6- الفصل السادس

4.6K 111 2
                                    



استيقظ ميريدث واصغى لميغان بينما كانت تشرح له انه قد ينتقل في وقت قصير الى بيت جديد: "انه امر مؤقت وعندما اجد عملا اخر وتعود الي. ساشتاق اليك."
حضنته بينما حاول التملص, ولكنه تسلل الى السرير عندما استلقت ونام بقربها.
لم تعرف كيف ستبعث برسالة الى الاستاذ,يمكنها ان تترك ملاحظة مع البواب , ولكن ذلك لن يبدو لائقا. كانت من ناحية اخرى مشغولة جدا كي تذهب الى المختبر وتخبره شخصيا, على كل حال السيد برايت حل المشكلة ، اذ طلب خلال جولته على الجناح نتائج تحليل لاحد المرضى من المختبر:"ميغان اتصلي بالاستاذ بان بلفيلد وتاكدي اذا كانت النتائج جاهزة."
بدا صوت الاستاذ باردا من خلال سماعة الهاتف وهو يقول: "الاستاذ بلفيلد,نعم؟" ابلغته رسالة السيد برايت فقال لها ان التقارير سترسل في الحال:"قولي للسيد برايت انها غير كاملة, ساقابله بشان ذلك لاحقا."
قالت بسرعة: "شكرا سيدي."
"هل ستقبلين الوظيفة في الميتم؟"
"في الحقيقة, انا مشغولة والسيد برايت ينتظر..."
"لن يلزمك اكثر من ثانية لتقولي نعم اولا."
اجابت غاضبة بنعم, ولكنها تمنت بعد هنيهة لو انها لم تقل ذلك, لم يكن عدلا منه ان يستعجلها هكذا...قال قبل ان يقفل الخط:"اراك هذا المساء."
عادت الى الجناح حيث كان السيد برايت ينتظر.كان لونها متغيرا وعيناها لامعتان فسالها: "هل ضايقك احد؟ ألم تجهز التقارير بعد؟"
"لقد بعثوا بها سيدي, ولم يضايقني احد شكرا."
"قليل من الغضب يزيد من جمالك ميغان." احمرت وجنتاها عندما قال ذلك.
بعد انتهاء جولة السيد برايت عادت ميغان الى مكتبها.كان ذلك قبل عشر دقائق من وصول عربات العشاء,اذ انه لم يمنحها وقتا كافيا لتنظم لائحة عطل الاسبوعين المقبلين. امسكت القلم ثم وضعته ثانية. فقد تذكرت ان الاستاذ سياتي الى شقتها هذا المساء وعليها ان تقدم له قهوة على الاقل. اما بالنسبة للعشاء فقد قررت ان تحضر سلطة بالاضافة الى بعض اللحم الموجود في الثلاجة. انها وجبة خفيفة تستطيع ان تطبخها بسرعة بعد رحيله,فهي لا تعلم في اي ساعة سياتي. لم تكن قد فعلت شيئا بلائحة العطل عندما اتت جيني لتعلمها ان عشاء المرضى قد اصبح جاهزا.
كانت جيني في اجازة ظهر ذلك اليوم فسالت ميغان: "هل انت خارجة يا جيني؟" عندما ردت بالايجاب سالت ميغان: "هل تشتري لي بسكويتا فلم يعدلدي شيء منه,والمتجر يكون دائما مزدحما في الوقت الذي اذهب اليه. لا اريد شيئا معينا."
"هل تريدين نوعا للضيافة؟"
كانت ميغان ترتدي معطفها امام المرآة حين قالت: "على الاقل مع نوع كهذا من البسكويت اتجنب الاحراج لانه احيانا ياتي زوار لتناول القهوة ولا يكون عندي شيء حينها لاقدمه لهم." ذهبت الى الجناح لتقدم العشاء الى المرضى, ثم تناولت وجبتها وهي تتحدث عن احدث الموضات بكثير من الانطلاق, مما جعل زملاءها يعتقدون انها تعافت من ازمتها مع اوسكار.
قال احدهم بعد ان عادت ميغان الى جناحها: "تبدو ميغان وكانها متحمسة لشيء ما."
من ناحية اخرى, لم ترد ميغان ان تتحمس على الاطلاق, فهي دُفعت للقبول بوظيفة لم تكن تريدها في الاصل. اذا كان عليها ان تترك وظيفتها فسيتحتم عليها الحصول على وظيفة اخرى, تكون موازية لوظيفتها الحالية او احسن منها. هذا ما ستقوله للاستاذ عندما ياتي هذا المساء. كانت مشغولة جدا بعد الظهر لتفكر بخطابات ملائمة ولكنها استعدت لبعض الاعتذارات اللطيفة وهي في طريق عودتها الى الشقة بعد انتهاء الدوام. وعندما وصلت الى البيت تدربت عليها بصوت مسموع فيما كانت تعد الشاي. ستكون هادئة ومهذبة وتشكره على اهتمامه ثم ستقدم له فنجان قهوة وبسكويتا. بعد ان نسقت افكارها بشكل جيد احضرت فنجانين وابريقا من الحليب ووضعت بعض البسكويت في صحن. ثم تناولت قطعتين منه مع الشاي, فموعد العشاء ما زال بعيدا.
سرحت ميغان شعرها وجمّلت وجهها الا انه لم يظهر, لذلك بدات بغسل بعض الثياب في الحوض, لو انه غادر المستشفى في وقته المعتاد لكان وصل الان. ربما ذهب الى بيته اولا ليتناول وجبة شهية. مجرد التفكير بذلك جعلها تشعر بالجوع فاكلت بسكويتة اخرى. كانت يداها مبللتين بالصابون والماء عندما قُرع الباب, فاخذت منشفة وذهبت لتفتح الباب وهي تجفف يديها.
فتحت له الباب ثم حيته قائلة:"هل ستكون السيارة بامان؟" تنحى جانبا كي ترى اربعة صبية يجلسون داخلها.
"انها في اياد امينة, ألم تكوني تتوقعين قدومي؟"
شعرت بقليل من الحرج فقالت:"بالطبع ولكنك لم تقل متى ستاتي, ولدي بعض المهام المنزلية التي يجب ان اقوم بها.في اية حال لقد تاخرت."
لم يقل شيئا ولكن لمعت عيناه عندما حملت ميريدث: "ارجوك اجلس أتريد فنجان قهوة؟"
"طبعا." اخذ منها القط ووضعه على ركبتيه قائلا: "كم اصبح رائعا هذا القط."
وضعت الحليب والقهوة بسرعة فيما كانت تفكر اذا كان عليها ان تتكلم الاناو تنتظر حتى يُنهي القهوة, قد يكون متفهما اكثر بعد ان ييتناول القهوة, لذلك قررت انتنتظر فقدمت القهوة والبسكويت.
"اه هذا نوعي المفضل من البسكويت." تناول كل البسكويت الموجود في الصحن.
سكبت مزيدا من القهوة ووضعت باقي البسكويت الذي عندها في الصحن. حين تناول معظمه ايضا قفز قلبها من صدرها فسالت: "أتريد بعض السندويشات؟"
"لم يكن لدي وقت للغداء." بدا وكانه يتضور جوعا.
"لم اتناول العشاء بعد, يمكنك مشاركتي به الا اذا كنت ذاهبا الى البيت. اظن ان السيدة ثرامبل قد اعدت العشاء."
"علي ان اعود الى الريجنت قبل الذهاب الى البيت."
وقفت قائلة: "لا يوجد لدي سوى لحم بارد وسلطة ولكن بامكاني تحضير جبنة محمصة."
"تبدو شهية, هل احضر السلطة ام الجبنة؟"
نظرت الى الفرن قائلة: "هل تجيد الطهي؟"
"كانت والدتي تؤمن انه ينبغي على الصبيان ان يعتمدوا على انفسهم. لقد سلقت اول بيضة في عمر يانع تحت المراقبة طبعا."
ابتسمت قائلة: "اذا كنت تريد ان تساعدني فعلا فاهتم بتحميص الخبز والجبنة."
كان المطبخ ضيقا ليسعهما مع ميريدث. لكن الاستاذ لم يتحرك كثيرا. وعلى الرغم من ضخامة جسده اعد كل شيء بارتياح. اما هي فقد التصقت بالحوض فيما كانت تحضر السلطة. وبعد ان جهز كل شيء رتبت ميغان الطاولة. لم يكن لديها لحم كثير ولكنها تذكرت بارتياح انه لا يزال لديها كعك كانت قد اعدته في احدى الامسيات, وهو سيشبعه في حال ما زال جائعا. وبعد ان تناولا الجبنة والخبز المحمص كله انتقلا الى اللحمة والسلطة.
قالت ميغان: "انت تطهو جيدا, ماذا تستطيع ان تفعل ايضا؟"
"اعد الشاي, اسلق البيض واقلي اللحم المقدد."
نسيت ميغان سبب مجيئه فتحدثا عن موضوع عادي فيما كانا يتناولان القهوة والكعك.
"ميغان انت طاهية ماهرة."
"شكرا, عندما يكون الانسان جائعا في الحقيقة فان اي شيء يبدو شهيا."
جلست ميغان وهي تضع مفقيها على الطاولة وذقنها بين يديها. شعرت بالرضى اذ ان الاستاذ كان رفيقا مسليا, ولم يكن متطلبا كما انه يتكلم بصوت هادئ ومريح, كانت رفقته ممتعة...
وفجاة وقفت وقالت: "اتيت لتستفهم عن موضوع الميتم, لقد قلت اني..."
"غيرت رايك في اللحظة التي وضعت سماعة الهاتف في مكانها,هذا طبيعي جدا."
قالت وهي مستاءة قليلا: "اذا عرفت ذلك لماذا ازعجت نفسك واتيت؟"
"لانك تصرفت كما توقعت, واظن انك لو كنت صادقة مع نفسك لاعترفت بضرورة ابتعادك لفترة."
وعندما بقيت صامتة اضاف: "القرار لك اعتقد ان كل التسهيلات ستؤمن لك نظرا للظروف . هل لديك جوازسفر؟اجل؟ هل اخبرت اوسكار بنيتك؟ اقترح ان تفعلي ذلك وتراقبي ردة فعله. فاذا كان مرتاحا ستدركين انك اتخذت قرارا حكيما."
ثم وقف وقال: "يجب ان اعود الى الريجينت. هل ستذهبين في عطلة نهاية الاسبوع الى بيتك؟ ساقلك واعود مساء الاحد لاحضارك, لا تقلقي يا عزيزتي ستُحل الامور دون تدخلنا. شكرا للعشاء. يجب ان نكرره."
لم تقل شيئا فهو لم يمنحها فرصة لذذلك. ولكنها قالت بعد قليل: "ساذهب بنفسي في علطة نهاية الاسبوع, لكن شكرا على العرض."
"ساكون هنا صباح السبت في الثامنة والنصف. تذكري انك ستخبرين اوسكار." قال فيما تودعه على الباب.
بدات بالقول: "لم اقرر..."
ولم تكمل كلامها حين تقدم منها وعانقها بلطف .
وقفت تراقبه وهو يتكلم مع الصبية ويمنحهم قبل ان يغادر بعضا من النقود.
قالت لميريدث بعد ان دخلت: "لم اقابل في حياتي رجلا يزعجني على هذا النحو قط. ولكن لا استطيع ان انكر انه يعانق جيدا." ثم قالت بتوتر: "لا لن اخدع."
عندما قابلت في اليوم التالي وهي في طريق عودتها من العشاء, اخبرته عن الميتم فكان حماسه للفكرة, في الواقع محبطا للعزيمة.
"ما الذي يمنعك؟ انت لا تريدين ان تمضي حياتك... ميغان انت تعرفين انني احبك, فاذا افترقنا نهائيا لا يعني ذلك انني لا اهتم بك كاخ. فمن يدري قد تصادفين اشخاصا مثيرين وتجدين اصدقاء. حتى انك قد تتزوجين." قال بحماس.
انزعجت ميغان من كلامه, فقد جعلها تبدو وكانها عانس تبحث عن زوج في متوسط العمر.
قالت بصوت بارد: "قد افعل ذلك."
عادت ميغان الى الجناح وهي تشعر بالاحباط, يبدو ان الجميع يريدون ابعادها, ستذهب الى البيت لتستشير امها واباها اللذين سيقولان لها على الارجح انها عاقلة وكبيرة كفاية لتتخذ قرارها بنفسها. هذا صحيح تماما. اذا كان الاستاذ يعتقد ان بامكانه اقناعها وهما في طريقهما الى البيت فهو مخطئ. امضت المناوبة بمزاج سيء ثم اوت باكرا الى الفراش. ومن الغريب انها نامت طوال الليل.
لم يحاول الاستاذ اقناعها فقد مر بها صباح السبت ووضع ميريدث في المقعد الخلفي وانطلق. ارتدت ميغان بدلة من الجيرسي قطنية من قطعتين وبلوزة صفراء ذهبية مع تنورة طويلة صفراء موشاة بالبني. وبما ان الطقس كان متقلبا ارتدت معطفا بنيا, نظر اليها الاستاذ باعجاب عندماا فتحت له الباب ولكنه لم يعلق. لاحظت ميغان نظرته فشعرت بكثير من الارتياح.
لم يتكلما كثيرا مما اعطاها وقتا للتفكير وهي تراقب يديه الكبيرتين المحكمتين على المقود.
لم تعد تذكر متى بدا يعجبها, صحيح انه لم يفعل شيئا ليشجع ذلك, ولكنه كان لطيفا مستعدا لمساعدتها عند الحاجة, وهو يتوقع طبعا ان ينفذ الناس ما يطلبه منهم, الا انه بخلاف بعض الرجال الذين تعرفهم لا يفقد اعصابه ابدا. لا بد انه عصبي ولكنه يسيطر على نفسه بارادة فولاذية, مما يفسر تصرفاته الباردة وكلماته اللاذعة عندما يكون غاضبا. لم ينظر اليها عندما سال: "بماذا تفكرين يا ميغان؟"
قالت بسرعة: "لا شيء, لا شيء ابدا."
كان ممتعا ان تعود الى البيت وتمنت لو ان الاستاذ يمضي اليوم معهم, ولكنه بعد مضي نصف ساعة يتحدث مع والديها وهو يحتسي القهوة قال ان لديه في عطلة الاسبوع مواعيد, لذا عليه ان يعود الى لندن حالا, وبعد ان رفض بكثير من اللباقة دعوة السيدة رودنر الى العشاء قال لميغان قبل ان يغادر: "ساكون هنا في الثامنة والنصف من مساء الاحد."
بعد ذلك صافحها وصافح السيدة رودنر وغادر.
قالت السيدة رودنر بعد ان ذهب: "يا له من رجل لطيف." ولم تكن متاكدة اذا كانت كلمة لطيف مناسبة لوصفه.
اخبرت والديها حتى ذلك المساء عن الميتم, استمعا اليها من دون مقاطعة وعندما انتهت سالها والدها: "عزيزتي أتريدين نصيحتنا ام انك قررت؟"
"قلت انني ساذهب, ثم اصبحت غير متاكدة من ذلك. لكن يبدو ان الاستاذ يظن انني ذاهبة. فهو يعتقد انها فكرة جيدة. واذا ذهبت فلن يطول غيابي الا بضعة اشهر او اقل.ماذا افعل حينها؟"
"حسنا يا عزيزتي اعتقد انها فكرة جيدة ان تتركي الريجنت, لا شك ان هناك عددا من المستشفيات تستطيعين ان تحصلي فيها على مركز مماثل. لن يضرك ان تبقي هنا اسبوعا او اسبوعين حتى تقرري الى اين تريدين ان تذهبي." كان صوت امها مريحا ومطمئنا: "هل تريدين ن تكلمي ميلاني في الموضوع؟ انها عند آل هويلز. سوزان هويلز ستكون احدى اشبيناتها."
قالت ميغان بصوت هادئ وضعيف: "طبعا لا, فهي مستاءة كفاية أليس كذلك؟ ساقوم بكل الاجراءات واخبرها عند جهوز كل شيء." سرحت قليلا واضافت: "اخبرت اوسكار, انه ... يعتقد انها فكرة رائعة." نظرت الى والدها قائلة: "اذاً تعتقد انه يجب ان اذهب؟"
"قولي لي ميغ, لماذا غيرت رايك بعد ان وافقت على الذهاب الى هولندة؟"
"اظن انني كنت مستاءة لان الاستاذ فان بلفيلد كان متاكدا بانني ساقول نعم..."
ابتسم والدها وقال: "ردة فعل طبيعية جدا, ولكن ربما ندمت عليها؟"
وافقت قائلة: "عندما ياتي غدا ساخبره انني ساذهب..."
سالت والدتها: "ميغ متى سيكون ذلك؟ وماذا بشان الملابس؟"
"يقع الميتم على الساحل في مكان صغير قرب مدينة تدعى كاستريكوم. لذا لن احتاج الى الكثير من الملابس."
"ترى هل ستلبسين لباسا رسميا؟ تقولين ان الاستاذ عضو في مجلس الادارة, فلا بد انه يعرف. هل يذهب غالبا الى هناك؟"
"لا اظن ان لديه الوقت لذلك. اعني ان اعضاء مجلس الادارة لا يتقابلون الا بين الحين والاخر قليلا أليس كذلك؟ قال مرة ان لديه اعمالا استشارية ولكن لا اعلم اين. ربما لديه بعض الاعمال الخاصة. انت تعرفين ان بعض الناس يدفعون لاجراء فحوص مختلفة."
اصرت امها قائلة: "دعينا في موضوع ملبسك." امضيا باقي السهرة في اختيار الملابس التي ستاخذها معها.
وصل الاستاذ مساء الاحد ومكث نصف ساعة اجاب فيها على اسئلة السيدة رودنر زهز يشرب فنجان قهوة. لم تكن ميغان موجودة فقبل نصف ساعة من وصوله اتصلت بها ميلاني وطلبت منها ان تعيدها الى البيت, لان سيارة ال ويلز تعطلت.ذهبت ميغان بسيارة والدها فهي لم تشاهد ميلاني خلال العطلة, ولكنها كانت متاكدة من انها ستعود قبل وصوله, الا ان آلِ ويلز اعاقوها عشر دقائق.
قالت ميغان وهما تدخلان البيت: "أنه هنا..." فاتجها الى غرفة الاستقبال.
وقف حين دخلا وحياهما, وبدا يتحدث مع ميلاني, لك يذكر الميتم فشعرت ميغان بالارتياح. ربما لم تسنح الفرصة لامها لتساله, وتاكدت من ذلك عندما قالت والدتها ان الاستاذ اعطاها وصفتين ضد ذباب الخضار.
شربت ميغان القهوة وهي تجهل الحديث الذي دار بين الاستاذ ووالدتها, وبعد هنيهة قالت له انها جاهزة اذا كان يود الرحيل, احضرت ميريدث ثم حيتهم جميعا ووقفت صامتة وهو يصافح الجميع, ثم قال شيئا لميلاني جعلها تضحك قبل ان يصعدا الى السيارة.
بدا يتحدث بمواضيع مختلفة فلم يعطها فرصة للحديث. انتظرت ميغان ان يتطرق للميتم ولكنه لم يفعل فقالت عندما وصلا الشقة: "ساذهب, ساذهب الى ميتمك فالجميع يعتقد انها فكرة جيدة."
"وانت يا ميغان؟ ألا تعتقدين انهاا فكرة جيدة؟"
"بلى انا آسفة لانني كنت عنيدة. لم اعن ذلك لقد كنت لطيفا جدا لتعاليك على كل المتاعب."
"كنت فعلت الشيء نفسه لاي احد."
عندما وصلا الشقة فتح الباب كعادته واشعل النور, ثم تفحص المطبخ والنافذة, الا انه لم يقل شيئا. قال لها قبل ان يخرج: "ميغان دعيني ارى المديرة عنك قبل ان تقابليها, لا داعي لان تقدمي اعذارا لرحيلك. طبعا هي تعرف انك فسخت خطوبتك مع اوسكار, ولكن ليس هناك ضرورة لذكر ذلك."
فتح الباب واضاف: "لا اريدك ان تتالمي اكثر, فقد اصابك ما فيه الكفاية." وضع يده على كتفها وقال:"ساراك في وقت ما خلال الاسبوع."
ولسبب مجهول انفجرت ميغان بعد رحيله بالبكاء.
لم تحدد ميغان موعدا مع رئيسة الممرضات اذ ان الاخيرة بعثت بطلبها. كان الجناح هادئا والطاقم كله مناوبا. لذلك ارتدت زيها الازرق الداكن واسرعت الى المكتب. كانت المقابلة قصيرة ومفاجئة, وبدت رئيسة الممرضات لطيفة وهي تتمنى لها التوفيق.
"ليس هناك افضل من التغيير. انه لامر جيد ان يوسع الانسان افاق عمله. وعندما تعودين ايتها الاخت يمكن ان اوصي بك الى عدد من المستشفيات خارج لندن. لقد كان عملك ممتازا عندنا وتاكدي انك ستحصلين على احسن التوصيات مني شخصيا ومن الطاقم الطبي كله."
وبعد هذا الكلام اللطيف صافحت ميغان التي لم تقل شيئا عدا تحية مساء مهذبة, وحين همت بمغادرة المكتب شكرتها وودعتها ثم خرجت من المكتب. كانت ميغان ستغادر بعد اسبوع اذ كان واضحا ان الاستاذ دبر ذلك. على الرغم من ان رئيسة الممرضات لم تذكر شيئا عن هذا الموضوع. عادت الى الجناح لتجد رسالة لها على المكتب توصي بالاتصال باسرع وقت ممكن بالاستاذ فان بلفيلد.
"فان بلفيلد نعم؟"
"هذه انا, انت تركت رسالة؟"
"ساتي لرؤيتك هذا المساء حوالي السابعة. لا داعي لاعداد العشاء, ساحضر بعض الطعام معي وسنتحدث ونحن ناكل."
لم يفسح لها المجال لتقول حسنا قبل ان يقفل الخط.
انتهى عملها في الساعة الخامسة, ولكنها لم تغادر الجناح مباشرة فلا يزال امامها عمل تقوم به وهو تنظيم جدول الدوام والتاكد من حالات العمليات لليوم التالي. لذلك لم تترك المستشفى الا في السادسة. اسرعت الى الشقة قبل ان يصل الاستاذ فاطعمت ميريدث وحضرت القهوة ثم سرحت شعرها ووضعت مكياجها. وفكرت في تغيير فستانها فقد كانت ترتدي فستان كريب قطنيا بلون العسل, لكنها تذكرت ان الاستاذ لا يلاحظ ما ترتدي ابدا, كما انه قد يصل في اية لحظة.
قالت لميريدث: "في الحقيقة هذه اصبحت عادة, فهل من المفروض ان اطهو العشاء الذي سيحضره معه؟"
قرع الباب بعد دقائق فدخل الاستاذ فان بلفيلد وقال: "مرحبا." ووضع كيس بلاستيك على الطاولة واضاف: "هلا تركت الباب مفتوحا, ساحضر الباقي."
عاد يحمل صندوقا وضعه على الطاولة واغلق الباب بقدمه وحمل الصندوق الى المطبخ.
"وضعت الزجاجات في هذا الكيس خوفا من الجيران, هل تتسع لها الثلاجة؟"
"كل شيء بارد, جلبتها باردة, لقد طلبت من السيدة ثرامبل ان تعد وجبة خفيفة."
وقفت ميغان قرب الباب لضيق المطبخ وقالت: "هذا لطف منها."
"ارتاحي انت وانا افرغ الصندوق."
وضع المشروب في الثلاجة ثم جل ووضع ميريدث على ركبتيه, وراحت تفرغ الصندوق.
"يا الهي هذا كـ... كـ..."
"كثير جيد, فقد اخبرت السيدة ثرامبل اننا سنكون جائعين."
افرغت ميغان الطعام ووضعته في صحون.
"متى تريد ان تتناول العشاء؟"
"حالما يوضع على الطاولة, هل ناخذ مشروبا في البداية؟"
دخل الى المطبخ واخذ زجاجة من الثلاجة: "ربما لم تكن باردة كفاية على الرغم من ان السيدة ثرامبل بردتها جيدا."
"هذا الشراب يقدم خصيصا في اعياد الميلاد."
"وللاحتفالات ايضا, احضري كاسين ايتها الفتاة العزيزة." لم يكن لديها كؤوس خاصة بهذا الشراب بل كؤوس شراب عادي, كانت قد احضرتها من مخازن ولوورث.
"احتفالات؟"
"عمل جديد وبداية جديدة في الريف, لنا كل الحق في شرب نخب ذلك." ملا الكاسين وناولها واحدا وشربت منه قائلة: "لا اعرف الكثير عن الشراب ولكن هذا طعمه لذيذ جدا."
وافقها الراي, اذ ان ولنر 1985 هو شراب ممتاز, ولكنه لم يكن ينوي ان يقول لها ذلك يكفي انه اعجبها. اخذ الكاسين ووضعهما على الطاولة فذهبت لاعداد الحساء.
سال االاستاذ وهما يتناولان فطيرة ودجاجا: "هل كانت الرئيسة لطيفة معك؟"
"اجل جدا, قالت انه نظرا للظروف يمكنني ان ارحل بعد اسبوع, ماذا قلت لها؟"
"القليل جدا, سالتها اذا كان بامكانك الرحيل باسرع وقت ممكن, لانه مناسب لك ان تسافري معي الى هولندة."
سكب المزيد من الشراب واضاف: "الان دعينا نناقش بعض التفاصيل."
انهيا العشاء فاحضرت ميغان القهوة ووضعتها على الطاولة. لم يعد عليها سوى حزم حقائبها واحضار جواز سفرها وتوديع الجميع: "كل شيء يبدو سهلا, ظننت ان مغادرة الريجنت ستكون معقدة اكثر من ذلك بكثير."
واففقها الاستاذ على ذلك فقد امضى وقتا طويلا وبذل مجهودا ليجعل الامر سهلا.
وقف الان استعدادا للذهاب ووضع العلب الفارغة في السلة ونشف الفناجين التي غسلتها ثم تمنى لها ليلة سعيدة وغادر. بدت الغرفة بعد رحيله خاوية اذ انه كان رجلا ضخما يشغل حيزا واسعا من شقتها الضيقة.
كانت تود ان تساله اذا كانت ستراه بعد ان تستقر بهولندة. ولكنها امتنعت لمعرفتها بعادته بتجاهل الاسئلة التي لا يرغب بالاجابة عليها. استعدت للنوم وهي تفكر به. فبعد بداية مزعزعة اصبحا صديقين, على الاقل من ناحيتها, في الواقع كانت لا تود ان تخسر هذه الصداقة.
لم يكن لديها مناوبة حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي, مما منحها الوقت لتتصل بوالدتها: "لقد قررت اذاً." بدا صوت والدتها مرتاحا, فتذكرت فجاة ان ذهابها قد يسهل الامور على ميلاني واوسكار, ربما ماا يزالان يشعران بالذنب: "لا بد ان الاستاذ سيكون سعيدا لذهابه الى االبيت, فمهما كان مشغولا بالعمل فلا بد انه يشتاق لعائلته."
وافقت ميغان وبعد عدة دقائق اقفلت الخط, كانت حتى ذلك الوقت لا تزال تعتبر الاستاذ كشخص اعتاد على الظهور عندما تكون في امس الحاجة اليه ويبقى في الوقت نفسه محايدا. اما الان فبدات تعتبره اكثر من ذلك, وقد ذكرتها امها بذلك, ادركت انها اصبحت الان تهتم به وتريد ان تعرف المزيد عنه, فما هو مهم بالموضوع هو انها ترتاح معه, ولكن هذا لا يكفي, لذلك قررت ان تتجنبه قدر الامكان, وحالما تصل الى هولندة ستشكره على مساعدته ولطفه, ولن تراه ثانية. ولكن الفكرة احزنتها.
اخبرت جيني وهما تتناولان فنجان شاي بعد العشاء انها ستغادر, كان الجناح مملوءا بالزوار, ونقلت حالات العمليات الى غرفة العناية المركزة. بعد قليل ستقوم ميغان بجولة في الجناح مما يسمح لاي كان ان يطرح الاسئلة عليها. وذهبت الان لتتفحص حالات العمليات, كانت السيدات الثلاثة نائمات, ففحصت ضغطهن وتاكدت من ملابسهن ثم عادت الى الجناح حيث كانت تتوقف احيانا لتجيب على اسئلة احدهم, امضت عشرين دقيقة او اكثر في الجناح قبل ان تعود الى مكتبها حيث كانت جيني قد عدت لها ابريق شاي طازجا.
جلست ميغان على الكرسي فيما سالت جيني: "من سيحل مكانك ايتها الاخت؟"
"لقد اوصيت بك يا جيني, انت تعملين هنا منذ سنتين ويمكنك ان تديري الجناح مثلي تماما. لقد طلبت السيدة جيف زان تعمل بدوام كامل فابنها سيدخل مدرسة داخلية. انت تحبينها أليس كذلك؟ ثم انك تتفقين معها. لدي موعد بعد الظهر لمناقشة هذا اللموضوع ولكنني اقول لك الان لتعلميني اذا كنت لا تريدين الوظيفة."
كانت جيني تريد الوظيفة الا انها قالت: "هل عليك الرحيل ايتها الاخت؟ اعرف ان الريجنت يقع في مكان معزول ولكن مع الوقت سنتعرف على المتاجر والمسارح, ألن تفتقدي كل هذا؟ والجناح؟"
"حسنا ساشتاق الى اصدقائي والجناح, فقد امضيت وقتا طويلا هنا. ولكنني اتوق الى شيء مختلف."
"اتعجب لماذا اختارك الاستاذ بان بلفيلد بالذات؟ لا بد انه يعرف الكثير من الممرضات في هولندة. انه..." توقفت مرتبكة: "انا اسفة اظن اانني افهم الان."
"اريد ان ابتعد عن اختي واوسكار يا جيني. ليس لانني مستاءة من خطوبتهما ولكن لانني اعتقد اذا رحلت سيرتاحان. على كل حال لقد آن الاوان لاغير حياتي."
نظرت الى ساعتها قائلة: "حان موعد انصراف الزوار. ارجوك هلا قرعت الجرس؟ فساقوم بجولة اخرى."
كانت ميغان في الايام التالية مشغولة جدا فلم تر الاستاذ ابدا. لقد طلب منها ان تترك كل شيء له. وهكذا فعلت. ذهبت في يوم عطلتها بسيارتها الضغيرة الى منزلها وامضت اليوم في حزم ثيابها التي ستاخذها معها الى هولندة, كان الصيف في اوائله والطقس حارا فاخذت معها تنانير جيرسي طويلة وعددا من البلوزات.
قالت امها محذرة : "اخبرني احدهم انها تمطر في هولندة, لذلك وضعت في الحقيبة معطفا للمطر وحذاءين مناسبين ساعدتها ميلاني في ذلك, او على الاقل جلست على السرير وتحدثت فيما كانت ميغان المرتبة جدا تضع ملابسها بين طيات الورق.
"ستعودين في عيد الميلاد أليس كذلك ميغ؟"
"اظن ذلك ربما ساكون في عمل اخر عندئذ." نظرت ميغان الى فستان اخضر وبرتقالي قائلة: "هل تعتقدين انه ستسنح لي الفرصة لارتداء هذا؟"
"لم لا؟ سيكون لديك اصدقاء تخرجين معهم, ستكتبين وتخبريننا بكل شيء أليس كذلك؟ يقول اوسكار انك لا تزالين متحفظة ولكنك ستقابلين بالتاكيد كثيرا من الناس. هل ستشاهدين غالبا الاستاذ؟"
"ربما لا. لا اعرف اين يقطن في هولندة, على كل حال سكون منشغلا بزوجته وعائلته."
عبست ميلاني قائلة: "ما زلت اعتقد انه لا يبدو كرجل متزوج."
تجهمت ميغان ايضا, فقد انقبض قلبها من كلمات اختها لكنها لم تجبها, بل تساءلت عن افضل طريقة لايصال ميريدث الى البيت قبل ان تغادر: "اظن انه من الافضل ان ارجع في المساء الذي يسبق رحيلي الى هنا فاودعكم حينها."
مرت الايام الاخيرة بسرعة البرق اقام لها زملاؤها في بيت الممرضات حفلة وداع, فعادت محملة بالهدايا. وفي اليوم الاخير قدمت لها الممرضات ساعة يد, بعد ذلك ودعت ميغان المرضى ثم جيني التي بكت قليلا: "ساشتاق لك ايتها الاخت... اتمنى ان اكون قديرة في عملي مثلك تماما وان تكوني سعيدة. ستزوريننا عندما تعودين أليس كذلك؟"
"عزيزتي جيني ستكونين رائعة في العمل, وسازوركم طبعا عندما ارجع, وسارسل بطاقة ايضا..."
كانت تغادر الجناح حين دق جرس الهاتف فطلب منها ان تذهب للمختبر قبل ان تغادر المستشفى.
ذهبت في الحال وهي تفكر بتشاؤم ان كل شيء انتهى في اللحظة الاخيرة. بانت هذه المخاوف على وجهها عندما دخلت المكتب.
كان جالسا الى المكتب يكتب ولكنه وقف عندما دخلت: "اعذريني لهذا الامر, ولكن هناك بعض التقارير التي يجب ان تنتهي هذا المساء ولا وقت لدي. ساقلك وميريدث الى بيتك قبل ان تغادري الى هولندة, هل ستكونين جاهزة في الثامنة؟ هل انت متاكدة انك تودين اخذ ميريدث الى بيتك؟"
"اجل ولكن لا داعي."
"ارجوك ميغان لا تضيعي وقتي افعلي ما اطلبه فقط. ربما ستكون امك لطيفة وتقدم لنا بعضا من القهوة والسندويشات فلن يكون علينا عندئذ ان نتوقف في الطريق."
"حسنا سيدي ساكون جاهزة في الصباح. انا متاكدة ان امي ستفرح بتقديم شيء لنا." فتحت الباب وقالت بهدوء: "تصبح على خير يا سيدي."
عاد الى مكتبه قائلا: "تصبحين على خير يا ميغان."
قالت في نفسها وهي في طريق العودة الى الشقة انه ليس هناك من سبب يدعوه لكي يكون ودودا معها. لقد ساعدها كثيرا وامّن لها وظيفة ولا داعي لان يفعل المزيد. تناولت العشاء واتصلت بوالدتها لتشرح لها انها لن تذهب الى البيت قبل الصباح, وان الاستاذ سيوصلها. بعد ذلك فتحت علبة سردين لميريدث, ستشتاق اليه كثيرا ولكنه سيكون سعيدا في البيت. وعندما تعود الى بريطانيا وتستقر بعمل جديد ستستعيده.
وضبت حقائبها وقابلت صاحب المبنى لتدفع الايجار, ولم يعد امامها سوى ان تترك المفتاح عند الجيران قبل ان تغادر في الصباح, ضبطت ساعة المنبه على السادسة واوت الى الفراش, وكالعادة تسلل ميريدث الى فراشها.

الأستاذ الهادئ - بيتي نيلزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن