-عندما أبصرت الحياة و أدركت من أنا ايقنت أن الظلام هو طريقي، أن الليل هو حليفي..
أن لا مكان لي إلا أسفل مظلةً حالكة، أتوخى فيها حَذر الحياة، الضجة و الشوارع، البشر .. و غيرها كثيرة أتفادها بالظلمة و العتم.
كان يُفترضُ بي أن أكون واثقاً، حالماً، محباً .. أملكُ روح الطفولة!.
لكنني كنتُ ديجور، ديجور لا روح فيه، لا صوت ولا احساس..، كان ليسعدني أن أجدَّ من يفهمني..!
في حين أنني لا أفهم كثيراً من نفسي.أو من يُثني على فعلٍ سليم قمتُ به بإخلاص!، لكن و بقدرٍ لعين أنا المُخطئ، أنا السافل، أنا الجوكر ..
أنا الجوكر ..! أنا الشرير ذا المعدن الأصيل.
الديجور أنا..
الظلام أنا ..
و بين ذرةٍ و أخرى أبصر ذاتي تتمزق!
و لكأني لستُ أنا، و مثيلٌ لنفسٍ كانت ضعيفة، كانت قليلة الإيمان ..!فلُذت خلف الظلام.. لأنني أخاف الحياة.
كان وجهها يحوي ابلاجاً ..
وجه أمي.
في ذاك المساء الشَتوي وحينئذ كنتُ أبلغ الثلاث أعوام، وجدتُ وجهَ أمي محمراً، تغلف وجهها بكفيّها تارةً و أخرى تائهة تمسح أرنبة أنفها، تأخذُ نفساً ذا رنةٍ خافتة و تصدرُ أصواتاً مؤلمة، تَخزُ فؤادي كما خنجرٍ يزورهُ ببرودِ يدً متمرسة دونما يرحم .. ثمّ ينتشلهُ من بين أضلعي ببطءٍ يستل روحي؛ فيَقطُر من نصلهُ الدِماء و ذلكَ دمعها!.حتى ومع تلك الأنّات و النواح الخفيض، إحمرار بشرة وجهها و دمعها الذي غزى أوداجها كانت بوجهٍ يشعُ نوراً .. و كنتُ لا أرى سوى ذاك النور من السواد الذي يحيطني!.
كنتُ أجهل سبب بُكاءها، أراقبها بصمتْ فيما كانت كلُّ جوارحي تصرخ و تقول -لا تبكي ولو كان السببُ مُرّاً ..
قاطع نحيبها دخول أبي المباغت!، إلتفتُ و أياها إليه...
فيما كانت أمي تقضم شفتيها هو كان يرص على أسنانه يبدو و كأنه يرى الجحيم!..
كانتْ ليلةٍ باردة من ليالي موسكو الفسيحة، مليئة بالصراخ و النحيب، كان منزلنا وحدهُ مُنار الأضواء لأن والديَّ في شجارٍ جم!، أمي صوتها يخبو خلف نحيبها ..
و أبي صوتهُ يجلجلُ على مسامعي، كان، كان يرمقني نظراتٍ غريبة! تَصف مدى كرهه لي؟ ..
أو ندمه على وجودي!.. لم أكن أعلم، ولم أكن أريدُ أن أعلم.
ذلك الشعور و الذكريات تزور ذاكرتي بومضاتٍ خفيفة فلا أدرك سوى أن الطفولة ليست إلا كذبةً جميلة، بحُسن النجلاء فكانت أولى من تُعجب آدم ..
{ حكاية جهلٍ }
●●●
ملاحظة: حُسن النجلاء بمعنى
( جمال واسعة العينين )
أنت تقرأ
الديجور
Spiritualو كم رغبتُ بدمعٍ يغسل صفحتي المُلطخة!، كانت تلكَ أشبه بأمنيةً عقيمة الولادة يا أمي.. ولكم قُلت أنني لم أقصد!، كانت تلك جملةً بكماء لا تُسمع و كفيفة للرؤية لأبتي.. يا أماه. ما الشرور الذي زرعت في رحمكِ حتى أجني الشوكَ في مهدي و ما تبقى لي من حياة؟. ...