بعد وقت ....
وقفت أمام مرآتها تنظر لوجهها في المرآة ..
هل حقا ستزف عروسا اليوم لمهيار , التمعت عينيها بفرح , بينما دمعت عينا والدها في الغرفة الأخرى , بالفعل لم تكن حفلة ضخمة مجرد تجمع بسيط أصر عليه مهيار في بيت والدها , وها هو ينظر لعابد لا يفارقه لحظة , وكم أثرت فيه تلك الدمعة ..
أبعد عينيه عنه ونظر لأصدقاء زيان الذين دعتهم ..
لا أحد من معارفه حضر فلم يعلم الجميع بالخبر , بعضهم فقط , فعلى كل حال لا ينوي إطالة أمد هذا الزواج ...
عدل من ياقة قميصه الناصع البياض واقترب من ملهم متسائلا
*هل ما زالت حوراء غاضبة ؟
ابتسم ملهم له
*نعم فأنت تعلم أنها كانت تود الحضور ..
تنهد بعمق فحضور حوراء لا ينفعه في هذا الوقت , ينوي استغلال ظهورها لصالحه لاحقا , كان على وشك أن يخرج هاتفه ليتصل بها ولكنه غير رأيه حين انطلقت الزغاريد , ونظر ليرى زيان خرجت من غرفتها متألقة بالثوب الذي اختاره , لم تعترض ولكنها مثله أحبت الثوب البنفسجي اللون , بكتف واحد , وحزام عريض يحدد خصرها النحيل , ويمتد كلاسيكي الشكل , حتى يصل للأرض منتهيا بتل ناعم بذات اللون طويل خلفها ...
*جميلة جدا ..
همس بها دون شعور , توقع أن تبدو جميلة ولكن ليس بهذا الشكل !
إنها تأسر القلوب حقيقة وقد لاق بها اللون كثيرا مظهرا بشرتها القشدية الرائعة ..
حاوطت بها الفتيات ليحجبنها عن نظره يطلقن الزغاريد ..
رغم كون التساؤل واضح على وجوههن ..
لمَ هذه الحفلة البسيطة , بينما مهيار الشوماني قادر على إقامة حفلة يدعو عليها كل البلاد لو أراد !
ولكن ذلك لم يهم , فالعروس والعريس من أجمل ما قد تراه يوما !
حتى المصور الفوتوغرافي تفنن بالتقاط الصور لهما في كل حركة عفوية قاما بها أثناء الحفل دون أن يشعرا ..
*أميرة ..
همست بها روجين تنظر لزين بتساؤل فرح
*هل سأبدو مثلها حينما نتزوج ...
قبل زيم جبينها يقربها منه
*بل ستبدين أجمل بالثوب الأبيض ..
التمعت عينيها بحب تنظر له , وعادت بنظرها لزيان
*لون ثوبها جميل ..
اقتربت منهما ريوان فابتسم لها زين
*العقبى لك ريوان ..
لم ترد وابتسمت له تنظر لزيان بفرح ..
حتى عابد .. كان ينظر وفي عينيه عجب من جمالهما معا ..
كيف يمكن لأميرته أن تؤذى ..
أحنى رأسه بتعب لاحظته ريوان فاقتربت منه مبتسمة
*عم عابد لمَ هذا الحزن , انظر لها إنها في غاية الفرح ..
بادلها الابتسام مجيبا بشرود
*أنا بالفعل أنظر إليها ...
أنظر لما لا تعرفه لا هي ولا أنا ولكن على الأقل سأكون موجودا لألملم الجراح والبقايا , لأعيد القوة .. والحياة ...
نظر لكتفه الذي لم يعد لحاله بعد , ولقدمه الغارقة في الجبس والكرسي الجالس عليه, هل هناك عاجز أكثر منه على الأرض ..
لا .. ليس هناك ..
اقتربت زيان من والدها مبتعدة عن مهيار الملتصق بها منذ خرجت من غرفتها وانحنت لتصل مستواه جالسة على ركبتيها أمامه , لتمسك كفيه مراعية آلامه
*أبي ..
ونظرت لعمق عينيه تهمس بغصة ..
*لمَ أشعر أنك لست سعيدا ..
ترك كفها ليمسح وجهها بيده هامسا بصوت محتقن بالقهر
*كيف سأفارقك يا بهجة القلب ..
ابتسمت بخجل وأطرقت رأسها
*أيام فقط وسنعود ..
لم يبعد كفه عن وجهها وكأنه يحفر هذه الملامح في قلبه وعلى وجهه وكل مكان من جوارحه
*تذكري زيان , عند أول عثرة لا تتردي وعودي ..
ضحكت رغم دموع الفرح وغصة الوداع ممازحة
*يا لها من نصيحة مبشرة ليلة الزفاف ..
أجبر نفسه على الضحك
*تعالي لأضمك زيان ..
رفعت جسدها وانحنت عليه تضمه لصدرها تتشمم رائحته
*أحبك جدا ..
همست بها لترفع يده تقبلها
*ادع لي أبي ...
سحب وجهها له ليقبل وجهها عدة قبلات طويلة منهكة
(فليحنن الله قلبه عليك صغيرتي ..)
لهج بها لسانه لكنها لم تسمعه رغم معرفتها بأنه يدعو لها ..
اقترب مهيار قائلا لعابد
*هل ستسرق عروسي يوم زفافي عمي ..
ضحكت زيان تنهض لتقف مقابلا له
*أحب كلمة عمي منك ..
اقترب أكثر ليعتقل خصرها يسحبها نحوه
*تحبين الكلمة فقط ؟
ونظر لعابد لينحني مقبلا جبينه هامسا
*ستشفع لها اليوم دموعك عمي ...
شهق عابد بغصة فصاحت زيان برقة
*انتبه لكتفه مهيار ..
ابتعد عنه متظاهرا بالأسف
*لم انتبه ..
شدت زيان على كف والدها تنادي الممرض الذي جاء للإقامة معه توصيه به ..
قبل أن تنحني للمرة الأخيرة تقبل جبينه تودعه ..
فوقت المغادرة قد حان ..
ضمتها روجين سعيدة لأجلها
*مبارك ..
ضحكت زيان بتواطؤ مع ريوان التي اقتربت
*لقد سبقت زيان بالزواج روجين ..
ومدت كلاهما لسانهما في وجه روجين التي هتفت بحنق
*لن يتأخر زفافي ولن أدعوكما ..
طوحت ريوان بكفها غير مبالية
*تجرئي وافعليها ..
وضمت زيان لصدرها مهنئة
*مبارك لك زيان .. بالرفاه والبنين ..
*ولك أيضا العقبى لك ..
رفعت ريوان كفيها للسماء تدعو
*يا رب من فمك لأبواب السماء ..
ضحكت زيان بينما غمزها مهيار ممازحا
*ملهم جاهز على فكرة ..
اتسعت عيني ملهم ليحمر وجهه مهمها اعتذارا واهيا ليفر خارجا ...
ضحك مهيار من فعل ملهم وخجله بينما ريوان لوت شفتيها بامتعاض
*من يرى هروبه يصدق أني وافقت على الاقتراح...
ضمتها زيان للمرة الأخيرة
*لا بأس يا جميلة ربما لو غيرت لون شعرك كما أخبرتك لكنت متزوجة الآن...
مدت ريوان لسانها لزيان
*لن أغيره هيا غادري مع زوجك لنرتاح من استبدادك قليلاً..
ضحك مهيار قائلا
*ستشتاقون لها...
ضحكوا من كلامه، وحده عابد من غص برغبته بالصراخ بها لئلا تذهب معه ، لكن نظرة مهيار جعلته يسكت ، لتودعه قبل أن تغادر
*لن أتأخر عليك...
ابتسم لها متسائلا
*إلى أين ستذهبون..
تدخل مهيار قبل أن تنطق بحرف متحدثا بصوت خفيض
*رحلة شهر عسل...
وابتسم له بطرف شفتيه ، ليشبك ذراعه بذراعها يسحبها معه ملوحا لهم بالوداع...
وبعده غادرت ريوان وروجين وزين ليبقى عابد وحده...
يشيع الطريق بأسى، يكاد يختنق وكأنه قدم ابنته بنفسه نذراً للشيطان، حنى رأسه لتنهار دموعه ويقود كرسيه بنفسه نحو غرفته ينعي ابنته التي ذهبت في شهر عسل مر..
متأكد من مرارته ، تلك المرارة التي رآها في عيني مهيار ...
ضعيف ... هو رجل ضعيف عجز عن حماية وحيدته ...
تقدم منه الممرض ليساعده فلم يعترض، لا قوة له للاعتراض..
ساعده حتى استقر في سريره الضخم ليتركه وحده ويخرج...
بينما آلاف التهيؤات خطرت على بال عابد، حتى تمنى الصراخ بعلو صوته قهراً....
وتلك المغيبة في الأوهام لم تفطن لتغير مهيار الذي بدا واضحا منذ ان استقلا السيارة متجهان إلى بيت الشاطئ الذي لا يعلم أحد عنه...
لم يمكنها خجلها وعدم اعتيادها عليه من رفع رأسها والحديث معه ، ولم يبادر هو لذلك، فاعتقدت أنه مثلها يعاني من التوتر للظرف الجديد عليهما...
لكن الطريق طالت والصمت طال ، والتزمت الصمت مثله حتى مالت على الزجاج لتغمض عينيها من التعب، ربما يحب التركيز أثناء القيادة وذلك أفضل ، فقد رأت بعينها ما نتيجة الإهمال...
أغمضت عينيها تنشد الراحة قليلاً وحين يصلان ستعرف كيف تتصرف...
فلم تشعر بنفسها إلا وقد غفت من التعب...
فانحنت عنقها للأمام ... مستسلمة للنوم الذي لا سلطان له..
نظر لها مهيار ليتوقف بيسر بالسيارة ، يتأمل نومتها الهادئة وتنفسها ذا الصوت العالي من وضعها الغير مريح...
نظر لها طويلاً، ببنما رموشها تعكس ظلالها على خديها من الإنارة القادمة من الشارع ، لم تكن زينتها مبالغة ، إنها جميلة حقاً..
أرجع رأسه للخلف مفكرا..
ها قد تم الأمر وأصبحت زيان ملك يمينه ... ماذا بعد ..
لمَ يشعر بعدم الراحة .. من ذاك الذي قال إن الانتقام يجلب الراحة ، يشعر وكأن همومه زادت...
نظر للسماء هامسا بصوت لا يسمع
*كيف أمحو من قلبي صراخك ووجعك يا أمي .. كيف أنسى دموعك ومعاناتك ... كيف ...
تنهد بعمق، ليكمل القيادة بيسر ما تبقى من الطريق ، بينما زيان بقت على حالها حتى أنه لم يحاول حتى أن يعدل لها عنقها..
فلم تشعر بنفسها إلا وهو يناديها
*زيان هيا لقد وصلنا..
وتركها بالسيارة ، لينزل متجها نحو البيت وفتح الباب ليدخل يبحث عن علبة الكهرباء لحظات فقط وأنير المكان بأكمله...
وهي على حالها مقطبة الجبين تحاول استيعاب ما يحدث ، لكن ما ان أنار المكان حتى فطنت للعتمة التي تملأ السماء ، فلملمت ثوبها لتنزل من السيارة وهو يعبث بشيء ما قرب الباب.
اتجهت إليه مستغربة ما يجري حولها تحمل على ذراعها طبقة التل الطويلة والأخرى ترفع بها ثوبها حتى لا يلتقط الرمال ، نظرت خلفها لترى المسافة التي تقطعها السيارة حتى تصل إلى هنا ، لكن الظلمة لم تعلمها الا ان الإنارة البعيدة تخبرها ببعد المسافة..
تنهدت بتعب بينما لا تريد سوى أن تدلك عنقها المتشنج..
*تعالي..
همس بها فاتجهت نحوه لتدخل من الباب تخطو نحو الداخل حيث لا تعرف أي شيء ، فلم تدخله من قبل..
أغلق الباب وتبعها..
*أهلا بك...
توترت زيان واستدارت نحوه مبتسمة بخجل لتهمس
*شكرا لك...
حاول أن يبتسم لكنه فشل فأشار لها يشرح
*البيت بعيد عن المدينة، كما لاحظت فإن الواجهة كلها للبحر..
نظرت حولها لترى فعلاً أن الاطلالة على المدينة مقتصرة على نوافذ صغيرة، بينما الصالة حيث يقفان الآن فواجهتها زجاجية ضخمة مفتوحة للبحر... تساءلت بحذر
*ألا يرانا الصيادون؟
اقترب من الزجاج ليحرك الستائر مغلقاً المكان
*لا، لأن الصيادين لا يقتربون من هنا، حسب ما سمعت فالأسماك هنا صغيرة غير مرغوبة..
هزت رأسها بتفهم
*جيد..
فأكمل مشيرا لها أن تتبعه
*لكني أحياناً أخرج بقارب صغير تحت البيت للصيد..
تحمست وسألت
*وهل تصطاد
لوى فمه بأسف
*لم يحدث أن اصطدت..
وأشار للغرفة المتجهان نحوها
*هذه غرفة النوم ، والحمام ملحق بها ، وعلى الجهة المقابلة هناك مثلهما .. والمطبخ مفتوح على الصالة كما لاحظت بالطبع..
أومأت بنعم لتقف مكانها حينما رأت ابتسامته تتسع ينظر لها
*لكني اليوم اصطدت أجمل سمكة في الكون..
ولم تتمكن حتى من إخراج شهقتها المتفاجئة من حركته السريعة لتجد نفسها تطير بين ذراعيه وثوبها يطير معها ، ليدخل بها الغرفة ليعيشا حالة من السكر والهروب من الواقع...
يوما لن يتكرر ... تاركان خلفهما ... كل شيء ...
لأن الغد القادم سيغير كل شيء ، لذلك حرص على جعل هذا اليوم لا ينسى لها...
...................................
استيقظت زيان صباحا على صوت الموج العالي ...
فتحت عينيها تعض شفتها مبتسمة , التفتت لنرى أن وحدها في السرير , لا بد أن مهيار قد استيقظ قبلها ...
*مهيار ؟
قالتها بصوت هامس وحينما لم تتلق الرد علمت أنه ولا بد في الحمام أو في الخارج..
نهضت بكسل من السرير ، لترفع شعرها ببكلة عشوائية ، تاركة جزءاً منه متدليا بدلال على كتفها...
نظرت لنفسها في المرآة مبتسمة ، لقد تزوجت حقاً!!
تذكرت والدها فبحثت عن هاتفها لتكلمه ، لكنها لم تذكر أين وضعته بالأمس، بحثت في الأدراج هنا وهناك لكنها لم تعثر عليه ، و حين ملت البحث نادت مهيار مجددا بصوت عالي ، لكنه كذلك لم يرد .. نفخت بحنق لا تعلم كيف تتصرف .. فتركت كل شيء وذهبت لتحصل على حمام صباحي هادئ ريثما يعود مهيار من حيث هو...
وخلال دقائق كانت تلتف بمنشفة الحمام الضخمة التي لفها بها مهيار على الشاطئ فابتسمت للذكرى ..
وقفت أمام التسريحة تجفف شعرها , وترفعه كذيل حصان مرتفع , ولم تضع شيئا على وجهها خاصة مع ظهور بثرة على وجهها من المستحضرات التي استخدمتها أمس وهي التي لم تضع يوما أكثر من مرطب للشفاه وكحل للعين ..
تأملت نفسها بالفستان الذي اختارته , بلون المشمش الخجول يصل حتى ركبتيها وبنصف كم ..
وكعادتها قالت لنفسها تشجعها على بداية اليوم
*سباح الخير يا زين البنات ..
وغمزت نفسها ضاحكة متذكرة الصباحات الماضية ..
لكن شتان ما بينهم ...
تمطت تشد جسدها وخرجت للصالة فلم تجد أثرا له .. واتجهت نحو الواجهة الزجاجية لتفتح بابا تخرج منه للشرفة , ليطل عليها البحر بكل موجه و بهائه
اتسعت عينيها برهبة لطالما توقعت جمال المنظر وتمنته , لكنه على الواقع أجمل بكثير .. كالسحر ..
*ما شاء الله ..
تمتمت بها مقتربة من سور الشرفة , وانحنت تمد يدها علها تلمس قطرات إحدى الموجات ...وتمادت بالوقوف على أطراف أصابعها حتى خشيت أن تقفد توازنها ..
صرخت برعونة واستقامت بسرعة وغباء حينما تمكنت من لمس الموج ..
بدا الأمر مشوقا وأرادت أن تكرره , لكنها سمعت صوتا في الداخل فنادت
*مهيار أنت هنا ..
ودلفت من الشرفة لكن الصمت هو ما كان جوابها ، قطبت مستغربة ، فما الصوت الذي سمعته إذن !
دخلت من الشرفة لتقف في وسط الصالة ، هناك شيء غير طبيعي لا تعرف ما هو..
يبدو أن شيئا تغير ، لكنها لا تذكر جيدا ترتيب البيت لتتأكد إن كان تغير أم لا ، ما يهمها أن هذا الترتيب لا يعجبها لذلك شدت همتها وبدأت العمل لترتب الصالة بشكل يرضيها..
ولم تكد تنقل الأريكة جيدا حتى سمعت صوت مهيار يناديها..
اتجهت إلى الباب وفتحته، لتجده واقفاً ويداه ممتلئة بالمشتروات...
*صباح الخير..
همسها واقترب يسرق قبلة سريعة من وجنتها ، ليتخطاها ويدخل بينما هي بالكاد شهقت متفاجئة من حركته..
أغلقت الباب وردت عليه بخفوت
*صباح النور..
لم تسأله أين كنت فمما في يده أدركت أنه كان بالسوق..
دخلت خلفه إلى المطبخ من الباب الجانبي الصغير ... وضع ما بيده على طاولة صغيرة وفتح الأكياس لترى محتوياتها
*لم يكن هناك ما يؤكل فقمت بجولة سريعة قبل أن تستيقظي...
ابتسمت واقتربت لترى ما اشتراه وتبدأ بتوزيعه مستغربة بحق فمن يراه يعتقد أنهما زوجان منذ أعوام ، أين رومانسية شهر العسل !
*لما غيرت مكان الأريكة زيان؟
تفاجأت من سؤاله وقد نسيت موضوعها تماماً، فتركت المطبخ وعادت لها
*أريد وضعها هنا قريب الزجاج...
خرج خلفها مستغرباً ما تقوم به
*لكن مكانها كان هناك!
توقفت ونظرت له باندهاش وقالت تبرر
*لا لا كانت عند الباب تقريباً ومكانها خاطئ..
*لا بأس زيان..
قاطعها مقتربا ليسحب الأريكة بيسر إلى قرب الزجاج
*إنها هنا منذ اشتريت البيت لم أغير شيئاً في البيت منذ اشتريته...
احمر وجهها بخجل وهتفت بصدق
*لقد كانت هناك..
أشارت إلى مكان ما قرب الباب مؤكدة كلامها
*أنا حاولت نقلها من هناك إلى هنا و أنت جئت فنسيت .. ولكن...
اقترب مبتسماً منها ليحيط جسدها بذراعيه قاطعاً كلامها بهمس شجي
*زيان... لا بأس لن ألومك فأنت لم تعتادي بعد على البيت...
اتسعت عينيها لترد بقوة
*ولكن مهيار...
وضع كفه على فمها لتسكت وقبل جبينها قبلة طويلة عميقة حتى أحس بهدوئها فأبعد كفه ونثر العديد من القبل على وجهها حتى وصل لثغرها يلثمه برقة وشوق ، وهي ساكنة ، فعمق قبلته أكثر يمسح جسدها بكفيه حتى ذابت معه دون أن تشعر..
لحظات وتركها مغمضة العينين , محمرة الوجه ليهمس أمام شفتيها
*هل نعد شيئا لنأكله أم نؤجل الطعام لوقت آخر ..
أطرقت بخجل محاولة الابتعاد عنه قليلا
*لست جائعة , أريد النزول للبحر لقد حاولت لمس الموج قبل لحظات ..
ارتفع حاجبه وسحبها من يدها معه نحو الشرفة , فسألت متعجبة وهي تراه يتجه للجدار
*إلى أين تذهب ..
أدار وجهه لها مبتسما
*أحقق رغبتك ..
ولمس زرا ما في الجدار ليفتح بابا ضخما يؤدي إلى درج صغير , نزلت معه متخوفة من المكان , لتجد أنه ليس سوى مرسى صغير لقارب خاص ..
*هل هو لك ؟
سألت متعجبة ليلف ذراعه حول خصرها ويحملها ليضعها على القارب بينما هي تشبثت به بقوة ...
رغما عنها ضاحكة بحماس لمَ تحياه لأول مرة معه ...
قفز ليركب هو الآخر فاهتز المركب من ثقل جسده , لتجلس صارخة متمسكة بحافته , فضحك من منظرها متسائلا
*هل تخافين يا صغيرة ؟
قطبت جبينها تنظر له شزرا
*لم تناديني صغيرة ؟
هز كتفيه بينما حرر المركب من حباله ليشغل المحرك الصغير منطلقا به
*ربما لأنك تتصرفين كطفل لا يجرؤ عن الابتعاد عن والديه ...
كانت على وشك الرد عليه حين اتسعت حدقتيها متذكرة
*مهيار أين هاتفي .. بحثت عنه لأكلم والدي ولكني لم أجده !
نظر لها بتعجب قائلا بلهجة متسامحة
*إنه في غرفتنا زيان قرب السرير على الطاولة الصغيرة وبالقرب منه هاتفي كذلك..
هزت رأسها تنفي بسرعة
*لا لقد بحثت عنه ولم أجده ..
وجه نحوها نظرة جعلتها تسكت , أخبرتها وكأنه بدأ بالاعتقاد أنها مجنونة وأكمل بقوله بذات اللهجة المتسامحة
لا بأس يا صغيرتي فأنت لم تعتادي على البيت بعد ..
فتحت فمها لترد عليه , لكنه لم يسمح لها لينزل ويجلس قربها , يسندها على جذعه رغم اعتراضها الواهي
*تمتعي بالجمال حولك ..
نظرت حولها بالفعل , للموج المتطاير بفعل حركة المركب , للبيت الذي أصبح بعيدا ..
وتذكرت والدها , لا بد أنه وحيدا الآن مع ذاك الممرض الغريب ..
التفتت نحو مهيار
*هل هاتفك معك أريد أن أكلم والدي ..
هز رأسه نافيا بأسف
*لقد قلك لك للتو حبي أنه قرب هاتفك في غرفتنا ..
قبل جبينها بحب
*عندما نعود من جولتنا كلميه..
وافقته بهزة من رأسها , واقتربت من حافة المركب وانحنت لتلمس الموج ..
أطلقت صرخة ناعمة من ملمسه السريع على ذراعها , فانحنى مثلها ليمسك كفها يحذرها
*لا تنحني كثيرا , ربما سقطت من المركب ..
ضحكت وعاندته بانحنائها أكثر
*لن أسقط ولم ذلك ..
ابتسم بخبث .. لم تر ابتسامته , تركها محذرا من جديد
*احذري السقوط .. سأرى إن كانت عدة الصيد معي ..
ورجع للخلف إلى قرب المحرك وهي تراقبه لينحني ملتقطا صندوقا كبيرا يخرج منه السنارة الخاصة بالصيد , فابتسمت له وعادت لانحنائها , ولم تره وهو يزيد من سرعة المحرك بحركة خاطفة ليصرخ بعدها
*احذري زيان ..
وسقط هو على أرض المركب بينما نهضت زيان بغباء لتقف وتركض نحوه فتعثرت ووقعت ليخرج جذعها خارج المركب ويسحبها نحو ماء البحر ..
لم تسمع ضحكته وهو يوقف المحرك ويقف متظاهرا بالرعب صارخا باسمها
*زيــــــــــان ...
لم تكن تعرف السباحة كل معرفتها بالبحر تقتصر على الشاطئ , لم تغامر يوما بالسباحة ولا تستهويها ...
وحينما رآها كانت تجاهد كي تبقى على السطح تصرخ كلما سمح لها الموج باسمه , دون أن تقدر على فتح عينيها فلم تره إطلاقا وهو يراقبها تعافر مع الموج وتكافح كي تتنفس , بينما بدا البحر غاضبا بجنون فلم يسمح لها بالتقاط أنفاسها ..
تركها ما يزيد عن الدقيقة تجاهد وحين شعر بيأسها , قفز بالماء واتجه إليها ليخرجها ... ووصل في اللحظة التي أغمضت فيها عينيها ولم تعد قادرة على المقاومة فلم تشعر به يسحبها .. استسلمت للسواد الذي أحاط بها وأنقذها ...
بينما والدها كان يشعر بالاختناق ..
يواصل الاتصال بها منذ الصباح دون رد , حتى مهيار لم يرد عليه , وتلك الغصة تحتكم روحه حتى شعر بالاختناق حقا فنادى الممرض متسائلا إن كان ينفع أن يعطيه إحدى الحبوب المنومة فهو لم تغمض له عين منذ أمس ..
وبالفعل أعطاه , ليستسلم لسلطان النوم بالفعل , مغيبا نفسه بالقوة عن إحساسه ..
فتحت زيان عينيها على صوت طنين مزعج فتحركت بصعوبة تشعر بجسده وكأن شاحنة قد دهسته , فرأت هاتفها مستمرا بالرنين باسم روجين ..
تمددت لتفتح الخط وتضعه على أذنها
*مرحبا روجين ..
وصلتها الضحكة النعامة لروجين بينما سمعت صوت ريوان
*هل غرقت في العسل ونسيتنا ...
دلكت رأسها وكانت على وشك القول ( بل غرقت في البحر وكدت أموت )
لكنها سكتت عن ذلك حين سمعت صوت والدها يسأل بقلق
*كيف حالك زيان ..
اعتدلت بسرعة مبتسمة للصوت
*أبي اشتقت لك كثيرا ..
لم يستمع لأشواقها ليسألها بلهفة
*طمئنيني عنك زيان هل أنت مرتاحة ..
ابتسمت لطيفه في خيالها تؤكد له
*أنا بخير أبي لا تقلق .. لقد خرجننا في نزهة بحرية , وعدنا للتو أنا بألف خير ..
*أتمنى ذلك ..
همس بذلك بصوت خفيض , لتخطف ريوان الهاتف هاتفة بمرح
*أيتها المخطوفة أين أنت بالضبط ...
كانت سترد عليها حين أطل مهيار من الباب
*هل استيقظت؟
سكتت عن الرد على ريوان وردت عليه
*نعم , روجين وريوان عند أبي الآن يكلمونني ..
واتجه نحوها ليأخذ الهاتف من يدها يسمع ريوان تقول
*كم هذا رومانسي , صوتكما كهديل الحمام ..
ضحك ورد عليها وملهم كذلك صوته جميل ..
شهقت بفزع لتضع الهاتف بيد عابد هامسة بحنق
*يا لك من غبية زيان ..
ضحكت روجين من قلبها لتهمس بصوت منخفض ساخر
*تستحقين ذلك فلسانك يسبقك ..
قال مهيار حين ميز صوت تنفس عابد
*أهلا عمي .. اشتقنا لك حقا ..
والتفت لزيان قائلا
*لا تتحركي لقد أعددت لك شايا بالليمون سأحضره على الفور ..
وخرج من الغرفة ومعه الهاتف وعابد على صمته وقال له
*أتذكر عمي شفيعها الأول ؟ لقد استهلك اليوم .. ادع لله أن تكثر شفاعاتها ...
غص حلق عابد بالدموع ولم تنتبه الفتاتين لحاله , فروجين قالت له تأخذ الهاتف منه
*كل هذا الشوق لزيان ونحن كذلك ابنتيك ..
وكلمت مهيار قائلة
*لك عروسك مهيار وعلينا العم عابد لنعوض له هذا الشوق الذي سكن عينيه ..
وقالت له بصدق خرج من عمق قلبها استشعره من همسها للحروف
*اهتم بزيان أرجوك فهي رقيقة كالزهرة رغم مظهرها القوي إلا أنه يسهل كسرها ..
*لا تقلقي ..
قالها وأغلق الخط , لينظر نحو كوب الشاي الذي أعد مطولا قبل أن يحمله ويتجه به نحو زيان التي ما زالت على سريرها تدلك جبينها ..
ما أن رأته حتى قالت
*أشعر بالصداع ..
ابتسم ليقترب منها ويجلس قربها على حافة لسرير لائما بلهجة ناعمة
*لقد حذرتك لكنني لم تستمعي لكلامي ..
تنهدت بألم بينما يرفع جذعها ليسندها ويضع الوسائد خلفها لترتاح
*لقد خفت ولم أعرف كيف أتصرف ..
*لا بأس ..
وساعدها لترشف من الشاي قليلا
*طعمه جميل ..
قبل وجنتها ليقترب أكثر يضممها لصدره مستمرا بجعلها ترشف من الشاي
*هيا استعيدي قوتك لنأكل فما زال أمامنا شهر عسل طويل ..
ابتسمت بخجل لتصحح له
*إنه أسبوع لا أكثر ..
لم ينظر لها بل نظره كان سارحا في البعيد ليؤكد مرة ثانية ..
*لكنه سيكون طويلا ... جدا ...
أكملت كوب الشاي ببطء بينما تشعر بالنشاط يدب فيها وهو يروي لها كيف قفز خلفها وأخرجها وضاحكها حتى بقوله
*أيعقل أنك لا تعرفين السباحة ..
فعبست متذكرة
*لم أتعلمها يوما ..
لكن كل ذلك كان كابوسا و انتهى فها هي الآن بين ذراعيه آمنة هانئة ... يملأها الحب نشوة ....
أنت تقرأ
نذر الشيطان
Short Storyالمقدمة تلفتت حولها بخوف... لقد خسرت الكثير، لم يبق شيء آخر لتخسره... انكسر داخلها ذاك القنديل... انطفئ واحرق كل الجمال داخلها... باتت لعبة مشوهة... نظرة أخرى حولها... أين هي الآن!! كيف رمت نفسها هنا... سمعت أصوات ضحكات عالية... لم تر شيئاً...