الفصل الثاني

7K 96 1
                                    

2- أبدو كمن يتحرك في عالم الأشباح وأحس نفسي وكأنني طيف من حلم ...
" تيسون والأميرة ". نراك وقت العشاء ألى اللقاء يا عزيزتي ".
كانت شارلوت تمسك في يدها سلة غدائها وفي اليد الأخرى قناع الغطس وزعانفه , قبّلت وجنتي أمها ثم ركضت عبر الممر نحو مرفأ الزوارق .
كانت في السابعة عشرة من عمرها تقريبا , لم تعد طفلة , ولكنها لم تصبح أمرأة بعد...... من ثلاث سنوات مضت كانت نحيفة بشكل أثار قلق هيلين مارتن , والآن , عندما تذهبان ألى المدينة , يحدق الرجال في أبنتها في طريقة تثير قلقا من نوع آخر .
أما شارلوت فلم تكن تعي أهتمامهم هذا , وبالتأكيد لم تبادله , فأذا وضعنا في الأعتبار المقاييس الجسدية - خاصة أذا كانت ترتدي نظارة شمسية داكنة - يمكن بسهولة أن تعتبرها فتاة في التاسعة عشرة أو العشرين من عمرها , ولكن عندما تخلع النظارة فأنك ترى في عينيها الرماديتين براءة الطفولة وصراحتخت وعلى المسوى العاطفي , كانت لا تزال فتا غير معقدة , غير خجلة .
أطلقت شارلوت زفرة أرتياح وهي تستقل زورق العائلة الذي كان اليوم تحت تصرفها , ولم تسألها أمها عن مقصدها , فأن رافاس وهيلين مارتن لم يكونا أبوين يصعب أرضائهما , وبشكل عام كانا يشجعان أبناءهما الخمسة على روح الأستقلال وحب المغامرة .
وبرغم ذلك , كان لدى شارلوت شعور غير مريح بأنهما لن يقرا رحلاتها ألى تلك الجزيرة الغامض المهجورة , المشهورة بالنحس .....جزيرة سوليفان .
فحتى لو نجحت في أقناعهما بأنه ليس هناك ضرر في ذهابها , لن يبى الحال على ما هو بمجرد معرفتهما , فالآخرون سيودون الذهاب ألى هناك بدورهم , ولن تبقى الجزيرة ملكها بعد ذلك ....... مكانها السري ...... مملكة سحر خاصة بها .
كانت جزيرة سوليفان الصغيرة تبعد قليلا عن ساحل جزيرة التوابل الجميلة التي أنتشرت فيها أسرة مارتن من زمن بعيد , وهي أحدى جزر الهند القريبة , كان بينهم على الساحل بالقرب من قرية للصيادين , يبعد عن عاصمة الجزيرة , حوال نصف ساعة بالمواصلات العامة- وأن كان أستخدام كلمة عاصمة قد يكون مضللا بالنسبة ألى مدينة تعدادها لا يتعدى سبعة آلاف نسمة , وهي أيضا ميناء لسفن الخطوط الملاحية في موسم الشتاء , لكنها لا تقارن بالميناء الجديدة في باربادوس ذات العمق الكبير , أو بأرصفة ميناء دولي صاخب مثل بورت أوف سبين في ترينداد .
كان على شارلوت أن تبحر عدة أميال بطول اساحل لتصل ألى الجزيرة مارة بمستوطنين صغيرتين للصيادين , كانت أحداهما موطن السيدة العجوز التي عرفت منها السبب وراء أثارة جزير هذا القدر من الذعر بين السكان المحليين .
كانت تعرف دائما أن جزيرة سوليفان مكان سيء , مكان مليء بالشر , ولكن كان من الصعب أن تستكشف بالتحديد سبب ذلك , فلأكثر من عشرين سنة لم يجسر أحد أن يطأها , السكان الذين يعيشون على مقربب من جزيرة سوليفان قوم بسطلء يؤمنون بالخرافات ويخافونها لدرجة دفعتهم ألى تحاشي الكلام عنها , أو حتى مجرد التفكير فيها في بادىء الأمر قوبلت تساؤلاتها بتبويخ وذعر من السكان الذين كانوا أحيانا يرسمون أشارة في عصبية طلبا للأمان .
وكان من الطبيعي أن يؤدي كل هذا ألى شحذ حب أستطلاعها , وأخيرا , بعد أسابيع من الملاطفة , نجحت في أقناع العجوز ماري المسكينة العمياء بأن تكشف لها تاريخ الجزيرة.
كانت الجزيرة محاطة بتشعبات مرجانية خطير , وهناك ممر واحد يتسع لمرور زورق ألى البحيرة المحيطة بالجزيرة , شرط أن تقوده يد ماهرة , وكان هذا المدخل الوحيد يقع ناحي البحر بعيدا عن أعين سكان الساحل .
كان الوقت ظهرا عندما كانت شارلوت , وقد وضعت يدا واثقة على الدف , تعبر الممر المائي للمرة الرابعة عشرة منذ قامت بأول زيارة للجزيرة منذ عام , ولو كان ذلك ممكنا , لقضت شارلوت معظم أوقات فراغها في الجزيرة , ولكن لم يكن الزورق تحت تصرفها الخاص طوال يوم كامل مرّات كثيرة .
تذكرت شارلوت وهي ترسو على شاطىء الجزيرة وقد أرتدت لباس بحر كان لونه ذات يوم في زرقة سماء البحر الكاريبي , لكنه أصبح الآن أبيض بفعل أشعة الشمس والمياه المالحة , تذكرت المرة الأولى التي وطأت فيها قدماها أرض الجزيرة
فلأستكشاف مكان يمثل هذه السمعة السيئة بمفردها , حتى لو كان ذلك في وضح النهار , كانت شارلوت في حاج ألى قدر كبير من الشجاع , فحتى الآن , لا تسعى ألى قضاء ليلة في الجزيرة برغم زياراتها المتعدد لها , وبرغم أنه يمكنها الآن أن تتجول في الجزيرة بدون أن تتلفت وراءها.
سمعت أباها يقول مرارا أنه ليست هناك قوى خارقة للطبيعة , وأن أكثر الحوادث غموضا لها تفسير منطقي , أذا أهتم الناس بالبحث عنه ,عندما كانت شارلوت في السابع من عمرها , كان على والدتها أن تلازم الفراش ثلاثة أشهر قبل أن تلد أخاها الأصغر , وخلال تلك الفترة , جاءت أمرأة طيبة ومرحة ولكنها أمية تدعى فيوليت لتتولى مهام الطهي والتنظيف وهي ما زالت حتى الآن درة محببة ألى نفوس أسرة مارتن , وبدون علم رافاس مارتن عمدت فيوليت ألى أمتاع أبنائه بالقصص الشعبية في الهند الغربية عن الأشباح ومصاصي الدماء.
وتركت قصص فيوليت المرعبة أثرا عميقا في نفس شارلوت الصغيرة , وكانت تستمع ألى تلك الأقاصيص بعينين محملقتين .
لكن الآن عندما تحملق فيوليت عينيها وتبدأ الحديث عن سكان الليل , تأخذ شارلوت في الضحك وفي أغاظتها في أعماقها .ولم تستطع أن تقنع نفسها بأن تلك الأقاصيص هراء تماما .
وهكذا وجدت نفسها في زيارتها الأولى للجزيرة تشق طريقها عبر النباتات الكثيفة التي تحجب الرؤية بين قلب الجزيرة والسفن والزوارق المارة ,وهي في حالة من الذعر الكبير.
عندما أخبرتها ماري العجوز أن هناك منزلا في الجزيرة , تخيّلته على غرار بيتهم الصغير الساحلي , ولم تكن تتوقع أن يتبقى منه الكثير بعد مرور عشرين عاما على هجره
بعد أن شقت شارلوت طريقها وسط سياج من ثمار الكروم المتدلي , وجدت نفسها على مشارف أرض منبسطة , وأطلقت شهقة دهشة لما رأت وتوقفت لحظة تحدق في أنبهار فهو ذلك السر الذي كشفت عنه الآن زيارتها للجزيرة , فمنزل جزيرة سوليفان لم يكن حطاما متداعيا من الأخشاب العفنة تكسوها النباتات المتسلقة التي تنمو في أنطلاق في ذلك الجو الأستوائي , حقا , كانت أشجار الغابة تطوّق الدرابزين وتتسلق الأعمدة الطويلة في بهو الطابق الأرضي , بل أن هذه النباتات أقتحمت بعض الحجرات
بعد أن أعتادت شارلوت نسبيا الأحساس الغريب الذي راودها وهي تقف وحيدة في مكان لم تطأه قدم أنسان ولم يسمع فيه صوت منذ زمن بعيد يعود ألى ما قبل مولدها , كلفت نفسها بعمل بطولي هو وضع حد لزحف نباتات الغابة على المنزل , وتمكنت مستعينة بمنجل حاد أن تتخلص من الحاجز النباتي الذي يسد الباب الرئيسي , كانت مهمتها الآن , أن تنظف الدرج الملتوي الذي يتوسط البهو الواسع .
ففي وقت خلال سنوات الأهمال , سقطت شجرة في فناء المنزل بفعل أعصار , فأخترقت بعض فروعها النافذة التي تتوسط الدرج لتصبح فيما بعد نواة لنمو طفيلي تحول ألى مانع لا يمكن تخطيه بين الطابق الأرضي والطابق العلوي .
صعدت شارلوت ألى الطابق العلوي متسلقة أحد الأعمدة الحجرية , وفكرت بعد ذلك أنه أذا زلّت قدمها وكسرت قد تعاني أياما عدة من الفزع والألم قبل أن يستكشف أحد زورقها الراسي في الممر المائي المؤدي ألى الجزير .
ظلت طوال نصف ساعة تقطع الفروع المتشابكة المنبثقة من جذور الشجرة حتى لمع جسمها بعدما أن تصبب عرقا وتساقطت قطرات العرق على ذراعيها وظهرها أذ أنه لم تقو أية نسمة ملطفة على أختراق هذا الساتر الخانق طاقة شارلوت المتدفقة .
جلست على الدرج تستريح لبضع دقائق , وبينما كانت تفكر في الأشخاص الذين عاشوا في هذا المنزل من قبل سمعت صوتا يتحرك جعلها تشهق وتكتم أنفاسها , أحست طوال خمس عشرة ثانية تقريبا بخوف لم تحسه في حياتها من قبل , خدر يسري في رأسها أستحال جسمها الحار ألى كتلة ثلج وأخذ قلبها يخفق خفقات بطيئة , ثم أستعادت قدرتها على التفكير السليم , لم يكن من بالخارج شبحا , أنه أنسان , أو حيوان , لا , لا يمكن أن يكون حيوانا ؟ أنه أنسان , لكن من؟ بالتأكيد أنه ليس من أهالي المنطقة! أهو غريب ؟ شخص لا يعرف شيئا عن الجزيرة؟
وبينما كانت تلك الأفكار تومض في ذهنها سمعت وقع أقدام في الشرفة , أنتظرت شارلوت في حذر , وقد زايلها الخوف , لترى الشخص الآخر الذي يتحرى بدون وعي منه الجزير المحرمة .
كان الرجل الذي ظهر , بعد لحظات في البهو السفلي , وهي جالسة على رأس السلم , غريبا ,لون بشرته كان يتيما كعامة سكان جزر الهند الغربية , لكنه كان أوروبيا , أنطباعها الأول عنه , أنه طويل القامة , في مثل سن والدها تقريبا - ذلك النوع من الشخصيات الذي يصفه أبوها بقوله ( أنه شخص قذر المظهر ) , وبنت شارلوت حكمها هذا , على أساس أنه في حاجة ألى حلاقة ذقنه وأنه عابس الوجه.
للوهلة الأولى لم يرها , كان هذا أمرا غريبا بالنسبة أليها , فقد كان ذلك السلم هو أول شيء لحظته عند دخولها البهو , والواضح أنه صمم على أن يصوّب العين ألى أعلى نحو سقف الطابق الأول , حيث كانت تعلق في هذا المكان , على الأرجح , ثريا ضخمة , ولكن كان الباب المؤدي ألى غرفة الأستقبال أول ما لفت نظر الرجل , فسار نحوه.
تمنت شارلوت أن يدخل الغرفة , فلو فعل , تسلقت خلسة هابطة الدرج وحاولت أن تخرج بدون أن يلحظها , فهي لا تعرف لماذا أحست أنه من الأفضل أن تفعل ذلك , ظل واقفا مكانه عدة لحظات , بدت لا نهاية لها , وأخيرا , تحرك نحو الظلمة اتي تظلل أكبر غرفة في المنزل , وأن كان يتخللها بعض الضوء المتوهج .ألتقطت شارلوت بهدوء وخلسة المنجل , وبدأت تهبط الدرج بخطوات جانبية , بلغت آخر الدرج , وفجأة ظهر من جديد , حملق كل منهما في الآخر دقيقة ,والآن بعدما رأته وجها لوجه , لم يعد لدى شارلوت أدنى شك أنه لم يكن هذا النوع من البشر الذي يأمل المرء أن يلقاه في مكان كهذا تضيع فيه هباء صرخة الأستغاثة , لقد حذّرتها أمها من الرجال ليسوا كلهم مثل أبيها , وأن بعضهم لا يمكن الوثوق به , بل يجب تحاشيه لم تكن السيد مارتن واضحة بشأن ما يمكن أن يقدموا عليه , وأذا ما أخطأ المرء ووثق بهم , ورغم أن شارلوت لم تلق بالا ألى كلام أمها في ذلك الوقت , لكنها تذكرت ذلك التحذير الآن , وأدركت بحدسها أن هذا الرجل هو من ذلك النوع الذي عنته أمها , فهي لم تر من قبل ذلك التعبير الذي علا وجهه وهو خارج من غرفة الأستقبال , ولا تستطيع أن تعرفه الآن ,ولكنها كانت نظرة جعلتها تندفع عبر البهو , منطلقة خارج الباب لتلقي بنفسها وسط الغابة وكأن شيطانا يطاردها .
بلغت الشاطىء لكنه لحق بها , وأحست أنه يحاول الأمساك بها , راوغته ولوحت بالمنجل في وجهه , ثم وجهت أليه ضربة كان من الممكن أن تبتر ذراعه لو أصابت ولكنها لم تمسه , وبينما كان السلاح يقطع الهواء , قفز جانبا , ثم أستدار وأندفع نحوها , دار صراع قصير بينهمت ثم جذب المنجل من يدها وقذف به بعيدا , وبعد لحظة وجدت وجهها منبطحا على الرمال , بينما أنحنى الرجل بجانبها , ممسكا برسغيها خلف ظهرها , لم يكن بوسعها أن تفعل شيئا سوى أن تلتقط أنفاسها بعدما أحست بالتعب , وتملكها الفزع , فحتى لو كان لديها مزيد من القوة لتقاومه لكان ذلك بدون جدوى , وفجأة أحست بيديها وقد تحررتا , دحرجها على ظهرها بلطف قائلا :
" لا تفزعي , لن أمسك بأذى ".
فتحت عينيها ونظرت أليه , للحظة تصورت أن الرجل الذي أمامها الآن هو رجل آخر , فلم يكن هذا هو الوجه الذي أفزعها منذ قليل في المنزل , بل بدا ودودا ضاحكا - يصغر عشر سنوات عما رأته منذ قليل .
جلس على الرمال قائلا :
"أنا آسف أذا أضطررت أن أكون فظا معك , ولكنك كدت تقسمينني نصفين , أنت في حاجة ألى شيء تشربينه , أنتظري سأحضر لك شيئا ".
وبينما كان يبتعد جلست شارلوت وبصقت الرمال من فمها , كان هناك الآن في المجرى المائي زورقان زورقها وزورق سباق قرمزي اللون , جلست ترقبه وهي ترتعش وهو يخوض في المياه ناحي زورقه.
وعاد بالزجاجة وسترة صوفيه قائلا :
" من الأفضل أن تضعي هذا على كتفيك ولو لعشر دقائق , فلقد تلقيت صدمة قوي , أن أسنانك تصطك ".
وبعدها لاحظ أنها ترتعش ألى حد يمنعها من القيام بأي رد فعل طبيعي وضع السترة على كتفيها قائلا وهو يضع الزجاجة أمام شفتيها :
" والآن خذي جرعة قوية من هذا".
كان رافاس مارتن يمنع أولاده من المشروبات بصرامة , لذا أحست شارلوت بالأختناق وهي تبتلع المشروب , كادت تنهار على الرمال مرة أخرى لو لم يساعدها ذلك الرجل الذي أخذ يربت على ظهرها بقوة لتلتقط أنفاسها , وعندما أستعادت قدرتها على التنفس , تناول هو مشروبه , كان من الواضح أنه معتاد عليه , فقد تناول جرعة كبيرة من المشروب وكأنه يشرب عصير الليمون .
" أتشعرين بتحسن ؟".
أومأت برأسها أيجابا , أحست بسترته وقد وضعتها على كتفيها , خفيفة , ولكنها غاي في النعومة , تشع دفئا , وبادرته قائلة :
" ماذا تفعل هنا؟".
" أستكشف المكان , سمعت أشياء عن هذا المكان أثارت فضولي لرؤيته ".
" ماذا سمعت؟".
" أن هذا المكان لم تطأه قدم منذ زمن بعيد , يبدو أن من أبلغني ذلك أخطأ , من أنت؟ وماذا تفعلين هنا؟".
" أنا شارلوت مارتن , وأعيش هنا ".
أتسعت عيناه قائلا :
"هنا ؟".
" كلا , ليس هنا , ولكن في البلد المجاور لهذا المكان ".
مد يده مبتسما يقول :
" مرحبا بك يا شارلوت مارتن , أسمي ليام ... ليام هاملتون ".
" أهلا بك ".
أدركت وهما يتصافحان أنها لم تر من قبل شخصا لديه مثل هاتين العينين الزرقاوين الداكنتين .
" أهذا كل ما سمعت ؟".
" حسنا , كلا , كان هناك المزيد , ولكنني أعتقد أنه قيل لجذب أهتمامي , فهم لم يقولوا شيئا محددا, بل الكثير من التلميحات المثيرة والقليل من الحقائق ,قررت أن أحضر وألقي نظر , فلم يكن لديّ ما أفعله اليوم أفضل من ذلك , وما دمت تأتين ألى هنا فمن المؤكد أن المكان ليس به شيء ".
" أنا الأنسان الوحيد الذي يجيء ألى هنا , فلا يجرؤ أحد من أهالي المنطقة على ذلك ".
" تعنين أن هناك شيئا مرعبا بالنسب ألى الجزيرة؟".
" من المفروض أنها مسكونة بالأرواح !".
" حقا؟ ألهذا ركضت بعيدا , هل تصورت أنني شبح , هل تصورت أنني شبح ؟".
" كلا , ولكنني لم أسترح لمنظرك ".
أبتسم قائلا :
" أنت فتاة لا تختارين الألفاظ اللطيفة! أعتقد أن شكلي بدا شعثا بعض الشيء" لم أتصور أنني أذا أهملت حلاقة ذقني يوما فسيجعلني ذلك أبدو شريرا ".
" أنت لا تبدو كذلك ..... الآن , ولكن عندما خرجت من غرفة الأستقبال ....".
" قلت أنه من المعتقد أن الجزير تسكنها الأرواح , أرواح من؟".
" أرواح من عاشوا فيها منذ سنوات مضت ...... أرواح أسرة لوليفان ".
" هل أفهم من هذا أنهم ماتوا جميعا , ماذا حدث بالضبط ؟".
" كان السيد سوليفان رجلا هرما وكان غنيا...... أعتقد أنه ملك الملايين وكانت زوجته تصغره كثيرا , ولم ترغب في الزواج برغم جمالها , لكن أسرتها أجبرتها على ذلك لأن أباها كان مدينا له بالمال وكان بوسعه أن يحطمه , من المؤكد أنه كان رجلا فظيعا , وغيورا عليها حتى أنه أشترى هذه الجزيرة وبنى هذا المنزل وأبقى زوجته سجينة هنا , ثم بدأ يسيء معاملتها , بطبع حاد يصرخ ويلعن , بل يضربها أحيانا , وفي النهاية جن وقتلها , كان سيقتل أبنه أيضا لكنه تمكن من الهرب وأختبأ حتى جاء أحد أقاربه وأصطحبه ألى أنكلترا , لكنني لا أعتقد أنه تخطى تلك الواقعة , تصور لو أنك رأيت أباك يطلق الرصاص على أمك! لا يمكن لصبي أن ينسى هذا أبدا , أليس كذلك؟".
" كلا , أتصور أنه لا يمكنه ذلك, لكن من قال لك كل هذا ؟".
" أمرأة عجوز أعتادت أن تخدم في بيت سوليفان , كانت في المنزل عندما حدثت تلك الواقعة , كانت تهبط الدرج عندما سمعت طلقة رصاص ورأت الصبي الصغير يركض في ابهو وخلفه والده يحمل في يده بندقية , لكن عندما رأى ماري - الخادمة - لم يخرج وراء الصبي ألى الحديقة ب دخل مكتبه وأنتحر ".
" أعتقد أنك لا تشاركين أهل المنطق خوفهم من هذا المكان؟".
" كلا , ليس الآن , في بادىء الأمر كنت أخاف , ولكن رغم ما يمكن أن يحدث ليلا , لم أحس بشيء مخيف أثناء النهار , أما في الليل , فمن المعتقد أن الناس رأوا أنوارا وسمعوا صرخات , ومن الأرجح أن هذا من صنع خيالهم , مع ذلك فأنا أخاف المكوث في الجزيرة بعد غروب الشمس , أعتقد أن هذا يجعلني في حماقة السكان المحليين تماما
" بالعكس , أنا أعتقد أنك شجاعة بشكل غير عادي لتأتي ألى هنا وحدك نهارا , لماذا تأتين ألى هنا؟".
" المنزل يبدو جميلا للغاية , ومن العار أن تترك الغاب تحطمه".
ثم أفضت أليه بحلمها الدفين وهي لا تدري أن هذا المشروب جعلها كثيرة الكلام بشكل يتنافى مع شخصيتها !
" سأشتري هذه الجزيرة يوما وأعيش هنا , سأنظف المنطقة الفاصلة بين المنزل والشاطىء من الأشجار وأحولها ألى حديقة جميلة, سيصبح هذا المنزل أجمل منزل في جزر الهند الغربية , سيسعى ألى شرائه الأميركيون الأثرياء , الذين يأتون ألى هنا في الشتاء , ولكنني لن أبيعه حتى لو عرضوا عليّ ملايين الدولارات ".
" مقارنة بأسعار المنازل في الجزر الكبرى , أعتقد أنك ستضطرين ألى دفع الكثير في مقابل ذلك ".
" أوه , كلا , سأشتريه بثمن بخس , فالأثرياء يشترون مكانا لا يستطيعون أن يجدوا من يعمل على خدمتهم ".
" ألا تظنين أن السكان قد يتغلبون على خوفهم أذا ما كانت الأجور عالية؟".
هزت رأسها نفيا قائلة :
" منذ سنوات قليلة حدث شيء جعلهم أكثر خوفا , مر من هنا يخت خاص ظن ركابه أن جزيرة سوليفان غير مأهولة , وقرروا شواء اللحم على الشاطىء ولكنهم لم يعلموا كم كان الممر ضيقا ولم تكن لهم دراية بالتيارات المائية الخفية وأشرفوا على الغرق , أخذ سكان القرية هذا الواقعة كدليل على أن الأرواح لا تريد أن يقترب أحد من الجزيرة , لقد كنت محظوظا أذ تمكنت من أجتياز الممر بأمان , من الأفضل أن تسير أمامي في طريق العودة حتى أتمكن من أنقاذك أذا تعرضت للخطر ".
" أتتمنين أن أتعرض لشيء كهذا؟".
" كلا , أبدا , ولكنك لن تقول لأحد أنك جئت ألى هنا...... أو أنني كنت هنا , أليس كذلك؟".
" كلا , لن أقول لأحد ".
" أتعدني بذلك؟".
" نعم أعدك".
" معي بعض الطعام في الزورق , هل تريد أن تأكل شيئا , هناك ما يكفي لأثنين".
" أشكرك كثيرا".
أحست بالدوار وهي تتجه ألى البحر , وقبل أن تأتي بالسلة من الزورق , غطست رأسها في الماء كالبطة لتتخلص من هذا الأحساس".
وعندما عادت وهي تسوي شعرها الطويل بادرها قائلا :
" كنت تبدين كالحورية عندما غطتك المياه حتى وسطك".
مسحت وجهها بيديها وهي تجلس بجواره قائلة :
" كنت أتمنى أن أكون حورية بحر , فأنا أحب العيش في كهف في جزيرة , هل أنت في عطل ؟ لا يبدو عليك أنك سائح".
" حقا! لماذا؟".
توقفت عن حلّ سل الطعام , ورمقته بنظر فاحصة محاولة تحديد مبررها وراء حكمها هذا.-
فالسياح على وجه العموم يرتدون ثيابا جديدة أنيقة , أشتروها خصيصا لعطلتهم , وجميعهم تقريبا بلا أستثناء يحملون آلات تصوير , ولكن هذا الرجل لا يبدو مهاجرا من شتاء الشمال , ليس فقط لأنه بحاجة ألى حلاقة , أو لأنه يرتدي بنطلونا قديما من الجينز وحذاءا رخيصا لشاطىء مصنوعا من القماش.
كان من الصعب تصنيف هذا الرجل في فئة معينة , لم يكن حتى بوسعها أن تخمن سنه فبنيانه بنيان شباب , نحيل رشيق , أكثر قوة مما تكشف عنه حركاته المتراخية , كان وجهه يبدو صغيرا أيضا عندما يبتسم , ولكن خطوطا ظهرت حول عينيه لم ترها من قبل لدى شخص يقل عن الخامسة والثلاثين من عمره وشعره الداكن المتموج خطه الشيب فوق أذنيه ,وقالت :
" لا أعلم..... لكنك لا تبدو كسائح وهذا كل شيء ".
" تلك رائحة طيبة".
قال لها ذلك وهي تفتح غطاء الترموس لتنبعث منه نكهة لذيذة.
لحسن الحظ كان هناك دورق آخر من عصير الفاكهة المثلج وبذا أصبح لديها فنجانان من البلاستيك أستخدمتهما ككوبين ملأت الكوب الكبير بحساء سرطان البحر الساخن قائلة :
" أنها ساخنة , فلا تحرق لسانك , تناول ما تريد من الخبز".
قال لها وقد وضعت أمامه بقية الطعام :
" هل تتناولين عادة كل هذا الطعام!".
" نعم - لكن لا تقلق فنحن نتناول وجبتنا الأساسية في المنزل عند غروب الشمس , ولذا يمكنك أن تقاسمني هذا بكل سرور".
أبتسم قائلا :
" لم يكن هذا ما أعني , فمعظم الفتيات النحيلات يعشن على ثمار الليمون الهندي وأوراق الخس ".
" أوه! حسنا لا يمكنني التخلص من نحافتي ".
كانت شارلوت أعتادت سماع صوت أمها وفيوليت يستحثانها على الطعام , ومع أنهما أستسلمتا , كما يبدو , لنحولها كأمر واقع , ظلت تفكر في أنها نحيفة , خاصة أذا ما قارنت نفسها مع أختها فلافيا الممتلئة الجميلة . فالسياح على وجه العموم يرتدون ثيابا جديدة أنيقة , أشتروها خصيصا لعطلتهم , وجميعهم تقريبا بلا أستثناء يحملون آلات تصوير , ولكن هذا الرجل لا يبدو مهاجرا من شتاء الشمال , ليس فقط لأنه بحاجة ألى حلاقة , أو لأنه يرتدي بنطلونا قديما من الجينز وحذاءا رخيصا لشاطىء مصنوعا من القماش.
كان من الصعب تصنيف هذا الرجل في فئة معينة , لم يكن حتى بوسعها أن تخمن سنه فبنيانه بنيان شباب , نحيل رشيق , أكثر قوة مما تكشف عنه حركاته المتراخية , كان وجهه يبدو صغيرا أيضا عندما يبتسم , ولكن خطوطا ظهرت حول عينيه لم ترها من قبل لدى شخص يقل عن الخامسة والثلاثين من عمره وشعره الداكن المتموج خطه الشيب فوق أذنيه ,وقالت :
" لا أعلم..... لكنك لا تبدو كسائح وهذا كل شيء ".
" تلك رائحة طيبة".
قال لها ذلك وهي تفتح غطاء الترموس لتنبعث منه نكهة لذيذة.
لحسن الحظ كان هناك دورق آخر من عصير الفاكهة المثلج وبذا أصبح لديها فنجانان من البلاستيك أستخدمتهما ككوبين ملأت الكوب الكبير بحساء سرطان البحر الساخن قائلة :
" أنها ساخنة , فلا تحرق لسانك , تناول ما تريد من الخبز".
قال لها وقد وضعت أمامه بقية الطعام :
" هل تتناولين عادة كل هذا الطعام!".
" نعم - لكن لا تقلق فنحن نتناول وجبتنا الأساسية في المنزل عند غروب الشمس , ولذا يمكنك أن تقاسمني هذا بكل سرور".
أبتسم قائلا :
" لم يكن هذا ما أعني , فمعظم الفتيات النحيلات يعشن على ثمار الليمون الهندي وأوراق الخس ".
" أوه! حسنا لا يمكنني التخلص من نحافتي ".
كانت شارلوت أعتادت سماع صوت أمها وفيوليت يستحثانها على الطعام , ومع أنهما أستسلمتا , كما يبدو , لنحولها كأمر واقع , ظلت تفكر في أنها نحيفة , خاصة أذا ما قارنت نفسها مع أختها فلافيا الممتلئة الجميلة .
رفع حاجبيه قائلا :
" لا يمكنني أن أصفك بأنك نحيلة يا عزيزتي".
كانت نبرة صوته , ونظرته أليها تقييم معجبة متأنية , ومناداته أياها بكلمة عزيزتي , كل هذا جديد على شارلوت , جديد ومثير بشكل غريب في آن , فطريقة نشأتها المتشددة , وطبيعتها القانعة , عملتا على تأخير تلك اللحظة التي تحس فيها , كفراشة حبيسة , برغبة قوية لخلع رداء طفولتها وبدء مرحلة جديدة من حياتها , لكن عندما قطب ليام هاملتون عينيه الزرقاوين الداكنتين , ونظر أليها كأنها فتاة ناضجة جميل , أحدث أول شق في هذا الغلاف , لم يخطر في بالها أن جاذبيته وأعجابه قد يكون فيهما زيف , فهي تعرف الكثير عن مخاطر البحر ولكن القليل عن الأشخاص الخطرين .
بعد أن تناولا طعامهما بادرته قائلة :
" أنت لم تر المنزل جيدا , تعال ,دعني أريك أياه ".
" ألا يمكننا أن نستريح قليلا بعد الغداء ".
" هل أنت متعب؟ أنا لست متعبة ".
وقف بتكاسل ثم تبعها قائلا :
" حسنا , سآتي معك ".
" آمل أن تراه في الصيف وقد توهجت أزهاره خلف المنزل أشجار ذات أوراق مذهبة , أما تلك النباتات المتسللة التي تحيط بالأعمدة فتأتي أزهارا برقية برتقالية اللون , وبينها أيضا نبات الجهنمية وأنا أنوي تشذيبها لكنني لن أزيلها تماما ".
" هل كان للجزيرة أسم آخر قبل أن تشتريها أسرة سوليفان ؟".
" نعم , كانت تدعى جزيرة المانغو , أسمها ولا سيما باللهجة المحلية له رنين حزين يذكرني بأشياء تعسة حدثت منذ زمن بعيد , حروب جرت في الزمن الغابر ".
" هل هناك مكان لزوج في خططك للمستقبل".
" زوج؟".
رددت الكلمة من بعده بذعر فقال :
" حسنا , أعتقد أنك تستمتعين بوقتك جيدا بما لا يسمح لك التفكير في الأستقرار , لكنني لن آخذها كقضية مسلّم بها أن يشاركك شريك حياتك حماسك هذا , ربما يفضل العيش في مكان أكثر عصرية وحداثة".
" ألا تحب أن تعيش هنا؟".
" ربما , أذا كان معي شخص مثلك يمسك بيدي عندما تظهر الأشباح في الليل!".
مرة أخرى أحست بالأثارة والأرتباك , لم يكن لديها شك الآن في أنه يعتقد أنها على الأقل في عمر فلافيا , كانت تعرف في أعماقها , أن والديها لن يوافقا على مثل هذا الرجل , ولكنها كانت تستلطفه وأحست فجأة برغبة في أن تكون أكبر سنا .
إضافة رد
نيو فراولة 03:03 PM 10-10-10
بادرها متسائلا بعد أن دخلا المنزل :
" أتأتين ألى هنا دائما ".
" مرة كل شهر تقريبا , وهذه هي المشكلة , فكلما شذّبت النباتات نمت من جديد , أمكث ساكنا لحظة , وقل لي أذا كنت تحس أن المنزل تسكنه الأرواح".
فعل كما طلبت منه , لم يقطع الصمت المطلق سوى حفيف سحلية في مكان ما وسط النباتات المتسلقة.
همست قائلة :
" حسنا , ماذا ترى؟".
خفض صوته قائلا :
" أنت لا تنتظرين مني أن أنفعل بالكائنات الروحية بينما أنا في حضرة شقراء جميلة ترتدي رداء بحر , أليس كذلك؟".
ضحك ثم جذبها أليه لم يكن هذا العناق مشبوب بالعاطفة كتلك العناقات التي تصفها قصص الجيب التي تهربها فلافيا ألى المنزل بين حين وآخر , لتقرأها في سريرها عندما لا يكون هناك أحتمال أن يباغتها أبوها , وبعد لحظات رفع ليام رأسه صائحا :
"يا ألهي , أهذه هي المرة الأولى ؟".
" نعم".
" ما عمرك؟".
قالت شارلوت بصدق متأصل خاصة عندما تواجه بسؤال مباشر :
" ست عشرة سنة , سبعة عشرة تقريبا ".
أطلقها من بين ذراعيه وأخذ يضحك :
" ماذا يضحكك؟".
تساءلت في حيرة وخيبة أمل , بل في غضب أيضا :
" ألديك فكرة كم أبلغ أنا من العمر؟".
منتديات ليلاس

شاطىء العناق - آن ويل - روايات عبير  منقولة من منتديات ليلاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن