قلب مكسور ينبض

161 9 7
                                    



في مكانٍ مظلم باستثناء القليل من ضوء القمر يشق طريقه اليه , ومع صوت هادئ يقول : هل أبقى الليل بطوله أتأمل وجهك الجميل أم أخلد للنوم ؟ .
وفي نفس اللحظة و الاجواء لكن في مكان آخر, صوت آخر يقول : دخَلت ولم تخرج , ماذا تفعل بمخزنٍ قديم ,الغبار يملأه ؟.
ومع استيقاظ الزهور , وصوت الفتيات يملأ أرجاء المدرسة , وبالانتقال من حالة الهدوء الى الفوضى , من أصوات الضحكات الى البكاء , من الغموض الى كشف الحقيقة .
.
.
.
يونا وهي تسير: هناك شعور سيء أشعر به .
جاك : عن أي شعور تتحدثين .
يونا وهي لا تزال تنظر الى الامام وهي منزعجة : لا يزال الوقت مبكر , ما الذي أحضرك الى هنا في هذا الوقت .
جاك وفي الوقت الذي تنظر به يونا تجاهه : هل يزعجكِ تواجدي ؟.
يونا وهي تظهر علامات الغضب والانزعاج على وجهها : ماذا تفعل يا هذا ؟ لماذا تدخن هنا ؟ ألا تعلم أن هذا ممنوع ؟
جاك بكلمات ممزوجة بالسخرية : حقا ! هههه لم أكن أعلم , شكرا على اخباري .
يونا : التدخين هو كل ما تستطيعون فعله .
جاك : وماذا تفعلن أنتن ؟
يونا : نحن نقع في الحب ثم نتزوج وننجب الاطفال , ونقوم بالاعتناء بهم , ومن ثم يكبرون , وعندما تقول لأحد أبنائها لا تفعل هذا أو ذاك يصرخ بوجهها قائلا : هذا لا يعنيكِ , فتصمت ولا تتجرأ على الرد على كلامه خوفاً على مشاعره .
فتصمت يونا لثوانٍ قليلة وتظهر علامات الحزن على وجهها وتقول : هل كنت سأصرخ بوجه أمي لو كانت موجودة ؟ أجل سأفعل هذا , كلا الجنسين يتصفان بالحماقة وارتكاب الاخطاء الفظيعة .
جاك : أنتِ تبدلين رأيك ِ بسرعة , بعيداً عن كلامكِ هذا , أنا متأكد من أنكِ ستكونين أماً قاسية .
يونا مصدومة لكلامه وتردد ما قاله : سأكون أماً قاسية , قاسية , أمٌ قاسية .
جاك : ما بكِ ؟ هل كلمة قاسية أثرت بكِ لهذه الدرجة , يا الهي انت تدققين كثيرا بكل ما يقال وتأخذينه على محمل الجد , لن تكوني قاسية فقط بل معقدة أيضاً .
يونا وهي توجه نظراتها الى الارض : ماذا ؟ معقدة .
جاك ساخرا : أنا ذاهب سأترككِ تتأملين قليلاً بالكلمتين .
ذهب جاك وبقيت يونا وحيدة في المكان , رفعت رأسها للأعلى وعيناها مفتوحتان بشدة وقالت : سأكون أماً قاسية ,أنا فتاةٌ معقدة , من هو حتى يحكم علي بلقاءٍ أو لقاءين ؟!.
وهي تغمض عينيها شيئاً فشيئاً : أشعر بالدوار .
.
.
.
المديرة تحدث جاك وهما يسيران في ساحة المدرسة : هل أنت متأكد من أن ذلك الصوت له علاقة بتلك الفتاة المزعجة ؟.
جاك : أجل , واسمها يونا .
المديرة : وأنت أيضا مزعج .
جاك ضاحكاً : لا بأس أفضل أن أكون مزعج على أن اعتمد على الاخرين في اكتشاف شيء بسيط كهذا .
المديرة غاضبة : ماذا تقصد؟ هل تقول عني أني بلهاء ولا استطيع حل مشاكل المدرسة الداخلية ؟.
جاك بنظرات خبيثة : هل قلت شيئا كهذا ؟
المديرة : حسناً دعن....يقاطعها صوت هز المدرسة بأكملها .
المديرة : ما هذا الصوت .
جاك : انه قادم من خلف المدرسة .
ذهبا يركضان مسرعين الى مصدر الصوت .
.
.
يونا من مكان ما في المدرسة : ما هذه الضجة ؟ ماذا يحدث وما ذلك الصوت ؟ ولم الكل يركض الى خلف المدرسة .
يونا مصدومة : ماذا خلف المدرسة ؟.
وتذهب مسرعة وكأنها فتاة مجنونة , تركض بأقصى سرعتها وتصطدم بكل ما تقابله في طريقها .
وعند وصولها وبرؤيتها لذلك المشهد الفظيع , بدأ جسدها بأكمله يرتجف .
احدى الفتيات : يا الهي يقومون بهدم البناية المجاورة , اذا لماذا لا يتوخون الحذر في عملهم ؟ لو كانت أحد الفتيات بجوار المخزن لماتت بكل سهولة , لقد سحق المخزن بأكمله , يجب أن يعاقبوا.
المكان هادئ , الجميع ينظر الى المخزن ولكن ... صدّع هذا الهدوء صرخة مليئة بالألم , صرخة أتت من خلف الجميع تقول : لاااااااااااااااااااااااااااا
ينظر الجميع الى الخلف , وإذا بيونا تصرخ ووجهها ممتلأٌ بالدموع , وبدأت بالركض باتجاه المخزن وهي تقول : أخرجوه أرجوكم أخرجوه . تصرخ المديرة : ما بكِ جننتي , نخرج ماذا .
تصرخ أحد الفتيات بصوت مرتفع مذعورة وتقول: هناك يد طفل صغير .
يونا وهي تبكي : لااااا , ابني , أريد ابني أخرجوه , أنا أريده .
الجميع صدم لما قالته , بدأت بعض الفتيات يبكين على بكائها .
يونا وهي تحاول رفع ركام المخزن : لماذا لا تتحركون أخرجوه , أرجوكم .
جاك : ايتها المجنونة , ماذا تفعلين لقد سحق المخزن فما بالك بطفل رضيع .
يونا وقد سقط الحجر من يدها ووجهها المغبر والمليء بالدموع:ولكن ... انه طفلي , أريده , أنا أريده , لماذا؟ لماذا ؟ لماذا؟ لماذا تركتني وذهبت , لماذا تركت أمك ,لماذا علي أن أعاني دوما , لماذا دائما أنا من عليه أن يبقى وحيدة ؟ لماذا من الاساس أمي رمتني في الشوارع وتركتني مع القطط ؟ لماذا لم يتقبلني أحد ؟ لماذا شتمت وضربت وعوملت كأني حيوان ؟ لماذا يموت كل شخصٍ أحبه ؟ لماذا يجب أن أضحك وأنا أريد البكاء ؟ لماذا عندما مات زوجي بذلك الحادث لم يهتم به أحد ألأنه فقير ؟
أحد الفتيات : ذلك الشاب العشريني زوجها !!
يوقف جاك محاولة المديرة اسكات يونا قائلا: اتركيها تقول ما تشاء لعلها ترتاح قليلا.

يونا : لماذا طردت من منزلي مباشرة بعد وفاة زوجي ؟ لماذا لم تراعى مشاعري ولو لمرة ؟ لماذا ينظر الاخرون الي أني أقل منهم شئناً ؟ لا بل منهم من لم يقبلني خادمة في منزله , كنت اريد أن أعمل حتى استطيع توفير لقمة العيش لي ولطفلي , ولكن لم يقبلني أحد ,ولا بأي نوعٍ من الاعمال , وجدت نفسي في هذا المخزن ظننته سيكون جنتي , فتشبثت به واضطررت أن أعمل بلا مقابل حتى أقنعكِ بقبولي , فقط من أجل أن أضمن بقائي تحت سقف ٍ يؤويني بدلا من النوم في الشوارع , فعملي هنا يسهل حركتي في المدرسة .
نظرت الى جاك نظرة بائسة مع دموعها : أنا أمٌ قاسية نمت في الليلة الماضية ولم أتأمل وجه طفلي كثيراً , أنا أمٌ قاسية كنت قبل ربع ساعة من الان أشعر بأنه جائع , لكني لم آتي اليه سريعا , أنا أمٌ قاسية تركته يموت وحيداً , لو جئت قبل حدوث هذا أليس على الاقل سأكون الان معه مسحوقة ؟
تصمت قليلا ثم تكمل : أجل لم يبقى هناك مكان يصلح للكسر بداخلي , ولكن هناك قابلية لسحق ما بداخلي وها قد سحق , لقد ظننت أني لن أكسر أكثر , ظننت أنّ معناتي توقفت , ولكن يبدو أنها ستبقى مستمرة وهذه المرة ليست بالكسر بل بالسحق .
جاك ينظر اليها ونظرات الندم تعلو وجهه .
العمة وهي تبكي : في ذلك اليوم تلك الزهور كانت طفلكِ , صغيرتي ؟
جاك وهو يحادث نفسه : قالت لي من قبل لا يهمني ما يقوله الناس عني , ما يهمني هو هذا المكان فقط ,.... انتِ لست قاسية أبداً , أنتِ حنونة جداً , كم أنا خجل من كلامي ومن سخريتي المستمرة منكِ .
تنظر يونا الى السماء الصافية وعيونها الزرقاء تلمع من كثرة دموعها وتقول : لا بأس أنا قوية , لا بأس أنا قوية , لابأس أن.... فتقاطعها المديرة صارخة : ما هذا الهراء , لماذا كل هذه الدموع ؟, لقد مات وانتهى الامر.
تنظر يونا للمديرة قائلة : ما بكِ انه ابني , هذا قطعة مني , لن أرميه كما فعلت أمي بي .
تصعق كلمات يونا المديرة وتجبرها على اظهار ملامح الصدمة على وجهها وسقوط الدموع من عينيها .

قلبٌ مكسور ينبضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن