أصدقائي من العالم الآخر...

317 33 4
                                    

لم أكن قد تجاوزت الخامسة من عمري حين كنت ألعب بتلك الكرة في فناء بيتنا والتي جلبها لي أخي الكبير، كنت أقضي جل نهاري في اللعب والمرح لوحدي، وكانت أمي تخاف علي من الشمس الحارقة فتعيدني إجباراً إلى داخل المنزل، فأتمرد في غفلة منها وأخرج إلى فناء البيت لأكمل لعبي، حينها لم تجد مناصاً من أخذ الكرة وإخفائها في السرداب أسفل بيتنا، بكيت كثيراً لكي تعيدها لي لكنها لم تفعل، فاضطررت للبحث عن كرتي بنفسي في أرجاء البيت ولم أعثر عليها، حتى وجدت طريقي إلى درج قادني إلى سرداب يقبع أسفل منزلنا، كانوا أهلي يكدسون فيه الأغراض التي لم يعودوا بحاجة إلى استعمالها، وأغلبها إما قديمة أو أغراض تالفة..

نزلت درجاً درجاً حتى وصلت إلى غرفة سفلية وهناك وجدت ثلاثة أطفال في نفس عمري تقريبًا، ولدين وبنتاً يلعبون بكرتي التي أحببتها، ولأني في سن صغيرة لم أسأل نفسي أو أسألهم من أنتم وما تفعلون في منزلنا، فعادة من يكون في تلك السن لا يفند ما هو المنزل وحدوده ومن هم الجيران والغرباء، فالطفل يرى الكل في منزلة واحدة، أخذت الكرة منهم وقلت هذه لي، فسكتوا، ثم ما لبثت حتى لعبت معهم، وصرنا أصدقاء نلعب مع بعضنا، لقد وجدت كرتي ووجدت رفقاء اللعب، فأعجبني الأمر، وواصلنا اللعب معاً..

وكانت هناك امرأة هي أمهم، كنت أراها تطبخ لهم الطعام في قدر أسود، لم تكن هناك نار تطبخ عليها، فقد كانت تضع القدر على ثلاث أحجار وتحرك الطعام، وعندما يستوي وينضج تدعونا للأكل، لم أكن آكل معهم، كانوا الأطفال يدعوني لمشاركتهم الطعام وكنت أرفض، فتقول أمهم: "إبراهيم يحب الملح في الأكل، ونحن لا نضع في أكلنا ملحاً". كنت أنتظرهم حتى يفرغون من الأكل فنذهب لنكمل لعبنا.

مضت الأيام وأنا كلما تفطنت للعب أذهب إلى ذلك السرداب حيث ألتقي بأصدقائي الصغار وأمضي النهار معهم في اللعب والمرح، لم يكن أحد من أهلي يعلم بأمر هؤلاء الرفاق، فقد ظنوا إني ألعب لوحدي هناك، في ذات يوم وبينما كنت عندهم رأيت رجلاً يجهز حاله وكأنه على وشك السفر، كان ذلك والدهم، سمعته وهو يقول لزوجته انتبهي للأولاد، ولولد جيراننا إبراهيم فلا تجعليه يتأخر كثيراً في اللعب هنا، حتى لا يفتقده أهله. ثم ودع زوجته وأولاده وغادر.. سألت أصدقائي إلى أين ذاهب أبوكم؟ فقالت أمهم وقد سمعتني، إنه ذاهب إلى سيناء كي يحضر اجتماع العشائر والملوك السبعة! لم أكن حينها أعرف سيناء أو الملوك السبعة فلذا لم تهمني الإجابة يومذاك..

شهور مضت وأنا أتردد على هؤلاء الناس الذين يسكنون في سرداب منزلنا وألعب مع أولادهم، ثم ترك أهلي البيت القديم وانتقلنا إلى بيتنا الجديد وتناسيت أمرهم ولم أخبر أحداً بذلك

حين بلغت العاشرة بدأت أسترجع الذكريات، وعرفت أن هؤلاء لم يكونوا إلا جن صالحين من عمار البيوت، مضت السنين وبلغت السابعة عشرة من عمري، وذات ليلة ومع غروب الشمس كنت أسبح في البحر فجرفتني الأمواج إلى عمق بعيد ولم يكن أحد هناك يساعدني وكان البحر هائجاً، حاولت جاهداً أن أخلص نفسي إلى البر لكنني لم أستطع، وشارفت على الموت وفقدت الوعي في الماء..

لم أفق إلا في بيت قديم وفتحت عيني لأجد امرأة وبنتاً حسناء كأنها حورية من السماء حولي تحدقان بي، قالت المرأة: الحمد لله على السلامة يا إبراهيم! نظرت حولي فعرفت إني في بيتنا القديم، سألتها من تكونين ولماذا أنا هنا؟ فقالت: لقد غرقت في البحر وأنقذتك أبنتي، ألم تعرفها أنها صديقتك مروة التي كنت تلعب معها هنا، كانت تتبعك منذ سنين لترعاك، تذهب معك حيثما ذهبت. مدت البنت يدها إلي وصافحتني، كانت كالقمر في ليلة الكمال، عيناها زرقاء وشعرها أشقر، لم أر كجمالها جمال، وحين كنا نتحدث فجأة دخل علينا شابان وهما يبتسمان وقال أحدهم: يااااه إبراهيم طولت غيبتك عنا، عانقاني وعرّفت أمهم بأسمائهم، هذا حسين وذاك عبد اللطيف، لقد كانا صديقيك كنت تلعب معهم الكرة هنا. سألتهم عن والدهم فأخبروني أنه في سفر إلى الشام، شكرتهم كثيراً وشكرت مروة الحسناء على إنقاذها حياتي، وعدت إلى بيتنا وأنا سعيد بهؤلاء الأصدقاء الصالحين.
في إحدى السنوات أراد أحد أخواني أن يهدم البيت القديم ليبني على أنقاضه بيته الجديد، فاعترضت على ذلك واشتريت له قطعة أرض على حسابي لكي يدع البيت القديم قائماً ففيه يسكن أعز الأصدقاء.

لم ألتقِ بهم منذ سنين بعيدة، لكني أشعر دائماً بأن أحدهم معي، أشعر بشعر أشقر تنثره الرياح بقربي، وعينان زرقاوان لا يبرح بريقهما يشع قبالي.

||Creepy Stuff || أشياء مرعبة||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن