6

2.9K 62 0
                                    

دخل والدها عليها الغرفة بعد أن غادر مهيار، لم ينطقا بحرف كلاهما آثرا تحية مختصرة لتدخل غرفتها متعبة ويغادر مهيار ليذهب ويطمئن على حوراء على أن يعود صباح الغد... ضغط على ألمه لينهض عن كرسيه ويجلس على السرير قربها فتنبهت له لتنهض مبتسمة
تعال لأساعدك...
ساعدته حتى تمدد على سريرها قربها  ومد يده السليمة ليحيط جسدها، فنامت على صدره، تهمس بابتسامة
*هل تذكر أبي، لسنوات طويلة وانا انام قربك...  اشتقت لأمي ...
غصت بدموعها ،وهو أيضاً يمسح شعرها بكفه، يحبس حرقته في قلبي..
*ما الذي حدث معكم؟
أغمضت عينيها بقوة تبعد عنها الذكرى لا تريد مجرد تخيل الأمر...
*لا شيء أبي اشتقت لك... و مهيار يجب أن يطمئن على حوراء...
قطب عابد متسائلاً بقلق
*هل حوراء تعاملك بشكل جيد تبدو لطيفة من حديثها...
أمسكت كفه وضعته على خدها وقبلتها بحب وشوق
*أجل تريد أن تعيش معي.
ومجددا سأل
*ومهيار هل يجيد التعامل معك؟
ابتسمت متذكرة غضبه وضربه المبرج للرجل، بدا وكأنه سيموت من الضرب... خوفه عليها ومساعدته لها، وقلقه طول الطريق ان كانت بخير..
*نعم أبي لا تقلق مهيار يهتم بي جداً...
قطب عابد بعدم فهم وقلبه يعتصر بوجع غير مطمئن أبداً...
همست زيان
*أبي حدثني عن أمي....
تنهد بهم حاول أن ينحني ليقبل جبينها، لكن ألمه منعه عن ذلك...
لذلك حرر كفه ليمرره على شعرها متظاهرا بالمرح والمزاح
*هل مللت من عابد المسكين...
ضحكت وأدارت وجهها له
*ومن يمل منك...
رفعت جسدها وقبلته قبلة بصوت قوي على خده وعادت تضع راسها على حجره متسائلة
*هل روجين وريوان بخير..
أرجع ظهره واستند للخلف يحدثها عن اليومين الذين قضاهما معهما، وكيف أنهما حاولتا قدر الإمكان تخفيف غيابها عنه...
مررت كفها على خده  وهي تستمع له ،وتضحك على ما كانت تفعله روجين به حتى أنه جعلها تشهق مستغربة حين قال أن ريوان فكرت بتغيير لون شعرها للحظات وتراجعت على الفور، ضربت كفا بكف مستاءة
*يا لحظي السيء، لو كنت هنا لاستغللت الأمر حالا وغيرت لها اللون!
..........
..........
أغلق مهيار الخط مع حوراء واطمأن عليها يخبرها أنهما عادا من بيت الشاطئ...
وبقي في السيارة ..  نظر نحو الضوء المطل على الشارع، إنها غرفتها...
لا بد أنها تفكر في النوم الآن، لقد تأخر الوقت وهي منهكة مما مرت به ومن السفر...
أرجع رأسه للخلف ينفخ بهم شديد...  تبعثر..  ما حدث بعثره تماماً...
كيف اختلت موازين الأمور في يده، كيف تحول كرهه لها لقلق وخوف و......  هل يحبها حقاً!!
متى حدث هذا...  متى...
وكيف سيكمل حياته هل سيكمل معها أم سيتركها تمضي في سبيلها... وهل يقدر على تركها!
سنوات وسنوات وهي تحت عينيه يعرف كل خلجاتها ما تحب وما تكره، وما بخيفها وما يريحها...  تأوه والصداع يفتك برأسه، يجهل تماماً كيف يتصرف...
مرة أخرى اخرج هاتفه واتصل بحوراء...
وبعد حديث صغير سألت حوراء ممازحة
*ماذا هل نامت الأميرة زيان وتركتك وحيداً؟
شاركها الضحك بذهن مغيب وسألها
*هل أحببت زيان..
*بالطبع...
وصله الرد على الفور لتكمل بحماس
*وانتظر البوم الذي سنعيش فيه معا انا وهي...
وبرحاء أضافت
*ستسمح لي بالذهاب معها لعملها أرجوك مهيار أرجوك...
سايرها لبعض الوقت حاسماً قراره..
لن يتخلى عما وجده إطلاقا. .. سينهي الوضع المعلق مع عابد ويلغي كل ما فات، ليبدأ من جديد بداية صحيحة..
أرسل لعابد رسالة يطلب منه أن يتحدثا بأمر هام...
...............
بعد ان نامت زيان وتأكد عابد أنها غرقت في النوم، استدعى الممرض بعد أن دثرها بالغطاء ليساعده بالجلوس على الكرسي وخرج من الغرفة إلى الصالة ليكلم مهيار الذي ما إن تأكد من نوم زيان حتى فاجأه أنه ينتظر في الخارج ليدخل على الفور...
خلال لحظات كان كل منهما ينظر للآخر بحيرة، لا يعرف كيف تجري الأمور...  ولا يفهم كيف وصلت إلى هنا...
كان عابد من كسر الصمت بسؤاله
*ألم تنهي ما تريده من زيان؟
نظر مهيار بتدقيق نحوه لينفي بشكل قاطع
*لا...
ارتفع حاجبي عابد بغضب ليضيق عينيه مستعداً للقفز عليه وضربه لولا العجز الذي هو فيه
*ما الذي تريده، ماذا بعد دعها وشأنها، لا دخل لها بما مضى...
نهض مهيار عن كرسيه بتوتر ليقترب من عابد يشير له أن يهدأ ويخفض صوته حتى لا تسمع زيان صوته وقال بصدق يضع يده على صدره
*صدقني أنا مستعد أن أقول لزيان كل شيء، لكنني أحببتها وأريدها حقاً...
فتح عابد عينيه بخوف
*تقول لها ماذا؟
جلس مهيار قربه
*اسمع، لم أكن أنوي أن أحبها لكن هذا ما حصل، ولا أريد أن أبتعد عنها، فإن كان يريحك أن احكي لها عما حدث ولمَ تزوجتها سأفعل ولكن تأكد أنني لن أحررها مني وسأسعى لتبقى معي وأجبرها على حبي...
*وهل الحب بالإجبار!
قال عابد من بين أسنانه
*منذ دخلت حياتنا وكل ما فيها تشابك وأصبح خاطئا...  أخرج منها ودعنا وشأننا...
مسح مهيار وجهه بكفيه مشيرا بيده بصبر
*اسمع لن أهدد ولن أجن، سأحكي لزيان كل شيء وأعتذر منها وأبثها حبي حتى تصدقني...
*كف عن قول أنك ستحكي لها كل شيء!
هدر مهيار بغضب
*ما الذي يرضيك؟
وبحسم أجاب
*أن تبتعد عنها...
التوت زاوية فك مهيار ليحسم بدوره
*'أنا لن أخرج من حياتها، أنا زوجها وربما هي تحمل طفلي الآن، زواجنا مكتمل افهم هذا الأمر وما دمت لا تنوي إخبارها عما مضى بأي سبب ستبرر لها رغبتك بانتهاء زواجنا؟
لم يعرف عابد بما يجيبه لكن الأمر معقد أكثر مما اعتقد هو ومهيار!
..........  ......
استيقظت زيان على صوت الهمس الذي لا تفهم منه شيئا في الخارج، تلوت متألمة من أثر الضربة، لم تنم أقل من ساعة على ما يبدو، لكنها افتقدت هذه الراحة في النوم، ربما ورغم كل شيء مهيار كان على صواب ما حدث معها لم يكن سوى عدم اعتياد على بيت في البحر..  تنهدت بحسرة فالبيت جميل جداً، ولكن ما حصل معها فيه ليس جميلاً أبداً...
تعالى صوت الهمس فنهضت عن سريرها ونزلت بسرعة لتفتح الباب متسائلة
*ماذا يحصل!
التفت لها وجهين محببين على قلبها فاتسعت عينيها لتتقدم نحوهما
*مهيار حبيبي ألم تذهب لحوراء؟
تقدم نحوها مسرعاً ليضع ذراعه على خصرها ويساعدها لتجلس على الأريكة قرب كرسي عابد
*لا، لم أذهب لم أقدر على الابتعاد عنك، لذلك عدت ولكنك كنت نائمة وكنت استعد للمغادرة...
قطبت باستغراب
*ولم ستغادر، اجلس لا تتصرف كالغرباء فأنت زوجي...
بقي عابد على صمته ينظر لزيان بحاجبين مقطبين، أيعقل أن مهيار لم يؤذها خلال هذين اليومين...
كيف سيتأكد من ذلك!
كم هو معقد هذا الرجل، لا يعرف كيف يتصرف معه، لكن بالطبع لن يسمح له باللهو على حساب ابنته.. فقال بفتور
*كنت تريد أن تغادر...
جلس مهيار على طرف أريكة زيان يمسك كفها الناعم يومئ لعابد بنعم فهو لن ي يعانده حتى يكسب رضاه الذي يبدو مستحيلاً...
*ادخلي لترتاحي بعد السفر وسأراك غداً..
ارتفع حاجبها باستياء ونظرت للساعة تجدها قاربت العاشرة ونهضت من مكانها منهية الجدل قبل أن يبدأ حتى.. لتقول بحزم..
*سأساعد أبي ليدخل سريره لينام وأحضر لك أحد مناماته...
ونهضت بالفعل تجر كرسي والدها الذي لا يصدق كيف تتعامل زيان مع مهيار، فهذه ليست معاملة زوجة أسيء لها!
توقفت ونظرت لمهيار تزم شفتيها بتركيز
*ربما ليست مناسبة تماماً لكن أفضل من النوم بملابسك ذاتها...
قال مهيار بحرج من نظرات عابد، يفهم تماماً ما يفكر فيه
*زيان لا داعي أنا...
قاطعته مبتسمة
*كف عن الجدل، لن أتأخر..
وأشارت له لباب غرفتها
*تلك غرفتي انتظرني بها...
وتابعت جر الكرسي غير منتبهة أبداً على الوضع المتعثر بين والدها ومهيار... ساعدته حتى نام على سريره وتأكدت كونه لن يحتاج شيئاً..
أوقفها بسؤاله
*هل تحبين مهيار، هل يحسن معاملتك..
ضحكت وعادت له لتقبل وجنتيه بقوة
*يا للغيرة يا أبي، صدقني أحببته...
احمرت وجنتيها خجلاً لتؤكد..
*وأريد أن أبني عائلة معه لأكون أم...
مسحت على خديه بذهن سارح..
*كم هو رائع أن أكون أم!! 
وتغيرت ملامحها تماماً للقلق وثبتت عينيها على عيني والدها
*أريد أن أعوض فقدي لأمي بأطفالي..  سيكون لنا الكثير من الذكريات، لن أكون مجرد ذكرى لهم..
غص قلبه بألم، كيف سيشوه حتى تلك الذكرى الصغيرة... كيف؟
مسح على شعرها يقول بصوت مختنق
*ان شاء الله خير...
ابتسمت له، لتدثره بالغطاء
*هيا إلى النوم تصبح على خير...
وتركته وحده بعد أن أخذت إحدى مناماته لمهيار مغلقة الباب خلفها...
بينما تركته لقلقه و حيرته، كل تصرفات زيان تؤكد له أنها سعيدة مع مهيار، ولكنه أكثر من يعرف نوايا مهيار فهو لم يخفيها عنه وأعلن عنها له صراحةً وبكل ثقة وغرور...
فكيف سيصدق أنه وفي يومين أحبها!
وكيف...  لماذا...
عليه أن يتبين حقيقة ما يجري، حتى يطمئن أكثر، شيء واحد لن يسمح به وهو أن يؤذي زيان بإثارة ماض مات واندثر حتى، لا يريد أن يشوه لها حياتها لتوصم بالعار ما تبقى لها من العمر...
عادت لتطل عليه من الباب بسرعة مبتسمة
*أحضرت لك الماء حتى لا تضطر للنهوض...
همس بشكر خافت لتضعه قرب السرير تحت متناول يده وتذهب مسرعة يهفهف حولها الروب الواسع الذي ارتدته فوق بجامتها المنزلية لتدخل غرفتها، فوجدته منتظراً أمام المرآة ينظر لنفسه في منامة والدها القصيرة بالنسبة له..
التفت لها بفم ملتو
*ربما لو تخلصت من البنطال أفضل!
كتمت ضحكتها واتجهت للسرير
*تعال لننام أنا حقاً متعبة...
اتجه نحوها يشير لهاتفها.
*وصلتك رسالة.
سألته وهي تمد يدها للهاتف
*ممن..
هز كتفيه بلا أعرف، ليستلقي على السرير الأنثوي الشكل بغير رضا، عينيه مركزتين على شكل المنامة المضحك لم يتوقع أن يرتدي مثلها يوماً!
أعادت زيان الهاتف لتندس قربه
*إنها ريوان ستأتي غدا مع روجين..
مد مهيار يدا خلف ظهرها ليقربها منه والثانية وراء رأسه اللهم
*أفكر بأن تأتي حوراء لتكون قربك ريثما أجهز غرفتنا في البيت...
ارتقع حاجب زيان لتقول متذكرة صورته على الموقع الإلكتروني أمام ما يصنفه كبيت
*تقصد قصرك..
ضمها بذراعه الثانية
*مهما كان شكله اسمه سيبقى بيتاً ، والآن نامي فأنت متعبة..
وبالفعل لفت ذراعيها حول جذعه تستسلم لسلطان النوم، تحمد الله أنها بخير، مستمتعة بلمسات كفه الخشن على وجهها حتى راحت في النوم..
وهو أخذ هاتفه ليراسل حوراء يخبرها أنه سيطلب من السائق أن يوصلها غدا صباحا لبيت زيان حتى تقضي الوقت معها، وحوراء هي من ستدافع عن حقه بزيان وتثبت لوالدها أن ابنته ستكون بخير..  حتى بإمكانه هو الانتقال للعيش معهم طالما  الأمر يريحه..
لكن أن يترك زيان أو يبتعد عنها فلا..  الأمر مرفوض تماما..
......
*وأخيراً سأراها...
رمت حوراء نفسها على مهيار ما ان فتح باب السيارة ووصلت لتجده ينتظرها في الخارج، لم تتمكن من النوم منتظرة الشروق بفارغ الصبر، فما أن أشرقت حتى أيقظت السائق وانطلقا، لتخبر مهيار أنها ستصل في أي لحظة...
فاجأته تماماً فلم يكن يتوقع وصولها قبل الظهر لتصل قبل أن تستيقظ زيان حتى...
هذا إذا تقبل عابد وجودها فهو لم يأخذ اذنه وكان  يريد أن يبدو الأمر غير مقصود من جانبه وكأن وصول حوراء هو صدفة بحتة..
حسنا.. لم تعد هذه الخطوة قيد التنفيذ، بل كيف سيبرر لعابد دعوته ضيفاً لبيته دون اذنه، ان كان هو غير مرغوب فيه فماذا عن ضيف يخصه!!
*يا شقية كنت انتظري بعض الوقت...
لامها بحنو لكنها لم تهتم لتسأل متجهة نحو البيت
*أين زوجتك أريد رؤيتها...
وتخطته لتدخل بشوق، لتجد على الباب أمام الغرفة عابد على كرسيه مع ممرضه الذي لم يحتج خدماته بالأمس..
نظر كلاهما للأخر باستغراب، ليدخل مهيار بتلك المنامة ويجدهما على هذا الوضع...
حك رأسه واقترب من حوراء بتوتر من نظرات عابد، لكنه لم يتوقع أن تسبقه بخطوة مقتربة منه لتشهق بابتسامة فاجأت عابد وهتفت بسعادة
*أنت والد زيان، أوه وأخيرا سأناديك عمي...
وأسرعت إليه لتقبل خده وهو ينظر لها بغرابة إنما مبتسماً لحيوتها التي ذكرته بزيان..
رفع مهيار حاجبه عجباً ليقول بفم ملتو
*انه والد زيان...
ولكنها لم تسمعه حتى فبدا كمن يحدث نفسه، ولم يعي ما يحصل حتى وجدها تقفز من مكانها نحو غرفة زيان...
لينده هو وعابد في ذات الوقت
*نائمة...
نظر مهيار لعابد بأسف
*كنت أقول لها هذا...
قطب عابد باستياء، ليشير بيده للمرض ان يبتعد، وبإصبعه أشار لمهيار أن يتقدم منه...
نظر مهيار حوله ليشير على نفسه متظاهرا بالغباء، ليومئ عابد برأسه بنعم هو... ورغما عنه قاوم ابتسامته على ارتباك مهيار  ،فهذا الشاب اعتاده دائما قوياً، مسيطرا، وليس مرتبكا محمرا بخجل...
اتجه مهيار ينظر لنفسه بعدم رضا متمتما..
*كنت على الأقل غيرت هذا اللباس المضحك...
وصل لعابد ليجر كرسيه ويدخله لغرفته...
ليجلس على أول كرسي يظهر له ويقابل عابد على كرسيه...
نفخ عابد ليقول مسلطا نظره على عيني مهيار
*لم أعد أفهمك...  ما الذي تريده..
اعتدل مهيار في جلسته وعدل من هيئته رغم أنه مهما عدل لن تبدو جيدة، وازدرد ريقه لينظر كذلك في عيني عابد...
*لا أعلم صدقاً لا أعلم...  ابنتك سحرتني..  نظراتها أسرتني...  لم أعد أرغب سوى برؤيتها مبتسمة...
*وكيف...
سأله عابد وقد التوى فكه بسخرية، فضحك مهيار ليهز كتفيه بما معناه لا أعلم....
وتم الصمت بينهما ليسأل عابد بعد تفكير..
*هل حقاً تريدها وتحبها...
*بكل تأكيد...
أجابه مهيار بسرعة...
أعاد عابد ظهره للخلف وقال مباشرة غير قابل للجدل
*أنت تريد زيان ولتصل لها ستفعل ما أريده...
كتف مهيار ذراعيه على صدره يشعر أن القادم لن يعجبه...
وبالفعل لم يعجبه فما يطلبه عابد هو الجنون بعينه، كيف بعد أن أصبحت زوجته يمر بفترة خطبة تطول مدتها حتى يقرر هو عابد ذلك...
......
فتحت زيان عينيها على مهل لتجد فوق رأسها عينين ملونتين تنظران لها باندهاش وفم مفتوح، وقبل أن تفتح فمها لتقول شيئاً أو حتى لتشهق من المفاجأة
*أنت زيان... يا الله ما أجملك وأنت تفتحين عينيك!
*ماذا...
همست زيان بذلك، لتغمض عينيها بسرعة تسمي بالله وتشد الغطاء على نفسها فلا بد أنها تحلم...
ولكن الحلم كان حقيقة فقد سحبت يدها الممسكة بالغطاء قائلة بصوت مرتفع
*انه خاتم أمي، لقد قدمه لك مهيار...
قفزت زيان عن السرير وسحبت كفها من يد تلك الغربية تسأل بصوت مرتجف رغم كونها تقريباً توقعت من تكون..
*من تكونين؟
جلست حوراء على السرير تركز نظرها على زيان المرتبكة
*أنا حوراء، ألا تعلمين من أكون لقد رأيت صورا لك من الزفاف...  كنت كالملاك جميلة جداً...
ونظرت لها بتدقيق أخجل زيان لتعيد خصلة من شعرها خلف اذنها
*حتى وأنت مستيقظة من النوم تبدين جميلة...
ضمن كفيها أمام صدرها بحب وعيون ملتمعة
*آه مهيار محظوظ بك جداً..
بقيت زيان على حالها، رفعت حاجبا وأنزلت الآخر تنظر لها وكأنها كائنا غريباً تكتشفه جديداً...
تساءلت حوراء ببراءة
*ألا تجيدين الكلام...
وقفزت لتتجه نحوها، وزيان تشد الغطاء عليها تنظر لها بارتياب، بينما حوراء مدت كفها لتلمس وجهها
*هل أنت بخير... عينيك جميلتين...
قرصت خدها ببهجة..
*وخديك كقطعة الخوخ... ياااااه أنت جميلة جدا جدا...
وضمتها بقوة لصدرها لتصدر عن زيان صرخة ناعمة ضاعت بين كلمات حوراء السعيدة...
فلم تملك إلا أن ابتسمت هامسة..
*لم يقل مهيار أنك عاصفة جنون يا حوراء، لقد وصفك بالنسمة...
ابتعدت حوراء تضحك بتواطؤ مع نفسها
*نعم إنه مخدوع بي، أنا اسبب للعاملين في البيت الكثير من المتاعب، فأمامه أبدو كالحمل الوديع، وعند مغادرته أثير جنونهم فلا يقدرون على شيء، فهو سيصدق ما يراه...
ضحكت زيان لتجلس على طرف السرير وحوراء تقف أمامها مبتسمة لتظهر غمازتيها بشقاوة..
*وانت جميلة حوراء، إنما لنقل مشاكسة.
رفعت حوراء اصبعيها معترفة
*أعلم ذلك...
تنهدت زيان براحة فيبدو أن مرح حوراء ينتشر كالعدوى، ونهضت لتأخذ حوراء بيدها
*تعالي لنرى أبي ومهيار...
تبعتها حوراء مبتهجة
*لقد تعرفت على عمي عابد للتو...
هزت زيان رأسها ضاحكة وخرجت للصالة لتجد مهيار يقطعها جيئة وذهابا بغضب واضح بينما والدها يتناول الشاي بكل هدوء...
اقتربت بحذر وكذلك حوراء خلفها وسألت بقلق
*ما الأمر...
ليرد مهيار صارخا
*اسمعي، بربك اسمعي ما يريده والدك...
تركت زيان يد حوراء التي اتجهت نحو مهيار تمسك يده، وزيان اقتربت من والدها
*ما الأمر أبي...
اقترب مهيار بدوره منه ويديه على خصره
*يريدنا أن نمر بفترة خطبة و...
*وااااااااااااو...
قبل أن يكمل مهيار كلامه كانت حوراء قد صفقت قافزة في مكانها
*لقد سمعت مني عمي وقررت أن تنفذ ما تمنيته...
قطبت زيان تنقل عينيها بينهم لتتفضل حوراء بالشرح لها
*لقد قلت لعمي أول أمس انكما يحب ان تمرا بفترة خطبة وبعدها زفاف احضره انا...  أوه كم هذا رائع...
اتسعت ابتسامة زيان...
ربما تحتاج ذلك..  تحتاج أن تعتاد على مهيار وتتعرف طباعه، فاليومين الماضيين كانا من أسوأ ما قد يكون للتعرف والتواصل..
نعم خطبة... اتسعت ابتسامتها أكثر لتعلن متواطئة معهما
*وأنا موافقة...
أغمض مهيار عينيه بصبر وصوت صرير أسنانه سبب لزيان إزعاجا في أعصابها...
ودخل الغرفة هادرا بغضب
*هذا جنون....  جنوووون...
وبعد دقيقة خرج مسرعاً وقد بدل ثيابه وخرج من البيت كله دون أن ينظر لهم...
ليركب السيارة مع ملهم فلم يكن في وضع يسمح له بالقيادة..
وبعد أن انطلقت السيارة هدر غاضبا يحدث ملهم الذي انتفض على صوته
*وأنا الذي أحضرت حوراء لتساعدني، تلك القردة أول من وقفت معهم ضدي...
ضرب بيده على كل الباب متوعدا
*سأعاقبك يا حوراء صدقيني...  أنا...  أنا احضرتك لتكوني مصدر قوتي، فتساعدينهم على وضع الخطط عليّ!!
ضرب الباب مرة أخرى، لينظر من الزجاج يصر على أسنانه..
ها قد ضاعت ورقة حوراء من يده...
هل سيرضخ لهذا الجنون...
*جنووون
هدر بها لينظر له ملهم بشك ويتابع قيادته متمنيا فقط أن يصلا للقصر بسرعة ليضعه فيه ويذهب لعمله تاركاً له غضبه وهذا الجنون الذي لا يعرف عنه شيئا...
.................
صفق باب السيارة بقوة ليهدر من بين أسنانه
*زياااااان ،لا تثيري جنوني أنت زوجتي أخرجي أريد رؤيتك...
ضحكتها الناعمة أثارت جنونه أكثر لترد بصوت خفيض لمس شغاف قلبه
*لا استطيع مهيار فوالدي منعني عن الخروج تماماً حتى تنتهي الخطبة...
ركل السيارة بغل وحقد
*ما هذا الجنون أنت زوجتي...  زوجتي...
نفخت زيان من عصبيته فهذا ما دأب يكرره من أسبوعين أنت زوجتي، وكأنها لا تعلم ذلك لمَ لا يفعل مثلها ويعيش اللحظة عوضاً عن غضبه وجنونه، وكل هذا لن يؤثر على قرار والدها، لا تنكر أن الأمر يسعدها لكن هناك شيء غير طبيعي فوالدها يبالغ بفعله ومهيار برد فعله...  ولكن..  ذلك لا يهم.. ما يهم أنها تعيش فترة الخطبة وهي تعجبها...
*هيا مهيار أعدك أن أراك غداً...
أبعد الهاتف عنه ليشتم بصوت سمعته رغم حرصه، ليمسح وجهه بكفيه متكلما بتكلف وغضب
*أرسلي حوراء خطيبتي العتيدة...
شهقت زيان باستنكار
*وعدتني أن تبقى حوراء معي..
هدر بغضب فأبعدت الهاتف عن أذنها
*وتردينني أن أبقى وحدي لا حوراء ولا أنت الا يكفي هذا الوضع السخيف الذي نحن فيه...  تريدين موافقة والدك لترينني!! يا ربي لقد كنا زوجين زيان..  زوجين بكل معنى الكلمة...
حينما احست أنه سكت عن الصراخ أعادت الهاتف بحذر لأذنها لتقول بوداعة...
*وأنا اشتقت لأراك حبيبي، اشتقت لك جداً..
تنهد بإحباط متمنياً أن يقتحم البيت ويأخذها عنوة...
*أرسلي حوراء لأراها اشتقت لها..
وأغلق الخط من فوره غير سامح لها بالكلام...
استند على السيارة يراقب الباب علها تظهر مع حوراء، يبدو أنها لعنة على عائلتهم أن تسحرهم نساء هذه العائلة، هل هذا ما كان يشعر به والده...
أغمض عينيه ليبعد الماضي عنه، ماذا الآن هل سيقنع نفسه أن ما حصل كان صحيحاً لقد دمرت عائلته.. ولكن كل هذا مضى .. وانتهى.. إنه سحر العيون متأكد من ذلك، فعينيها رغم خوفها وألمها كانتا تلمعان... لمعة جعلت قلبه يقفز وحننت قلبه عليها وهو الذي..
فتح عينيه ببطء لينظر للسماء هامسا
*وأنا الذي كنت سأدفعها نحو الجنون...  يبدو أنها هي من ستفعل ذلك!
*مهيار...
خرج من أفكاره على صوت حوراء اقف على مقربة منه دون أن تقترب تماماً...  رفع حاجبه ينظر لها بنصف عين... فهي صاحبة الفكرة الغبية...
عضت شفتها، عيونها متسعة ببراءة سلبت لبه ومع ذلك بقي متحاملا عليها ليقول عابسا
*تعالي إلى هنا...
ابتسمت لتتقدم تعقد أصابعها خلف ظهرها حتى وصلت لبعد خطوة واحدة وارتمت عليه دون أن يعي ما يحصل تضمه وتقبل خده
*أنا أحبك جدا وأحب زيان إنها رااائعة
لف ذراعه حول خصرها والأخرى مدها ليضربها برقة على رأسها
*أنت يا قردة سبب ما أنا فيه الآن..
ضحكت متأوهة بمرح لتدفن وجهها على صدره
*وما ذنبي أنت من استعجل الزواج وهذه هي النتيجة...
وابتعدت عنه هاتفة بفرح
*ستقيم زفافا آخر أليس كذلك...
اتسعت حدقتيه ليهتف
*ماذا زفاف آخر!  هذا ما ينقص، كل ما أريده أن تنتهي هذه الخطبة التعيسة على خير فأنا لم أر زيان منذ أسبوعين..
قطبت بعدم رضا من كلامه
*أنت تحدثها يومياً ما الذي ستفعله إن رأيتها!
سرحت عينيه نحو البيت بحالمية لتظهر ابتسامة عابثة على ثغره هامسا بشجن
*هناك الكثير لأفعله...
*مثل ماذا!
سؤال حوراء المستغرب أيقظه من لحظته الشاعرية ليعي ما قاله، فقطب ليقول متحمحما
*وما شأنك أنت، كل ما أريده منك هو أن تهتمي بها...
هزت كتفيها لترد
*وهل تحتاج!  إنها تهتم بي وكأنها أمي!!
أمي...
وكأن كهرباء سرت في جسده من الكلمة، هل يخون أمه بما يفعله.. ولكن ما ذنبه، من الصعب العثور على السعادة دائماً فهل يفرط بها، ومع ذلك أحس بغصة أثقلت صدره وضغطت أنفاسه فدفع حوراء نحو البيت مبتسماً
*عودي لها يا مهجة القلب سأعود لأراكما...
لوحت له مودعة لتعود راكضة إلى زيان التي كانت عل زاوية السطح تراقبهما بعيون مبتسمة...
لتتركهما بعد فترة وتنزل لتجد والدها يعد الشاي فابتسمت له لتقترب وتساعده بعد أن صرف الممرض منذ فترة..
سألها
*هل لا يزال هنا...
هزت رأسها بنعم
*انه مع حوراء بالخارج...
وسكتت لحظة وقد توقفت يديها عن العمل لتقول ساهمة
*يحبها جداً، رأيت كيف ينظر لها... يحبها جداً...
راقب عينيها ليسأل بصوت منخفض
*هل تريدين رؤيته...
ردت على شرودها..
*بل أريد أن أرى نظراته تلك موجهة لي...
رق قلبه على شوقها فقال متسامحا
*اذهبي لرؤيته لكن لا تتأخري عودي بسرعة...
نظرت له غير مصدقة ليومئ برأسه
*هيا قبل أن أغير رأيي...
وبالفعل شهقت بفرح لتترك الشاي وتخرج راكضة...
ارتفع حاجبه باستياء
*كنت أعطني فنجان الشاي على الأقل!
وهز رأسه ليذهب ويكمل فقد أخرته عن موعد تناول الشاي وهو مجرد كوب!

نذر الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن