يجب أن تكرهه!

8.5K 163 0
                                    

- سارة ، ماذا تفعلين الليلة؟
جاء صوت ترايسي على الناحية الأخرى من الهاتف، وضحكت سارة غير مصدقة:
- لا شيء .. لا شيء البتة، لماذا؟
- وماذا عن بيتر؟
- أنا واثقة أنه يستطيع الاستغناء عني لبضع ساعات على ،كل حال لديه اجتماع عمل وقد يشمل هذا العشاء مع زملائه.
- عظيم! لديّ تذاكر للمسرح، لقد ربحتها في يانصيب أقيم في العمل، سنتعشى في المدينة أولاً..هل هذا ممكن؟
- ولماذا لا؟ أين ألتقي بك؟
- خارج المطعم عند السادسة، هل هذا جيد؟
- عظيم.
وأعادت السماعة إلى مكانها وذهبت إلى المطبخ لتقول لصوني أن لا تحضر العشاء، وقررت أن تخرج للتسوق قبل موعد السهرة، فخرجت متأخرة قليلاً بعد الظهر ، وكان أمامها وقت كافٍ لتناول القهوة قبل أن تضع مشترياتهافي السيارة استعداداً للقاء ترايسي.
- مرحباً..هل تأخرت؟
فضحكت ترايسي وقالت:
- لا.. لقد أتيت انا باكراً.
وأقفلت سارة مظلتها وهي تقول :
- أليس الطقس مزعجاً؟ هل ندخل لتناول العشاء؟ أود الدخول بسرعة إلى الدفء؟
وبعد اختيارهما للطعام، سألتها ترايسي:
- كيف حالك مع بيتر؟
السؤال كان مفاجئاً، وتأخرت سارة عدة لحظات لتختار الكلمات:
- لماذا تسألين؟
- حسناً..إنه رجل عظيم..أليس كذلك؟ حاد الطباع و قاسٍ، حتى أنه ظالم ، دامون يعتبره نوع من الشياطين الوحشية.
- ألهذا جعلتيني أظن أنك تخرجين معه، لسمتعه المعروفة؟
وبدا على ترايسي الخجل، وقال وكأنها تعتذر:
- لقد قابلته مرة أو مرتين، عل كلٍ، لقد أوقعتيه بشراكك دون مجهود.
دون مجهودا أبداً، وكرهت سارة أن تكتشف لها بالضبط كيف تم زواجها منه، فلو أن ترايسي كانت تظن أن الأمر تم بعد حب صاعق، فليست مستعدة لأن تخيب ظنها.
- هل هو رائع في حياته، الإشاعات تقول أنه ساحر.
- هذا هو سؤال شخصي جداً، وليس لدي النية في الإجابة عليه؟
- ياللأسف! لقد أصبحت أماً ثانية، أتساءل كيف كانت زوجته الأولى. هل كانت يونانية، أم أسترالية؟ ماكان اسمها؟
- في الحقيقة ليس لدي فكرة.
اسئلة ترايسي كانت مباشرة، مما جعلها تدرك أنها تعلم القليل عن الرجل الذي تزوجته.
المسرحية كانت مسلية، ولكنها تافهة كثيراً بالنسبة لذوق سارة، وخرجتا من المسرح لتكتشفا أن السماء قد فتحت أبوابها لتدفق المطر، وكافحتا في طريقهما للوصول إلى السيارة ، وعلى الرغم من المعاطف و المظلات فقد وصلتا إليها مبتلتين تماماً، وقالت ترايسي وهي تجفف وجهها وتنفض المطر عن معطفها:
- لقد سئمت الشتاء، إنه بارد و عاصف.
- سأوصلك إلى المنزل.
ونظرت إلى ساعتها ، كانت قد تجاوزت الحادية عشر ، وعندما ستوصل ترايسي إلى منزلها وتعود إلى منزلها هي سيكون الوقت قد قارب منتصف الليل، وللمرة الأولى فكرت بما سيكون عليه رد فعل بيتر، وتجهم وجهها وهي تدير محرك السيارة، قد يصبح غاضباً، دون شك، حسناً فليغضب كما يشاء، فلن يهمها الأمر.
ووصلت إلى الشقة متأخرة أكثر مما توقعت ، وقالت لها ترايسي:
- أترغبين في الدخول والاتصال ببيتر؟
- لا.. فقد لا يكون عاد إلى البيت بعد.. سأتصل بك غداً، ربما قد تحبين أن تتعشي معنا في الأسبوع القادم؟
- بالطبع سأحب هذا، مع السلامة، قودي بحذر فالطقس رديء!
ولم يخف المطر أبداً، وبدت طريق العودة طويلة جداً، وتنفست سارة الصعداء عندما وصلت إلى المنعطف الذي يقود إلى منزلها ، فبعد دقائق قليلة ستكون هناك سالمة، وبدت لها فكرة الحمام الساخن ثم الراحة في الفراش مثالية.
وفجأة ، حدث كل شيء ولم تستطع سارة التصديق، وفتحت فمها من الدهشة و تفحت عداد البنزين، ثم الكهرباء، وأدارت المفتاح من جديد، وبدا أن كل شيء قد تعطل، وبعد خمس دقائق من عدم تلقي أي شارة إيجابية من المحرك أقفلت الأبواب وخرجت من من السيارة وبدأت السير.
لم تكن المسافة بعيدة، أقل من نصف ميل، وبعد بضع دقائق أخذت تركض، وأكدت لنفسها أن هذا ليس من الخوف بل للرغبة في الوصول و الدخول إلى دفء المنزل هرباً من هذا الطقس الرديء.
وتنهدت بارتياح عندما وصلت إلى المدخل الخارجي، ودون اكتراث ضغطت على الجرس وأبقت أصبعها عليه، آملة أن تجيبها صوفي أو الكس السائق أو حتى بيتر، وتمتمت من بين أسنانها :
- أوه .. هيا أجيبوا.
ثم صرخت مجفلة عندما فتح الباب وظهر بيتر.
وجرها إلى الداخل وصفق الباب بغضب:
- بحق السماء! أعتقد أن لديك تفسيراً جيداً لهذا!
- لديّ تفسير.. وحالما أتخلص من هذه الملابس المبللة سأقوله لك.
- وأين كنت بحق الجحيم؟ لم أسمع صوت لسيارة.
- هذا لأنني أتيت سيراً على الأقدام.
وشعرت بالرضى عندما ظهر عليه أنه فقد السيطرة على الكلام، فانحنت وخلعت حذاءها المبتل، وأخرجت ذراعيها من أكمام المعطف.
- اتركي ذراعيك حيث هما!
- وهل ستخرب السجادة؟
- إلى الجحيم بالسجادة! اصعدي إلى فوق، وسأرسل صوفي لتساعدك في حمام ساخن.
- لايمكنك إيقاظها في مثل هذه ساعة، أستطيع تدبير نفسي.
- وهل أنت مدركة كم الساعة؟
- لا تلعب دور الزوج الشرير ، لن يفيدك الأمر.
واستدارت وركضت صاعدة الدرج نحو غرفتها، وعبرت الغرفة ثوانٍ امتلأ الحمام بالبخار، وخلعت ملابسها، ثم أضافت كمية من الصابون المعطر، واغرقت نفسها بالماء ملأ المغطس.
وسرت الحرارة ببطء إلى جسدها البارد، وأغمضت عينيها، تتمتع بالاسترخاء في المياه الساخنة، وبعد فترة دخل عليها بيتر، ففتحت عينيها باندهاش وقالت:
- ماذا تفعل هنا؟
- أذكر أنني سمعت مثل هذا الحديث من قبل.
وبهدوء تقدم نحوها وأخذ منشفة وقال:
- اجلسي لأجفف لك شعرك...
- لن تفعل!
- اقبلي مساعدتي بالطريقة التي أعرضها عليك.
ومد يده داخل المغطس وجذب السدادة ، وفي بضع ثوانٍ انسابت المياه من المغطس.
- إذا كنت تريدين تجنب نزلة برد ، فعليك الإسراع إلى الفراش.
- أنت دائماً تعطيني الأوامر، أليس كذلك؟ لا تقترح أبداً، أو تطلب.. أنت فقط تصدر الأوامر، وتتوقع أن تطاع دون سؤال! لن اقبل السيطرة من مستبد ظالم مثلك..
وصرخت من الألم وهو يقوم بتجفيف شعرها دون الاكتراث ببشرة رأسها الرقيقة، وقالت له:
- لأجل السماء! هل عليك أن تكون قاسياً هكذا؟.
- قاسي؟ ياإلهي! أستطيع أن أخذ رقبتك بين يديّ و أكسرها هل تعلمين هذا؟.
- ولماذا ؟ وما الخطأ في لقاء أختي للعشاء معها، ثم الذهاب إلى المسرح؟ لابأس إن أنت تعشيت في الخارج وعدت ساعة متأخرة ، ولماذا لا يسمح لي؟
- كان عليك الاتصال بي في المكتب.
- وهل كنت ستوافق؟
- وماذا كنتي ستفعلين لو قلت لا؟
- كنت سأذهب على كل الأحوال.
- حتى بمعرفتك أنك ستواجهين غضبي عندما تعودين؟
- أجل.. اللعنة عليك! لن أركع لك وأكون عبدة! لن أفعل أبداًّ.
وبحركة غاضبة رمى بيتر المنشفة على الأرض ، ورفعت سارة رأسها، وأرجعت شعرها عن وجهها إلى الخلف بأصابع مرتجفة.
- سأحضر لك شراباً ساخناً.
وتوجه نحو الباب، فرمقته بنظرة حقد.
- لاأريد شيئاً ، أكره أي شيء منك!
- ستشربينه ، حتى ولو اضطررت لوضع الكوب في فمك.
في الوقت الذي عاد فيه كانت قد أكملت لبسها وجلست أمام مرآة طاولة الزينة تحاول تمشيط شعرها.
- هاك حليب الساخن!
- أنت لاتطاق.. الكلمات تفشل في وصف ما أشعر به تجاهك!
- فقد تزوجت يونانياً يتمسك بالكثير من العادات التقليدية، وتصرف الزوجة بالمساواة أمر غير مقبول.
- ولكنك ولدت هنا في استراليا، ماتتوقعه من المرأة قد يكون مقبولاً في اليونان، ولكن هنا، إنه كثير! اذا كنت تريد زوجة موافقة دون جدال ، لكان عليك أن تتزوج غيري!
- لقد اختار القدر أن يربطنا معاً، ألن تسمعي بالقول: لتربح معركة عليك أن تحارب أولاً؟ أليس هذا مانفعله الآن؟
- أشك أن بإمكاننا قضاء خمس دقائق معاً دون الوقوع بحرب شاملة! انظر ماذا فعلت بشعري، سيستغرقني دهراً لأسرحه!
- أعطني الفرشاة ، ولكن أولاً اشربي الحليب وهو ساخن، وأنا أصرّ.
وفكرت سارة أن تأخذ الكوب وترمي بمحتوياته في وجهه، ولكن نظرة واحدة إلى هاتين العينين السوداوين كانت كافية لتحذيرها بأن رده سيكون سريعاً وقاسياً.
وبصمت مدت يدها وتناولت الكوب و شربت قليلاً ، ثم وضعت الكوب النصف ممتلئ على الطاولة ، فأسرع للقول:
- اشربيه كله ياسارة.
- لوشربت أكثر سأتضايق.
- ستشربينه كله.
ومد يده وأخذ الكوب ووضعه على شفتيها بينما أمسك ذقنها باليد الأخرى.
- أنت متوحش.. وحق الله أنا أكرهك!
- أنت كاسطوانة عالقة تردد المقطع نفسه.
وقفزت على قدميها واقفة ، والدموع المريرة الغاضبة على وشك التدفق نحو خديها، وتمتمت بصوت مخنوق من الغضب:
- أتمنى لو أضربك!
وضحك بنعومة ، مما قدم لها الدافع لأن تفعل ما قالته، ودون وعي أو تفكير أمطرته بوابل من الضربات من قبضتيها على صدره وأمسك بمعصميها بقوة جعلتها تشهق من الألم ، وقال بقسوة:
- توقفي عن هذا فوراً.
وهزها بين يديه بطريقة عنيفة.
- سارة..ألم تتعلمي بعد أن إغضابي عمل لا طائل من وراءه؟
- أنا أكرهك!
- ولكن الكراهية ليس هي التي تدفعك بين ذراعي باستسلام، أليس هذا صحيحاً؟
- لا أعترف بأي شيء تقول.
- وأنا بالطبع لا أستطيع اظهار اهتمامي بغيابك دون إثارة غضبك ..هه؟
- أنت.. تحاول حماية استثماراتك.
- لك جسد و عواطف امرأة .. ولكن عقلك كعقل طفل.
- وكيف تتوقع مني أن أفكر عندما تعاملني كطفلة.
- أنت زوجتي!
- ولكن لست محبوبتك.
- لا.. مثل هذا قد يكون صعباً ..أليس كذلك؟
ولفترة طويلة نظرت إليه ، غير قادرة على تخمين شيء سوى السخرية الواضحة في وجهه القوي، ثم تنهدت عميقاً وحاولت التخلص من قبضته ، وقالت:
- لقد تأخر الوقت، ويجب أن اجفف شعري، أرجوك اتركني يابيتر.
- اعطني الفرشاة.
وعندما لم تتحرك ، مد يده و أخذها ، ثم وبلطف ونعومة وجدت صعوبة بتقديرهما، فيه، بدأ بإعادة ترتيب شعرها، وعندما انتهى قال لها :
- والآن جففيه.
ودون أن تتكلم أخذت مجفف الشعر ، وأخذ يراقبها وهي تمرر الألة فوق شعرها وعندما انتهت، مرر أصابعه في شعرها وقال:
- إنه يشبه الحرير البني الموشى بالذهب، نظيف ولامع والأنسان معذور لو أراد أن يدفن وجهه فيه.
وأزاحه إلى جانب ليكشف رقبتها، وارتجفت سارة دون إرادة عندما أحست بيده تمر عل رقبتها.
- توقف عن هذا!
- أجبريني!
- هل ترغب في دفعة جديدة يابيتر؟
- اللعنة عليك..أجل، اذا كنت تصرين على تخفيض قيمة علاقتنا الى مستوى الدفعات المالية، إذن توقعي أن أعاملك مثل بنات الليل غير المحترمات.
بدا من غير المعقول أن يستطيع رجل واحد أن يقوم بكل هذه الأعمال المدمرة، وفي تلك اللحظات تمنت سارة لو أنها تموت.
وتساءلت وهي تشعر بالدوار، ترى أين ستجد القوة لتحرر نفسها، فهذه الحرية ستجلب لها الخسارة.. خسارة تشك في أنها تستطيع العيش معها.
روح القتال و الفضب، هربت من نفسها وهي تحاول المقاومة لمنع مشاعرها ولكن، الوقت قد فات، تأخر كثيراً، وانحدرت دمعة ببطء على خدها، ومد يده واطفأ الضوء ، وفي الظلام انهمرت دموعها أكثر لتبلل وسادتها إلى أن أوصلها الارهاق إلى النوم.
مساء اليوم التالي ارتدت سارة ملابسها بتأني، وأمضت وقتاً أطول في وضع مكياجها وأقبل بيتر إلى الغرفة:
- هل أنت جاهزة؟.
فهزت رأسها بالإيجاب والتقطت حقيبة يد خاصة للسهرة، وخطت نحو الرجل الأنيق الواقف على بضع خطوات منها، وعندما وصلت إليه، أخرج من جيبه علبة مجوهرات صغيرة:
- لديّ شيء لك.
صوت فتح علبة تبعه صوت وقوعها على الأرض بعد أن أفرغها، ثم لمست أصابعه رقبتها وأزاح شعرها الكثيف وهو يقفل حلقة السلسلة.
ونظرت سارة لترى دمعة الماس فريدة ترتاح على صدرها فتزداد جمالاً، ورفعت عينيها لتنظر إلى عينيه :
- شكراً لك.. إنها جميلة جداً.
واحتدت نظرته وهو ينظر إليها مفكراً ، ومرر أصبعه على طول السلسلة الذهبية التي تحمل الماسة:
- بهذه الطواعية.. هل أنت بخير؟.
فصمتت لعدة ثواني ثم قالت بمرارة:
- أنت تعلم دروساً مؤلمة يابيتر.
- هناك أوقات تدفعيني فيها إلى ماوراء المنطق، هل نذهب الآن.
وتقدمته سارة خارجة من الغرفة، وعندما وصلت إلى أول الدرج، مد يده ووضعها تحت ذراعها، وبقيت حيث هي إلى أن أجلسها في السيارة.
- هل سنلتقي بولا في المطعم؟
- هل هذا نوع حديثك المؤدب أم أنه مجرد فضول؟
- وهل هناك فرق؟
- الفرق في المطعم ، الطعام يوناني، كذلك الموسيقى، وقد تجدين الأمسية مسلية
مسلية؟
ومع وجود بولا برفقتهم، ربما بولا اختارت المكان عمداً لمحاولة إقناع بيتر أنه أخطأ في عدم اختياره زوجة من وطنه.
ولعب أربعة رجال على الغيتار و ( البوزوكي) الموسيقى اليونانية ورافقتهم مغنية وكان الخدم في اللباس التقليدي ، ولم يكن في المطعم سوى قليل من الطاولات الفارغة وقال بيتر:
- لقد سبقتنا بولا واصدقاؤها.
وتقدمت بولا لاستقبالهما :
- بيتر! كنا بانتظاركما ! سارة تبدين رائعة .
وتم التعارف، وجلس الجميع ، واختار بيتر دون تردد مقعداً قرب بولا، وجلست سارة إلى يمينه.
ودار الحديث بأغلبه باليونانية ، قادت أكثره بولا، ومع أن سارة حاولت أن لا تتأثر بالأمر ، إلا أنها في النهاية لاذت بالصمت، وهي تشعر وكأنها سمكة خارج المياه، بينما كانت السهرة تتقدم.
- هل ترغبين بالرقص؟
ونظرت سارة إلى زوجها ، ثم أجابته بأدب بارد:
- لست معتادة على الرقص اليوناني.
- من الممكن أن يجري رقص تقليدي فيما بعد، ولكنه للرجال فقط!
- لم لا تطلب من بولا الرقص معك؟ أنا واثقة أنها سترحب بالفكرة.
- ولكنني أفضل أن أطلب منك؟
- ولماذا؟
- وهل ترغبين حقاً أن أقول لك لماذا؟
- حسن جداً.
ونهضت بعد أن نهض بيتر ، ودخل الحلبة و أخذها بين ذراعيه، فحاولت جاهدة أن تبقي جسدها متصلباً بعيداً عنه، فقال:
- مابالك لا تمتعين نفسك بالرقص؟.
- أنا لست معتادة أن يتجاهلني مرافقي.
- وهل تريدين أن أظهر اهتماماً أكثر بك، هل هذا هو الأمر ؟
انظري إليّ!
وأبقت رأسها منخفضاً، ولم تكن مستعدة، أصابعه وهي تمسك بذقنها وترفعه بقوة، ثم بيديه تلتفان حولها وتجذبانها قريباً جداً منه، فأجفلت ، وتوسلت إليه:
- لا تفعل هذا!
- في لحظة تطلبين مني أهتم بك وعندما أفعل تطلبين التوقف ؟ كم أنت طفلة متناقضة التصرفات !
- أنا لست طفلة! وتوقف عن اللعب بي ! أشعر بالغباء بما فيه الكفاية ، دون أن تضيف شيئاً.
- ولماذا تشعرين بالغباء؟ ردي عليّ!
كيف تستطيع اتهام بولا دون دليل؟ وهناك إمكانية أن تكون تتخيل كل شيء ، وردت عليه:
- لديّ زوج يوناني أعرفه منذ ستة أيام، والمطعم يوناني ، وأنت تتحدث باليونانية التي لا أعرفها، وكل من معنا على الطاولة من أبناء بلدك، أهناك عجب لو شعرت أنني لست في مكاني الصحيح؟
ونظر إليها بصمت لعدة ثوانٍ ، وشعرت شعوراً غريباً بأنه يستطيع قراءة أفكارها .
- هل هذه طريقة ملتوية لإعلان أنك تريدين تعلم شيء من عاداتنا؟ أم ذلك مجرد استياء لتخطيط بولا أن تظهر لك أنها نقيضتك تماماً؟
- وهل لاحظت هذا؟
- بولا صديقة للعائلة منذ سنوات ، وأنا أعرف أنها كانت تحلم بأن تكون زوجتي، ومن المتوقع أن تحسدك.
- لو أنها تعلم كم أرحب بأن تأخذك!
- مسكينة ياسارة، محكوم عليك بسنتين مع رجل تكرهينه !.
- هذا صحيح.
ولكن، هل هذه الكراهية؟ أحاسيسها متشابكة إلى حد الحيرة، وعليها فقط أن تنظر إليه ليبدأ ذلك الشعور الغريب الملتوي يزحف إليها.
عندما عاد إلى الطاولة ، لم تكن بولا هناك، وتنهدت سارة بارتياح، لم يدم طويلاً،ولأن الفتاة عادت إلى الظهور برفقة شريكها لتطالب أن يرقص معها بيتر الرقصة القادمة.
إذا كان ماتريده أن تثير غيرة سارة، فقد نجحت رؤية بولا بين ذراعي بيتر ، كان بالنسبة إلى سارة ألماً أصابها في القلب، ولعنت نفسها عدة مرات لغبائها ! لماذا تهتم لو رقص بيتر مع امرأة أخرى، أية امرأة ، وهل هذا مهم؟ إنه ظالم، شيطان كريه لا رحمة عنده، ولن تشعر نحوه بأية مشاعر، وبالنسبة لها.. تستطيع بولا أن تحصل عليه!
وطلبها أحد الشبان من المجموعة للرقص فقبلت دون تفكير، ولكن بيتر تدخل بنعومة:
- وهل تمانع ياصديقي أن أرفض السماح لزوجتي بالرقص ؟ أذا أرادت أن ترقص فسترقص معي فقط، هل فهمت؟
ابتسامة الرجل كانت مشوبة باستياء معين:
- بالطبع يابيتر...
ضحكته الخفيفة لها معنى، وتحولت عيناه نحو سارة بتفهم مفاجئ قبل العودة إلى قسمات زوجها الساخرة.
- لوكانت زوجتي ، لن أتركها تغيب عن نظري!
وهز بيتر راسه وقال:
- أنا مرتاح لأنك موافق معي .
ثم مد يده و أمسك بذراع سارة وحمل يدها إلى شفتيه، وعيناه تلمعان بخطورة ، وكأنه يتحداها أن تتحداه.
- تعالي ياحبيبتي ، لنرقص.
وتشوقت سارة لتضربه، وللحظات كادت أن تفعل، ولكن عودة تعقلها بسرعة معها، والنظرة التي أطلقتها عليه عليه كان من الممكن أن تخضع رجلاً اقل شأناً، ولو أنها لطفتها بالابتسامة التي قابلته بها أمام المدعويين، ولكن في حلبة الرقص، أبعدت نفسها عنه، وعيناها تلمعان بالغضب المكبوت.
- هل كان يجب أن تكون بهذه ..أوه ..أنت لا تطاق!
- وهل هذا كل شيء عندك؟ وهل نفذ منك الكلام مؤقتاً لإطلاق تهجماتك علي!؟
- لقد رقصت مع بولا! ولماذا لا أرقص أنا مع شخص آخر؟
- أنت زوجتي!
- ياإلهي ، لا أصدق شيئاً مما يحدث ! كيف يحق للرجل أن يقوم بأداور متناقضة !
- إذا كنت تعارضين أن أرقص مع امرأة أخرى فما عليك سوى أن تقولي!
- أنا لا أهتم، ولن أهتم، لقد تركتني باردة! ألا يزعجك هذا؟
- لا يزعجني طالما أتذكر ردات فعلك بين ذراعيّ.
وشعرت سارة باللون يغادر وجهها، وأسودت عيناها حتى أصبحتا كبركة كبيرة عميقة وهمست بمرارة ( أنت شيطان!)
-ومع ذلك فما أقول صحيح، فلماذا تنكرين..هه؟ غير مجربة مثلك، أن تتعلمين بسرعة، والتردد الأول قد ذهب عنك، أليس هذا صحيحاً؟
واجتاحتها موجة من الغثيان ، الحقيقة في كلماته صدمتها:
- أريد العودة إلى المنزل، الآن سآخذ تاكسي!
- سنذهب معاً.
- الآن.
- ولما لا!
- ولكن أصدقاؤك.. بولا....
- سيتصورون أنني لم أستطيع أن أصبر على بعدك.
- سيكون على حق، فأنت رجل مادي ، ألست كذلك؟
- وهل تشتكين؟
- أجل..اللعنة عليك! سيكون تغييراً مهماً في بحياتي أن أذهب إلى النوم دون أن أعاني من تصرفاتك!
- يجب أن تكوني مسرورة ، أن تكوني امرأة وغير مرغوبة أمر لا يطاق.
- أنت حقاً لا روادع عندك، هل تعرف هذا؟ أوه .. هيا بنا من هنا.
الأمسية كلها كانت ملئية بما لا يحتمل، ولم تعي ماذا قال بيتر معتذراً.
وارتاحت عندما صعدت السيارة، ومالت برأسها على المقعد، وعيناها مثبتتان بشيء غير محدد أمامها، بينما كان يقود السيارة في الازدحام.

لحظة ضعفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن