جلست على حافة السرير حاملاً في رأسي آلاف الأسئلة وجملة غامضة تركها لي طيف رجل ميت تدور في دماغي لتلدغ دهاليزي بسمومها فتسبب صداع لا يكاد يحتمل .. كيف له تن يعرفني ، أم أنني ضحية عشوائية ؟! لسان ماكر يحمل الخبث في ثناياه ويخلبئ أسراراً ... لا أحد يعرفها ، أو ربما لا يجب على أحد معرفتها!!
-لنعقد اتفاقاً ، وإلا... ستموت ميتة كميتتي أو ربما أشنع .
يبدو كتهديد أكثر من عقد اتفاق ، أخشى الموافقة فينقلني إلى عالمه كأسير مُستَبد ، أو أن أرفض فأتحول لجثة حية بروح تائهة ..
.أذكر أن جدتي روت لنا يوماً قصةً مشابهة تدور أحداثها في زمن بعيد ، لا أذكر التفاصيل كاملة فدماغي اكتفى بحفظ جملة واحدة طي النسيان ليستعيدها منذ ثوان .. قالت جدتي يومها" إذا حلّ الموتى فهناك حتماً موت أخر" .
ربما كانت القصة غريبة قليلاً عندما أخبرتنا بها ،كنا ثلاثة أولاد في الثالثة عشر من العمر ،كنا مجتمعين حول التلفاز نشاهد فيلماً مرعباً ، أطفأته وأخذت تروي لنا قصتها كنا ممتعضين جداً فكلنا كنا نتشوق لرؤية الفيلم ولكن كان لها وجهة نظر أخرى ، الأحداث كما قالت ستكون قاسية لرؤيتها ، قصتها رغم قسوتها كانت ألطف من تلك التي كنا نشاهدها ففيها قتل وضرب والكثير من العنف، كانت تمثل مثال سيئاً لمشاهدتها من قبل أطفال،ولتسليتنا بقصة مرعبة أقل إيذاءً روت علينا حكايتها، وإلا لماذا ستقول جدتي كلاماً غريباً قاسياً كهذا ... فليس من عادتها أن تقص حكايا شنيعة مليئة بالغدر .
قد تحوي قصص الجدات القليل من الحقيقة رغم أن الخيال طغى على معظمها ، ما رأيته البارحة بدى خياليا ولكني متأكد بأنه ليس حلماً فعند مغادرتي الفندق أنا لم أجد أحداً ، كان خالياً تماماً وكأن تلك الأشباح تركت لي فسحة لأفكر واتخذ قرارا أنجو به أو ألاقي به حتفي ، فالحياة والموت ليسا لعبة فوحدهم الأموات يدركون طعم الحياة ...
وقف أمام المرآة شارد الذهن ، و يبدو على وجهه القلق ظاهراً ، فقد شحبت عينيه واصفر وجهه ، والكثير من الأفكار تدور في رأسه ، وقف صامتا. متأملاً ، الى حين ظهور طيف الجثة في المرآة لينطق بطريقة مريبة .
-ساعدني لأساعدك ... إما أن تختارني وإما أن تختار الموت ،الخيار بين يديك الآن ولكن الوقت يمضي .
ليختفي الطيف و يزعق كمن فقد إيمانه وتشتت روحه .
عاد للجلوس للجلوس على طرف السرير مسندا رأسه على كفيه محدثاً نفسه : الزمن يمضي وخياراتي محدودة .. ماذا يقصد بقوله ساعدني لأساعدك ، ما علاقته بموتي ، وكيف لطيف أن يعرف متى أموت أو كيف ! من هو ! أأساعده ؟ أأنصاع لرغبته وأنفذ ما سيطلبه ؟! وإن كان مبتغاه احتلال جسدي والعودة للحياة ! هل تراه يريد إيذائي !ليتردد صدى الأسئلة مراراً وتكراراً بصيغ مختلفة باللهيب نفسه أو أشد فنفسه ترفض مساعدة ميت وعقله يرفض فكرة الموت.
- قرار خاطئ أفضل من مئة لحظة تردد وإن كان يريد جسدي فسيأخذه رغماً عني دون سؤال ...إذاً !!!
وقف وبدأ بمناداة الطيف بأعلى صوته
-تعال .. سأساعدك ، أبعدني عن الموت، تعال أيها الطيف ، عد ،أنا موافق على مساعدتكليظهر فجأة بحلته السوداء وابتسامته الماكرة ...بينما هو وقف مرتعشاً حائراً..
-أحسنت الاختيار
-وكأنك تركت لي خياراً
-تعال لنجلس على الشرفة فالجو جميل،أعد الشاي
-لم أناديك لنحتسي الشاي
-علينا التحدث أليس كذلك !
-بلى
-أعد الشاي إذا و لنتحدث بهدوءما كان بيده سوى الانصياع له فهو لا يعرف ما يستطيع هذا القتيل أن يفعل ..
جلسنا على الشرفة لنبدأ بخوض نقاشٍ لم يكن بالحسبان ، من كان يتوقع أني سأجلس يوماً على شرفة غرفتي أحتسي الشاي مع طيف يحدثني عن تفاصيل موتي وأخرى عن كيفية تجنبي لذلك الموت ، تنتابني رهبة ورغبة كلاهما أقوى مني ، ونقصي الوحيد هو أنني لا أستطيع معرفة الغيب وما يخفيه الزمان لي عني .
- فقدت ابنتي
-حية!
- بل هي طيف مثلي
-وعلي إيجاد طيفها !!
-الأطياف الخيرة لها قدرة الاختباء داخل الأحجار الكريمة لتسكنها بمأمن عن عالم الشر حيث لا يستطيع الأشرار دخولها وقد واجهت ابنتي بضعة من الأشرار واضطرت لدخول ذلك الحجر مرغمة
-ظننت أن عالم الأرواح هادئ
- بل كعالم البشر ، الصفات لا تنتزع بعد الموت ، نفقد الاجساد فقط
-إن كانت ابنتك في مأمن داخل الحجر فما دوري أنا كيف أستطيع مساعدتك ؟
-الحجر سينكسر مستقبلاً وستنتقل لعالم آخر وكأنها ماتت مرتين .
-الموت يتكرر ؟!
-في حالات خاصة أجل يتكرر
- وما أدراك أنه سينكسر ، وكيف ستبعدني عن الموت .
-إن في عالمنا من امتلك قدرة التنقل عبر الأبعاد و كما يقال فالزمن هو البعد الرابع والذي أيضاً نستطيع تجاوزه ، ولكن لا قدرة لنا على تغييره ، المصادفات فقط تغيره وهذه أشياء لا نستطيع رؤيتها.
-وقد رأيتني أموت !
- نعم ، ستقتل في الموضع ذاته الذي سيكسر فيه ذلك الحجر قبل ثوانٍ من سقوطه أرضاً وتحطّمه
- متى وكيف !-سأخبرك ...

أنت تقرأ
ضحية نبأ
غموض / إثارةبين الحاضر والماضي والمستقبل أنا الضحية ، لا أدري أي ذنب ارتكبته لأقع في مصيبة كهذه ، لأُفجع بنفسي قبل موتي ، لا أدري أي جرمٍ لا يغتفر اقترفته يداي ، يا إلهي أيُّ مستقبلاً هذا الذي ينتظرني !