عاد الصباح بما يحمل في ثكناته من صخب هادئ بعد ليلة عاصفة عاثت رياحها خراباً بما صادفته من أشجار فكسر الأغصان وجرفتها بعيداً مع ما صادفته من جلاميد صخرية وحجارة مبعثرة في الأرجاء، كانت ليلة أصعب من أن تمحى من حجرات الذاكرة حيث اضطر مرغماً على البقاء في فندق يقبع وسط الغابة ليبيت ليلته ريثما هدأت العاصفة .
ما كاد أن يمسح غشاوة النوم عن عينيه إلّا وفّز من سريره ليتسمر للحظات في مكانه قبل أن يطلق تلك الصرخة المدوية و يخرج هارباً من الغرفة مخرجاً أصواتاً عالية سببت كسر سكون الفندق .
لا أحد قد خرج من الغرفة سواه لا أحد في الفندق سواه ،أين العاملين ! أين النزلاء! لم يستجب أحد لندائه .
راح يبحث في النزل عن أي كائن بشري يستنجده .. ولكن لا أحد ، وقبل أن يفكر في الخروج عادت السماء لإرسال غيوم شاحبة تحمل الكثير من الأمطار، برق و رعد طغى حضورهما على مافي الصباح من هدوء .
كان الخروج مغامرة وخصوصاً أنه في وسط الغابة حيث الأشجار الكثيفة تخفي خلفها حيوانات متوحشة ضارية و أن رعود السماء بدت متأهبة لخطف روحه .
"إما أن أواجه الحقيقة بمرارها أو أن تبتلعني الغابة بأخطارها" حدث روحه المرتعشة في جسده الطويل النحيل .
أسبق أن شعرت يوماً بأن روحك ستعلن الإنشقاق عن جسدك لمجرد كونك بين خيارين أحلاهما أمر من العلقم !
عاد يصعد السلالم ليلج إلى غرفته بهدوء ، حيث لازلت تلك الجثة متمددة على السرير بثيابها الدهماء القاتمة ووجهها الذي لا يحوي سوى عظام ارتدت الجلد ونسيت اللحم بدماءٍ على يديها ورقبتها ، كل خطوة يأخذها كل رمق يبتلعه بدا له الأخير رغم ثبات الجثة وسكونها ، قباحة منظرها جعلت عقله يتجاهل كونها مجرد جثة هامدة لا تؤذي !
البارحة كان هناك ما يقارب المئة شخص في هذا الفندق أصواتهم لم تختفي إلا منذ أن غرقت في نومي واليوم استيقظ لأجد نفسي وحيداً بقربي جسد ميت بدا وكأن الديدان اكلت ما فيه من لحم وتركت كنوع من الشفقة عظاماً و جلداً وبعض الدماء ،يبدو أن صاحبها نازع من قتله حتى رمقه الأخير فمه المفتوح وأسنانه المتكسرة و قد فتح عينيه على مصراعيهما .
لا أدري كيف وصل هذا الجسد إلى هنا كل ما أعرفه بأن لي روحاً واحدة أشعر بحشرجتها بمحاولتا أن تلوذ بعيداً .
ما كدت أن أمسك غطاء السرير الأبيض الذي استحال لونه أحمر قاتم بسبب ما فرّ من عروق القتيل من دماء إلا وقد اختفت الجثة !
كانت أمامي أنا متأكد رأيتها بعيني شممت رائحة الموت بقربي الجثة حقيقية ، حواسي لا تكذب .. أنا واثق!!
راح يتلفت حوله فآثار الدم لا تزال على السرير يخطو إلى الخلف والأمام يدير رأسه يمنة و يسرة، أمن المعقول أن تختفي هكذا وكأنها لم تكن !
ما لبث ان شعر بيد توضع على كتفه ليسقط على الأرض نتيجة قفزة قفزها لذعره.. ولكنه لم يكن سوى عامل الفندق ذلك الرجل العجوز ذو شعر أبيض يشهد على طول الزمان الذي عاشه ، أو ربما على قباحة ذلك الزمان!
-الحمدلله على قدومك
يبتسم العجوز بينما هو تابع تقدمه نحوه بينما كانت عيونه البنية تتفحصه بتأنٍ.
- هل من خطب هنا سيدي
-أجل.. منذ قليل كان..
لم يتابع كلامه فعندما وضع هو يده على كتف العجوز اختفى ، لينال الهدوء نصيبه من الصراخ مجداداً...ليتبع ذلك بثوانٍ ظهور صورة تلك الجثة الغريبة على المرآة عقبه سقوط المرآة أرضاًو انكسارها لتغدو قطعاً انتشرت في الغرفة بعشوائية .

أنت تقرأ
ضحية نبأ
Misteri / Thrillerبين الحاضر والماضي والمستقبل أنا الضحية ، لا أدري أي ذنب ارتكبته لأقع في مصيبة كهذه ، لأُفجع بنفسي قبل موتي ، لا أدري أي جرمٍ لا يغتفر اقترفته يداي ، يا إلهي أيُّ مستقبلاً هذا الذي ينتظرني !