بارت 4

1K 78 72
                                        

مفتاح مرمي بسخط تواً على الطاولة الخشبية عند مدخل شقته الصغيرة شبه الفارغة حال عودته ... سوداوتين تم اخفاءهما تحت عازلتهما عن العالم الخارجي " الأجفان " و نفس عميق أجبره على الخضوع لمساعدة رئتيه على استخلاص مزيد من الأوكسجين فما يتلو حتماً لن يكون بالجيد .

تقدم ناحية المطبخ علّ رمقه يُسد ظمأه بالماء البارد على الرغم أن الجو ليس بحارق ... و لعله الماء المرطب له يُسابق الضيف في رؤيته ... هو أدرك أن له ضيفاً في مسكنه المتواضع حين عاد ليرى الباب مفتوحاً ... و لم يصعب عليه توقع هويته ! هو ذاك الضيف المعتاد الثقيل الذي يشعره أن قلبه موثوق بحبلٍ تتدلى منه حجارة غليظة في الأسفل .

لم تتحقق أمنيته بشرب الماء قبل رؤية ذاك المزعج ... فهو أساساً يتمركز في المطبخ ، و مع ذلك تقدم نحو ثلاجته متجاهلاً الشاب بني الشعر و العينين الذي فاقه قامةً بثيابٍ رسمية فاخرة تكشف عن اتقانه فن التملق لوصوله إلى ذلك الحال ... خلاف صاحب الشقة الصغيرة مبعثر الخصلات السوداء ناعس الملامح بقميصه الأبيض الذي ترتفع إحدى أكمامه مطوية باهمال و الثانية في منخفضة بوضع طبيعي ... ناهيك عن ذكر مَيلان أحدى جوانب ياقة قميصه ، حتماً من يراه لن يصدق أنه الشقيق الأصغر لذلك المتفاخر بأناقته .

" كيف حالك ... روبرت ؟! " نطقها بني الشعر متكلفاً بابتسامته .

تجاهل روبرت سؤاله برهة من الزمن يستنجد بقنينة الماء البارد في ثلاجته التي تخلو من سواها ... فتحها يشرب بارتياح و كأنها النعيم كله ... انتهى مخفضاً يده و قنينتها " يكفيك هاري ... فلنقطع حبال الكذب موفرين العناء على كلينا ، لا تتعب نفسك بتصنع الاهتمام ... و لن أُتعب نفسي بمحاولة تصديق بائسة ... و أخبرني ما الذي جاء بك حقاً ؟! "

كشف الستار عن ابتسامة مسرحها السخرية و ممثلها الشيطان فبدت صفراء تتراقص على شفتيه معانقةً الغيظ و الحنق  " محق أنت ... لست هنا اطمئناناً عليك ، بل أرسلني والدنا لتقصي وضعك و ضمان أنك لا تحاول إفساد شيء "

- " و لمَ أنتما خائفين مني ؟! ... ألا ترى أنها زيادة تقدير لقدرات شخص لا يملك شيئاً مثلي ؟! ... لا يجب أن يساورك القلق بشأني " رفع كتفيه دون اهتمام يلقيها بطريقة بدت كإهانة مبطنة كما هو معناها الحقيقي ...

رده هاري مضيقاً الخناق على بني عينيه تحذيراً لشقيقه الأصغر " ليس بخوف ... و إنما هو حذر ، فالبناء يتطلب وقتاً و أصابع عدة ... أما الهدم لا يتطلب سوى ثوانٍ و اصبع واحد ينقر "

ابتسم روبرت بخفوت يستغرض كفيه في الهواء فارداً إياها " انظر ... لدي عشر من تلك الأصابع ... هل يسعك التنبؤ بأي واحد سأهدم ؟! "

صرخ به هاري من فوره مكوراً قبضته يرفعها إلا قليلاً تهيئةً للكم شقيقه ربما " إياك و العبث روبرت ! ...

رنين القدر ( متوقفة مؤقتاً)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن