الفصل الثالث

5.1K 95 2
                                    

3- أنها فتاة بلا دروس ولا مدرسة ولا خبرة , وهي سعيدة بهذا! أنها ليست عجوزا بعد لذا يمكنها أن تتعلم
شكسبير ( تاجر البندقية )

صاحت شارلوت مستحثة أختها :
" لقد أستيقظوا , فهناك شخص قادم , أسرعي! أدخلي في الفراش".
برغم ضيقها , لم تكن شارلوت بحاجة ألى ترديد هذا الكلام مرة ثانية ,وبسرعة البرق كانت فلافيا تحت أغطية الفراش , وبالكاد كان هناك وقت لتقفز شارلوت في فراشها قبل أن ينفتح الباب .
لم تكنأمها هي التي جاءت لتحقق فيهما وقد رقدتا ساكنتين بصورة غير طبيعية بدون أدنى حركة , فتحت شارلوت عينا واحدة لترى أخاها الصغير وقد وقف فوق رأسها فأطلقت زفرة أرتياح!
" كيث ! ماذا تفعل هنا ؟".
" سمعت أحدا يبكي , ماذا هناك؟".
" بالتأكيد كنت تحلم , فلافيا نائمة , وأنا لا أبكي ".
" ولكنني سمعت بكاء , أنا واثق من ذلك".
" هراء , عد ألى فراشك".
نهضت شارلوت من فراشها وساقته أمامها ألى غرفة الصبية .
كانت تحب كل أخوتها , ولكن كيث كان حملها الوديع , كان أخاها المفضل فمولده واكب المرحلة في نموها حين أصبحت ناضجة بالقدر الكافي حتى لم ترفض مقدمه ,وصغيرة ألى الحد الذي يمكنها من التمتع بدور الأم معه.
" لم يكن ما سمعت حلما".
قال كيث بأصرار وهي تدس أطراف الغطاء تحته.
" أسكت , ستوقظ الآخرين , نم جيدا".
أنحنت لتقبله فتلقت بالمقابل عناقا حميما وهو يقول :
" تصبحين على خير يا عزيزتي تشا
زل لسانه بهذا التدليل لأنه كان يشعر بالنعاس , فقد كان يناديها هكذا عندما كان صغيرا وقد أشتق أسم التدليل هذا من أغنية أسكتلندية عن الفارس الصغير.
كانت الأغنيات الشعبية لبريطانيا وجزر الهند الغربية وبعض الأسطوانات الكلاسيكية هي كل ما يعرف أبناء مارتن عن الموسيقى سمعوها من جهاز عتيق عندهم للأسطوانات , أما معرفتهم بالأغاني الحديثة الواسعة الأنتشار فلا تتعدى وصول بعض المقتطفات ألى سمعهم من أجهزة الراديو المجاورة .
عندما عادت شارلوت كانت فلافيا قد خلعت ثيابها فالرعب الذي سبه لها كيث نجح في تهدئتها .
جلست شارلوت على حافة فراش أختها قائلة :
" فلافيا , أنا آسفة لما حدث , ولكن كيف لي أن أعرف أن ليام هاملتون له علاقة بمعارفك أصحاب اليخت ؟ لم يكن يبدو عليه أنه سائح غني , وأنا لم أخبرك عن لقائي معه لأنك كنت في حال أنفعال شديد بشأن الحفل , ظننت أنك لن تهتمي بهذا الموضوع ألا بعد عودتك".
" أين ألتقيت به؟".
" أوه...... على بعد أميال قليلة من الساحل".
" أنت تعرفين أنه ما كان لك أن تتحدثي مع أغراب".
" ولكنك تحدثت مع جون".
" هذا وضع مختلف , فجون يقربني سنا , أنا لم أكن لأصادق رجلا في سن هاملتون هذا ,فبوسع أي شخص أن يرى كم هو كريه".
" كريه؟ لماذا تقولين هذا؟".
" أظن أنك أستلطفته؟".
" ليس في بادىء الأمر , ولكنني أستلطفته فيما بعد".
" ما كنت ستفعلين ذلك لو أنك رأيته وهو يتصرف بحماقة مع تلك المرأة ".
" يتصرف بحماقة؟ ماذا تعنين؟".
" كانا يرقصان معا , وكانت تحيط عنقه بذراعيها , بينما كان هو يهمس شيئا في أذنها . بل أنني رأيته يقبلها - أمام الجميع - أعتقد أنه كان منتشيا ... وكانت هي التي جعلته يلحظني , فقد قالت له شيئا عني .... أعتقد أنها كانت تهزأ بثوبي , وهي ترتدي ثوبا من الحرير الشيفون وكثيرا من المجوهرات , بعد ذلك ظلّ يحدق فيّ , ثم طلب من جون أن يقدمه أليّ , وبمجرد أن سمع أسمي قال : ( أنت أخت شارلوت؟ ) ثم سألني أذا كان والديّ يعرفان بمجيئي - كنت - كنت أود أن تبتلعني الأرض في تلك اللحظة عاد جون ومعه مشروب لي , ولكن هاملتون هذا رفض أن يتركني أتناوله وشربه هو , وعندما غضب جون دفعه ألى أحد المقاعد وجذبني من ذراعي ليعيدني ألى المنزل , قائلا لتلك المرأة ( تارا ) سأعيد هذه الطفلة ألى منزلها , فقد تأخرت عن موعد ذهابها ألى الفراش , ( هذه الطفلة) يا له من جبان حقا ! وفي تلك اللحظة كان الجميع يحملقون بي!".
" كان محقا , فقد تأخرت فعلا عن موعد ذهابك ألى الفراش , ولا أعتقد أنك تصفينه بأنه كريه لمجرد أنه أستنتج أنه ليس من المفروض أن تكوني في مثل هذا المكان ".
" ليس هذا هو كل ما هنالك , فقد عانقني !".
" ماذا؟".
قال : والآن تعرفين ما هو العناق فلا تدعي فضولك يقودك ألى التهلكة مرة أخرى , لو لم أكن قد ألتقيت بأختك , ربما كنت ستندمين على مغامرتك الطائشة هذه , ماذا كان يعني بقوله هذا؟".
" أعتقد أنه يقصد أنه لو لم أكن قد ذكرت أسمك , لم يكن سيتعرف عليك , وأنك ما كان يجب أن تذهبي ألى هناك".
" كيف عرف هذا؟ من المؤكد أنك قلت له أكثر من أسمي".
" قلت أنه رغم أنك أكبر مني سنا , أبي لا يسمح لك بالخروج مع الفتيان".
" قلت هذا لشخص غريب ؟ أكيد أنك جننت , ليس من حقك أن تناقشي حالتي ".
" لم أفعل ذلك تماما , جاءت السيرة صدفة أستطرادا لشيء كان يتحدث عنه".
" بالقطع , أكنتما تتبادلان حديثا ذا طبيعة خاصة , هل لي أن أسأل ماذا كنتما تناقشان ؟".
أدركت شارلوت أن عليها أن تقول لفلافيا الحقيقة , وبدون أن تكشف لها عن مكان لقائها بهاملتون , شرحت لها كل شيء وكيف أنه عانقها أيضا , ظانا أنها أكبر سنا من حقيقتها.
أستشاطت فلافيا غضبا من هذا الأعتراف .
" تشارلي , يا له من أمر فظيع بالنسبة أليك!".
" لم يكن فظيعا , بل أرتحت ألى ذلك العناق ".
أرتعشت فلافيا تقززا لأستعادتها هذه الذكرى قائلة :
" حقا أرتحت أليها؟ أما أنا فقد كرهتها , حسنا , أن هذا يثبت كم هو شخص سيء فما من رجل مهذب يقدم على عناقي وعناقك وعناق تلك المرأة في يوم واحد".
كانت هناك لحظة صمت قبل أن تقول شارلوت :
" أنا تعبة , سأنام , تصبحين على خير ".
ولكن برغم الساعة المتأخرة والتوتر غير المعتاد الذي تعرضت له طوال اليوم , مر وقت ليس بقليل قبل أن تتمكن من النوم , كان آخر ما تفكر فيه عادة قبل أن تغمض عينيها هو منزل جزيرة سوليفان الذي ستملكه , ولكن الليلة لم يكن بوسعها أن تفكر في المنزل بدون أن تفكر في ليام هاملتون.
هل كانت فلافيا محقة؟ هل هو حقا رجل سيء؟ ومن هي تلك المرأة التي تدعى تارا؟
ولراحة بال الفتاتين , لم يشر كيث مارتن صباح اليوم التالي ألى ما أزعجه في نومه الليلة الماضية.
بعد الأفطار أعطى رافاس الأولاد الثلاثة دروسهم , أما شارلوت فقد أعفيت من هذا الروتين منذ عيد ميلادها السادس عشر , ألا أنها حتى الآن ينبغي عليها أن تخصص بضع ساعات كل أسبوع للدراسة , ولكنها أعطيت حرية أختيار مكان وزمان أنجاز تلك المهمة ما دامت تقرأ الكتب التي يختارها لها أبوها , وحتى يضمن أنها لا تهمل واجبها كان رافاس يضع لها أمتحانا كل شهر تقريبا أو يطلب منها كتابة بحث في موضوع دراستها الحالي.
بعد تناول وجبة الغداء , أصطحب رافاس أولاده الثلاثة وذهبوا ألى المكتبة العامة في العاصمة وبينما كانت أمها وفلافيا منشغلتين ببعض الأصلاحات المنزلية , أنسحبت شارلوت ألى أقصى الشرفة لكتابة مذكراتها وحينئذ رفعت رأسها وتطلعت صوب البحر عندما شدّها أزيز بعيد لصوت محرك , كان هناك زورق سباق قرمزي يعبر وسط مياه الخليج مقبلا من ناحية ومع أن عينيها سجلتا بريق ذلك اللون الزاهي كان عقلها مستغرقا للغاية , مرّت بضع لحظات قبل أن تعود ألى الحاضر , وفي نفسها أدركت أن الزورق حوّل مساره وبدأ يلف في خط شبه دائري واسع لينتهي بالقرب من مرفأ عائلة مارتن .
" ترى من هذا؟".
تساءلت هيلين مارتن بعدما أصبح جليا أن زائرا قادما نحوهم .
ولكن ما من واحدة من بناتها تطوعت للأجابة , أما هي فلم تلحظ التعبير الذي علا وجهيهما والذي يؤكد أنه كان بوسعهما أن تفعلا ذلك .
وبينما كان ليام يقترب من المنزل رأت أنه كان حليق الذقن اليوم وأنه يرتدي قميصا وسروالا ملتصقين بجسده بطريقة تختلف عن ملابس أبيها وأخوتها .
وصل ألى حافة الشرفة وقد بدا عليه أنه لم يلحظ الفتاتين , وجّه أبتسامته لهيلين التي نهضت في حيرة لتحيته , ثم قال :
" مساء الخير , هل أنت السيدة مارتن ؟ أعرفك بنفسي , أسمي هاملتون".
مدّت يدها لمصافحته , وقالت في تردد :
" كيف حالك ؟ زوجي ليس في المنزل الآن أظنك جئت لرؤيته ؟".
" نعم - كنت آمل أن أراه ".
" أخشى أنه لن يعود سريعا , أيمكنك أن تحضر غدا ؟ هل هناك رسالة يمكنني أبلاغه أياها؟".
" أنا لست هنا لمهمة معينة يا سيدة مارتن , أنها مجرد زيارة أجتماعية".
" أوه!".
للحظة وقفت هيلين مأخوذة , منذ زمن لم يأتيهم زائر فأحست بالأضطراب .
" ربما جئت في وقت غير مناسب؟".
" أوه , كلا , كلا على الأطلاق , تفضل بالجلوس , كل ما في الأمر أننا لا نرى كثيرا من الناس , فظننت.....".
جمعت شتات نفسها ثم أستطردت قائلة :
" هذه هي فلافيا ,أبنتي الكبرى".
" كيف حال , يا آنسة مارتن؟".
كانت شارلوت قد تركت مقعدها فلم يمكنها أن ترى وجه أختها هذه اللحظة ولكنها كانت ترى وجه ليام , لم يكن في تعبير وجهه ما يدل على أنه ليس بحاجة ألى هذا التعريف.
ثم قالت هيلين قبل أن تعرّفه بشارلوت :
" فلافيا , أذهبي وأبلغي فيوليت أن لدينا زائرا ! ماذا تفضل يا سيد هاملتون ؟ قهوة أم شرابا باردا؟".
" شراب بارد لو سمحت".
وبينما كانت فلافيا تجري ألى الداخل واصلت السيدة مارتن كلامها :
" وهذه شارلوت".
لم يمد ليام يده هذه المرة ولمعت عيناه الزرقاوان بأهتمام واضح وهو يقول :
" مرحبا مرة ثانية , لقد ألتقيت أنا وشارلوت من قبل".
لاح الفزع على هيلين وهي تقول :
" هل ألتقيتما من قبل؟".
" نعم..... بالأمس , وجدتني أعتدي على أحد شواطئها المفضلة في البداية وأظهرت ضيقها لكنها لانت فيما بعد وسمحت لي أن أقاسمها غداءها".
لم تسأل هيلين عن سبب تجاهل شارلوت ذكر تلك المقابلة , فهي تعرف السبب , أذ كان السبب نفسه الذي تحسه الآن حين تفكر أنها ستضطر لأن تقول لزوجها عن زيارة السيد هاملتون , سيكون عليها أن تواجه أستياءه , بل ربما غضبه لما قد يعتبره أقتحاما غير مبرر لحياته الخاصة , ولكنها أبعدت ذلك القلق لشعورها بالغبطة في التحدث مع زائر ما.... أي زائر.
" هل جئت لتقيم هنا يا سيد هاملتون ؟".
" لم أحضر بهذه النية , ولكن الخاطر مر بعقلي , أعتقد أنك أقمت هنا عدة سنوات ! فهل تنصحينني بذلك؟".
" المناخ هنا رائع , والجزيرة في غاية الجمال والهدوء, ولكن هناك بعض السلبيات ".
" ما هي؟".
" أعتقد أن السلبية الأساسية هي صعوبة حصولك على دخل يغطي نفقات الحياة , ولذا كان من الصعب علىّ ذلك النمط من الناس الذي يفضل الهجرة ألى أستراليا أو كندا على أن يأتي ألى هنا , فلا توجد فرص عمل تكفي لتغطية حاجات السكان الأصليين , فجزر الهند الغربية تناسب فقط الأثرياء , أو قلة , التي على شاكلتنا وترضى بحياة بسيطة , زوجي كان يعمل ناظر مدرسة , أما الآن فهو كاتب , ولذا يمكننا أن نقيم في المكان الذي يحلو لنا , هل أنت أيضا حر بهذا المعنى يا سيد هاملتون".
" نعم , بكل المعاني".
" أليس لك أسرة ترعاها؟".
" كلا , لا أحد غيري ".
" في هذه الحالة , ألن تشعر بقدر من الوحدة هنا؟ أن هناك الكثير لتفعله طوال النهار ولكن المكان يصبح هادئا للغاية بعدغروب الشمس , أعتقد أن باربادوس أو ترينيداد قد تتناسب أكثر مع حياة الأعزب ".
" نعم , معك حق , كما قلت لك أنا لم أعط هذه الفكرة تفكيرا جادا بعد".
" أين تقطن الآن يا سيد هاملتون ؟".
" ليس لي منزل , نشأت في أنكلترا , ولكنني قضيت معظم سنوات حياتي بعد بلوغي سن النضج في الترحال".
" أوه , حقا؟ يا له من شيء مثير".
أنتظرته حتى يكمل حديثه , ثم ترددت في أن تستحثه عندما لم يفعل ذلك , أما شارلوت , فقد كانت أقل حياء في رغبتها أرضاء فضولها , فقالت:
" هل اليخت ملكك؟".
" اليخت".
بعد فوات الأوان تذكرت أنها لم تعرف بأمر هذا اليخت ألا بسبب تسلل فلافيا خارج البيت , فأستطردت :
" أشرت أليه في حديثك أمس".
" حقا , لا أذكر , لكن هذا اليخت ليس ملكي , أنه ملك تارا مونتيفالكو ...... الأميرة مونتيفالكو".
" الأميرة مونتفالكو؟ هل تعني أنها أميرة حقيقية؟".
" هذا يعتمد على ما تعنيه أنت بكلمة حقيقية , فمونتيفالكو هو لقب من بين مئات الألقاب الأيطالية الغامضة , أنها اليوم مجرد أسماء , أكتسبت تارا هذا اللقب عن طريق الزواج ".
تذكرت شارلوت ما قالته لها فلافيا عن ليام وتارا , فتساءلت :
" وأين الأمير مونتيفالكو ؟ هل هو معكم على اليخت أيضا؟".
" كلا , أنه في مكان ما في أوروبا , فهما منفصلان".
عادت فلافيا وهي تحمل أكواب عصير الليمون , وعندما وقف ليام , رمقته بنظرة عصبية عدائية , غمز أليها فصعدت الدماء ألى وجهها , ولكن هيلين لم تلحظ غمزة العين ولا أحمرار الوجه , أما شارلوت فقد لاحظتهما , ومن هذه اللحظة وثقت أنه لن يخون أيا منهما , ويكشف أمرها ولكن في هذه الحالة ترى لماذا جاء؟ مكث قرابة نصف ساعة تحدث في معظمها مع أمها , وعندما نهض ليرحل سار معه الجميع حتى المرفأ لم يصافح شارلوت ولكنه ربّت على كتفها وكأنها في عمر كيث قائلا :
" وداعا يا صغيرتي شارلوت , شكرا لدعوتي ألى الغداء , ولكن الأفضل ألا تكرري الدعوة وعندما أختفى الزورق عن الأنظار قالت شارلوت لأمها :
" أرجو ألا تكوني غاضبة لأنني تحدثت معه بالأمس ؟".
" كلا...... ولكن ليس من الحكمة أن يكون المرء ودودا بهذا الشكل مع الأغراب ".
" هل أستلطفته ".
" لم أكرهه , يبدو أنه مشتت".
أضافت هيلين تلك الكلمات الأخيرة وهي تفكر بصوت عال.
" تماما - تلك هي الكلمة التي كنت أبحث عنها بالأمس , كنت أعرف أن هناك كلمة تصفه تماما ".
" هل أنت متأكدة أنك تعرفين معنى هذه الكلمة يا عزيزتي؟".
" بالطبع , فأنا أذا لم أعرف معنى كلمة أبحث عنها في القاموس , ومشتت تعني مسرف وغير مستقر , ولكنها عادة تستخدم لوصف الأشخاص ...... الأشخاص الذين يبددون حياتهم".
أخفت أمها دهشتها , فكانت تظن أن شارلوت ما زالت صغيرة على القيام بعملية ربط بين ما تقرأ في الكتب وبين الناس الذين تلقاهم في الحياة , كانت هيلين تشك في أن أيا من أبنائها أبتعد عن تفهم أمور الحياة كما كان يريد لهم أبوهم , وبرغم وعيها هذا كانت مفاجأة لها أن تدرك أن شارلوت التي تبدو غاية في البراءة بوسعها أن تكوّن رأيا صائبا بالنسبة ألى شخصيات البشر.
" هل ستقولين لأبي عن مجيئه ؟".
" هل هناك سبب يمنعني من ذلك
" كلا.... بالتأكيد , ولكنه لا يحب الأغراب عادة ...... وأعتقد ...... حسنا أعتقد أن معرفة الناس أمر مثير للأهتمام".
" ولكنني لا أظن أن السيدة هاملتون أو رفاقه يجدون فينا شيئا يثير أهتمامهم , وأشك في أنه سيزورنا مرة أخرى ولذا فليس من الأهمية في شيء أن يستلطفه أبوك أم لا , فهيا بنا ألى عملنا ".
ولكن عند عودتهما ألى الشرفة لم يكن من السهل على أي منهما أن تركز في العمل الذي أوقفه مجيء هاملتون , فجلست شارلوت تقطع قلمها وتفكر في أصحاب اليخت , وخاصة تارا مونتيفالكو , أما هيلين فكانت تشعر بالقلق مع أنها كانت تتوقع وتتهيّب في آن واحد مجيء الوقت الذي يبدأ فيه أبناؤها الأعتراض على آراء رافاس , لم يتخيّل أليها أن تأتي أول بادرة لعدم الأرتياح من أبنتها الصغرى .
كانت تتوقع أن فلافيا ستكون أول من سيتمرد ليس لأنها الكبرى ولكن أيضا لأنها لا تتفق مع أبيها كثيرا , فرافاس كان يريد أن يكون كل أولاده ذكورا وجاء مولد فلافيا خيبة أمل كبيرة له ,ثم صار يفضل شارلوت لأنها أكثر ذكاء ولا يجهد نفسه كثيرا لأخفاء هذا التفضيل.
ولكن عندما عاد الأب لم تبلغه هيلين بأمر الزائر , فقد بدا غريبا وعلى غير عادته , وكانت نظرة واحدة في وجهه كافية لأن تنسيها كل شيء.
وبعد أن دلف ألى غرفة نومه ومن ورائه أمها بادرت شارلوت أخوتها متسائلة :
" أجابها روب قائلا:
" لا أعرف , كان في صحة طيبة حتى وصلنا ألى منتصف طريق العودة , ثم فجأة أحس بألم فظيع ".
وأضاف بيتر قائلا:
" كان وجهه متقلصا وكان لا يقوى على الكلام , كان ذلك شيئا فظيعا".
ركضت شارلوت نحو غرفة والديها وتساءلت :
" هل أذهب لأحضر الطبيب ؟".
أنبرى رافاس قبل أن تتكلم زوجته قائلا في غضب :
" لست في حاجة ألى طبيب , لو جئتم به فلن ألقاه , أتركوني في سلام , لا داعي للقلق ودعوني أستريح".
عندما ذهبت الفتاتان لتناما تلك الليلة تساءلت قائلة :
" ما تصوّرك عن سبب مجيئه؟".
" مجيء من؟".
هكذا ردت شارلوت شاردة الذهن , فقد كانت قلقة بشأن أبيها .
" هذا الرجل الذي يدعى هاملتون , من سيكون أذن؟".
" ليس لدي أدنى فكرة , هل هذا أمر هام؟ كنت أتمنى أن يسمح أبي بمجيء الطبيب , فهو يبدو مريضا جدا".
" لن يفيده أن يفقد أعصابه - وهذا ما سيحدث أذا جاء الطبيب بدون أذن منه ".
" ولكن ليس من العدل بالنسبة ألى أمي , فهي قلقة عليه ألى حد المرض".
" أنا لم أتفهم أبدا السبب الذي جعلها تتزوجه".
" فلافيا!".
صاحت شارلوت في فزع.
"." حسنا , هل تتفهمين ذلك أنت؟ أنه لم يحاول أبدا أن يجعلها سعيدة , أما هي فعليها أن تفعل دائما ما يريد ..... علينا جميعا أن نفعل ذلك".
" أوه , أسكتي , كيف لك أن تكوني بهذه الفظاعة ؟ أن أبي مريض , وكل ما تقلقين بشأنه هو أنك لا تفعلين ما تريدين ".
أدارت كل منهما ظهرها للأخرى , ولم تتبادلا كلمة واحدة بعد هذا.
بدا رافاس مارتن في اليوم التالي وقد أستعاد صحته تماما , فأستقبلت فلافيا والأولاد الثلاثة عودته ألى الحياة الطبيعية ولم يفكروا في الأمر ثانية , أما هيلين وشارلوت فما زال يساورهما القلق .
وبعد مضي ثلاثة أيام رأت شارلوت زورقا أحمر بمحرك ينطلق عبر الخليج , أثارت رؤيته فضولها من جديد وقررت أن تذهب لمشاهدته.
ولأن الأولاد كانوا يستخدمون الزورق في ذلك اليوم ركبت الأوتوبيس ونزلت قرب طريق ينحدر بشدة نحو الشاطىء .
كان الشاطىء خاويا , جلست شارلوت تستظل تحت النخيل , وقد أحاطت ساقيها بذراعيها وهي تحدق في المركب الأبيض الضخم الذي بدا مهجورا , لم يكن الزورق مربوطا بالسلم المتدلي من جانب اليخت مما أوحى بأن الأميرة مونتفالكو وضيوفها خرجوا في جولة أستكشافية
خلعت شارلوت ثوبها الذي كانت ترتديه فوق رداء البحر الأزرق الباهت ونزلت تستحم, في بادىء الأمر لم يكن لديها نية للأقتراب من اليخت , ولكن بعد أن مكثت في المياه ولم تظهر أية بادرة للحياة فوق سطح اليخت لم تستطع المقاومة ودنت حتى أمسكت بالسلم وبعد لحظات كانت قد وصلت ألى قمته .
وبينما هي واقفة على السلم في تردد سمعت صوتا يقول :
" مرحبا..... من أنت؟".
كادت شارلوت تسقط عن السلم فزعا , فحتى لو كان لها حق الدخول ألى هذا المكان لكان الصوت قد أفزعها , لقد كانت واثقة تماما من أن أحدا لم يكن في اليخت .
ناولها منشفة قائلا:
" تناولي هذه , رأيتك من قمرتي وأنت تقتربين , كان منظرك سارا للغاية , هذا اليخت أصبح طوقا لنجاة الغرقى , تعالي ألى السطح حيث الشمس وسأعد لك شيئا لتشربينه , أسمي جون , وأنت؟".
" تش......تشارلوت".
" تشارلوت ؟ ألست تشارلوت مارتن؟".
أومأت برأسها , تراجع الشاب خطوة ألى الوراء يرمقها من أسفل ألى أعلى بأبتسامة قائلا :
" أذن أنت الأخت الصغرى لفلافيا ؟".
لم تسترح شارلوت للطريقة التي كان يفحصها لها , فلفت المنشفة حول نفسها مسرورة لكونها غطتها حتى ركبتيها , وبرغم أن ليام أمتدحها بالطريقة نفسها في الجزيرة , لكنها لم تحس كالآن بمثل هذا الشعور من عدم الأرتياح والنفور مع أنه كان وسيما للغاية.
سألته في عبوس :
" ماذا يضحكك ؟".
" أعطانا ليام صورة عنك على أعتبار أنك مجرد طفلة , ظننا من الطريقة التي تحدث بها عنك , أنك في العاشرة من عمرك تقريبا , حقا سأرد له هذه الدعابة في المستقبل ..... وبالنظر ألى سمعته توقعت أنه ينوي شيئا عندما أثار هذه الضجة حول مجيء أختك , ثقي أنه يتعقب الصيد الأمثل ويلزم الصمت تماما بشأنه".
أخذت كراهية شارلوت له تتصاعد مع كل كلمة .
" ماذا تعني بقولك ( بالنظر ألى سمعته) ؟".
" حسنا , لا أخالك تصوّرته من فتيان الكشافة ؟ أختك تبدو بطيئة الفهم قليلا , أما أنت فأكثر ذكاء ".
" يا لك من فظ! كان فعلا غباء من فلافيا أن تعجب بواحد مثلك".
" آسف , لم أقصد الأهانة , فأنا أستلطف أختك , ولكن ما ذنبي أذا أستلطفتك أنت أكثر؟ تعالي لنشرب شيئا ونصبح صديقين".
" كلا , شكرا ,جئت لأرى ليام , أذا لم يكن موجودا فلن أنتظر".
" بوسعك أن تنتظري نصف ساعة أليس كذلك؟ أنهم في فترة راحة بعد الغداء ".
" لا يهم , فالأمر ليس بهذه الأهمية ".
" كلا , لا تذهبي , أنا واثق أن ليام يود أن يراك , وتارا أيضا".
" لماذا , أنها لا تعرفني ".
" كلا , ولكنها دائما تهتم بالتعرف ألى صديقات ليام....... الأخريات , يجب أن تنتظري حتى تلتقي بها , ستحبان بعضكما بعضا من النظرة الأولى ".
برغم أنه كان يبدو جادا , كان لديها أحساس داخلي بأنه يقول هذا تهكما , ومع أنها لم تأت أصلا ألى اليخت لهذا الغرض , أحست أنها تود أن ترى ليام مرة أخرى :
" حسنا , سأنتظر".
صحبها ألى سطح اليخت ثم بادرها قائلا :
" ماذا تشربين ؟".
" شراب من فضلك".
ضغط على جرس بجواره ثم فتح صندوقا بدا بداخله شيء كبكرة الأفلام .
" ما هذا ؟".
تساءلت عندما أنتقى أحداها ووضعها في جهاز به قرصان دواران .
" عم تسألين ؟ هذا ؟ يا ألهي , ألم تري من قبل جهاز تسجيل , هذا المكان بدائي أكثر مما أتصوره , وماذا عن جهاز التلفزيون ".
" هناك محطة للتلفزيون , ولكننا لا نملك جهازا ".
بدأ الجهاز يخرج صوت موسيقى , وظهر خادم صغير أسمر من دول أميركا اللاتينية فأمره جون بأحضار المشروبات.
جلست شارلوت على حافة أحد المقاعد آملة ألا تلف ثيابها المبتلة قماش المقعد الفخم , وظهر الخادم مرة ثانية وقد حمل المشروبات على صينية من الفضة , أبتسمت له شارلوت قائلة :
" شكرا لك ".
وبعد لحظات أنضمت أليهما سيدة ,كانت شقراء , دقيقة الجسم ترتدي رداء بحرأحمر وصندلا مذهبا مزينا بأحجار حمراء , كان الجزء العلوي من وجهها قد غطته نظارة شمسية ضخمة مما جعل شارلوت ترى أول ما ترى شفتيها وقد طلتهما بلون أحمر ثقيل .
" أوه ,ها أنت يا جوني ..... من هذه؟".
" صديقة لليام , أسمها شارلوت , شارلوت هذه جينين أمي"
دمدت شارلوت بينما رفعت جينين نظارتها ثم حاجبيها قائلة :
" صديقة لليام؟".
" تلك الفتاة الصغيرة الظريفة التي لقيها عندما كان يتجول وحده "
أطلقت أمه ضحكة غبيظة قائلة:
"آه , تذكرت , أين تارا؟ هل عرفت أن عندنا ضيفة ؟".
وقبل أن يجيبها صعد ألى السطح عدد آخر من الناس , وبعد أن عرّفهم جون بشارلوت , أخذوا مثل أمه , يتضاحكون ويتغامزون , الأمر الذي جعل شارلوت تشعر بمزيد من عدم الأرتياح , حاولت ألا يظهر هذا عليها , وأن تمنت أن يجيء ليام في هذه اللحظة , لم تكن تفهم لماذا يبدي الجميع كل هذا الأهتمام بها.
فجأة ظهرت أمرأة أخرى , وأدركت شارلوت فورا أن هذه هي تار مونتفالكو , وعلى خلاف الجميع الذين كانوا في ثياب السباحة , كانت ترتدي بيجاما هفهافة من حرير رقيق زاهي الألوان , كانت بشرتها سمراء , وكان شعرها أسود قصيرا ملتصقا برأسها وكان لديها أطول أهداب رأتهما شارلوت في حياتها.
" عزيزتي تارا , تعالي لتتعرفي بصديقة ليام , بدأت أفهم لماذا يقضي معظم الوقت وحده بعيدا عنا , شارلوت , هذه هي مضيفتنا الأميرة مونتيفالكو ".
أحست شارلوت أن الجميع يحبسون أنفاسهم وكان بوسعها أن تحس بالتوتر الذي يلف المكان .
قالت قي تردد:
" كيف حالك ؟ آمل ألا يكون لديك مانع لقدومي , جئت لأتحدث مع السيد هاملتون؟".
كانت عيناها الواسعتان الداكنتان لا تكشفان عما بداخلها , ثم قالت بصوت خفيض جذاب :
" سأرسل شخصا يبلغه بذلك , ولكن قبل كل شيء ألا تحبين تسريح شعرك وأرتداء قميص حتى تجف ثياب البحر , فما من شيء يثير الأحساس بعدم الراحة أكثر من الجلوس في ثياب مبتلة , تعالي ألى قمرتي ".
كان جناح المضيفة بمثابة أكتشاف لشارلوت , كانت جدران القمرة مغطاة بحرير أزرق متموج بينما الأريكة والمقاعد مغطاة بحرير ليموني اللون.
وهناك ردهة تكسوها ألواح خشبية تقود ألى قسم النوم , دفعت أحد تلك الألواح لتكشف عن خزانة ملابس مليئة بالثياب , أنتقت منها واحدا ذا ملمس مخملي وبلون أصفر .
" من الأفضل أن تأخذي حماما , لن يستغرق منك هذا أكثر من خمس دقائق".
قادتها عبر غرفة نوم وردية مذهبة ألى حمام ملحق بها وردي ناصع نادر كقلب محارة ضخمة .
" عندما تكونين مستعدة تعالي ألى غرفة الجلوس".
خلعت شارلوت ثيابها أستعدادا لأخذ الحمام وهي تشعر بذهول من تطور الأحداث , كان هناك دوش في منزل أسرة مارتن , ولكنه بدائي للغاية بالمقارنة مع القمرة المصنوعة من الزجاج والمعدن ونظامها المعقد لتدفئة المياه.
وعندما عادت ألى غرفة النوم كان الباب مفتوحا قليلا كذلك كان الباب الواقع في نهاية الردهة , فسمعت تارا تتحدث مع شخص ما , ويبدو في صوته الضيق وهي تقول :
" كلامك مضحك وغير معقول , فأي أنسان يستطيع أن يرى أنها مجرد طفلة".
جاء صوت جينين مجيبا :
" طفلة جذابة جدا يا عزيزتي ......".
" نعم , ستكون رائعة بعد سنوات قليلة , ولكنها الآن ساذجة بالدرجة التي لا تجذب ليام".
" هل أنت واثقة من ذلك؟ أنا لا أريد أن أقلقك يا عزيزتي , ولكن يجب أن تعترفي أن أمره أصبح محيرا في الآونة الأخيرة , أين يذهب بمفرده ؟ أنه ضيفك الخاص , لو كنت مكانك لأحسست بجرح في كبريائي ".
" نعم , أتوقع أن تكوني كذلك , ولكنك أكبر مني سنا بكثير , وعندما تبلغ المرأة سنك تصبح عادة أكثر عصبية ومحبة للتملك".
عند هذا الحد , أدركت شارلوت أن ليس من حقها أن تستمع ألى هذا الحوار فأغلقت الباب , ولكن ما سمعته كان كافيا ليجعلها تدرك أن هؤلاء الناس برغم أنهم يبدون مهذبين , غير قادرين على الأذى لكنهم في حقيقة الأمر كالأسماك البحرية المتوحشة.
لم تكن قد أنتهت من تمشيط شعرها عندما عادت تارا ألى غرفة النوم , وقالت :
" يبدو أن ليام أخذ الزورق وذهب ألى مكان ما , لكنه قد يعود سريعا , تعالي وتناولي معي شرابا , وقصي علي كل شيء عن نفسك ".
تبعتها شارلوت ألى قمرة الأستقبال , حيث جلست تارا على الأريكة في أناقة , وأخرجت علبة السكائر قائلة :
" أتدخنين ؟ كم عمرك؟".
" أنا في السادسة عشرة من عمري , السابعة عشرة تقريبا".
أجابت شارلوت وهي تجلس بأرتباك على حافة المقعد.
سألتها تار أسئلة عدة , ثم أحضر الخادم الشاي على صينية من الفضة ,كان بوسعها أن تلتهم الضطائر في قضمة واحدة , لكنها نجحت في أن تستبقيها لعدة قضمات , كانت تخشى أن تسقط أو تسكب شيئا , كما أن أحساسها بأن المرأة ترقبها جعلها أكثر عصبية.
" هل هناك رسالة أبلغها لليام أذا ذهبت قبل أن يعود ؟".
" أوه , كلا , شكرا , جئت فقط لأودعه أذ قال أنكم سترحلون قريبا ".
" نعم ...... سنرحل غدا , هل تستلطفينه؟".
" نعم , أنه يبدو لطيفا".
ردت شارلوت في حذر بينما أطلقت تارا ضحكة خفيفة وسألت في تهكم :
" هل تظنين كذلك؟".
" ألا ترين أنت هكذا؟".
" ذلك يعتمد على ما تعنين بكلمة لطيف , ففي لغتي هي بمعنى شخص مسالم ولكنه ممل , فكيف تفهمين أنت هذه الكلمة؟".
" أنه ودود وطيب , في رأيي ".
ضحكت تارا مرة أخرى قائلة :
" أنت فتاة بريئة , معظم الفتيات اللواتي في سنك يجهلن الكثير عن الرجال ألى أن يتعرفن على ذلك النمط الذي يعرف بالنوع الخطر".
" ماذا تقصدين بالنوع الخطر؟ ".
" النوع المتخصص في الأيذاء ... ليام ليس رجلا لطيفا يا عزيزتي , بل أنه رجل مؤذ , وسمعته الفاضحة هي التي تجعله جذابا ألى هذا الحد , وأنا نفسي أنتمي ألى هذا النمط لكن الفرق الوحي
بيننا هو أنه كان عليّ أن أناضل من أجل الحصول على ما أريد , أما ليام فقد ورث أمواله , لقد كان حرا دائما".
تهضت السيدة ونظرت من فتحة في جانب اليخت بعد أن سمعت عن بعد هدير محرك .
" ها قد عاد الزورق , سيكون معنا بعد دقائق , ماذا تنوين أن تفعلي بحياتك ".
" لا أعرف , لم أفكر في الأمر بعد".
" أذن يجب أن تفكري , أنت قد لا تدركين أنك في موقع ممتاز هنا , فعندما كنت في السابعة عشرة من عمرى كنت حبيسة مدينة صغيرة في أنكلترا , كان عليّ أن أفلت , وأخرج للبحث عن فرصي , أما أنت فبوسعك أن تنتظري حتى تأتيك فرصتك وأنت في مكانك - ربما فوق يخت مثل هذا".
لم تقل شارلوت شيئا في البداية تأثرت بسحر تارا وأحست بالأرتياح أزاء صداقتها غير المتوقعة , ولكن كان هناك شيء منفر في نبرة تارا , وبينما هي تسمع صوت أقتراب الزورق سألت شارلوت نفسها ما أذا كان ليام أيضا سيبدو مختلفا غير محبب وسط هؤلاء القوم . بعد مضي بضع دقائق دخل ليام ولاحظ على افور أن تارا لم تكن وحدها , لم يبدو مسرورا لرؤية ضيفتها فسأل بفظاظة :
" ماذا تفعلين هنا؟".
أجابته تارا قائلة :
" جاءت لتراك".
" أوه ! لماذا؟".
تساءل وهو ينظر ألى شارلوت بطريقة جعلتها تحس وكأن تعارفهما كان عابرا للغاية.
أحست بالدماء تصعد ألى وجهها وقد أنربط لسانها :
" ربما من أجل أمر خاص , سأترككما".
قالت تارا تلك الكلمات وهي تتجه صوب الباب .
أتجه ليام نحوها ,وبيد خفيفة على وسطها , أرجعها نحو الأريكة , جلسا سويا , ملتصقين , ثم جذب نفسا من سيكارتها.
للحظة أخذا يتبادلان النظر في أبتسام وألفة خاصة , الأمر الذي جعل شارلوت أكثر توترا .
" أليس هذا الثوب الأصفر ملكك يا تارا؟".
تساءل ليام بعد أن لاحظ الثوب الزعفراني , ربما لم يكن يقصد ولكنه جعل شارلوت تحس أنه من الوقاحة أن ترتدي ثوبا صمم لواحدة أكثر منها أناقة ورشاقة .
" نعم , قطعت شارلوت المسافة بين الشاطىء واليخت سباحة , ولم يكن ممكنا أن تبقى في ثياب مبتلة".
قفزت شارلوت قائلة :
" يجب أن أذهب الآن , لقد جئت لأودعك , وأشكرك على أنك لم تقل عن الجزيرة".
" أية جزيرة؟".
قالت تارا متسائلة
" عندما ألتقيت بشارلوت كانت تعتدي على ملكية خاصة مهجورة ".
ذكّرته شارلوت قائلة :
" وأنت أيضا".
تجاهل كلماتها وبادرها متسائلا :
"أين ملابسك لأعيدك ألى المنزل؟".
" لا تقلق سأعود بالطريقة التي أتيت بها".
ضحكت تارا وتبعتها ألى غرفة النوم , وهناك بادرتها قائلة :
" هل تخيفك الآن أمكانية وحدك مع ليام بعدما قلته لك عنه؟ لا تقلقي فأنت في مأمن معه , ليام قد يكون فاسقا ولكن لديه القدرة على التمييز وبرغم أنك جذابة جدا لكنني لا أظن أنك بلغت مجاله بعد".
تساءلت ما سيكون رد فعل تارا لو قالت لها : ( أنه لا يملك قدرة على التمييز كما تظنين , عانقني وعانق أختي أيضا) , ولكن ربما يكون العناق أمرا في بساطة الأبتسامة بالنسبة ألى قوم مثل هؤلاء , أنغمسوا في الملذات ".
بعد أن أنتهت شارلوت من أرتداء ثيابها قالت :
" شكرا لك على الشاي , أرجوك لا تزعجي نفسك بمصاحبتي ألى اليخت وداعا ".
أفسحت لها تارا الطريق قائلة :
" وداعا يا شارلوت".
وجدت ليام واقفا بجوار السلم المعلق ألى جانبي اليخت فقالت له :
" أنا لست في حاجة ألى من يوصلني , شكرا لك , وعلى العموم تركت ملابسي على الشاطىء , فوداعا وآمل أن تستمتعوا ببقية رحلتكم في البحر".
أبتسمت له أبتسامة مقتضبة ومرت أمامه لتهبط السلم , ولكن لضيقها وجدت الزورق راسيا بطريقة تحول دون غطسها في المياه من فوق السلم بل كان عليها أن تمر أولا بالزورق عند تأرجحه بعد أن تسلقته في عجلة , وجدت من يمسك بها من الخلف ويدفعها نحة المقعد الأمامي برغم مقاومتها .
لم تكن لتستسلم ألى هذه المعاملة , لو لم تلحظ جون ووالدته , وآخرين يرقبون رحيلها.
وعلى مقربة من الشاطىء قال ليام:
" والآن أذهبي وأجلبي ملابسك ولا تحاولي الفرار , فأنا أريد أن أتحدث معك يا شارلوت الصغيرة".
وفي تمرد أحضرت ثوبها ومنشفتها وألقت بهما ألى سطح الزورق ثم ألقت بنفسها من ورائها حتى جعلت الزورق يتأرجح أكثر من المرة السابقة , كان سيسرها أن ينقلب ولكن بدلا من ذلك أرتطم مرفقها به فأنفجر ليام ضاحكا . وعندما وصلا ألى نقطة بعيدة من طرف الأرض أوقف المحرك وسألها وفي نبرة صوته بقايا مرح وقد أستدار نحوها مادا ذراعه على ظهر المقعد .
" والآن , لماذا أنت غاضبة؟".
" أنا لا أحب أن يمسك بي أحد ..... وكأنني كيس من الفول!".
" أنا آسف , ولكن تلك كانت الطريقة الوحيدة أمامي لأيقافك , لكنك كنت غاضبة قبل ذلك".
" كلا , لم أكن غاضبة , أنا فقط لا أحب الأنتظار , أمنظرت قرابة نصف الساعة".
" أليس من الغريب أن تنتظري شخصا ما نصف ساعة , ثم أن تهرعي بالفرار لحظة ظهوره".
" حسنا , ظننت أنك أستأت لوجودي".
" ولماذا أكون مستاء!".
" لا أعرف , ولكن من المؤكد أن هذا ما بدا عليك".
" فوجئت , هذا كل ما في الأمر , كيف كان لقاؤك مع تارا؟".
" كانت ودودة جدا معي".
" هل ألتقيت بأي من الآخرين ؟".
" نعم , أعتقد أنهم بغيضون , خاصة جون بحذائه السخيف والعقد الذي يعلقه حول رقبته في حماقة ".
ضحك قائلا :
" لو كنت تعيشين في أنكلترا , لكان أخوتك قد زينوا أنفسهم مثله , أن هذا هو الأتجاه السائد".
" كلا من المستحيل ! فالعقود للفتيات وليست للرجال!".
" أوافقك , ولكن ذوقي عتيق".
مد يده ليلمس خصلة مبتلة من الشعر على كتفها وقال :
" عندما أنظر أليك أحس أنني عتيق من جميع النواحي ".
" أنت لست متقدما في السن , كم عمرك؟".
" عمري بالسنوات أثنتان وثلاثون سنة ,ولكن بمقدار ما بذلت من حياتي فأنا في حوالي الخمسين من عمري".
" لا تبدو في نظري مستهلكا , بل أن جسمك يبدو أكثر قوة من جون".
أحست فجأة أن غضبها تلاشى وعاودها ذلك الأحساس الذي أحسته عندما كانا يتبادلان الحديث وهما يتناولان غداءهما سويا .
" لماذا جئت ألى منزلنا ذلك اليوم أذا لم يكن هدفك أن تبلّغ والدي بأمر الجزيرة ؟".
لم يجبها على الفور , بل جلس يداعب شعرها في أسترخاء وقد أتجهت عيناه صوب المنطقة الخضراء النائية من الجزيرة.
" أعتقد للسبب نفسه الذي جئت من أجله ألى اليخت اليوم , فضول للتعرف على طريقة معيشة النصف الآخر".
" أنا لم أدخل من قبل يختا فخما , ولم أقابل أشخاصا متمدنين , ولكنني لا أرى سببا وراء فضولك للتعرف على حياتنا , فنحن مثل أية أسرة عادية ليس فينا ما يثير الأهتمام ".
" أي شيء غير معتاد مثير للأهتمام , وأنا لم أنتمي يوما ألى أسرة عادية".
" أتفكر حقا في الأقامة هنا ؟"
" ما الذي جعلك تفكرين في هذا؟".
" أنت , قلت هذا لأمي ".
" هل قلت هذا؟ ربما فقط لأجد موضوعا لحديث ".
" تارا تقول عنك أنك غني جدا , أين ستذهب في باقي الرحلة؟".
لم يجب على سؤالها بل تساءل :
" كيف وردت حالتي الأقتصادية في الحوار؟".
وحتى تحول دون سؤاله أياها عن سائر ما قالته تارا عنه , بادرته قائلة :
" كانت تتحدث عنك ..... أنها جميلة جدا , هل أنت...... هل هي عشيقتك ؟".
وقبل أن تنتهي من سؤالها , فزعت لتهورها , وأعدّت نفسها لصدمة قاضية تستحقها , ولكنه قال بثبات :
" نعم".
نظرت أليه لكنها لم تجد قسمات وجهه قد تجمدت , وظلّت عيناه الزرقاوان هادئتين دون فتور .
" أنا - آسفة - ما كان يجب أن أسأل ".
أعتدل في جلسته وأستدار نحو عجلة القيادة قائلا :
" الأمر ليس سرا".
وعندما أصبح الزورق مواجها لمرفأ منزلها , أمسك به ومد أليها يده الثانية , حتى تصل ألى الشاطىء .
" وداعا يا ليام".
في اليوم التالي رأت اليخت يتخطى هورتنسيا متجها صوب الشمال , وبينما هي ترقبه يختفي عن الأنظار أحست خليطا من الراحة والقلق , فمن ناحية كانت سعيدة بذهابه , ولكن في الأيام التالية بدا لها نمط الحياة الذي كانت راضية عنه من قبل مملا بشكل باعث اليأس : روتين لا نهاية له , لا يتبدل بين الأكل والنوم وملء الفراغ بشكل قد يستمر لسنوات قبل أن يحدث أمر لكسر هذه الرتابة .
وبرغم أن هذا الأحساس بالركود تلاشى تدريجيا , لكن ذكرى ليام لم تتلاشى , كانت تعلم أنه من الحماقة أن تعيش أحلام يقظة مع رجل لن تلقاه ثانية , ويكبرها بسنوات , ومع ذلك لم يكن بوسعها أن تتخلص من التأثير الذي تركه عليها , وبعد فترة نسيت تماما زيارتها لليخت وأصبحت لا تتذكر الآن سوى لقائهما الأول , ثم بدأت تتذكره ليس كما كان , ولكن كما يحلو لها أن يكون , وبدأت تخلق قصصا خيالية تقوم فيها هي وليام , الشاب البالغ من العمر عشرين عاما بمغامرات حول العالم.
مر شهران قبل أن تتمكن شارلوت من أن تتسلل مرة أخرى في أحدى رحلاتها السرية ألى جزيرة سوليفان.
وعندما وصلت ألى المنزل ,لم تصدق عينيها , كانت النباتات الفارهة قد جزت , والمنطقة كلها خالية من النباتات الأرضية , وفي الطرف البعيد من تلك الرقعة المفتوحة رأت عددا من الأشجار المقطوعة.
وقفت شارلوت فترة طويلة من الوقت متجمدة فاغرة فاها دهشة , ثم تقدمت نحو المنزل وهي مشدوهة , كانت هناك مفاجأة أخرى تنتظرها , فالباب الذي دبّ فيه العفن , والذي كان دائما مفتوحا بعد أن جمّد الصدأ مفاصله , أستبدل بباب آخر , باب آخر مغلق.
وبحذر دفته , فتحرك ألى الخلف على مفاصل جديدة لا تخرج صريرا , وظلت واقفة في مكانها لحظات تنصت , كان المنزل ساكنا كالعادة , دخلت ثم أغلقت الباب خلفها في هدوء.
كان أول ما لاحظت في البهو هو أختفاء الفروع والنباتات المتعرشة عن الدرج , وفي المطبخ أكتشفت وجود موقد صغير وأشياء أخرى تكفي أحتياجات فرد أو أثنين.
وفي الطابق العلوي , وجدت أن غرفتين من غرف النوم أغلقتا , وضعت عينيها على ثقب المفتاح ولكنها لم تر شيئا .
كان يبدو وكأن المنزل يقطنه شخصان على الأقل , من هما؟ وأين هما في هذه اللحظة؟وقبل أن تعود ألى الشاطىء بحثت في كل موقع في الجزيرة , لكنها لم تجد أي شيء آخر قد تغير ,كلا ,كيف تحتمل أن تعود ألى المنزل دون أن تجد أجابة لهذه الأسئلة ؟ أذا كانت تود أن تحل هذا الغموض , فعليها أن تنتظر مكانها , لترى بنفسها هؤلاء المتطفلين.
ظلّت قابعة على الشاطىء بعين يقظة طوال ساعتين , وفي الثالثة من بعد الظهر أحست عينيها تؤلمانها من كثرة النظر صوب المياه اللامعة , أغلقت عينيها أمام هذا الوهج , وأطلقا زفرة تحوّلت فيما بعد ألى تثاؤب , أن الجلوس ساكنة أمر متعب للغاية , وأذا لم تحذر قد تستسلم ألى النعاس.
أفاقت على شيء يمس نعل حذائها :
" كف عن هذا يا كيث ".
همهمت وهي ناعسة .
ثم أدركت فجأة أنها ليست راقدة على الشاطىء بجوار منزلهم , وأن من يمسها الآن ليس أخاها الصغير , ترنّح قلبها بعنف ثم فتحت عينيها :
" أتصور أنني قلت لك من قبل ألا تجيئي ألى هنا وحدك".
جاء صوت ليام هاملتون صارما .
" ليام !".
طرفت عيناها وهي تنظر ألى وجهه المنحني الداكن - ذلك الوجه الذي توقعت ألا تراه ثانيةة - وأجتاحتها موجة من الأرتياح والغبطة.
ليام سيساعدها , ليام سيعرف ماذا يجب أن تفعل .... كيف تتخلص من هؤلاء المتطفلين على حريتها .
" أوه , ليام , لقد عدت! أنت الشخص الذي أحتاج أليه , حدث شيء مروع , ستساعدني , أليس كذلك؟ يجب أن تساعدني !".
" بالقطع سأفعل! أذا أستطعت , ما هي المشكلة ؟ ما هي أعمالك الشيطانية ؟ ماذا تدبرين أنت وفلافيا هذه المرة؟".
" لا شيء - لم نفعل شيئا , ليست المشكلة من هذا النوع , أوه , ليام , أنا سعيدة لرؤيتك , متى وصلت ؟ هل غيّرت رأيك ؟ هل ستقيم هنا في النهاية ؟ هل أنت وحدك ؟ أم أن الآخرين معك أيضا؟ أين.........".
" لو أعطيتني نصف فرصة , لقلت لك كل شيء , أنا سعيد لأنك سررت لرؤيتي , تصورت أن أحدا لن يحتفي بي بهذا الشكل ".
" ماذا جعلك تتصور هذا ؟ فما من أحد جدير بالأحتفاء مثلك , أنه سحر ..... معجزة ...... أنه شيء رائع!".
وحتى تريه ما تعنيه عودته بالنسبة أليها ألقت بذراعيها حول عنقه وأحتضنته .
ضحك وبادلها العناق , للحظات أحست بسعادة لا توصف و ثم بلطف نحاها جانبا وفي تلك اللحظة خبت لهفتها , وأدركت أنه ليس حليفا تثق به , أفتقدته منذ زمن طويل - أو هكذا تصورت لحظة أستيقاظها ..... بل أنه رجل لم تقع عليه عيناها منذ شهرين .
" أنا آسفة .......كنت نصف نائمة ...... أنا لم أقصد......".
همهمت في خجل وهي تقفز لتبتعد عنه .
" لا داعي للأعتذار فأنا أحب الأستقبال الحار , والآن , قولي لي ما الأمر ؟ ما هي تلك المأساة البشعة يا صغيرتي شارلوت ؟".
" ليس الأمر مزاحا , أنه أمر خطير للغاية , تعال لترى بنفسك ".
وعندما بلغا مشارف الأرض المنشرحة , أستدارت نحوه , وهي تتوقع أن تراه مدهوشا كما كانت هي منذ قليل .
ولكن ليام قال في هدوء :
" يا له من تغيير مما كان عليه المكان منذ المرة الأخيرة التي كنا فيها سويا ".
" أنت لا تفهم , لم أفعل أنا كل هذا , فأنا لم أحضر منذ ذلك اليوم , لقد فعل ذلك شخص ما , شخص ما يعيش هنا الآن ".
" شخص ما ! ألا تعرفين من؟".
" لم أرهما بعد , أعتقد أنهما أثنان ".
" لا تقولي هما يا شارلوت - بل أنا فقط الذي أعيش هنا , تصورت أنك خمنت ذلك , فأنا أقيم هنا منذ شهرين وأنوي أن أقيم هنا دائما ".
حملقت فيه غير مصدقة , وأخيرا أستعادت نفسها بالقدر الكافي لتقول في وهن :
" لا يمكنك ذلك ... لا يمكنك ذلك !".
" لماذا؟ أوه ! بسبب الأرواح ؟ لم تشكل لي أية مشكلة , وأذا لم تعترض على بقائي هنا لا أتصور أن أحدا آخر سيفعل ذلك".
أخذت نفسا عميقا ثم أنفجرت قائلة :
" أنا أعترض , لا يمكنك أن تستحوذ عليها , فهذه جزيرتي أنا , سأبتاعها , لقد قلت لك ذلك , أن جزيرة سوليفان هي جزيرتي ".
" كان هذا أملا كاذبا يا شارلوت , أنا أعرف كيف تشعرين بالنسبة ألى هذا المكان , ولكن يجب أن تدركي أنه ليس بوسعك أن تبتاعيه , يمكنني أن أفهم غضبك عندما ظننت أن أغرابا نزحوا ألى الجزيرة , ولكن أنا لن أمنعك من المجيء ".
" أطلاقا , أنا لن أحضر ألى هنا ثانية , أنت ستغيرها ........ ستفسدها , أنا أحبها كما هي".
" ليس هذا هو ما قلته المرة الماضية , كانت لك خطط عظيمة بالنسبة ألى هذه الجزيرة".
" ما كان يجب أن أكشف لك عن خططي , فولا ذلك ما فكرت في أن تعيش هنا".
" كلا , ربما ما كنت سأفكر في ذلك , ولكن ما فائدة خطط لا يمكنك تحقيقها يا شارلوت؟ عندما تفكرين في الأمر , ستكتشفين أنك لم تخسري شيئا ".
" من أين لك أن تعلم أنني لن أنجح في تنفيذ خططي؟".
راودتها فكرة جعلتها ترفع ذقنها في تحد قائلة :
" لا تكن واثقا من أن بوسعك أن تحقق فكرتك , فليس من حقك أن تضع يدك على الجزيرة , هكذا , يجب أن تشتريها , وربما لن يوافق مالكها على بيعها لك ".
ألقى عليها بنظرة جعلتها تعتقد للحظة أنها لم تفقد كل الأمل بعد , ثم قال بهدوء :
" أنا بالفعل أملك سند ملكية الجزيرة , أذا كنت تشكين في هذا , تعالي لأريك أياه".
" أوه!".
أطلقت شارلوت صرخة لا أرادية .
ثم أستدارت وركضت , ولكنه هذه المرة لم يتعقبها , وعندما وصلت ألى الشاطىء ألقت بنفسها في البحيرة.

شاطىء العناق - آن ويل - روايات عبير  منقولة من منتديات ليلاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن