عودة .

24.6K 408 170
                                    

ها هو الأمل يعود من جديد إلى حياتها ،و ها هو باب بيتها الأصم الشاهد على كل ذكريات طفولتها ، ترجلت من السيارة...هذه الشوارع  المثقلة بالناس  ،هذه البيوت و الدكاكين، هذه السيارات المجنونة ، و العابرون و الجالسون ،ولا وجوه ترسم على شفاهها إبتسامة.

و هي  فتاة وحيدة  خسرت الكثير ، تجهل ما يخبئه لها القدر من  احداث و مفاجآت ، حتى تلك الأعوام الغالية خسرت منها تسعة سنوات، كابدت فيها الظلمة و العذاب و الوحدة محاولة أن تنسى ما مضى ... لكن هذه المرة لا فقد جاهدت نفسها لتصل إلى ما هي عليه الآن ...وقفت معلنة تحديها أمام الجميع ، آن لغضبها و صمتها أن ينفجر و يحترق، ولكل شخص أداها أن يستعد فقد عادت من جديد، و قررت  للظلم أن يعود كذلك لكن خلاف هذه المرة لن تكون هي الضحية و المتألمة...كيف لهم أن يفعلوا هذا بها و  بعائلتها لقد كانو كل شيء بالنسبة لها لا تزال تذكر ذلك اليوم المشؤوم الذي  سيظل مشهود في ذاكرتها مرافقا لها طوال فترات حياتها  فقد كان بداية عذابها و معاناتها لقد رأت أعز الأشخاص على قلبها يقتلون أمام عينيها.

طردت هذه الذكريات الأليمة من عقلها و هي ترمق بيت طفولتها نظرة مليئة بالحزن و الإشتياق... خلعت نظاراتها الشمسية و عيناها لا تزالان عالقتين على ذلك البيت ، فقد وجدت صعوبة كي تنزع عينيها من عليه... لتترجل من سيارتها و شحوب شديد يغزو وجهها و تتجه بخطوات متثاقلة و مترردة نحو بيتها القديم...أحست بصعيق يقرص أحشاءها و هي تضع قدميها أمام منزلها، تقدمت بخطوات بطيئة نحو باب بيتها ، و الدموع تملأ عينيها و أحاسيسها في تخبط و صراع ، وراح جسمها يرتعد كلما إقتربت من هذا الأخير ... شدت يديها على مقبض الباب الخشبي القديم الطراز و كأنها تلتمس فيه قوة تعينها على الدخول و تحيي تلك الذكريات الجميلة من طفولتها بين والديها ، إلا أنها لم تستطع حاولت تانية و ثالثة و حين أتعبتها المحاولات التي باءت بالفشل ، مررت أصابعها على خشب الباب الداكن اللون القديم الطراز و حملته تحية لما خلفه و سارت عائدة نحو سيارتها.
جلست على مقعد سيارتها أمام المقود واضعة رأسها فوق ذراعيها ... مستندة بهما على المقود و أغمضت عينيها، ترجع بذاكرتها إلى طفولتها، فيقوم والديها المبتسمان بسعادة بالإتجاه نحوها... لتفتح عيناها الزرقاوان راغبة في طرد المشهد الذي تعلم أنه شاءت أم أبت، سينتهي بموت والديها غارقين في دمهم ، تتحول ببصرها إلى صورتهم الموضعة على المقعد بجانبها ، تهز رأسها و تحمل الصورة التي تجمع والديها يوم عيد ميلادها الخامس . تقرب الصورة منها و تطيل النظر إليهما و همست  بإنكسار:

"البيت ليس له معنى بدونكم"

تداعب زجاج الصورة بأطراف أصابعها التي توقفت بعد حين عند القلم الذي يضعه والدها في جيبه و ها القلم يناديها الآن بصوت لذيذ لم تستطع تجاهله ، ووضعت الصورة مكانها ، و فتحت الدرج الصغير المخصص بداخل السيارة ، و أخرجت القلم الذهبي المملوء بالحبر الأزرق الغامق و قربته من أنفها و كأنها تبحث عن رائحة والدها .... قاطع تأملها صوت الهاتف لتخرجه من الحقيبة ، نظرت إلى الشاشة لتجد صديقها مارك هو المتصل ، تنهدت بثقل و رفعت الهاتف لترد قائله :

gap - فجوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن