امرأة في حياته

9.4K 189 5
                                    

في الصباح، عندما كانت سارة تجلس مقابل بيتر على طاولة الطعام، يتناولان الإفطار، أعلنت له بأنها ستذهب إلى المدينة، إذ لم تثمر أية محاولة للاتصال بترايسي في الأمسية السابقة.
وحدق بها بيتر مفكراً من فوق جريدته.
- هل هناك سبب معين؟
- ولماذا؟ هل هناك اعتراض؟
- ماذا تفعلين لو قلت إنني أعترض؟
- سأذهب ، من غير فارق.
- حتى بمعرفتك أن إغضابي يجلب لك العقاب؟
- وماذا تستطيع أن تفعل بي يابيتر؟ كل ماتبقى أمامك أن تقفل الأبواب عليّ، ولا أعتقد أنك بهذه العداونية!
وحذرها بنعومة:
- سارة..ليس لديّ الرغبة بالتعامل مع الإهانات في هذا الوقت المبكر من الصباح، اذهبي إلى المدينة، السائق سيوصلك.
- لا..فلدي سيارتي، ألا تذكر؟
وهز بيتر مبالاة:
- كما تريدين ، سنتعشى في الخارج هذا المساء، أرجوك أن تتأكدي من استعدادك عند السادسة.
- أين سنتعشى؟
- وهل لهذا أهمية؟ ام أنك تنوين فقط خلق مشكلة؟
- اسأل لأجل الثياب يابيتر، أنا واثقة من أنك تفضل أن أكون جميلة المظهر.
- والدتي تقيم حفلة عشاء رسمية.
- ياللجحيم!
وبدأ تفكيرها يجول بما ستتوقعه ، وبالأسوء..ماذا سترتدي؟
- ليست جحيماً تماماً..سأكون أنا معك.
ونظرت إليه ساخرة:
- سأكون شاكرة لدعمك.
- أنت زوجتي.. ولهذا ساتأكد من احترام الجميع لك.
- هذا يبهجني كثيراً.
وطاف خيالها إلى الامام، تتصور كيف ستكون هذه الأمسية، النساء متأنقات واثقات من أنفسهن بتصرفات متكبرة لا يستطيع سوى الثراء توفيرها، وستكون قمر الليل محط كل الأنظار ، كل إيماءة لها مراقبة، ولن يكون هناك شيء أكثر بشاعة.
- أعتقد أنه ليس لديك شيء مناسب ترتدينه ، أليس كذلك؟ تعالي إلى مكتبي عندما تصلين إلى المدينة، سأقدم لك التسهيلات اللازمة!
- لديّ مايكفيني من مالي الخاص.
- على فكرة، أستطيع تغيير ترتيبات بعد الظهر، لاقيني عند الساعة الثانية في المكتب.
- وهل ستأتي للتسوق معي؟ ولماذا؟ ألا تثق باختياري؟
- أشك في أن حسابك سيكفي لشراء شيء فاخر! ولدي بعض الخبرة في هذه الأمور، وحضوري سيؤمن لك الاهتمام اللازم.
- أليس هناك شيء ليس لك خبرة فيه يابيتر؟ أم أنك تفضل أن لا تجيب على هذا السؤال، على اساس أن الاعتراف قد يدينك.
- سأنتقم منك لهذا الكلام فيما بعد.
- اذهب إلى عملك يابيتر.
وشعرت فجأة بالتعب من تبادل الكلمات اللاذعة معه، وحاولت أن لا يبدو عليها الخوف عندما وقف وعبر حول الطاولة ليقف قربها.
- ماذا تريد؟
وجذبها لتقف و أحاطها بذراعيه معانقاً وقال :
- أريد هذا
- أنت شيطان!
وارتجفت سارة لعدة ثواني ، واتقدت عيناه بشكل شرير.
- يجب عليك في النهاية أن تتعلمي أن من الغباء إثارتي!
- أتمنى لك أن تحترق بنار جهنم! لن أذهب معك إلى أي مكان هذا المساء، فالفكرة تجعلني أشعر بالإغماء.
وتشددت اصابعه القاسية على كتفيها حتى كادت تكسر عظامهما .
- بل ستذهبين معي.. وتأكدي أن كل الجحيم سينصب فوق رأسك إذا لم تفعلي.
ولم يكن التهديد عادياً، وارتجفت بالرغم منها، بيتر لاندرسون هو من القوة بحيث يحسب حسابه، ومن الغباء أن تواجه غضبه، فكل معركة معه كلامية كانت أم جسدية يبرز منها دائماً منصراً. وسيكون اقل ايلاماً لها لو أنها تقر بهزيمتها وتقل بسيطرته عليها..
ورفعت إليه عينين ثائرتين ، وكرهه يهزها إلى أعماق كيانها.
- سأكون هناك.. ولو فقط كي لا أمنح والدتك الرضى لتشعر به في غيابي.
عند العاشرة و النصف أوقفت سيارتها في أحد مواقف السيارات وسارت في شوارع المدينة إلى أن دخلت أحد المتاجر الكبيرة، و أمضت قرابة ساعة تختار ما تريد أن تشتريه، ثم لاحظت أن الوقت قد حان ، فأسرعت إلى الخارج وركبت باصاً في اتجاه الشركة التي تعمل فيها شقيقتها.
وانتظرت بضع دقائق في الردهة ليحين وقت خروجها للغداء، وعندما فتح باب المكتب أخذت تبحث بين الرؤوس عنها، وأخيراً لمحتها فابتسمت لها وقالت:
- مرحباً..كنت في المدينة ، وفكرت أن أتناول الغداء معك.
- ولماذا ليس مع بيتر؟
- سأقابله فيما بعد.. تستطعين تحمل المصاريف.
- حسناً ..هناك مطعم صيني جيد لا يبعد كثيراً .
وانتظرت إلى أن طلبتا الطعام ، فمالت إليها قائلة:
- كنت أحاول أن أتصل بك طوال يوم أمس.
- كنت مشغولة.
- لماذا لا تطلبين من إحدى صديقاتك أن تشاركك في الشقة لبعض الوقت؟ أكره فكرة أن تعيشي لوحدك.
- أعلم ..فأنا أصغر من أن استطيع العناية بنفسي.. المشكلة فيك تجاهدين كثيراً لتكوني
كالأم و الأب و الأخت معاً، لو تتركيني وشأني، ولا تتنفسي فوق رقبتي في كل فرصة تسنح لك سيكون أفضل بكثير، لديّ وظيفة جيدة، وأستطيع إعالة نفسي، ولا أنكر أنني بعض الأحيان أكون مجنونة، وكل إنسان يفعل أشياء مجنونة بين الحين والآخر، أوه ..أعلم أنك لم تفعلي هذا ، أبي و أمي، ومع ذلك تدبرتي الأمر، حسناً، أستطيع هذا أيضاً ، ولكن حاولي فقط أن لا تمثلي دور الحامية لي كثيراً، نصف ما أفعله هو لإغاطتك. وأخذت سارة نفساً عميقاً، وقالت:
- إذاً، لا تتصلي بي.. سأتصل أنا بك، هل هكذا سيكون الأمر؟ اعترفي ياترايسي بي..فنحن شقيقتان! أنت القريبة الحية الوحيدة التي لي في الدنيا، ماعدا بضع ابناء عم لا أذكر اسمهم! ويجب أن نكون متقاربتان، ولكننا للأسف متنافرتان.
- هكذا هو الأمر.. نحن مختلفتان، ربما أنا أشبه أبي أكثر منك، او العكس بالعكس.. لا أعرف، فلا أستطيع تذكر أي واحد منهمابوضوح.
ولكن..سارة أمامك حياتك الخاصة، ولي حياتي الخاصة، توقفي عن محاولة أن تعيشي عني حياتي و اتركيني أعيشها بنفسي، أرجوك! لقد اصبحت فجأة حرة.. وصدقيني أنا أحب الحياة هكذا!!
- حسناً، ولكن حاولي أن لا تقلبي الأمور على رأسك.
- هاقد عدتي ثانية إلى الدور الأبوي الواعظ ، حاولي أن تنظري إليّ كإنسانة لك علاقة مابها، ربما سنصبح أصدقاء.
- حسناً..أصدقاء.. أتستطعين أن تنصحيني ماذا سأرتدي الليلة بيتر و أنا سنتعشى في منزل والدته مع عدة ضيوف...
- عليك بارتداء الأفخر و الأغلى من الثياب الذي تستطعين شراءه، اتركي شعرك مفروداً، خذي وقتك في المكياج، ارتدي قطعة ثمينة من المجوهرات، و أغلى حذاء فرنسي للسهرة تستطعين الحصول عليه، ونسيت العطور، أفخرها سيناسبك.. هل السيدة لأندرسون قاسية؟
- إنها رهيبة!
وتمتمت لنفسها: كما الأم كما الوالد .. وقالت ترايسي:
- لنتلقي على ‪الغداء يوم الجمعة‬، وستخبرينني عن كل ما جرى ..اسمعي عليّ أن أتخلى عن قهوتي ، عليّ العودة إلى العمل بعد خمس دقائق، سأراك يوم الجمعة.
وخرجت من المطعم وهي تلوح لها بسرعة، كانت الساعة بعد الثانية بدقائق عندما دخلت سارة ردهة جناح بيتر في مكاتب الشركة، وعلى الفور رافقتها السكرتيرة إلى غرفة الانتظار الخاصة به.
واسترعى انتباهها صوت فتح الباب، فاستدارت لترى بيتر واقفاً بالباب، وسألها:
- هل تغذيتي؟فهزت رأسها بالإيجاب وقالت:
- وأنت ؟فابتسم بسخرية كاملة :
- لقد احضرت لي سكرتيرتي القهوة وبعض السندويشات منذ ساعة؟، هل نذهب؟.
وبقدرة الخبير المتمكن ، مارس بيتر كل سحره لإقناع مصممة الأزياء بالكشف عن آخر تصاميمها، و أجمل فساتينها، وتمت مشاورة سترة سارة بعد اختيار عدة اثواب، وتم تخفيض الانتقتاء النهائي إلى ثوبين، واحد شعرت أنه مثالي ، من الحرير البني القائم ، المسترسل على الجسم بأكمام طويلة و ياقة من أفضل تصميم ، وبدأ أن لونه متكامل مع لون بشرتها و شعرها الكستنائي، وقال بيتر:
- سنأخذ الاثنين معاً.
وعندما خرجا من محل الأزياء ..قادها على طول الشارع إلى محل آخر وقال بثبات:
- الأحذية الآن.
ومن هناك خرجا ليدخلا محل جواهر قريب، وأمام هلعها الشديد وضع خاتم سوليتر من الماس في يدها، وقالت محتجة في اللحظة التي ابتعد بها البائع :
- لا أريده!.
- الجميع يتوقع أن يكون لديك واحد مثله ، اعتبريه جزءاً من الملابس.
- خواتم في أصابعي .. اجراس في أحذيتي.. ماذا سيلي؟
- عقد ذهبي، سلسلة رفيعة ، كما أعتقد ، اقد اقترح الصائغ هذا كمناسب للثوب.
- سأعيدها إليك بعد سنة واحد عشر شهراً و ثلاثة أسابيع.
في الطريق إلى حفلة العشاء، كشف لها بيتر أن نيكولا سيمضى عطلة آخر السنة معهم، وفكرة أن يكون برفقتها أحد تمضى معه أيامها ملأت قلب سارة بالفرح.
أمام عدد السيارات المصطفة خارج المنزل، شهقت سارة و أدركت أن هذه السهرة ليست حفلة عشاء عادية، وتساءلت في نفسها بفضول عما إذا كانت بولا ستكون موجودة.
وقابلتهما السيدة لاندرسون بالترحاب فابتسمت لها سارة ابتسامة مشرقة، وقال بيتر:
- يبدو أن الجميع قد سبقونا.
- بالطبع فضيوف الشرف يجب أن يصلوا آخر المدعوين.
ونظرت سارة في القاعة ولاحظت أن الأمر أسوأ مما كانت تظن ، الحفلة كلها كانت وكأنها تمثلية زائفة صممت خصيصاً لجذب الانتباه إلى زوجة بيتر لاندرسون، فليساعدها الله.
ونظرت إلى بيتر من طرف عينها وتمتمت:
- أشعر وكأنني للعرض.. وفي غير مكاني! هل يكون السبب أن أمك تحاول أن تثبت شيء ما؟
- لو أنك من أصل يوناني، ومن عائلة من نخبة الجميع، لكان القبول بك أكيداً.
وفضلت سارة أن لا ترد، وسمعت صوتاً ينادي "بيتر!" والتفتت لتشاهد فتاة تضع يدها على ذراعه و أجاب بأدب.
- بولا.
كانت جميلة ، لها بشرة رائعة النعومة بلون البورسلين الأبيض، وعينان كبيرتان واسعتان سوداوان بلون الفحم، قسمات كاملة، وجسد ملفوف بدا أنيقاً في الثوب الذي ترتديه.

لحظة ضعفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن