السلام عليكم، كيف احوالكم؟ 🌸🌸
جئنا لكم بفصل جديد يتحدث عن تخير العرب للفظ المناسب للسياق وحول دقة المعنى في اللغة العربية.
اللغة هي وسيلة التواصل بين أبناء الشعب الواحد وهي الباب الذي يفتح لنا إمكانيات عديدة للتعرف على معالم هذا الكون وشعوبه، أما اللغة العربية فهناك أمرٌ يميّزها عن باقي اللغات كون لكلماتها وقعًا خاصًا نترنّم به ولكلماتها مرادفات عديدة لا تعدّ ولا تحصى.
اللغة هي اجابة كل سؤال يخطر في بالكم، فمن يقوى على التلاعب بالمفردات والتعابير يصير نصّه محصّنًا ضد كلّ أنواع النقد الهادم الذي يرعى سلاسة اللغة، انسيابيتها، جمالها ومعناها العميق.
كيف تزيّن قطعتك الركيكة؟
الطرقُ متشعبة ومتعددة أهمها واقربها الينا هي القراءة، اقرأ لتزيد من ثروتك اللغوية ومعرفتك بالاساليب المختلفة وزد من وعيكِ في طرقِ الصياغة وتكوين السياق الموائِم لمقصدك والجميل في الوقت ذاته!
تعرّف على مفردات جديدة، لا تخجل من طلب المعرفة اسأل كثيرًا فنحن في زمنٍ نجد فيه الاجابات بضغطة زر، فلماذا لا نستغل ما لدينا من تقنيات حديثة؟ اذهب وابحث في صفحات الانترنت عن كلمات قويّة جزيلة وابحث في معناها وجد مرادفاتها واضدادها.
حاوِل أن تكتب نصًا آسرًا للقلوب، أقم وعدًا مع ذاتك وقل لنفسك أنك ستكتب نصًا أدبيًا من الدرجة الأولى، اكتب كثيرًا لتتدرّب على صقل قصّتك أو روايتك، كن أنت بحر الكلمات الذي يسبح في جوفك ولا تتوقف.
في هذا الفصل حضّرنا لكم لفتة جميلة تتحدث عن العرب الجاهليين، إذ كانوا يتمتعون بذوق بياني رفيع في اختيار الألفاظ والعبارات، ويملكون "حسا" ذوقيا نقديا عاليا في هذا المجال!
١- وقف الشاعر الجاهلي "المُسيَّب بن عَلَس" أمام ملك المناذرة عمرو بن هند، فقال:
وقد أتلافى الهم عند احتضاره *** بناجٍ عليه الصَيْعَرِيَّة مِكْدَم
وكان "طَرَفَة بن العَبْد" حاضرا، وكان غلاما صغيرا. فلما سمع ذلك أنكر عليه وقال عبارته المشهورة: استنوق الجمل!
فغضب المسيب بن علس، وقال عن طرفة: ليقتلنه لسانه!
وكانت فراسة المسيب صحيحة، حيث كان لسان طرفة وكلامه سببا في مقتله، عندما صار شاعرا مشهورا فيما بعد، وأحد أصحاب المعلقات!
معنى كلام المسيب بن علس: أنه عندما يهجم عليه الخطر، ويحضره الهم، ينجو منه ويتلافاه، بأن يركب جملا سريعا عليه الصيعرية.
والصيعرية هي سمة أو علامة تكون في عنق الناقة وليس في عنق الجمل.
ومعنى كلام طرفة: استنوق الجمل؛ إن هذا الذي يتكلم عنه الشاعر ناقة وليست جملا؛ لأن الصيعرية من سمات الناقة، وليست من سمات ااجمل.
والشاهد أن العرب الجاهليين كانوا يعرفون الفروق بين الألفاظ العربية، ويتخيّرون اللفظ المناسب للمعنى والسياق.
٢- وأنشد الشاعر حسان بن ثابت -قبل الإسلام- مفتخرا:
لنا الجَفَنات الغُرُّ يَلْمَعن في الضُّحى *** وأَسْيَافُنا يَقْطُرْن من نَجْدَةٍ دَما
وَلَدْنا بني العَنْقاء وابْنَيْ مَحَرَّقٍ *** فأَكْرِمْ بنا خالًا وأكرمْ بنا ابنَما
ولما سمع النابغة الذبيانيّ إنشاده، قال له: إنك لشاعر لولا أنك... (إلى آخر ما قاله، وسنوضحها في الآتي)
فاعتراضات النابغة النقدية على حسان أربعة، يرى فيها أن حسانا اختار ألفاظا غير مناسبة، ولو أتى بغيرها لكان أبلغ وأفصح:
⊙ قال "الجفنات" وهذا الجمع للتقليل، ولو أنه قال "الجفان" لكان أبلغ في الفخر؛ لأن "الجفان" للتكثير. ولهذا قال له:《 قللت جفانك! 》
⊙ أخذ عليه افتخاره بأبنائه: "ولدنا بني العنقاء وابني محرق"، وكان الأولى أن يفخر بآبائه الذين ولدوه.
⊙ أخذ عليه قوله عن الجفنات: "يلمعن في الضحى"؛ أي: يُطبخ فيهن في النهار. ولو أنه قال: يبرقن في الدجى، لكان أبلغ؛ أي الجفنات يبرق ضوءهن في الظلام في الليل.
⊙ أخذ عليه قوله: وأسيافنا يقطرن من نجدة دما؛ لأن هذا يدل على قلة تأثيرهن في دم نجدة، ولو قال: يجرين من نجدة دما، لكان أبلغ؛ لأن جريان الدم أبلغ من قطره.
🌺🌺🌺
العبرة من كل ما ضربناه مثلًا هو أن تختار كلماتك بعناية بالغة وألّا تستخدم الكلمة الّا وانت واثقٌ أتم الثقة بمعناها وبأنها الأنسب في موضعها والأصحّ استعمالًا ..
وعلى ذِكر أهمية فهم المعنى فقد تذكرت قولًا لأحدهم يقول فيه: كنتُ مارًا بجنازة فسمعتُ أحدهم يقول "من المتوفّي؟" (بالياء)، فأجبته: "الله"، فضُربتُ حتى خارت قواي!
فهل فهمتم قصدي؟نرجو منكم الاطلاع على كتابنا الجديد "زخات عربية" والمشاركة في الورشة الكتابية فيه، لنا لقاء ❤️
أنت تقرأ
الموجه للإبداع الكتابي
Randomهُنا نقفُ لنكونَ ممثلي لغتنا. لغتنا المعجزة الخالدة، التي تباغتنا بكل ما هوَ مُحتلنٌ جديد. هذه منصة لكلّ عربي يعشق لغته ويريد التميّز بها، والتحسين من قدراته الابداعية الكتابية.