد: "انني هنا ليوم واحد فقط فأرجو ان تعذرينا اذا لم نتوقف."
قالت للاستاذ حين غابوا عن الانظار: "اسفة كان يجب ان اقدمك ولكن لو فعلت ذلك كنا سنقع بورطة, أتفهم؟"
قال متابطا ذراع ميلاني: "كان بامكانك انتقدميني كعم او كصديق قديم لوالدك."
"لست مسنا كفاية على الرغم من اني اظن..."
صرخت ميلاني: "ميغان كيف يمكنك اقتراح ذلك؟ ما زال الاستاذ شابا." نظرت اليه مضيفة: "انت شاب أليس كذلك؟"
"تقريبا ميلاني انت تسلبين قلبي, فانت لم تلاحظي حتى شعري الابيض."
ضحكت ميلاني, وهكذا استمر طوال الطريق في ملاطفتها. قالت ميلاني عندما كانوا يعبرون الحديقة: "سامكث مع اهل اوسكار."
"اجل حبيبتي اعرف ذلك, لقد اخبرتني امي... لم تحبني السيدة فيلدينغ ولكنني متاكدة من انها ستحبك, اما والده فبامكانك ان تجعليه مثل خاتم في اصبعك."
توقفت ميلاني وهي تنظر اليها: "انت الطف اخت في العالم, ولكنك تبدين شاحبة ومرهقة, تحتاجين لتغيير, لم لا تتركين ذلك المستشفى القديم وتفعلين شيئا اخر؟"
"اه عزيزتي انت ثالث شخص ينصحني بترك عملي. انت لا تعنين ذلك أليس كذلك؟"
لم تجب ميلاني لان امها خرجت لملاقاتهم.
"هل احضرت البسكويت؟ جيد, استاذ ما رايك بقريتنا؟"
"رائعة واهلها ودودون."
رمقته ميغان بنظرة ولكن لم يبد على وجهه الجميل سوى علامات الاستمتاع.
قالت ميلاني: "انهم فضوليون. كانت السيدة بروستر في الكنيسة... ساستجوبها عندما اراها ثانية ولكني لن انال منها جوابت, وهذا مرده الى ضخامة جثتك." ابتسمت الى الاستاذ دون وجل. فحدقت ميغان اليها بتعجب وفرح في آن معا. قد يكون رجلا متعبا الا انه يعرف كيف يجعل ميلاني تتصرف على سجيتها, على الرغم من ان معظم الممرضات في المستشفى قد يفعلن اي شيء لتجنبه.
دخلوا جميعا الى البيت وبما انهم كانوا يتناولون موضوعا مثيرا تمكنت ميغان من متابعة تاملها. انه رجل لامع وذكي لا يرضيه غير الكمال. لذلك من الطبيعي ان يغضبه الغباء والاهمال وعدم الكفاءة كثيرا, ولكنه يسيطر على اعصابه كعادته. هزت ميغان راسها راضية عن استنتاجاتها ووجدته يحدق اليها. مستحيل ان يكون عرف ما يدور في راسها. على اية حال احمرت قليلا وذلك جعله يبتسم.
عاد والدها من عمله للغداء الذي تناولوه في غرفة الطعام باثاثها التقيل والمصقول جيدا. برعت السيدة رودنر في تحضير وجبة الطعام المؤلفة من شرائح لحم مع طحال وبطاطا خفيفة, بالاضافة الى سبانخ مع جزر وفطيرة تفاح مع كريما. قالت عندما مدح الاستاذ الفطيرة الشهية: "انا سعيدة لانها اعجبتك, ليست خفيفة كفاية, ميغان بارعة في اعدادها اكثر مني."
نظروا جميعا الى ميغان التي تمتمت شيئا وبدات بتنظيف الطاولة وتقديم البسكويت والجبنة. استمتع الاستاذ بالغداء وانسجم بالحديث مع والدها على الرغم من ان الحديث كان عاما وغير جدي. عندما انتهيا من تناول القهوة وقف السيد رودنر قائلا: "يجب ان اعود الى المكتب, هل ستكون هنا عندما اعود حوالي الساعة الخامسة؟"
"لن نذهب قبل الثامنة فقد دعتني زوجتك للبقاء على العشاء."
"عظيم سنجد وقتا لتبادل الاحاديث." ربت على كتف ميغان مضيفا: "هذا ما تحتاجينه عزيزتي, انت شاحبة جدا لا بد ان وزنك خف؟ لن ينفعك ذلك اتعلمين؟ يجب ان تبتعدي عن المستشفى وان تتعرفي على مناطق جديدة. حسنا يجب ان اذهب تمتعي بنهارك."
بخلاف توقعاتها امضت ميغان نهارا ممتعا بالفعل. فقد طلب الاستاذ منها ان تاخذه ليرى الريف, وهكذا انطلقا في نزهة مصطحبين جانوس معهما.
قالت ميغان وهما في الطريق الى الغابة: "لا يزال يفتقد فلوسي."
وصلا الغابة الخضراء الرائعة الجمال فقالت وهي تنظر الى جانوس فيما كان يستكشف جحر ارنب: "هذه غابة ارانِب."
قال بصوت خفيف جدا: "حيث اتيت مع اوسكار بالتاكيد."
شعرت ميغان انه كان عليها ان تشعر بالاستياء ولكن بالرغم من شعورها بالندم اجابته بطريقة طبيعية جدا: "أجل انها بقعة جميلة أليس كذلك؟"
تمشيا لاميال عدة ثم عادا وتناولا شايا مع عوامة بالمربى والكريما بالاضافة الى كعك بالزبدة. قالت السيدة رودنر: "العشاء في السابعة والنصف تماما. اظن انكما ستغادران مباشرة بعد ذلك."
قال الاستاذ: "اظن انه يجب ان استغني عن العشاء اذا كان العشاء مثل الغداء فيجب ان اتبع حمية قاسية. على كل حال يمكنني القيام ببعض الحرث في الحديقة."
ضحكت السيدة رودنر قائلة: "هل تريد ذلك حقا؟ اذن احضر الرفش وميغان سترشدك. هناك جزء من حديقة المطبخ بحاجة الى حرث, لكنه عمل شاق هل انت متاكد؟"
خلع السترة قائلا: "انه تغيير عن الجلوس في المكتب او النظر من خلال مجهر, هيا بنا ميغان."
اعطته الرفش قائلة: "ستفسد بنطالك."
"لدي غيره, تعالي وحدثيني فيما اعمل."
"سازرع الجزر." ارتدت قفازين وبدات تعمل وهي تراقبه بطرف عينها.
كان يعمل وهو يتكلم من دون اي جهد واضح في موضوع لطيف وغير معقد. شعرت بشيء من رضىً افتقدته منذ انفصالها عن اوسكار, انضم والدها اليهما وشارك في الحديث فيما كان يجلس على عربة يد ويدخن الغليون بارتياح لقيام احد غيره بهذا العمل الشاق. انجزا نصف العمل قبل ان يدعيا لتناول العشاء. وفيما كان يساعد ميغان في توضيب المعدات قال الاستاذ: "يا له من استرخاء رائع."
اضاف وهو ينظر الى وجنتيها المتوردتين: "كنا نحن الاثنان بحاجة اليه."
سبقته ميغان لتغتسل وترتب نفسها فتبعتها ميلاني الى غرفة النوم, وقالت فيما كانت جالسة على السرير تراقب ميغان وهي تسرح شعرها: "استاذك لطيف جدا."
"انه ليس لي يا حبيبتي, فعندما نعود الى الريجينت سيتجاهلني عندما نلتقي. على كل حال تعرفين انه متزوج."
"امر مضحك, اعني انه لا يبدو كرجل متزوج أليس كذلك؟"
وقفت قرب ميغان واضافت: "كم اتمنى ان يحباني والدا اوسكار..."
"عزيزتي سيحبانك انا متاكدة من ذلك.أتعرفين؟ اوسكار يحبك فعلا وعندما يلاحظان ذلك سيحبانك ايضا."
"ألهذا السبب لم تعجبي السيدة فيلدينغ؟"
"اجل اعتقد ان هذا هو السبب."
"ميغان انت لست تعيسة."
"لا يا حبيبتي, اعدك بذلك."
"اه رائع, فانا واوسكار لن نرضى بذلك, لا زلت اظن انه من الافضل ان تغيري عملك, شاهدي العالم قابلي الناس..."
ضحكت ميغان قائلة: "ميلاني تتكلمين وكانك امي! من يدري ما قد افعل, سارى."
نزلا فوجدا الجميع في غرفة الاستقبال يحتسون الشراب. بدا الاستاذ وكانه في بيته تماما.
غادرا الساعة الثامنة بعد ان تناولا العشاء بشهية.
لم تتردد ميغان في مغادرة البيت مثل هذه المرة, ولم يتكلما في طريق العودة كثيرا اذ لم يكن هناك حاجة للكلام. جلست ساكنة بعد ذلك العشاء اللذيذ. سلك الاستاذ الطريق السريع حيث كان السير خفيفاا. صحت ميغان عندما وصلا الى اطراف المدينة ولكنها التزمت الصمت الى ان وصلا الى الشقة.
بدا الشارع كئيبا والشقة موحشة.
"أتريد كوبا من الشاي او القهوة؟" اخرجت ميريدث من السلة واضافت: "شكرا جزيلا لاخذي واعادتي الى البيت. كان يوما جميلا."
وقف ينظر اليها وقال: "لم تتعافي بعد أليس كذلك؟ نامي جيدا ميغان, كان يوما جميلا بالنسبة الي ايضا, تصبحين على خير."
لم تره بعد ذلك لعدة ايام, الى ان طلبه السيد برايت ليكلمه عن الجناح حين دخله صامتا نظرت ميغان الى عينيه الباردتين وهي ترد تحية الصباح, فاحست بتلك الرهبة التي تشعر بها الممرضات اتجاهه. من الصعب ان يكون الرجل نفسه الذي وقف في متجر السيدة سلوكومب يرد على السيدة تومسون بلطف.
قابلت اوسكار كثيرا في الايام التالية فبعد ان نسي موقفه المربك بعد فسخ خطوبتهما, اصبح يكلمها بانطلاق كأخت زوجته المستقبلية عن مشاريعه وعن كمال ميلاني. وافقته ميغان على ذلك فميلاني كانت فعلا فتاة رائعة. شعرت ميغان بالسعادة لرؤية اختها سعيدة, الا انها زجدت صعوبة في الاستماع الى مشاريع كان من الممكن ان تخططها مع اوسكار لمستقبليهما. طبعا هذا لا يعني انها تتمنى الزواج منه, فقد لاحظت ان شعورها اتجاهه كان مجرد انجذاب واعجاب عميقين. وهي لا تزال تشعر بذاك الاعجاب, فهو شخص محبوب من الجميع لطبيعته الهادئةواللطيفة, مما يجعله مناسبا لميلاني. بدات ميغان تفكر جديا بايجاد عمل اخر, فهي ليست مستعدة لان تاخذ فرصة طويلة وتبدا من جديد. هذا ما قالته ميغان لميريدث, بعد ان اخبرها اوسكار عن عطلته الرائعة التي امضاها مع ميلاني في بيت والديه. قال لها وكانه يعتذر ان ميلاني كانت رائعة ونالت اعجاب والديه.
قالت ميغان لميريدث: "انه الشيء الذي لم اناله انا في الحقيقة لا اظن اني انال اعجاب احد."
كانت ميغان تبحث في الخزانة عن شيء للعشاء عندما قرع الباب. قد يكون احد من المستشفى, ولكن كان بامكانهمالاتصل. فتحت الباب لتجد الاستاذ امامها.
"اه مساء الخير استاذ."
"اريد التحدث معك ولكن ليس هنا, ربما قد تاتين معي لتناول الطعام."
"عمّ؟"
"اذا اتيت معي ساخبرك."
لاحظت نفاذ صبره ولكنها قالت: "كنت على وشك ان اتناول العشاء."
دخل الشقة ليتفحص المطبخ وعندما لم يجد شيئا رفع حاجبيه مستفهما, فقالت بسرعة: "كنت على وشك اخراجه من الخزانة,ولا اعرف في الواقع لماذا يجب ان افسر لك اي شيء."
قال بهدوء: "هندامك مناسب, ضعي معطفا عليك فقط, فلن نذهب بعيدا."
بدات بالاحتجاج: "لا..." ولكن عندما نظرت الى عينيه تمتمت: "أه حسنا اذا اصررت, هل حدث امر مريع في المستشفى؟ لقد ارسلت كل العينات التي طلبت."
"اذا كان الامر متعلقا بالمستشفى او بعملك لكلمتك في المستشفى."
جلبت ميغان معطفها وطلبت من ميريدث ان يحسن التصرف,وقالت: "انا جاهزة."
رافقها الاستاذ الى الخارج واقفل الباب,ثم دخل السيارة ولوح بادب لبعض الجيران الذين كانوا ينظرون من النوافذ. قاد السيارة الى طريق ميل اند ثم عبر المدينة باتجاه جسر بوتني فالى ريتشموند.
"لماذا احضرتني الى هنا؟"لم يتكلما طوال الطريق, فقد كان الاستاذ مستغرقا بافكاره كما كانت هي كذلك.
"انا اعيش هنا." كان يقود الان في شارع هادئ ماهول ببيوت كبيرة مطلة على النهر. توقف امام البيت الاخير وخرج من السيارة وفتح لها الباب. فعل كل شيء بكثير من الهدوء ولكنه لم يقل شيئا.
توقفت ميغان امام المدخل وسالت: "لم لم تخبرني؟ هل هو سر؟"
ظننت انه لو اخبرتك اني ساصطحبك الى بيتي كنت سترفضين."
"انت محق."
ابتسم قائلا: "أرايت؟" وضع يده تحت مرفقها وقال: "هلّا دخلنا؟ انا جائع ارجو وان تكوني كذلك."
فتح الباب وقادها الى الصالة وفي الوقت نفسه فتحح باب داخلي وظهر رجل سمين بشعر ابيض وعينين صغيرتين. يرتدي بزة سوداء انيقة, القى تحية المساء على الاستاذ وانحنى لميغان مكررا التحية نفسها بصوت رزين.
قال الاستاذ: "اقدم لك ثرامبل, هو وزوجته يعتنيان بي. ثرامبل دعوت الانسة رودنر لتناول العشاء.اخبر السيدة ثرامبل وخذ معطف الانسة رودنر من فضلك."
حدقت ميغان بالاستاذ بغضب, فقد انزعجت من اصطحابها بلا سابق انذار على هذا النحو, وقد انزعجت منه اكثر لانها كانت ترتدي قميص قطن وتنورة جيرسي عاديين. صحيح انها تبدو جميلة حتى لو ارتدت كيسا من الخيش, لكنها كانت تفضل ان تكون متانقة دائما.
قادها الاستاذ عبر الصالى الى غرفة واسعة بنوافذ كبيرة مطلة على النهر. كانت غرفة جميلة باثاثها الانيق المؤلف من خزانة رائعة بطول الحائط, وطاولة مع كنبة من المخمل خوخية اللون, بالاضافة الى طاولة من خشب الموغانو مغطاة بمفرش حريري مقصب خوخي اللون. كان هناك ايضاا كراسي انيقة والى جانبها مصابيح موضوعة على طاولات صغيرة.
قالت ميغان: "انت لا تعيش هنا أليس كذلك؟" احمرت لسخافة سؤالها فاضافت: "بمفردك؟"
قدم لها الاستاذ كرسيا وذهب ليشعل المدفاة, كان هناك قط امام المدفاة فانحنى ولاعبه.
"اجل اعيش هنا بمفردي باستثناء آل ثرامبل, ورثت هذا البيت منذ زمن وعندما اكون في لندن اقطن هنا. اقر انه كبير جدا علي ولكن يمكن معالجة ذلك."
"أه اجل, عندما تاتي زوجتك واولادك للعيش هنا."
"كما تقولين عندما تاتي زوجتي واولادي هنا."
جلس بقربها على الكرسي فقالت: "كنت تريد التحدث معي عن شيء ما."
"اجل يا ميغان, انت بحاجة للابتعاد تعرفين هذا أليس كذلك؟ اظن انه بامكاني مساعدتك, فانا عضو مجلس ادارةاحد المياتم في هولندة الذي ياوي اربعين طفلا من الصبيان والبنات وتتراوح اعمارهم ثلاثة اشهر واثنتي عشرة سنة..."
فتحت فمها لتتكلم فرفع يده الكبيرة قائلا: "لادعيني اكمل, لديهم طاقم كامل ولكن احدى الممرضات غادرت الى كندا لزيارة اهلها. ستغيب حوالي ستة اسابيع, ستقومين بمهامها بكل جدارة فيم تفكرين بالخطوة التالية."
"ولكنني لا اتكلم ولا افهم كلمة من اللغة الهولندية."
"الاطفال يتجاوبون مع اي لغة, ثم ان الطاقم يعرف ما يكفي من الانجليزية لتتفاهمي معه. المعاش اقل مما تتقاضينه هنا, ولكن الميتم مؤمن بكل شيء, فلن تحتاجي لشيء. الميتم يقع على الساحل شمالي امستردام في قرية صغيرة قرب مدينة كاستريكوم. الاولاد يذهبون الى مدرسة القرية ولكنك ستهتمين بالرضع والاطفال. وستحصلين كالعادة على ساعات فراغ ويوم في الاسبوع. وكما قلت الوظيفة لمدة ستة اسابيع تقريبا." وقف قائلا: "فكري بالامر فيم احضر لك شرابا."
اخذت الشراب قائلة: "لا يمكن ان اتخذ قراري بهذه السرعة, وفي اي حال لا اظن انها فكرة جيدة, ثم انك فاجاتني بالموضوع."
"لقد قصدت ذلك, هل كان يومك شاقا بالجناح؟"
ردت ايجابا واضافت: "ما المفروض ان افعله عند انتهاء الستة اسابيع؟"
"انني مؤمن بان على الانسان ان يغتنم الفرص عندما تسنح له. اه هذا هو ثرامبل ليعلمنا ان العشاء جاهز."
تقدمها عبر الصالة الى غرفة اصغر تطل على النهر. كانت غرفة انيقة بطاولة مستديرة من خشب الموغانو تتسع لثمانية اشخاص وكانت الكراسي ايضا من الخشب نفسه. اما الجدران فكانت مكسوة بحرير اخضر بالاضافة الى صور كثيرة وستائر خضراء مخملية موشاة بالاحمر, ومربوطة الى الوراء بشرائط حمراء تتناسب مع السجادة تماما. اعجبت ميغان كثيرا بالغرفة والفضيات والزجاجيات اللامعة الموضوعة على الطاولة.
كنت السيدة ثرامبل طاهية ماهرة,تناولت ميغان الطعام بشهية فيم كانت تتحدث باشياء لا علاقة لها بعرض الاستاذ المفاجئ, لم يأت هو ايضا على ذكر الموضوع, يا له من رجل متعب, فكرت بذلك وهي تححتسي القهوة في غرفة الاستقبال, على كل حال يجب ان تتكلم في هذا الموضوع وترفض بالطبع...
قطع حبل افكارها قائلا: "هل لديك عطلة؟"
"اجل ثلاثة اسابيع, اضطررت لالغاء اسبوع من اجازتي في شباط فقد كانت جيني مريضة وكنا مشغولين. لذلك سيضاف ذلك الاسبوع الى الاسبوعين الحاليين."
"مما يعني ان بامكانك المغادرة اخر الاسبوع."
قالت ميغان بسرعة: "من قال اني مغادرة؟"
"انا, فانت تعلمين ان هذا ما تودين فعله, لكنك خائفة ان تتركي حياتك البائسة وتحاولي من جديد."
كان يبتسم فشعرت برغبة في رمي نفسها على صدره والبوح بكل ما يقلقها. قالت بتردد: "هل تظن فعلا انها فكرة جيدة؟"
"لما كنت اقترحتها. ولكن يجب ان تقرري بنفسك يا ميغان."
"يجب ان اعرف اكثر عن هذا العمل."
"طبعا اسكبي مزيدا من القهوة وساخبرك."
اعطاها كل التفاصيل والاجوبة التي تريدها, ربما كانت فكرة جيدة, فقد نصحها اربعة اشخاص على الاقل بترك الريجنت...
قالت فجاة: "وميريدث؟"
"يمكن ان يعتني به والداك؟ او يمكنه البقاء هنا.السيدة ثرامبل لديها قطة عجوز اسمها تبي, ستفرح برفقته. واذا رجعت يمكنك استعادته اينما كنت."
"لديك حل لكل شيء."
"افعل ما بوسعي, ساذهب خلال عشرة ايام الى هولندة ويمكنك ان ترافقيني اذا اردت. اعلميني في الصباح ما رايك؟ فكري بالامر." جلس على الكرسي بارتياح واضاف: "اخبريني متى سيتزوج ميلاني واوسكار؟"
اصطحبها الى البيت ولكنه لم يمكث بل اقترب منها فجاة عندما كانت تودعه وعانقها. وجعلها ذلك لسبب ما تقبل عرضه بالوظيفة الجديدة.

الأستاذ الهادئ - بيتي نيلزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن