في الليلة الثانية والستين بعد المئة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قامت وتركت تاج الملوك على النار وتوجهت إلى السيدة دنيا فرأتها متغيرة اللون من غيظها بمكتوب تاج الملوك فناولتها الكتاب فازدادت غيظاً، وقالت للعجوز: أما قلت لك أنه يطمع فينا؟ فقالت لها: وأي شيء من هذا الكتاب حتى يطمع فيك؟ فقالت لها السيدة دنيا: اذهبي إليه وقولي له إن راسلتها بعد ذلك ضربت عنقك فقالت لها العجوز: اكتبي له هذا الكلام في مكتوب وأنا آخذ المكتوب معي لأجل أن يزداد خوفاً فأخذت ورقة وكتبت فيها هذه الأبيات:
أيا غافلاً عن حادثـا الـطـوارق
وليس إلى نيل الوصال بسـابـق
أتزعم يا مغرور أن تدرك السهـا
وما أنت للبدر المنير بـلا حـق
فكيف ترجينا وتأمـل وصـلـنـا
لتحظى بضم للقدود الـرواشـق
فدع عنك هذا القصد خيفة سطوتي
بيوم عبوس فيه شيب المـفـارق
ثم طوت الكتاب وناولته للعجوز فأخذته وانطلقت به إلى تاج الملوك فلما رآها قام على قدميه وقال: لا أعدمني الله بركة قدومك فقالت له العجوز: خذ جواب مكتوبك فأخذ الورقة وقرأها وبكى بكاء شديداً، وقال إني أشتهي من يقتلني الآن فإن القتل أهون علي من هذا الأمر الذي أنا فيه ثم أخذ دواة وقلماً وقرطاس وكتب مكتوباً ورقم هذين البيتين:
فيا منيتي لا تبتغي الهجر والجفا
فإني محب في المحبة غـارق
ولا تحسبيني في الحياة مع الجفا
فروحي من بعد الأحبة طالـق
ثم طوى الكتاب وأعطاه للعجوز وقال له: قد أتعبتك بدون فائدة وأمر عزيز أن يدفع لها ألف دينار وقال لها: يا أمي إن هذه الورقة لا بد أن يعقبها كمال الاتصال أو كمال الانفصال فقالت له: يا ولدي والله ما أشتهي لك إلا الخير ومرادي أن تكون عندك فإنك أنت القمر صاحب الأنوار الساطعة وهي الشمس الطالعة وإن لم أجمع بينكما فليس في حياتي فائدة وأنا قد قطعت عمري في المكر والخداع حتى بلغت التسعين من الأعوام فكيف أعجز عن الجمع بين اثنين في الحرام ثم ودعته وطيبت قلبه وانصرفت ولم تزل تمشي حتى دخلت السيدة دنيا وقد أخفت الورقة في شعرها.
فلما جلست عندها حكت رأسها وقالت: يا سيدتي عساك أن تفلي شوشتي فإن لي زماناً ما دخلت الحمام فكشفت السيدة دنيا عن مرفقيها وحلت شعر العجوز وصارت تفلي شوشتها فسقطت الورقة من رأسها فرأتها السيدة دنيا فقالت: ما هذه الورقة؟ فقالت: كأني قعدت على دكان التاجر فتعلقت معي هذه الورقة هاتيها حتى أوديها له ففتحتها السيدة دنيا وقرأها وفهمت ما فيها فاغتاظت غيظاً شديداً وقالت: كل الذي جرى لي من تحت رأس هذه العجوز النحس فصاحت على الجواري والخدم وقالت: أمسكوا هذه العجوز الماكرة واضربوها بنعالكم فنزلوا عليها ضرباً بالنعال حتى غشي عليها.