كان اليوم من أكثر أيام المدينة مطراً في هذا الشتاء.و قفزت سارة فوق واحدة من البرك الموحله في الشارع في وسط المدينة,لتصل إلى الرصيف. ثم هرعت بسرعة للالتجاه تحت إحدى خيم المحلات.و نظرت إلى انعكاس صورتها في زجاج الواجهة,كانت نظرة خاطفة, فقد كانت واثقة من جمالها,و تشعر تماماً بجمال جسدها النحيل,و قسماتها المنحدية و شعرها الكستنائي الذي ينسدل على كتفيها.
المهمه التي كان عليها إنجازها ليست مهمة سعيدة,و بوصولها إلى المدخل الواسع للمركز التجاري المتعدد الطوابق, وقفت بصمت تفكر و هي تتفحص لوحة البيانات.
مكاتب شركة لاندرسون المساهمة تقع في الطابق الخامس عشر. و تقدمت لتدخل المصعد , و ضغطت على الزر بقوة لا لزوم لها.
لقد كانت أكثر من مستعدة للشجار, و هذا ما ظهر غي ارتفاع ذقنها الفخور , و اللمعان الغاضب في عينيها الخضراين.
و تقدمت نحو طاولة الاستعلامات لتواجه نظرات متسائلة, فواجهتها ببرود قائلة:
ـ بيتر لاندرسون..أرغب في رؤيته من فضلك!
ـ السيد لاندرسون لديه اجتماع الان..في أي وقت موعدك؟
ـ ليس لدي موعد. ولكنني واثقة أنه سيقابلني.
و ابتسمت ابتسامة واثقة,و أضافت بلهجة مركزة:
ـ أنا الآنسة ارفينغ
ـ سأتصل بسكرتيرة السيد لاندرسون و أتأكد متى سينتهي الاجتماع.
بعد دقائق كانت سارة مع مرافق نحو غرفة فاخرة تطل على الضفة الجنوبية لنهر يارا, و سعت إلى تهدئة غضبها, بتصفح عدد من المجلات الموضوعة على طاولة أمامها. الساعة تجاوزت الثالثة و الربع.و بقي أمامها ما يقارب الساعة قبل ان تلتقي برئيس الشركة المالية المتعددة النشاطات. لم تكن سارة قد تحضرت تماما لتواجه قوة هذا الرجل الفائقة, انه من اصل يوناني, طويل, عريض الصدر, قسماته تقريبا شيطانية تشابه قسمات أسلافه ,عيناه شديدتا السواد,في وجة متجهم قاس بشكل غريب, كان في الواقع كحيوان رائع, و خطر.
ـ آنسة ارفينغ؟
صوته عميق, متعالٍ,و مؤدب بشكل بارد, و كبحت رجفة خفيفة من الاضطراب
ـ سارة ارفينغ.... شقيقة ترايسي.
و ارتفع حاجبه متسائلا:
ـ هل هناك شيء أستطيع فعله لك؟
ـ لم آتِ الى هنا لتبادل الأحاديث المؤدبة, سيد لاندرسون
ـ و لماذا اتيت آنسة ارفينغ بالتحديد؟
ـ أنت لا تنكر معرفتك بترايسي؟
ـ أعرفها .. أجل.
ـ حقاً سيد لاندرسون .. المعرفة كلمة لا تفي بالواقع, بالتأكيد؟
ـ صداقة,ربما؟
ـ بل علاقة, قد تكون الكلمة المنسبة أكثر
ـ هذا ادعاء.هل انت متأكدة من الوقائع؟
ـ سيد لاندرسون... كم تتصور عمر شقيقتي؟
ـ و هل للأمر أهمية؟
ـ اللعنة عليك... أجل
ـ ألا تأخذين الامر بجدية كثيراً؟ أهلك هم من لهم الحق بالاهتمام
ـ والداي متوفيان. و أنا كل عائلة ترايسي
ـ آه ... فهمت, انت تحاولين لعب دور المحامي.
آه .. إنه يتسلى.. و وسوست لها نفسها ان تصفع وجهه الجميل! و لكنها جمعت كل ما استطاعته من هدوء,و قالت:
ـ كم تعتقد بالضبط عمر أختي,سيد لاندرسون؟
ـ تسعة عشر أو عشرين. كبيرة كفاية على ما اعتقد؟
و دوت الصفعة في هدوء الغرفة... و ساد صمت استمر إلى أن اصبح ملموساً.و قابلت سارة نظرتة النفاذة دوت خوف. عير عابثة بالغضب الذي ظهر في عينيه السوداوين المرتفعتين فوقها بعدة إنشات.و قال بيتر لاندرسون محذراً بغضب:
ـ افعلي هذا ثانية و أعدك أن يكون هناك رد مناسب
ـ هل تجرؤ على تهديدي؟
و تحركت عيناه السوداوان من وجهها ببطء نزولاً حتى قدميها, ثم عادتا إلى فوق ثانية:
ـ و هل تشكين في هذا؟
و أحست بالقشعريرة, يجب عليها أن تسيطر على نفسها حتى لا يظهر عليها الخوف. و سالته بتركيز مقصود:
ـ أليس هناك ما يكفي من النساء لتختار لك... رفيقة, مناسبة سيد لاندرسون؟أم أنهن أصبحت قليلات لدرجة أن تضطر لملاحقة فتاة في السادسة عشر من عمرها, ليس لديها الإدراك الكافي حتى تتواعد مع رجل قد يكون في عمر أبيها؟
و ظهر الغضب عليه لوقت قصير, ثم أختفى بعد أن اخفى جفنيه قليلا
ـ أحذري جيداً من الاتهامات التي تلصقينها بي آنسة ارفينغ او سأعتبر أن لدي السبب الكافي لأقاضيك بتهمة الإساءة لسمعتي.
ـ ربما يجب علي أنا ان اقاضيك لمحاولتك العبث مع طفلة بريئة!
ـ بحق السماء , انت تدفعيني إلى نفاد صبري, و ضرب راحة يده بقبضة يده الاخرى في إشارة إلى إحساس بالغضب الشديد.. ثم سار غلى الباب و فتحه:
ـ اعتبري الأمر تعقلاً منك أن تنصرفي... الان.
ـ و هل ستتراجع عن مقابلة ترايسي؟
ـ مع السلامه آنسة ارفينغ
و رفعت رأسها بكبرياء, و مرت من أمامه ,و أسرعت بمشيتها عبر الممر حتى المصعد.
كان بيتر لاندرسوت قوة لا يستهان بها, فكرت بهذا بعد يضع دقائق و هي تجلس خلف مقود سيارتها الصغيرة. لقد تصادما بقوة, و بدل أن تكتسب دعمه نجحت في إثارة عدائه.
رعاية ترايسي كانت مسؤولية كبرى, كات على سارة تحملها رغماً عنها للست سنوات الماضية. بينما ثماني سنوات من العمر, ولكن كان هناك أوقات شعرت فيها سارة أن ترايسي تنضج أكثر من عمرها. فقد تحولت شيطنتها الطفوليه إلى مآزق كانت في وقت ما خطيرو وأدت الى تحذيرات من قبل مسؤولي المدرسة, و لأنها كانت كسولة,فقد تحولت ترايسي الي الوظيفة في السنة الماضية.و أمام ارتياح سارة,بدا ان راتبها الاسبوعي,دافع كافي لبقائها في عملها.
علاقة ترايسي برجل أكبر منها عمراً كانت آخر مشكلة بين أحداث متسارعة,اضطرت سارة أن توجهها,و خلال الأسابيع القليلة الماضيه, اضطرت لان تتملق,و قد اصبحت متورطة في عدة مشاكل متكررة توقف حطمت أعصابها و دمرت روحها. كل ما يقرب من الحديث بينما توقف منذ قرابة,و منذ ذلك التاريخ لجئنا إلى الرسائل القصيرة ما بينما عند الضرورة,تلصق على باب البراد.
و لأن رجل واحد, كان السبب في كل هذا الدمار لحياتهما , فقد كان هذا أبعد من أن تتحمله سارة, لذا فقد قررت هذا الصباح أن المسألة تجاوزت الحدود كثيراً.
العمل في العلاج الفيزيائي, كان تحدياً لها, و يستحوذ على كل طاقاتها و منذ سنتين عُينت في المستشفى الملكي للأطفال. و العمل مع الاطفال أعطاها خبرة برؤية قدرتهم في التغلب على شواذات من الصعب التغلب عليها.
و دخلت المدخل الجانبي للمستشفى, و توجهت نحو قسم العلاج الفيزيائي. كان لديها ثلاثة وجوه جديدة, و أسرعت لتعالج أول مرضاها. و كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساء و عندما وضعت المفتاج في باب منزلها الذي كانت تشاركها في ترايسي, أثاثها كان مريحاً, يقع ضمن مجموعة سكنية جميلة, في شارع قريب من مكب المدينة.
لم يكن هناك أثر لوجود ترايسي في المنزل, و تنفست ساره الصعداء. وبدأت تحضر وجبة طعام لاثنين ، في حال عادت ترايسي . ثم جلست تتناول طعامها لوحدها .
كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر عندما أطفأت الأنوار استعداداً للنوم . وكانت على وشك الدخول بين الأغطية عندما سمعت رنين الهاتف الملحاح في الردهة ، فأسرعت لترد .
وجاءها صوت أختها ترايسي ملئ بالخيبة والرجاء .
- سارة شكراً لله ! هل تستطيعين أن تأتي لتأخذيني ؟
وقاومت سارة شعور الغضب والامتعاض ، وقال بهدوء :
ـ أين أنت الان؟
ـ في المستشفى.. لا تفزعي.. أنا بخير,حصل معي حادث, ليس خطيراً, و لكن المسعفين أصروا أن احصل على فحص طبي قبل عودتي إلى المنزل
و أعطتها اسم المستشفىغ, وقطعت الخط قبل أن يكون أمام سارة فرصة لتقول أي شيء
و بعد عشرين دقيقة,دخلت قسم الطوارئ, لتجد ترايسي بصحة جيدة,ولا أثر لأي تعب عليها ,و طمأنتها قائلة:
ـ انا على ما يرام حقيقة ـ هيا بنا نخرج من هنا... فهذا المكان يثير بي الخوف.
لم تستطيع سارة أن تسأل اختها عن سبب إلحاحها على ترك المستشفى بسرعة.و لم تعرف السبب الحقيقي إلا بعد ثلاثة أيام عبر رسالة رسمية.
محتويات الرسالة أرعبتها, كما أرعبها التوقيع الذي برز عند زاوية الرسالة,و أغرقت نفسها في كرسي مجاور, و هي مذهولة لدرجة أنها لم تستطيع الحراك, إلى أن أعادت سيطرتها على نفسها, و جعلها الغضب تقف على رجليها. و أسرعت إلى الهاتف, و طلبت رقماً, و ضمت شفتيها عندما سمعت صوت ترايسي, و دون مقدمات سألتها بغضب:
ـ السيارة التي كنت فيها ليلة الحادثة, هل كنتِ تقودينها بنفسك؟
ـ سارة؟ ما الأمر؟ هل هناك شيء خاطئ؟
ـ توقفي عن العبث يا ترايسي... هذا أمر جدي. هل كنت تقودين السيارة؟
ـ اوه يا سارة, انت تعرفين انني لا أملك رخصة قيادة. فكيف لي أن اقود السيارة؟
ـ لا شيء تفعلينة قد يثير دهشتي.. و لكن هذا الامر... إذا كان صحيحاً.. سيكون أكثر شيء يستحق التوبيخ من كل أعمالك الطائشة, والأن, هل كنت تقودين السيارة أم لا؟
و ساد صمت طويل..ثم اعترفت ترايسي على مضض:
ـ حسناً.. نعم. و لكن لدقائق قليلة فقط..
ـ هذه مدة كافية... ترايسي كيف تستطيعين ان تكوني بهذا الغباء! انت تعرفين جيداً أنك بدون رخصة لا يجب أن تقودي سيارة!
ـ لقد بدت فكرة مرحة في ذلك الوقت, ولا أفهم لماذا تفعلين كل هذه الضجة.. لم يصب أحد بأذى.
و كادت سارة أن تنفجر:
ـ يا إلهي.. أنت لا تقدرين بثمن! أعتقد أنك تظنين أن هذا سيمنع عنك اللوم.. ألم تفكري بالأضرار التي سببتها للسيارة التي كنت تقودينها بطرية غير قانونية؟ ألم تفكري بالسيارة التي صدمتيها؟
ما رأيك بهذا يا ترايسي؟
ـ اوه.. بحق السماء! شركة التأمين ستغطي المصاريف, ألن تفعل؟
- مصاريف من ؟ انت لا تدركين العواقب ، اليس كذلك ؟
- أية عواقب ؟ عما تتحدثين ؟
- لقد وصلتني رسالة من بيتر لاندرسون ، يعدد فيها الأضرار التي سببتيها للسيارة التي صدمتيها ، والتي تكلف مبلغاً ضخماً ، ويطلب حضوري في مكتبه غداً لبحث المر .
وساد صمت مطبق بعد هذه المعلومات ، ثم قالت ترايسي بصوت ضعيف " من بيتر ؟" وكررت سارة بتركيز " اجل ... من بيتر ! هل هناك شئ يجب أن أعلم به قبل أن أقابله ؟" .
- أنت تجعلين الأمر يبدو كجريمة .
- إنها جريمة ... لا مجال للخطأ فيها . لقد انقذتك من العديد من المشاكل ، ولكني لست واثقة أنني إنقاذك هذه المرة .
- سارة ، على أن أذهب ، فأنا ضمن دوام العمل ، وأنت تعرفين هذا ، سأراك فيما بعد .
- إا ، فأنت تنوين العودة إلى المنزل الليلة ؟
- لست متأكدة ، فصديقتي بام تريد مني أن أبقى معها ، أنت لا تمانعين .. اليس كذلك ؟
وهل يهم إذا مانعت ام لا . وعلمت أن الجدال معها سيكون دون نتيجة . فقالت بقساوة :
- تأكدي من أن تكوني في المنزل عندما أعود غداً .
- حسنا .. حظ سعيد .
وأقفلت ترايسي السماعة قبل أن تتمكن سارة من قول شئ . الحظ لن يساعدها بشئ ، فما هي بحاجة إليه سيقرب من المعجزة .
ودخلت إلى مدخل شركة لاندرسون في الصباح التالي ، وفي غضون دقائق ، ادخلت غرفة الانتظار الملحقة بجناح بيتر لاندرسون الفخم . وأثقل القلق معدتها بألم ن وهي تتذكر مواجهتها مع ذلك الرجل البغيض ، ولزمها كل ما أوتيت من تعقل لتظهر بمظهر هادئ وهي تدخل إلى مكتبه . وسألته بثبات :
- هل طلبت رؤيتي سيد لاندرسون ؟
واستدار بيتر لاندرسون عن النافذة التي كان ينظر منها إلى الخارج ، وأخذ يتفرس فيها ببطء من الرأس حتى القدمين .
- انت مسؤولة عن شقيقتك .. اليس كذلك ؟ أظنك قد تحدثت معها منذ استلامك رسالتي ؟
- أجل ...
- سأكون مهتما بما قالته لك .
- لقد اعترفت بأنها كانت تقود السيارة .
- لا شئ آخر ؟
- ليس لديها رخصة قيادة !
- ليس لديها رخصة قيادة ة تصريح تمرين على القيادة . أنت تدركين هذا على ما أظن ؟
- طبعا أدرك هذا . عليك أن تتوقف عن اللف والدوران ، وأن تصل مباشرة إلى ما تريد قوله .
- هناك المزيد ، ابن اختي ، استعار السيارة دون إذن مني .. والسبب كما أعتقد ، حتى يؤثر على اختك ، وبطريقة لا أعرفها ، أقنعته والسبب كما أعتقد ، حتى يؤثر على أختك ، ولكنه وهذا لصالحه حاول إرجاعها فوراً بعد إعادة التفكير ولسوء الحظ لم يتمكن من إعادتها ، وتجاهلت أختك كل التحذيرات وقادت السيارة بسرعة جنونية .
- فهمت ..
- وهل فهمتي حقاً أنسة ارفينغ ؟ مالك سيارة اللوتس التي صدمتها ينوي مقاضاتنا للإهمال ، وتكاليف التصليح باهظة جداً .
سمى لها المبلغ الضخم ، وشهقت سارة قائلة :
ـ لا يمكن ان تكون جاداً؟
ـ و هناك ايضاً الأضرار التي لحقت بسيارتي الفيراري. كما أن السرقة جريمة يعاقب عليها القانون.
ـ و هل ستقاضي ابن اختك؟
ـ بل سأقاضي أختك آنسة ارفينج
ـ يا إلهي! و هل تتصور ماذا سيفعله هذا بها؟هذه فكرة لا تصدق! ولكن لو لزم اأمر ببيع كل ما أملك,سأحضر المبلغ المطلوب.لا بد أن نصل إلى اتفاق حول هذه الأضرار بالتأكيد! لدي بعض المدخرات.. وسيارتي
ـ ألا تظنين أن إخلاصك لها ليس في محله؟
ـ مهما كانت ترايسي بحاجة لن تدرك عواقب غلطتها, فلا أستطيع أن اقف جانباً و أراقب وصولها إلى المحكمة, و لو أدى هذا إلى بيع كل ما امتلكه!
ـ و إذا كان كل ما تملكينه لا يفي بالمطلوب؟
ـ سأطلب مهلة
ـ و ما الذي يجعلك تظنين يأنني سأقبل؟ منذ أقل من اسبوع كنت فظة و مهينة معي, إضافة إلى لجوئك إلى صفعي.
ـ كنت ثائرة...
ـ و هل تظنين أنني لم أكن كذلك؟
ـ اوه.. لأجل السماء! وكيف كنت تتوقع منس أن اتصرف؟ لقد تعبت مع أختي منذ أكثر من شهر. فتاة في السادسة عشر لم يمض على تركها المدرسة أكثر من ستة اشهر!و الله وحده يعلم, كم هي صعبة المراس, و عندما لم اصل غلى نتيجة معها, لم اجد خياراً سوى أن اتصل بك.
و تفرس بها بصمت لما بدا لها أنه وقت طويل, ولم تستطيع ان تستنتج شيئاً من تعبيراته القاسية, و لم تترك عيناه عينيها لفترة و بدأت تشعر و كأنها منومة مغناطيسياً.. تصلي , وهي تنتظر لدغة من أفعى سامة! ثم قال بيتر لاندرسون بهدوء خطر:
ـ لقد كنت أرافقها فقط آنسة ارفينج, هل لديك دليل على مثل هذا الادعاء؟
ـ لقد أخبرتني ترايسي....
ـ آه ...ترايسي... هذه الفتاة الشابة أمامها الكثير لتجيب عليه.
وظهر على وجهها بوادر الشك لبرهة من الزمن, ثم قطبت جبينها و هي تحاول أن تستوعب ما يعنيه بالضبط:
ـ لقد تعشت معك, و ذهبت إلى منزلك.....
ـ تصحيح ... أختك تعشت مرتين, بوجودي, مره كواحدة من مجموعة عائلية في منزلي, و مرة بالصدفة في مطعم في المدينة. وفي كلتا المناسبتين كان يرافقها ابن اختي.
ـ هل تقول لي الحقيقة؟
ـ و هل تتهميني بالكذب؟
ـ لست افهم.... ترايسي لم تذكر اسم ابن اختك أبداً.
ـ إنها مسألة تضليل متعمد, كما أتصور
و أستدار قليلاً, متحركاً نحو النافذة الزجاجية العريضة,و وقف هناك و كأنة ينظر إلى الحركة في الشارع خارجاً. و بعد فترة صمت قالت سارة بهدوء:
ـ أدين لك باعتذار....
ـ الكلمات وحدها لا تكفي آنسة ارفينج
نغمة صوته كانت تبعث على الارتعاد ، وشعرت سارة بقلبها يحفق وهي تنظر الى ابتسامته التي لا مرح فيها .
- العمل و رقة الشعور لا يمتزجان ، أم انك غير مدركة لهذا القول ؟
وابتعلت ريقها بالم ، وواجهت نظرته المثيرة ، بمزيج من الغضب واليأس.
- أفهم من هذا انك لست مستعداً للتساهل ؟
- أنا من أصل يوناني ، والثأر يعتبر أمراً لا تراجع فيه لدينا .
- الثأر ؟ عما تتكلم ؟
- أريد كل أملاكك ! السيارة ومدخراتك ... وماذا بعد ؟
ورفعت رأسها بكبرياء " بضع أسهم أيضا ".
- ولكن كل هذا كما أعتقد لا يكفي لتغظية الأضرار . ما هي الاشكال الأخرة للتعويض التي تستطيعين اقتراحها ؟
- ليس لدي شئ بعد .
- الا تعتبرين نفسك من الاملاك ؟
وتحول الغضب في اعماق الى ثورة عمياء :
- ماذا تعني بالتحديد ؟
ابتسامته اصبحت ساخرة بالكامل :
- هيا .. انسة ارفينغ .. لست بهذه السذاجة .
واحمر وجهها ، ثم شحب بعدما احدثت كلماته اثرها فيها .
- وهل تعتقد انني قد ابدلك شيئا .. كدفعات ؟ لن افعل ابدا ولو بعد مليون سنة !
وارتفع حاجبه قليلا ، وقال بنعومة :
- امصممة أنت هكذا ؟
- انسي الامر . لن تسنح للك الفرصة !
ضحكته كانت صامتة ، عيناه السوداوان مليئتان بالسخرية :
- ولكنني سأحصل على الفرصة . كزوجة لي ستصبحين من الاملاك مرتبطة بي قانونيا وتقدمين بذلك دفعة كبيرة .
- لا بد انك مجنون ، لن اتزوجك ولو كنت اخر رجل على وجه الارض !
- يجب ان تؤمني بانك محظوظة لعرضي الزواج منك !
- لماذا ؟ ... وهل على أن يغمى على من الفرح ؟ أنا لست للبيع !
و أخرج علبة سجائر ببطء ، وأشعلها بتمهل متعمد ، ونفخ الدخان في الهواء ، برضى ظاهر ، ونظر اليها ، وحذرها بلطف :
- فكري جيداً .. اذا خطوت خارج هذه الغرفة ، فلا رجوع عن قرارك .
واعترى سارة الخوف ، وبدأ عقلها يفكر بسرعة . وببطء قالت :
- هل انت واثق ان المدعي الآخر سيسقط دعواه ؟
- المال ... كفيل بهذا . فهو فعال بتليين أقسى الرجال .
وقاومت تصاعد غضبها :
- انت تعرف حقا كيف تضع الامور في نصابها ، اليس كذلك ؟ الاكراه جريمة .. سيد لاندرسون !
- قد تكون تقريبا عملية اغتصاب مشروطة ! يا إلهي ، انت بغيض ! وانا اكرهك !
- اكرهيني قد ما تشائين .
- حرية اختي مقابل حريتي . حتى السجين المحكوم عليه يطلعونه على شروط تمضية حكمه . الى متى سيد لاندرسون .
- بالنسبة للمبلغ .. اظن سنتين تكفيان .
ـ سأتأكد من أنها ستكون جحيماً لك بقدر ما أستطع
و قال لها ساخراً:
ـ أهذا انتقام؟ يا سارة
ـ لو أن معي سكين ,لقتلتك!
ـ سأعتبر هذا تحذيراً مسبقاً
و امام هذه الصخرية الكاملة, رمته بأقرب شيء في يدها, الحقيبة الجلدية التي تحملها, فالتقطها و وضعها على طاولته و قال لها بإصرار ناعم و خطر:
ـ تعالي و خذيها
و عندما مدت يدها و هي جالسة, أمسك بها, و جذبها بقليل من الجهد لتقف عن الكرسي , و قربها منه, على الرغم من القماومة التي أبدتها . و صرخت بحدة"اتركني!"
ـ و كأنك طفل, يضرب ثم يصرخ عندما يعود عليه عمله بالعقاب. ربما تفضلين أن اتصرف كسيد محترم؟
و صرخت سارة, و قد انقطعت أنفاسها و هي تحاول الخلاص من قبضته الفلاذية" أنت شيطان خبيث!"
ـ انت لا تعرفين عني شيئاً, و مع ذلك تطلقين الإهانات و كأنها كلمات لا أهمية لها . احفظي لسانك يا سارة, او سيكون عندك مبررات لإهاناتم هذه
ـ أنا اشمئز منك و أحتقرك.. تذكر هذا عندما تحاول أن....
ـ أعاشرك؟ تأكدي أنني سأفل,و بانتظام!
ـ طبعاً, ويجب علي أن استمر بالمحاسبة, و احذر فسعري ليس رخيصاً!
و تصلبت عيناه حتى شابهتا الرخام المصقول, ثم جذبها إليه بقوة حتى أنها أحست بألم في صدرها من أزرار معطفه
ـ و هل تريدني أن أقبض الدفعة الأولى.. الأن .. و هنا؟
ـ لا أتصور أنك قد تكون بهذه السفالة.. انت تؤلمني!
و بخنق غاضب ابعدها عنه و قال بخشونه:
ـ ابتعدي عن ناظري
و وضع يده على شعره يسرحه ثم وضعها في جيبه و استدار عائداً إلى طاولته, و قال:
ـ سأتصل بك عندما تنتهي الإجراءات المناسبة
و وقفت سارة جامدة. تتنفس بصعوبة , و بخوف , و كراهية ملأت قسماتها الجذابة. ثم و دون أية كلمة, استدارت وسارت نحو الباب, دون ان تتوقف لتنظر إليه حتى من فوق كتفها.
أنت تقرأ
لحظة ضعف
Romansaالطريقة الوحيدة أمام سارة، لتجبر بيتر لاندرسون على ترك شقيقتها و شانها، هي بأن تجذب انتباهه إليها، وهذا ما نجحت به، إلى حد بعيد إلا ان ثمن هذا هو ان تتزوجه، وادركت متاخرة جداً،ان هذا الثمن اغلى من ان تستطيع دفعه ،وان تترك مشاعرها سليمة في نفس الوقت...