8- ( يا له من يوط طال نهاره ....ولكم أشتاق العودة ألى البيت )
( من أغنيات عمال الجزيرة)
وبذلت شارلوت جهدا كبيرا لتتأخر عمدا بضع دقائق عن موعد الأفطار مع ليام... كانت تمشي على مهل في طريقها ألى كوخ دولفين , مع أنها ظلت تنتظر منذ الشروق بفارغ الصبر ثم بدّلت ثيابها أكثر من مرة لتبدو كأبهى ما تكون عند اللقاء , وأنفتح باب الكوخ الخشبي على الفور عندما نقرته وأشار ليام أليها بالدخول وعظامها تذوب تحت نظراته , قادها من غرفة الجلوس ألى ممر صغير تظلله أشجار الكروم يطل بزاوية مائلة على الشاطىء الصغير .
وأختفى في الداخل لحظة بعد أن أجلسها حول منضدة زجاجية مستديرة , وعاد ومعه أناءان بهما شرائح الكريب فروت وأناء آخر كبير مليء بالقهوة , وجلس على الطرف المقابل من المنضدة يقول :
" أذن رجعت يا شارلوت ... هل وراء الزيارة سبب خاص؟".
وغمست ملعقتها في الفاكهة الطازجة قائلة :
" جئت أقضي العطلة وأستطلع حال المكان... كدت لا أعرفه بعدما أدخل عليه من تغييرات , لكنك كما قالت فيوليت : تشقى كثيرا وتعطي وقتك للعمل ولا تجد فرصة للمتعة , هل أصبحت حقا من ملوك المال؟".
" أشقى ألى حد ما ... وأجد لذة عندما أبني من لا شيء ... وأنت تعيشين في لندن على ما أعتقد؟ هل تحبين الحياة هناك؟".
"هناك الأعمال المحترمة والأعلام من الناس وأفضل المتاجر والمعارض , وحفلات الموسيقى ".
" ولكن , ما عملك بالضبط؟".
" مديرة أعمال لرئيس أحدى الشركات العالمية للبلاستيك".
" صرت في غاية الأناقة وتبدين وكأنك عارضة أزياء!".
" أشكرك.... لعلي صرت أفضل حالا عندما رحلت من هنا وبذا قادرة على أقتحام الحياة , كان شعري كعرف فرس بري وكانت عينان حمراوين من الغطس ".
" كم من الوقت تقيمين هنا ؟".
" تسعة أيام أخرى".
" هل تواصلين أجازتك في مكان آخر؟".
" كلا... سأعود ألى لندن".
وقال وهو يقدم أليها سلة الخبز :
" رحلة طويلة وكلفة لأسبوعين فقط ! لا بد أنك تتقاضين راتبا مغريا".
وقالت في شيء من اللامبالاة :
" طبعا... أشكرك فأنا لا أفطر الآن ... فقط قهوة بدون حليب من فضلك".
ونظرت ألى شجرة الكرمة التي تلقي ظلالها المرقشة على الفناء وقالت :
" لم أتعود بعد على جدّة المكان .... هذه الأرض ... كانت برّية في يوم من الأيام".
ورفعت عيناها وقالت :
" يبدو أنك متوتر بعض يا ليام , هل تخليت عن شبابك المرح وأصبحت تفضل شؤون العمل على الحب؟ أتذكّر بالرعب تصريحي المخجل وأنا في الثامنة عشرة من عمري؟".
" نعم أذكر ولكن بدون رعب".
وأحتست قهوتها , وواصلت تقول :
" كثيرا ما فكرت فيما كان سيصيبك لو أنني أستجبت لأغوائك في تلك الليلة".
" أغوائي؟".
" نعم... أنك لم تنس بالتأكيد ... ماذا كنت تفعل لو أنني قبلت عرضك وذهبت معك ألى غرفتك؟".
وقال في لهجة مقتضبة :
" لا أعرف! لماذا رجعت يا شارلوت؟".
" قلت لك... لأقضي الأجازة ... ولأجدد صلتي بأصدقائي القدامى ... ولكن أحدهم ليس مسرورا لرؤيتي".
وعلّق قائلا :
" أنا... مسرور بالطبع ... ولكنك تغيرت كثيرا , وليس من السهل أن تلتقط الخيوط بعد الغيبة الطويلة , هل تخرجين في أجازاتك بأسم مستعار دائما؟".
" أردت أن أجعلها مفاجأة لك".
" بينما أنا الذي فاجأتك ... وأرجو ألا أكون قد سببت لك أي مشكلة , في الليلة الماضية
" على الأطلاق... ولماذا تظن ذلك؟".
" أحسست بشيء من الضيق في سلوك بالمر".
" لقد تخيّلت شيئا لا وجود له... فليس هناك شيء بيننا ولم أتعرف به ألا منذ بضعة أيام ولمعلوماتك فأن بن بالمر لم يشف تماما من الأزمة التي يعيشها بسبب فقد زوجته , ثم أنني لا أبحث عن أجازة غرامية ".
ونظر ألى يدها اليسرى , وقال :
" أرى أنك لم تتزوجي أو تخطبي بعد .... أم أن عدم وجود الخاتم مسألة مقصودة ؟".
" كلا.... فأنا ما زلت حرة ".
" ربما لا تريدين الزواج ... كما تفعل فتيات كثيرات الآن ".
" لا ينبغي أن تصدق كل ما يقال عن المجتمع المنحل , ربما ينطبق ذلك على قلة من الناس ولكن ليس على الغالبية".
كانت المحادثة ينقصها الحماس وبعد صمت دام لفترة قالت شارلوت :
" حسنا.... لا شك أن لديك أعمالا تستحق أهتمامك أكثر من الحديث عن الماضي ... ومن الأفضل أن أتركك لتهتم بها".
ونهضا ولكن شيئا لمع في عينيه الزرقاوين القاتمتين وتوقعت أن يقول :
" ليذهب العمل ألى الجحيم! سأمضي اليوم معك ".
لكنه بدلا من ذلك قال :
" يجب أن نتحادث ثانية في وقت آخر".
وهرولت شارلوت ألى المبنى الرئيسي تفكر محمومة : لماذا أعيش على الأمل حتى الآن؟ أنه لم يحبني ولن يحبني ".
وأعترض البواب طريقها وسلّمها رسالة مغلقة قائلا:
" ترك السيد بالمر هذه الرسالة لك يا سيدتي".
" أشكرك".
وفضّت الرسالة , وقرأت عليها بخط بن الواضح الجميل :
" عزيزتي- غادرت الفندق وأنا أقاوم رغبتي في أن أودعك شخصيا , وعندما تصلك هذه الرسالة أتمنى أن يكون قد تم أصلاح كل ما بينك وبين هاملتون , حظا سعيدا يا شارلوت , وشكرا على الذكريات الغالية ... المحب : بن ".
كان بن غادر الفندق بالفعل وعبثا حاولت أن تتصل به.
وصعدت الدرج منهكة كأنها كانت تختتم يومها مع أن الوقت لا يزال في الصباح... ووقفت أمام باب الغرفة تبحث عن المفتاح ودموع اليأس على وجنتيها , وفاجأتها فيوليت تقول :
" صباح الخير يا حبيبتي , هل نمت نوما هادئا؟".
" أهلا يا فيوليت ... معذرة فأنني على عجل".
وفتحت الباب لتختفي عن الأنظار آملة ألا تكون فيوليت قد لاحظت بكاءها .
ودق جرس التلفون في غرفة شارلوت بعد أن دخلتها بعشر دقائق , وكانت قد خلعت سترتها البيضاء وألقت بها على أرض الغرفة ودفنت وجهها في الفراش .وظل الجرس يدق لمدة دقيقة , فرفعت وجهها الذي أنهكه الكاء وتحسست سماعة التلفون وقالت :
" نعم".
" شارلوت! هل أنت بخير؟".
كان المتحدث ليام ولما لم تجبه على الفور واصل قائلا :
" رأتك فيوليت تندفعين ألى غرفتك باكية ... طمّنيني !".
" كان في عيني رمش ..... وخرج الآن ".
" أذن .... آسف للأزعاج !".
ووضعت شارلوت السماعة وأستسلمت لموجة أخرى من الأسى والشقاء , وذعرت بعد ذلك بدقائق عندما سمعت مفتاحا يدور على عجل في قفل باب جناحها من الخارج , وحنقت لتلك الجرأة وتوقعت أن تظهر فيوليت على باب غرفة النوم ولكنه كان ليام , وكان أول ما قاله:
" أنك تبكين!".
كان الغضب قد بلغ بشارلوت مبلغه حتى أنها لم تفكر ستر جسمها وعلى كل فأن ملابسها الداخلية , لا تقل حشمة عن رداء البحر , وأنفجرت تقول :
" كيف تجرؤ على الدخول؟ فقط لأنك....".
وتلعثمت ولم تستطع أن تكمل .... فقد أحتواها بين ذراعيه وعانقها .... كأنما الزمن عاد أدراجه أربع سنوات ألى تلك الليلة التي لا تنسى قبل نفيها عن الجزيرة , لكن الأمر مختلفا تماما , لم تعد أمرأة طفلة كما كان ينظر أليها بل أختبر الزمن مشاعرها وتحقق من أنها مشاعر دائمة. ولم يقل ليام في هذه المرة ما قاله في المرة السابقة : هيا نذهب ألى الغرفة! لكنه قال :
" يا ألهي .... لو عرفت كيف أفتقدتك !".وظل العناق بطريقة تعبر عن الشوق العاطفي الذي سبب لها القلق منذ زمن بعيد , وأستجابت هذه المرة بكل عواطفها , ثم قال لها :
"أنت أيتها البلهاء الصغيرة! لقد كنت على حق , فهل كنت تعودين ألى أنكلترا بدون أن تجعليني اتأكد من أنك لم تتغيري؟".
" وكيف كان لي أن أعرف أنك أنت تغيرت ؟"
" أنا! لقد أحببتك دائما .... حتى في تلك الليلة التي لجأت فيها ألى كل الطرق لأجعلك تكرهينني !".
" أحقا كنت تحبني دائما؟".
" من اليوم الذي حضرت لتقابليني على اليخت... تمنيت أن أكون فتى في العشرين لأصير فتاك".
" ولماذا تركتني أمضي؟".
" يا عزيزتي .... والدتك كانت تعجب بي ولكنها كانت تعرف ماضييّ فخشيت ألا توافق على زواجنا".
وواصل يقول :
" لا أستطيع أن أصدقك.... كنت في الليلة الماضية وفي هذا الصباح تنظرين أليّ ببرودة لدرجة أنني أحسست أنك رجعت خصيصا لتثأري مني".
" لم يكن برودا يا ليام! كان توترا فلم يكن بأستطاعتي أن أعرف ما يدور في رأسك!".
" حتى الآن ؟"
" الآن .. نعم ... حتى تبوح لي بكل شيء".
وهمّ بعناقها ولكنه تصلّب وأبتعد عنها فجأة , وقال :
" لا زال بيننا حاجز يا شارلوت ... ليس من حقي أن أطلب أليك أن تكوني زوجتي".
" ولم لا؟".
" أستري نفسك أولا! وسأنتظرك في غرفة الجلوس".
وغسلت وجهها ولبست قفطانا طويلا ولحقت له هناك .... فقال :
" تذكرين القصة التي سمعتها من المرأة العجوز التي كانت تعمل لدى أسرة سوليفان ؟ طبقا لرواية تلك المرأة فأن شون سوليفان كان وحشا فظا عامل زوجته بطريقة شاذّة وأصيب في النهاية بنوع من الأهتياج وقتلها".
" أليس هذا صحيحا؟".
وهز رأسه قائلا :
" قتلها حقا ثم أطلق الرصاص على نفسه ولكن باقي القصة كان عكس ما سمعت تماما فأنه لم يكن رجلا هرما ... وكان فارق السن بين الزوجين أقل مما هو بينك وبيني , ولم تجبر روزالين على الزواج منه , وأشترى الجزيرة ليحقق لها أحدى نزواتها لتبني بيتا هنا , وأما عن القول بأنها تزوجته لتنقذ أسرتها من الأفلاس فهو هراء , فلم يكن أهلها ملاك أرض جار عليهم الومن وكان أبوها موظفا عاديا في مكتب الخارجية ".
وعلّقت شارلوت :
" أنك تتحدث كما لو كنت تكرهها".
" كنت أحس أتجاهها بأكثر من الكراهية... ولم أشع نحوها بحب وقد تصدمين بهذا , فليس من الطبيعي أن يكره الأبن أمه".
وواصل يقول :
" أحببت سوليفان لأنه عاملني كأب ولكنني غير متأكد مما أذا كان حقا أبي ... وسيظل هذا سرا".
" سرّ .... لماذا؟ ماذا تعني؟".
" لقد قتل سوليفان زوجته روزالين لأنه بعد أن جعلت حياته جحيما ذهبت معه ألى حد لا يمكن أن يحتمل .....لم يفقد أعصابه بالمعنى العادي , ولكنني أعتقد أنه أصيب بحالة فقدان للوعي , فقد قالت له في تلك الليلة شيئا لا يحتمل أفقده كل سيطرة على نفسه , قالت أنني لست أبنه ,فأستجاب لغريزة عمياء دفعته ألى أن يوقها حتى لا تكرر ما قالته".
" ولكن , هل سمعت ذلك بنفسك؟".
" نعم!".
" أوه! ليام.... يا حبيبي !".
وأقتربت منه وتركت ذراعيها يلتفان حوله .وأزاحها في رقة وهو يقول :
" لم أقل هذا لأكسب عطفك يا شارلوت... ولكن لأجعلك تعرفين مدى المخاطرة أذا ما قبلت الزواج مني".
" أية مخاطرة؟ عن أي شيء تتحدث؟".
" لو كان سوليفان أبي فأنني أبن قاتل... وأذا لم يكن أبي فأنني متهم في نسبي .... والشيء الوحيد الثابت أن أمي كانت أمرأة سيئة الخلق".
" لا أتصور يا ليام أن يتحدث رجل في مثل ذكائك بالطريقة التي تحدث بها السيدات المسنّات عن الخزعبلات... من ذلك الذي يعير الوراثة ذرة من الأهتمام؟ أذا لم تنجب فأنك لن تعترض ولا شك على تبني أحد الأطفال ...لماذا تشغل نفسك بأصل أبويك ؟ الأنسان ليس نتاجا للخصائص الموروثة فقط ... وألا لكان أبناء العباقرة , ولكان الأغنياء ينجبون دائما أغنياء... بل العكس قد يحدث. كما يحدث أن يتحول طفل من أسرة شريفة كادحة ألى خائن متشرد".
" أنك تنسين شيئا ؟".
" وما هو؟".
" حتى لو كانت الوراثة لا تؤرقك .... فأن سجل حياتي لا يستحق الأعجاب".
وقالت في جدية :
" رغم ملابسات طفولتك فأنك تستمتع بالأستقرار النفسي ... عمري الآن أثنتان وعشرون سنة يا ليام , وأعرف أن أفكر وأن أقرر من هو الرجل الذي أريد أن أتزوجه".
" نعم ... مررت بخبرات لا بأس بها ولا بد أن أعترف بأنني عندما سمعت بذهابك للحياة في لندن كنت لشهور أضطجع يقظا في الليل أنظر ألى صورتك التي أحتفظ بها وأفكر كم من الرجال يحاولون غوايتك؟".
" ولكن أذا كنت قد أستطعت مقاومتك وأنت الشخص الذي أحب... هل كان من السهل أن أستسلم لغيرك؟".
" كنت أخشى أن تتحرري لدرجة لا تهتمين فيها بما تفعلين".
" لم أكن أعرف أن لديك صورة فوتوغرافية لي".
" أنها الصورة التي ألتقطها ريكاردو تورتيل... والتي جعلتك تبدين أكبر سنا مما كنت أذ ذاك".
" كنت دائما تبدو فظا معي... وذات مرة كنت تنام نوما خفيفا على الشاطىء فأيقظتك وكنت حنقا".
" كنت أحلم بك كأمرأة ناضجة وبأنني أتذوق الحب معك .... والآن كبرت بالفعل .... وبوسعنا ذلك".
وأحتواها بذراعيه , وأغلقت شارلوت عينيها ... وهي تفكر في سعادة أنه سيكون عليها أن ترسل عددا من البرقيات ... ونسيت بعد ذلك كل الأعتبارات العملية وأستسلمت لشعورها بفيض من السعادة.... السعادة لأنها ستصبح زوجة ليام أخيرا!
أنت تقرأ
شاطىء العناق - آن ويل - روايات عبير منقولة من منتديات ليلاس
Romanceالملخص الى اي حد يمكن للعاشقة ان تنتظر؟ اذا كان الحب يقاس بالسنوات والظروف فأي حب هو هذا الذي يربط شارلوت اليافعة بليام البالغ الخبرة الواسع التجربة وسط شواطيء البحر الكاريبي وفي جزير...