في الليلة السادسة والأربعين بعد المئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب قال لتاج الملوك: ثم دخلت الدار فلما رأتي أمي قالت تباً لك من ابن عم، ثم إن أبي جاء وجهزناها وشيعنا جنازتها ودفناها وعملنا على قبرها الختمات ومكثنا على القبر ثلاثة أيام ثم رجعت إلى البيت وأنا حزين عليها فأقبلت علي أمي وقالت لي: إن قصدي أن أعرف ما كنت تفعله معها حتى فقعت مرارتها، وإني يا ولدي كنت أسألها في كل الأوقات عن سبب مرضها فلم تخبرني به ولم تطلعني عليه فبالله عليك أن تخبرني بالذي كنت تصنعه معها حتى ماتت فقلت: ما عملت شيئاً، فقالت: الله يقتص لها منك فإنها ما ذكرت شيئاً بل كتمت أمرها حتى ماتت وهي راضية ولما مات كنت عندها ففتحت عينيها وقالت لي: يا امرأة عمي جعل الله ولدك في حل من دمي ولا آخذه بما فعل معي وإنما نقلني إلى الله من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية. فقلت لها يا ابنتي سلامتك وسلامة شبابك، وصرت أسألها عن سبب مرضها فما تكلمت ثم تبسمت وقالت: يا امرأة عمي إذا أراد ابنك أن يذهب إلى الموضع الذي عادته الذهاب إليه فقول له يقول هاتين الكلمتين عند انصرافه منه: الوفاء مليح والغدر قبيح وهذه سفقة مني عليه لأكون شفيقة عليه في حياتي وبعد مماتي، ثم أعطتني لك حاجة وحلفتني أني لا أعطيها لك حتى أراك تبكي عليها وتنوح الحاجة عندي فإذا رأيتك على الضفة التي ذكرتها أعطيتك إياها فقلت لها: أريني إياها فما رضيت ثم إني اشتغلت بلذاتي ولم أتذكر موت ابنة عمي لأني كنت طائش العقل وكنت أود في نفسي أن أكون طول ليلي ونهاري عند محبوبتي وما صدقت أن الليل أقبل حتى مضيت إلى البستان فوجدت الصبية جالسة على مقالي النار من كثرة الانتظار فما صدقت أنها رأتني فبادرت إلي وتعلقت برقبتي وسألتني عن بنت عمي فقلت لها: إنها ماتت وعملنا لها الذكر والختمات ومضى لها أربع ليالي وهذه الخامسة.
فلما سمعت ذلك صاحت وبكت وقالت: أما قلت لك إنك قتلتها ولو أعلمتني بها قبل موتها لكنت كافأتها على ما فعلت معي من المعروف فإنها خدمتني وأوصلتك إلي ولولاها ما اجتمعت بك وأنا خائفة عليك أن تقع في مصيبة بسبب رزيتها فقلت لها: إنها قد جعلتني في حل قبل موتها، ثم ذكرت لها ما أخبرتني به أمي فقالت: بالله عليك إذا ذهبت إلى أمك فاعرف الحاجة التي عندها فقلت لها: إن أمي قالت لي: إن ابنة عمك قبل أن تموت أوصتني وقالت لي: إذا أراد ابنك أن يذهب إلى الموضع الذي عادته الذهاب إليه فقولي له هاتين الكلمتين: الوفاء مليح والغدر قبيح.
فلما سمعت الصبية ذلك قالت: رحمة الله عليها فإنها خلصتك مني وقد كنت أضمرت على ضررك فأنا لا أضرك ولا أشوش عليك فتعجبت من ذلك وقلت لها: وما كنت تريدين قبل أن تفعليه معي وقد صار بيني وبينك مودة؟ فقالت لي: أنت مولع بي ولكنك صغير السن وقلبك خال من الخداع فأنت لا تعرف مكرنا ولا خداعنا، ولو كانت في قيد الحياة لكانت معينة لك فإنها سبب سلامتك حتى أنجتك من الهلكة، والآن أوصيك أن لا تتكلم مع واحدة ولا تخاطب واحدة من أمثالنا لا صغيرة ولا كبيرة، فإياك ثم إياك ذلك لأنك غير عارف بخداع النساء ولا مكرهن والتي تفسر لك الإشارات قد ماتت وإني أخاف عليك أن تقع في رزية فلا تجد من يخلصك منها بعد موت بنت عمك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.