5

2.9K 77 0
                                    

حوراء الجميلة صباح الورد ...
تقدمت منه بكل غنجها و دلالاها تلوي شفتيها باستياء
*و كأن حوراء حقا تعني لك شيئا ...
ارتفع زاوية فكه علما أن القادم من العتاب لن يعجبه وفتح ذراعيه علها ترتمي في أحضانه
*تعالي يا صغيرة ..
لكنها لم ترد عليه بل أدرات ظهرها عابسة بغنج
*أين عروسك لقد وعدتني أن تحضرها إلي ؟
قطب بانزعاج فعلى ما يبدو أن حوراء لن تتوقف عن المطالبة بها أبدا , فتقدم هو تلك الخطوات ليسحبها نحوه يقبل جبينها محاولا مراضاتها
*يا صغيرة هل أصبحت العروس أهم من مهيار ؟
لم تسامح وتنظر له بل زادت تقطيبا
*لن تغير الحديث مهيار أين زيان ؟
تململ في وقفته وأجاب مجبرا
*في بيت الشاطئ ..
اتسعت عينيها والتفتت له بسرعة
*وتركتها وحدها هناك اليوم وجئت إلي !
طوح بيده بلا اهتمام , واتجه إلى المطبخ ليحضر كوبا من العصير ويشربه فمن الواضح أن حوراء ليست مهتمو بضيافته اليوم , لكنها تبعته لائمة
*أنت تعلم أن بيت الشاطئ مخيف كما أنه منعزل ماذا لو احتاجت شيئا ؟
هز كتفه ليرشف من العصير
*أنت تهتمين بها كثيرا ..
نفخت بملل لتضربه على كتفه بعتب لطيف
*ولم لا أهتم بالمرأة التي اختارها أخي لتكون زوجته ..
شرب العصير دفعة واحدة ليقول منبها بلطف
*اهتمي بأخيك إذن لا بعروسه ..
*ألا تحبها !
سألت مستغربة لتردف بسرعة تتبعه نحو الصالة حيث رمى جسده على الأريكة الواسعة ليجيب بفم ملتو
*ما دخل الحب بالزواج ؟
جلست قربها تحشر نفسها قرب صدره لتكون قريبة من عينيه
*ولكن يا مهيار أنت علمتني أن الحب أسمى شيء في الوجود وأن الإخلاص لشريك عمرنا هو قمة الطهارة ..
مسح على شعرها بكفه
*و ما زلت على كلامي حوراء ..
سألت بقهر منه لا تفهم تصرفاته أبدا
*إذن لمَ أشعر وكأنك لا تهتم بها حقا !
لم يرد بل سرح بفكره بعيدا فتساءلت
*أليست جميلة ؟
ضحك ضحكة ناعمة
*لن يرتاح  لك بال حتى ترينها ..
وأخرج هاتفه ليعبث به قليلا , ويديره لها لترى صورهما معا يوم الزفاف , فشهقت لتسحب الهاتف من يده تكبر الصورة وتنظر لها بفم مفتوح , لتصفر بإعجاب
*جميلة جدا ..
عادت تلوي شفتيها تلومه
*لما لم تسمح لي بحضور الزواج , لا بد أن الحفلة كانت جميلة ...
أخذ هاتفه منها لينظر للساعة
*ربما لأني أشعر أنه لن يدوم طويلا , عودي للنوم لا زال الوقت باكرا ..
وكعادتها في كل مرة يتركها ويسافر اعترضت كثيرا , وكثرت سبل الترضية , ولكنها هذه المرة اختلفت .. فلم تكن ترضيتها سوى رؤية العروس قريبا ..
حوراء هي التي تملك زمام قلبه ...
هي من تركتها أمه له طفلة صغيرة ليكون لها الأب والأم والأخ وكل شيء ..
وهي من سألته يوما بقهر طفلة لا تكاد تفهم معنى الفقد
*لمَ ليس لدي أم ..
لايزال يتذكر رده عليها
*لقد أذوا أمنا يا حوراء فلم تتحمل وفقدناها ..
يومها بكت في حضنه هاتفة
*كم أتمنى أن أؤذيهم ..
وأمنيتها كانت أمرا واجب التنفيذ ..
عهدا قطعه على نفسه أل يسمح لنسل تلك المرأة أن ينتشر ويؤذي المزيد ..
وكانت زيان هي الهدف .. ابنة أمها ..
عندما عاد كانت لا تزال نائمة بفعل القرص المنوم الذي أعطاها إياه ليتمكن من زيارة حوراء والعودة دون أن تشعر به ..
نظر للساعة , لا بد وأن التأثير قد ذهب ..
تمطى بكسل مبتسما ليهمس
*حان وقت المرح ..
بدل ملابسه , واستلقى قربها على السرير , ومد يده لهاتفها يعبث به قليلا ..
وانتهى بأن وضعه قرب أذنها تماما وتمدد على فمه ابتسامة ماكرة وأغمض عينيه متظاهرا بالنوم ..
لحظات فقط وكانت صرختها قد ملأت المكان , حين صرخ في أذنها عواء ذئب قوي !
لم تنتبه لخوفها على الهاتف الملقى قربها إنما قفزت من السرير تصرخ , بينما قفز بدوره بسرعة ليمسك بها محاولا تهدئتها ..
جسدها المرتجف بين ذراعيه جعله يشعر بالرضى ..
بينما هي دقات قلبها قد حطمت الرقم القياسي تغلق إذنيها بكفيها والصوت يتردد في رأسها .. شد جسدها لصدره أكثر
*اهدئي زيان .. اهدئي ما بك ..
كانت تنظر حولها بقلق وخوف ودموع غريبة طفرت من عينيها لتقول بصوت هامس بالخوف
*هناك حيوان ما في البيت مهيار لقد سمعت صوته ..
أدراها نحوه , لينظر لها بحاجب مرتفع متسائلا ببرود
*سمعت صوته ؟
هزت رأسها بنعم تؤكد له
*أنا متأكدة يا مهيار لقد سمعت صوت عواء ذئب ...
نفخ مهيار بضيق ليقول
*زيان حبيبتي نحن على الشاطئ وتقريبا في البحر فأين الذئب الآن عدا عن ذلك فمنطقتنا لا تحوي الذئاب , بل القطط وابن آوى ..
هزت برأسها نافية تبكي بخوف هاتفة
*أقول لك سمعت صوته هنا في البيت ..
نظر لها بعدم تصديق ليشير نحو السرير
*انظري زيان كنا نائمان وأنت فجأة قفزت صارخة والآن تقولين ذئب , كيف سمعته وأنا لا !
اتسعت عينيها بينما وجهها احمر بخجل
*ولكن .. أنا .. أنا سمعته ..
أبعدها عنه ولكنها عادت والتصقت به فنظر لها بعين مغمضة باستياء
*زيان ما بك ..
لكنها لم تبتعد بل استمرت بالبكاء ..
فأمسك يدها ليسحبها خلفه خارجا من الغرفة ليدور بها في أرجاء البيت مؤكدا لها أن لا ذئاب هنا , حتى أنه أخرجها للشرفة ليهتف أخيرا بحنق
*ها هو البيت بأكمله زيان , أين ذاك الحيوان هل اختبئ خلف الأريكة مثلا رجاء كفي عن هذا الخوف ودعينا نستريح قليلا ..
ابتعدت عنه لتستند على سور الشرفة تدفن وجهها بين كفيها مجهشة بالبكاء فحذرها
*ابتعدي عن السور زيان رجاء , سأحضر لك العصير , لأن ما سمعته لم يكن سوى كابوس ولا أريد أن أعود لأجدك تصارعين حوتا في البحر ..
رفعت نظرها له برجاء لتهمس
*صدقني أنا .. كان وكأنه حقيقة ..
لكن نظرته لها جعلتها تسكت وتطرق برأسها خجلا باكية , ليتركها ويذهب ليعد العصير ..
دلكت جبينها بأصابعها ..
صداع حاد يكاد يفتك برأسها , بينما تشعر بالقهر من نفسها منذ الأمس وهي لا تنفك تظهر حماقتها أمامه ..
ما الذي يحصل معها ..
سمعت الصوت بعيدا هذه المرة فصرخت بصوت قوي لتدخل إلى مهيار في المطبخ هاتفه برعب
*هل سمعته .. هل سمعته مهيار ..
فتح عينيه على اتساعهما متسائلا
*سمعت ماذا زيان؟
ارتجفت شفتيها , لتهمس بتخاذل تشك فيما سمعته
*صوت الذئب نفسه ...
لوى شفتيه ليقترب منها يقيس حرارتها بظهر يده ..
*ربما كان هذا دورا البحر .. هل نعود للمدينة زيان ..
وأدار ظهرها ليقول بصوت جدي
*ربما سترتاحين مع والدك بضعة أيام ريثما أتابع أعمالي ..
لا تعلم لم أحست وكأنه يعتقد بجنونها في هذه اللحظة , فاقتربت منه لتأخذ كوب العصير , تحاول رسم ابتسامة خرقاء على شفتيها
*لا لا داعي , مجرد عدم اعتياد على المكان , امنحني بضعة دقائق أستعيد فيها قوتي وأحضر لنا الإفطار ..
نظر لها بشك عدة لحظات لكنه تركها بالفعل ليدخل إلى الحمام ينعش جسده يصفر لحنا ما بمرح ..
مسحت زيان وجهها مرة ثانية , وارتشفت العصير دفعة واحدة , بينما تحاول تهدئة قلبها الثائر ..
غسلت وجهها بالماء, لتتحرك نحو غرفتها وتبحث عن الهاتف فوجدته على الطاولة الصغيرة قرب إبريق الماء ..
اتصلت بوالدها حالا , ليأتيها الرد حالا .. فقالت بصوت أنهكه الشوق وكأنها ابتعدت عنه منذ أعوام ..
*اشتقت لك أبي ..
ولم يكن صوته بأكثر راحة منها , فقلبه كان يحكي له أنها تعاني بينما هو هنا عاجز عن مساعدتها ...
لتطمئنه ببضعة كلمات عن حالها وتمكنت من الضحك .. معه واضحاكه ..
حين سمعت صوت مهيار يناديها كي تحضر له ملابسه فقد نسيها ..
لكنها توقفت محمرة بخجل عند الباب تناديه بصوتها المبحوح من كثرة البكاء ..
فتح الباب يلف جسده بالمنشفة , لكنها لم تكن تنظر له ..
وجهها المحمر خجلا أثاره ..
وهي زوجته .. ملكه .. من يمنعه عنها ! ..
سحبها بسرعة ليدخلها الحمام معه ..
لاغيا بعبثه كل رعب الصباح ...
بينما هي لا تعلم ما الذي ينتظرها مع كل ضحكة تضحكها ...
.....................
نظرت زيان لوجه مهيار النائم قربها، وتنهدت بعمق، رفعت الغطاء على جسدها أكثر لتنام على جنبها تعطيه ظهرها، مفكرة بألم..
(لمَ يحدث هذا معي، منذ أن تزوجت وأنا أتصرف كطفلة خرقاء)
أغمضت عينيها تبعد تلك الأفكار عنها..
منذ متى كانت ضعيفة...
سمعت صوت طنين ضعيف جداً، فرفعت جسدها بهدوء شديد حتى لا تثير انتباهه، وجدت هاتفه ينير باسم حوراء...
ارتفع حاجبيها بدهشة، ليحمر وجهها بغضب، والهاتف توقف عن الرنين..
*مهيار..
التفتت نحوه بسرعة لتنزع الغطاء عنه هاتفة به
*انهض مهيار، من هي حوراء هذه..
فتح عينيه بقلق مستغرب سبب صراخها لكن اسم حوراء انتزعه من غفلته ليهدر
*ما بها حوراء ؟
قطبت لتهدر من بين اسنانها بغضب
*من حوراء هذه لمَ تتصل بك من تكون...
ارتفع حاجبه قليلا، ليسحب هاتفه منها بقوة، يوجه نظراتها لصدرها العاري الذي نسيت في غمرة غضبها أن تغطيه وهمس بتسلية..
*حوراء هي اول ملكة لعرش قلبي..
رفعت الغطاء لتستر جسدها هربا من نظراته التي أحرجتها، لكن كلمته جعلتها تنظر له كالبلهاء متسائلة
*ماذا..
وبلا مبالاة، رمى الغطاء عنه، ليلتقط بجامته المنزلية يرد بعبث
*كما سمعت...
*وأنا!
هتفت بفم مفتوح غير مصدق، يتسارع تنفسها فبدت كأنها على وشك البكاء، فذكرته بحوراء ليبتسم مفكرا أنه ربما جميع الفتيات يتشابهن بطريقة البكاء..
وأبعد عينيه عنها بصعوبة ليعبث بهاتفه معيدا الاتصال بحوراء ليرى ما الذي تريده وبعد كلمات قليلة تأكد فيها أنها فقط تطمئن على وصوله، بينما يراقب زيان المتحفزة التي تستمع لحديثه بصمت مطبق وعينيها يحكيان ألف قصة للغضب..
مد هاتفه نحوها فجأة، غير منتبهة لمَ يقوله، تفكر فقط بما الذي ستفعله، تشعر وكأن كل شيء توقف منذ أن رحب بها على الخط...
نظرت للهاتف بتوجس لتهمس من بين اسنانها
*ما الذي تريده..
لوى فكه ليقلد كلامها
*حوراء تريد التكلم معك..
ارتفع حاجبه بشر، وبريق عينيها ازداد لمعانا، وسحبت الهاتف قائلة بحدة
*نعم
لكن الصوت الناعم كان آخر ما توقعته
*مرحبا زيان، لا بد أنك غاضبة مني لأني لم احضر الزفاف لكن سنعوض ذلك لاحقاً..
ضيقت عينيها بريبة لا تفهم شيئاً لكنها ردت بصوت حاولت إخراجه لطيفاً
*لا بأس...
وصلتها صوت ضحكة ناعمة
*لا بأس!!  حسنا يبدو أنك غاضبة بالفعل..
لم تعرف زيان بم ترد، ومهيار الذي وقف أمامها مكتفا ذراعيه على صدره لا يساعدها بشيء
*لا ليس كذلك..  الأمر أن..  أن..
ولم تعرف ما الذي تقوله فهي حتى لا تعرف من تكلم...
ورحمتها حوراء من ارتباكها لتقول
*متشوقة جداً للتعرف عليك لقد وعدني مهيار بذلك بلغيه تحياتي سنتكلم لاحقا مؤكداً...
*بالتأكيد..
همست زيان، لا تستوعب ما يحدث، لتغلق الخط..  وذهنها مشتت، ضائعة..
كم هو كريه ألا تفهم ما يحدث حولك!
أخذت نفساً عميقاً، تمد يدها له بالهاتف لكنه لم يأخذه، فأعادتها لحجرها وتراجعت بظهرها مستندة على السرير غير ناسية أن تسحب الغطاء فوقها، وعيناهما متصلتان بالنظرات، وعندما لم تعرف ما هو السؤال الأنسب في هذه الحالة، قالت بهمس حرج
*أخبرني..
تجاهلها ولم يرد للحظات باقيا على نظراته لها...
فأخفضت عينيها ليقول بجمود أخيرا
*إنها حوراء أختي..
حسنا هناك شيء ما خاطئ إما هي معتوهة او هو لا حل للأمر سوى ذلك!
هذا ما فكرت به زيان وهي تعيد نظرها له لتسأل باتهام..
*لم تخبرني عنها من قبل لماذا؟
نفخ مهيار بملل ليسأل بغضب
*هل تعانين من مرض ما زيان أخبريني، هل كنت تتصرفين كذلك طوال الوقت أم أن ما يحصل معك هو توتر الزواج..
هذه المرة لم تهتم لا بالخجل ولا بسواه، قفزت بدورها عن السرير تلتقط ملابسها المبعثرة هاتفة بقهر..
*اي تصرفات مهيار، ألمجرد سؤالي عمن تكون حوراء أنت لم تخبرني أن لك أختا من قبل!
ضرب الجدار قربه، ليمسح وجهه وبكفيه، ويمررهما بشعره بقوة وهي تنظر له مستغربة تصرفه ليهدر بدوره
*بل أخبرتك..  تباً لهذا زيان، منذ الأمس وأنت تتصرفين بغرابة وكأنك لست الفتاة التي عرفتها، لقد أخبرتك عن حوراء وحكيت لك عن عائلتي..  أين يكون عقلك زيان..  أنا أرى أنك...
كانت تنظر له بعيون متسعة من هجومه الغير مرغوب أبدا في هذا الوقت
*أنني ماذا قلها، هل تعتقد أنني مجنونة، قل ما تريده ولكنك لم تخبرني عنها قبلا...
رفع عينيه للأعلى طالبا الصبر من الله
*ولم سأخفيها بالله عليك، وكيف أخفيها إن كان والدك وصديقتيك يعلمون عنها هل أخفيها عنك فقط!
*لاااا
صرخت بكل قوتها، ترفع كفها في وجهه
*توقف..  بالله عليك توقف..  كل ما يحصل خطأ..  أنا..  أنا...
وانهارت جالسة على السرير لتجهش بالبكاء مخفية وجهها بكفيها تكرر
*لم تخبرني عنها...  لم تخبرني عنها..
بقي على حاله بعض الوقت ينظر إلى انهيارها السريع، ولعجبه...  لم يرضه ما يحدث رغم أن هذا هو ما يريده..
وعلى عكس ما توقعت لم يأتي لها ليضمها ويطمئنها أن كل شيء بخير..  رغم كونها لا تشعر بذلك، لكنها تحتاج دعمه..
لذلك انفجرت بالبكاء أكثر حينما سمعته يفتح الباب ويخرج من الغرفة...
غرقت في بؤسها لبعض الوقت، حتى آلمتها عينيها من البكاء، مسحت وجهها بكفها ونظرت للساعة، لا بد أن روجين وريوان مع والدها الآن..
أجلت حنجرتها لتخرج صوتها طبيعياً، واتصلت بوالدها المرتقب لتلك المكالمة، وكونها هذه المرة بعيدة عن مهيار استعلم منها عن كل صغيرة وكبيرة حتى طريقة معاملته لها، وما كان يثير جنونه وقلقه أن زيان لم تشتكي ولا لمرة!  بل على العكس تمدح مهيار!
لكن ما جعلها تتخبط في حيرتها وشتاتها هو قول والدها أن حوراء كلمته اليوم لتطمئن عليه!
كم كانت لتبدو سخيفة لو سألت والدها منذ متى يعرف حوراء...
مكالمتها هذه المرة لم ترحها بقدر ما أرهقتها..
وضعت الهاتف جانباً، ونظرت ليدها، لتجد أن إصبعها خال من خاتم الزواج..
شهقت بجزع لتقفز من مكانها تبحث عنه، نفضت الغطاء الخفيف عدة مرات، لكنها لم تسمع رنين الذهب على الأرض الرخامية...
لا تذكر أنها خلعته من إصبعها، لا بد أنه سقط دون أن تشعر..
نزلت على الأرض لتنظر تحت السرير وتحت الاريكة الضخمة وخزانة الملابس ولكن لا أثر له، وإن كان قد تدحرج لا بد أنه تحت الأثاث في مكان ما...
وقفت في وسط الغرفة ترفع شعرها عن وجهها بكفيها والآن ماذا!
أين اختفى خاتمها!
عادت لتنحني على الأرض قرب السرير تمد يدها عند قوائمه ربما كان عالقاً هناك، لتتفاجأ حين رفعت جسدها بمهيار يقف قريبا منها بحاجب مرفوع متسائلاً بهمس حذر
*ماذا الآن؟
استقامت واقفة تفرك كفيها ببعض لتهمس مقاومة البكاء بصعوبة
*أبحث عن خاتمي..
هز رأسه ييأس، ليدخل الحمام لحظات ويعود يحمله بين أصابعه..
اقترب منها ليسحب كفها الصغير ويدفع الخاتم مكانه الطبيعي..
*لقد نزعته من إصبعك في الحمام، لا بد أنك نسيتِ ذلك، لا بأس عليك..
وكانت هذه الكلمة هي تحتاجه لترتمي على صدره باكية بجنون تحيط جذعه بذراعيها تهمس من بين دموعها
*لا أعلم ما بي لست بخير..  لست بخير..
رفع وجهها بكفيه ليمسح دموعها بوجه مبهم الملامح...  لم تهرب من عينيه ولا من ضعفها لتقول بصدق أوجعه حقاً وجعله يغمض عينيه مستمعا لهمسها..
*آسفة، لم أكن هكذا يوماً، ربما أنت على حق، أحتاج أبي...
غصت بدموعها تقترب أكثر منه مبدية هشاشة لم يرها يوماً في فتاة حتى في حوراء، لتتمسك بكنزته..
*أنا خائفة.. لست مجنونة صدقني، لا أفهم شيئاً...
قطع كلامها يدفن وجهها على صدره وقد أحرقته دموعها...  أوجعه وجعها حقاً!
*اهدئي...
وظل يربت على ظهرها بكف ويمسح شعرها بالآخر حتى هدأت دموعها حقاً وتوقفت عن البكاء، لكنها لم تبتعد بل ظلت في أمان صدره وهو لم يعترض...
همس بعد لحظات..
*أفضل؟
أومأت بنعم لترفع رأسها مبتعدة إنشات ودموعها قد تركت أثرها على الخد النضر فذبل واحتقنت العيون باللون الأحمر..
حررت ذراعيها من ضمه لها وحاولت ترتيب شعرها ومسح دموعها قائلة بمرح كاذب
*لا بد أني أبدو مخيفة...
ابتسم لبراءتها... لعفويتها..  ماذا قالت روجين عنها؟  زهرة يسهل كسرها..
وكم كانت محقة!!
لم يحتج سوى ليلتين لينسف كل ثقتها بأفعالها وتركيزها..
حاول أن يبدد هذا الوضع الغريب و قال مجاريا إياها في محاولتها
*حسنا انعشي نفسك بحمام سريع واتركي نفسك لي اليوم..
وبالفعل..
أخذت ملابسها وطارت نحو الحمام، لتقف تحت سيل الماء المنهمر وقتا طويلا عله يأخذ معه كل الفوضى التي تعصف بها..
لم تخرج منه إلا على صوته يناديها، فجففت جسدها ولبست لتخرج له...
وتترك نفسها كما قال..  له..
حتى هو لم يصدق أنه مهيار الشوماني، من خطط بدقة ليدفعها نحو الجنون ويدخلها المصح العقلي يقوم بنفسه بالترويح عنها، وإزالة كدرها...
لا يعرف كيف، لكن ضعفها جعلها تتسلل دون إرادة منه لتدق باب مشاعره طالبة الرحمة..  وكانت لها..
بعيدا عن سوداوية أفكاره، كانت كل ما يحلم أن يجده في فتاة!
فهل تعدت كونها المطلوبة لتصبح المختارة!
كيف تمكن من إبعاد شبح انتقامه لتزرع مكانه بذور اهتمامه...
كيف حتى هو لم يفهم...
حتى مكالمة حوراء الثانية معها في نفس النهار وانسجامها معها جعلته يتساءل ما المنطق فيما يفعله...
ما ذنبها...
عاد سؤال عابد ناصر يتكرر مراراً في عقله.. ما ذنبها حقا..
زيان لا ذنب لها...
تضارب أفكاره جعله هو نفسه يشعر بالشتات فماذا عنها ؟
وعند المغرب على الشرفة اختلى بنفسه عدة لحظات بينما تبرعت هي بإعداد الشاي...
وجد نفسه دون شعور يكلم عابد، الذي رد بقلق متسائلاً
*هل آذيت زيان...
صمت مهيار للحظات ولم يرد تصله أنفاس عابد المتقطعة خوفاً ليقول بصوت عميق..
*إنها ابنة أمها..
شهق عابد بينما انسلت دمعة من عينيه أحس بها مهيار من ارتجاف صوته
*هل أتممت جنونك أعدها إلي...
وبصوت مختنق مليء بالرجاء
*أعدها أتوسل إليك...
ابتسم مهيار ليطرق برأسه هامسا
*قلت لك أنها ابنة أمها...
تساءل عابد بصوت متقطع وقد أخذه القلق والارتياب من تكرار الكلمة ذاتها بذات النبرة..
*ماذا تعني...
هذه المرة علت ضحكة مهيار بسخرية من نفسه بل ضحك على نفسه ومنها ليرد بقلة حيلة أضحكته.. من كل قلبه
*أحببتها حقاً، تخيل ذلك...
لم ينطق عابد بكلمة واحدة، يستمع لضحك مهيار الذي أكمل
*تلك الفتاة التي لاحقتها سنوات أكرهها أحببتها في ليلتين..  إن القدر يسخر مني...
لكن عابد لم يصدق ليسأل مغمضا عينيه متوقعا الأسوأ
*ماذا فعلت بها...
*مع من تتكلم وتضحك أهي حوراء مجددا؟
مد يده بالهاتف لتأخذه ضاحكة
*ماذا لو أرسلته كي يحضرك إلى هنا وتقضي يومك معنا...
*يا ليت..
قالها مستغربا ضحكات ابنته التي هتفت بسعادة
*أبي!  يا إلهي يا ليت حقا لو يمكنك المجيء..
وسألها متجاهلا أمنيتها ..
*هل أنت سعيدة زيان ..
نظرت بعيون هائمة ممتنة نحو مهيار لتهمس ناسية والدها على الخط
*بل أسعد فتاة في الكون..
ولم تشعر بمهيار الذي ابتسم ليسحب الهاتف منهيا الاتصال يغيبها معه في جنون العشق .. الذي جربه لأول مرة هذه الحظة !.
تأمل وجهها المغمض العينين المبتسم بخجل ..
لم يعرف كيف أحس .. ذلك الإحساس لا يعرف كيف يصفه ..
لكن شعر بانتمائها له , كيف غرق في بحرها وهي التي أقسم على إغراقها ..
يحتاج أن يقضي بعض الوقت لنفسه , عاجز عن اتخاذ القرار الصحيح ..
لذلك مسح خدها بإبهامه هامسا
*ما رأيك أن نأكل سمك اصطاده أنا ؟
رفعت عينيها له ..
واتسعت عينيها بخوف متذكرة ما حصل معها فأجابت بروع
*اذهب لوحدك , ولا تتأخر وأنا سأعد السلطة وما نحتاجه..
أومأ برأسه وهرب مسرعا من نفسه ومنها ..
راقبته وهو يفتح الباب المؤدي إلى المرسى الصغير تحت البيت , واقتربت للشرفة وانتظرت حتى خرج المركب ومهيار على متنه , يشير لها بيده ..
وبقيت تراقبه حتى دخل قليلا في العمق , رأت كيف رمى شبكة استغربت كيف سيصطاد بها , وبعد وقت من المراقبة دخلت البيت بقلب وجل .. خائف ..
ترهف السمع لأقل همسة وصوت ممكن أن تسمعه ..
حسنا ربما لا وجود لذئب في البيت كما توهمت , لكن لا بد من وجود شيء ما هنا , فمنذ جاءت وهي تسمع أصواتا لا يسمعها مهيار ..
جلست على كرسي طويل يطل على بار المطبخ المفتوح للصالة تسند وجهها على كفها , تقطب حتى اقترب حاجبيها ببعضهما ..
لقد سمعت صوت العواء ..
ربما كانت تحلم , كيف سمعته هي ولم يسمعه مهيار ..
إنه حلم بالفعل ..
لا بد أنه مجرد حلم كما قال مهيار .. نظرت لخاتمها هامسة
(متى تركتك في الحمام ! )
نفخت بتعب وملل , ونهضت من مكانها لتجهز ما يأكلانه , لا تعرف ولكنها شعرت أن مهيار لن يصطاد شيئا ..
ضحكت للفكرة , وهي تنتظر عودته دون سمك كم ستضحك منه ..
لحظات فقط حين نظرت من نافذة المطبخ للمدينة ورأت الأنوار قد عكست نورها على البحر ..
محظوظ مهيار حين تمكن من الحصول على هذا البيت , يمنحك إحساسا أنك تسكن في جزيرة خاصة بك ..
أنارت ضوء المطبخ , وأكملت عملها بصمت تام , حواسها على أهبة الاستعداد ..
سمعت صوت دعسة قدم ..
لكنها أقنعت نفسها أن هذا غير حقيقي فلتتوقف عن الهذيان , كما قال مهيار كل ما يحصل معها سببه عدم اعتيادها على المكان ..
ويجب أن تعتده
لكن الدعسة الخفيفة أصبحت خطوات حذرة , فالتفتت خلفها في ذات اللحظة التي كانت عصا غليظة على وشك أن تهوي على رأسها ..
صرخت بخوف
*من أنت ؟..
وتمكنت من الخروج من المطبخ دون أن يمسكها الشخص , لتذهب إلى الصالة مشعلة النور محاولة الوصول للشرفة ..
وهو يطاردها يطاردها يطوح بالعصا التي معه كل ما تطاله يده ليصل لها ويضربها ..
تصرخ هاربة من مكان لمكان تسأله من هو بخوف ورعب .. صوت لهاثها يعلو حتى تقطعت أنفاسها , حتى وصلت للصالة , بينما تمكن من ضرب ذراعها خرجت من باب الشرفة وأغلقه خلفها , لتقلب الطاولة الموضوعة مع كراسيها خلفها حتى تتمكن من الوصول لباب الشرفة تفتحه ..
وقبل أن يكمل فتحه لتهرب كانت العصا الغليظة قد أصابت كتفها , لتقع أرضا  صارخة بقوة من الألم ..
ليجرها من يدها بينما هي تتلوى من الألم وتصرخ ..
لم يرم مهيار الشبكة بشكل جيد , تركيزه ليس معه , ليصطاد بالفعل , كان يحتاج أن يبتعد لبعض الوقت ..
تظاهر برمي الشباك وجلس في المركب يراقب البيت من بعد ..
رآها حين دخلت .. حتى أنه ابتسم حين أضاءت الصالة , لا بد أنها أنهت تجهيز السلطة ..
لكنه قطب باستغراب , حين لمح خيالات في الصالة ووقف مكانه يمعن النظر حينن لمح طيفان ما يتشاجران ..
وميز من إنارة الصالة جسدها يهرب وتخيل وكأنه سمع صوت صراخها !
فلم ينتظر أكثر ليدير المحرك بأقصى سرعته عائدا ..
هناك شيء ما يحصل . .. شيء ليس له يد به ..
لا يعرف كيف توقف المركب ليقفز عنه نازلا يصعد الدرجات القليلة متعمدا عدم اصدار أي صوت حتى يفهم ما الذي يجري ..
كان الباب المؤدي للمرسى مفتوحا ..
والطاولة مع كراسيها رأسا على عقب .. وفي الصالة التي بدت شبه محطمة وجدها معصوبة العينين على إحدى الكراسي مقيدة وشبه فاقدة للوعي ..
كان سيتقدم منها وقبل أن ينطق حرفا واحدا سمع صوت خطوات في غرفة النوم ..
فحمل العصا التي كانت قربها بهدوء شديد بينما قلبه يتمنى أن يرى ما بها أولا , لكن للضرورة أحكام ..
تركها على حالها وقلبه معها ليدخل بخفة للغرفة , حيث وجدا رجلا ما ملثما كما يبدو فتقدم ببطء دون صوت حتى وصل خلفه حيث كان يبعثر محتويات صندوق المجوهرات التي أحضرها لزيان ..
فضربه على رأسه بقوة ليسقط أرضا دون حركة ...
تركه وانجه نحوها مسرعاً، ليفك الرباط عن جسدها مبعدا العصابة عن عينيها..
أمسك وجهها بكفيه يبعد الشعر عن جبينها وعينيها، وأثر الدموع لا يزال على خديها..
*زيان...  زيان... ردي عليّ...
مدد جسدها على الاريكة برفق ليرى أثر كدمة على ذراعها وأخرى على كتفها.. مسح عليها بظهر كفه وقلبه يعتصر بوجع وألم، صر على أسنانه بغضب ليتركها ويدخل على الرجل الذي بدأ يستعيد وعيه لينهال عليه بالعصا مفرغا كل غضبه فيه صارخا عليه...
*من سمح لك بضربها من أنت لتؤذي زوجتي... من أنت...
وظل يضربه حتى توقف الرجل عن المقاومة وانهار جسده على الأرض دون حركة..
وهو لم يكن بوعيه، غاضب حد الجنون... لا يسمح لأحد أن يؤذيها، ان كان هو نادم على كل ما فعله بها وينوي تعويضها، هل يعاقبه القدر بأن يرسل من يؤذيها دون أن يقدر على مساعدتها...
*مهيار.. كفى...
سمع صوت زيان الهامس فترك ما بيده يركض إليها ليجثو قربها على الأرض ممسكا بكفها
*ما الذي يؤلمك، هل آذاك... هل أنت بخير...
*أريد أن أشرب...
وبسرعة كان قد ذهب للمطبخ ليحضر لها كوب ماء، يرفع جسدها بلين ليساعدها على ارتشاف بضع قطرات
*هل أنت بخير...
هزت رأسها بنعم وابتلعت ريقها..
*لم يؤذني.. أنا بخير... فقط ضربني..
هدر حالا
*وأنا سأقتله...
أمسكت به رغم ألمها ، لا لا اتركه..
وبضعف تمسكت به لتهمس
*أريد أبي، أرجوك مهيار خذني من هنا لم أعد أريد البقاء هنا...
ضمها لصدره متسائلاً بهمس
*هل أطلب الطبيب..
نفت برأسها لتؤكد له
*لا أريد البقاء هنا...
وفعل ما أرادت حقاً، أخرج ذلك الرجل من غرفة النوم ورماه على أرض الصالة وساعدها لتدخل وتنعش جسدها، بينما جاءت الشرطة، تلقي القبض عليه وقد تعرف الضابط على الرجل وأخبر مهيار أنه مطلوب منذ فترة وتمكن من الهرب منهم كثيراً، وبعد إنهاء الإجراءات القانونية وأخذ أقوال زيان ارتمت على صدر مهيار تلتمس الأمان
*دعنا نذهب الآن، لن أتمكن من البقاء هنا..  لا أتخيل نفسي وحيدة هنا لثانية واحدة...
............

نذر الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن