هدنة قصيرة

8.2K 170 0
                                    


وسبقت سارة بيتر إلى المنزل وقالت:
- سأذهب إلى الفراش.
- ألا ترغبين بمشاركتي كوب شاي ساخن؟
وهزت رأسها بالنفي ، فأردف:
- حسن جداً ايتها الارنبة الصغيرة، اركضي إلى الغرفة، سألحق بك فوراً.
- من المحتمل أن أكون قد نمت.
- في هذه الحالة سيكون من دواعي سروري إيقاظك.
- متى ستتعلم أنني أشمئز من لمستك لي؟
وابتسم ابتسامة ساخرة وقال بنعومة:
- ومتى ستتعلمين ان تتوقفي عن التصرف كالأطفال؟
ودون أن ترد ، استدارت وركضت صاعدة الدرج ، ولم تتوقف إلا في الحمام لتزيل الماكياج و تنظف أسنانها.
بعد خمس دقائق استلقت بين الاغطية ، واطفأت النور، وتقلبت في الفراش واحتضنت الوسادة لترتاح، إذا لمسها بيتر الآن سوف تقاتله كالحيوان الجريح ، من الواضح أنه يسيطر عليها، واثقاً من نفسه، وتشوقت لتضربه ، تقاتله لتنشب أظافرها به، وتصب غضبها عليه، إنها لا تذكر أبداً أنها كانت غاضبة هكذا طوال حياتها من أي انسان.
وتوقف تنفسها عندما أحست بيتر يدخل الغرفة، وأجبرت نفسها على التظاهر بالنوم، فربما سيتركها وشأنها.
وتلاشت امالها لحظة اندس في الفراش الى قربها، حاولت أن تضربه بقبضتيها ولكنها فشلت ، فغرزت اسنانها في كتفه فصرخ:
- ايتها القطة المتوحشة!
وانتزع كتفه من بين اسنانها، فقالت وهي تتنفس بقوة:
- وماذا كنت تنتظر؟ أن أستسلم لرغباتك. أنت بربري! لقد عضضتني!
- لقد أرجعت إليك العضة بمثلها..
- على الأقل اترك لي مجال المقاومة!
- يازوجتي الحبيبة، ليس عندي رغبة بمقاومتك، ولكن رغم أنني غاضب ، الا أنني أرفض أن أعاملك كامرأة من الشارع.
وصل نيكولا بعد ظهر اليوم التالي، واستقبلته بفرح وسيطر جو من الود بينهما خلال تناول العشاء، وبعد أن آوى نيكولا إلى فراشه ليرتاح.. سعت للتخلص من رفقة بيتر التي لا تطاق، متحججة بأنها تعبة.
ودخلت الحمام واستحمت، ثم خرجت لترتدي ثياب نومها، ثم وضعت قليلاً من أحمر الشفاه، ولمسة من العطر الفرنسي الذي اشتراه بيتر لها وتركت طاولة الزينة ، وأطفأت نور الغرفة الرئيسي مبقية على النور الخافت عند السرير ، وبينما هي تحاول التقدم نحو السرير فتح الباب ودخل بيتر.
ووقفت سارة مكانها، منتظرة رد فعل منه، ثم حاولت التظاهر بالشجاعة ، فوقفت في وضع اغراء وقالت:
- ولو تعلمني ماذا تفضل، سأفعل جهدي لإرضائك ، ألست أرضي رغباتك ياسيدي؟
- وهل هذا لأجل إسعادي، كما أفترض؟
- طبعاً..أعتقد، بما أنك قد اشتريتني لغرض معين، يجب أن أرتدي لك أفخر الثياب.
- أنت تربطيين وضعك كزوجة لي بوضع فتاة غانية؟
صوته كان هادئاً بشكل خطر، وارتعدت سارة ، واضطربت نظراتها أمام نظراته، وقالت:
- لقد عاملتني الليلة الماضية وكأنني...
- عاملتك كما تستحقين .. وأنا سيد في منزلي، أتذكرين هذا؟.
- وماذا بشأني يابيتر؟ ألا يحق لي أن يكون لديّ مشاعر؟
- أنت تحملين اسمي.
- ليس لديك فكرة كم يسعدني هذا.
- توقفي عن العبث كالأطفال ياسارة، أنت لست مؤهلة حتى.
- وهل هذا إطراء ،ام إهانة؟
وتجاهل سخريتها، وبدأ خلع ثيابه وبعد أن انتهى قال:
- إما أن ترتدي روب المنزل فوق غلالة نومك، او اذهبي إلى السرير.
- ولماذا؟ هل يضايقك هذا؟
- أقترح عليك أن تفعلي ماقلته لك قبل أن اضطر لضربك على قفاك ، أمامنا أكثر من ساعة نقضيها في السيارة غداً، وستجدين من غير المريح الجلوس وأنت متألمة.
- وما تأثير بضع كدمات، عندما يكون لديّ الكثير؟
- إنها آثار المعركة!
- وأين سنذهب غداً؟
والتقطت الروب ولبسته ، وأضافت:
- وهل سيأتي نيكولا معنا؟
- لديّ منزل صيفي في شبه " بيلارين" ، وهذا يوفر بعض الوحدة لنا، والخلاص من ضغط العمل، اعتدت أنا و نيكولا أن نذهب هناك متى استطعنا، وسأتأكد من عدم ارتباطنا بأي شيء كي نمضي بعض الوقت معاً.
- ثلاثتنا فقط؟
- أجل.. سنغادر بعد الفطور مباشرة.
وأحست فجأة في ابتلاع ريقها، غير مصدقة أنها ستنجو منه الليلة.
- إذاً من الأفضل أن ننام قليلاً .
واستدارت لتسير نحو الفراش وهي تتوقع في كل لحظة أن يمسك بها ودهشت عندما رأته يسير إلى الناحية الأخرى من السرير ويندس بين الأغطية، فخلعت الروب واندست بدورها في الفراش، وأغلقت عينيها وحاولت التركيز على النوم، ولكن دون جدوى، ومضى عليها وقت طويل قبل أن تغفو.
طوت السيارة المسافة الى "بيلارين" بسرعة، واستغرقت الرحلة اكثر من ساعة بقليل، وجرى الحديث براحة و سهولة مدهشة، وكان واضحاً أن الأب والأبن متقاربان من بعضهما كثيراً وأحست بالإثارة عندما سعى نيكولا لضمها إلى دائرة الحديث العائلي.
المنزل الصيفي لم يكن يشابه " الشاليه" الصغير الذي تصورته سارة في الداخل كان هناك عدة غرف عبر ممر واسع ينتهي إلى غرفة استقبال كبيرة عرض المنزل، مفروشة بعدة مقاعد فاخرة، وانتشر السجاد على الأرض، وقال نيكولا وهو يفرك يديه معاً:
- سأشعل التدفئة المركزية.
- تدفئة مركزية، في منزل صيفي؟ لابد أنك تمزح!
وهز بيتر كتفيه وابتسم :
- اللوم على دمي المتوسطي، عندما أود الاسترخاء فأنا أفضل الدفء.
وضحك نيكولا وغمز سارة بخبث:
- فليساعدك الله عندما يصبح رجلاً عجوزاً!
وحاولت أن تقول إنها لن تكون موجودة عندما يحصل هذا، ولم تستطيع تخيل بيتر سوى بهذا الشكل القوي رجولة، وابتسمت:
- إنه مكان ارستقراطي، غارق بالسجاد، ومؤثر!
وقال نيكولا مقترحاً:
- مارأيكم بأن أذهب لصيد السمك؟
ونظر نظرة متفحصة ، نقلها من أبيه إلى سارة واستدارت مبتعدة بحجة استكشاف البيت، وقد شعرت بالإحراج ، فقال بيتر:
- ستجدين كل شيء هنا يرضيك تماماً!
- طبعاً.. ولكن يجب أن تعلم أنني لا أعرف شيئاً عن الطبخ اليوناني ، أعتقد أنك تتوقع مني أن أطبخ ونحن هنا؟
- نستطيع دوماً أن نذهب إلى المطعم قريب، ولكن أنا و نيكولا عادة نتقاسم مهام الطبخ أثناء وجودنا هنا!
- حقاً؟ خبرتي بالطبخ ليست كبيرة، ولكنني أستطيع أن أطبخ ماهو معقول.
- سنذهب بالمركب أنا و نيكولا بعد الغداء، هل تحبين أن تأتي معنا؟
- أنا اصاب بدوار البحر، وأفضل أن أبقى هنا، إذا كنت لا تمانع.
- كما تفضلين.. سنعود قبل الظلام.
- سأكون قد جهزت الطعام، ماذا تفعلون عادة في الأمسيات؟
- نلعب الورق، نشاهد التلفزيون، نتحدث، ليس عندنا نظام محدد.
- أي نوع من لعب الورق؟
- وهل تلعبين ؟ البوكر؟
- كهاوية فقط، مع أنني أظن أنكما لن ترحبا بامرأة تلعب معكما.
- ولما لا؟ سيكون نيكولا مسروراً.
- وأنت يابيتر؟ هل ستكون مسروراً لو أنني غلبتك بالصدفة؟
- وهل تفكرين بإخفاء " الأس" في كمك..هه؟ هذه الأمسية ستكون مثيرة.. ستظهرين فيها خبرتك!.
وكانا قد وصلا في تجوالهما إلى المطبخ، فغمزت له بأنفها وقالت:
- إذا كنت تنوي البقاء معي في المطبخ، فأوكل لك بعض المهام.
- أستطيع التفكير بمهمة، ولن تكون صعبة.
ووضع يده على خصرها وجذبها نحوه ، ولم تكن تتوقع من هذا اليوناني اللامعقول، أن يكون بهذه الرقة و العاطفة ، وجاء صوت نيكولا من الباب:
- هل أخرج و أعود بعد قليل؟
ضحك بيتر عالياً وقال:
- كانت سارة تسألني ، ماذا ترغب على الغداء.
وغطى وجها لون زهري ناعم، ولكن الحقيقة لم تستطع معرفة سببه، أمن الغضب أم من الإحراج، وقالت بابتسامة مشرقة:
- أعتقد بعض الحساء و الخضار يتبعه بيض مقلي مع الفطر و اللحم مع البصل و الخبز ، وأستطيع تدبير بعض الحلوى.
وقال نيكولا:
- لقد أدرت المدفئة ، وسنشعر بتأثيرها قريباً.
ووضع بيتر يده في جيب بنطلونه وقال:
- وفي هذه الأثناء سنذهب لتفقد القارب.
ثم وضع يده على كتف نيكولا، وسمعت سارة صوتهما يتلاشى وهما في طريقهما إلى الخارج.
الغداء كان مرحاً ، وتركز الحديث خلاله حول رحلات الصيد التي قام بها الأب مع الأبن خلال السنوات الماضية، وتناولوا طعامهم بمتعة، ونظفوا صحونهم تقريباً، وعندما غادر بيتر و نيكولا المنزل بدأت سارة تنظف المائدة وتغسل الصحون.
لم يزعجها أن تبقى لوحدها في المنزل، وعندما حضرت اللحم و الخضار للطبخ ووضعتهما على النار ، ارتدت سترتها وخرجت من المنزل.
بدت السماء مغبرة ، وتنذر بالسوء، الغيوم كانت متجمعة فوق الجنوب، تتحرك بسرعة نحو الشرق، وبدا المطر وشيكاً، ورفعت سارة قبة سترتها، ودست يديها في الجيوب وهي تراقب سطح البحر، واستطاعت أن تشاهد مركبين عن بعد، ولكن بما أنها لا تعرف طراز مركب بيتر، فقد كان مستحيلاً أن تعرف إذا كان أحد القاربين له.
كانت الريح تصفر باردة، وبعد تجولهما على الشاطئ باحثة في الرمل عن الأصداف، استدارت و عادت إلى البيت، ووصلت إلى الممر المؤدي إلى المنزل عندما أحست بأولى قطرات المطر الثقيلة تتساقط.
داخل المنزل كان دافئاً بعد البرد الذي تعرضت له في الخارج، وبعد تفحص الطعام على النار، بدأت تحضر الحلوى، وكان هناك مايكفى من الحساء بقي من الغداء، وبعد نضج الخضار، ذهبت إلى الصالون وأدرات التلفزيون.

لحظة ضعفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن