الفصل الرابع

4.7K 88 5
                                    

4- أيام كنت غرّا طائشا تعوزني البراعة في الحكم .
شكسبير - أنطونيو وكليوباترا
وقعت شارلوت في أضطراب عاطفي كبير منذ عاد ليام ألى الجزيرة , ولم يكن هناك من تبوح له بحزنها , وكان عليها أن تحتمله وحدها , ولم يكن بوسها أن تحتمل سخرية فلافيا بينما تحتوي شعورها الأليم بالضياع.
لم يكن بعودته قد حرمها فقط من الجزيرة , بل شوّه الصورة التي رسمتها عنه بعد أن أستولى على مكان لا يبعد غير أميال قليلة عن الشاطىء وكان يخصها بكل سند خلقي.
لم تكن لتزور الجزيرة للمرة الثالية عادة قبل أن تمضي عدة أسابيع , غير أن أباها , بعد عودتها السريعة المفاجئة من الجزيرة بعشرة أيام , أشار وهو يتناول طعام العشاء قائلا :
" يمكنك أن تأخذي القارب غدا يا شارلوت أذا أردت ذلك ".
وسألته :
" حقا؟ حسنا".
كانت قبل ذلك بوقت غير بعيد تشعر بالبهجة أذا ما سنحت مثل تلك الفرصة.... ولكن هذا العرض الآن زاد من شعورها بالأحباط أذ كانت قد صممت على ألا تطأ قدمها أرض الجزيرة ثانية طالما هو هناك.
غير أن الأمر أختلف الآن بعد أن واتتها الفرصة وداخلها فيما بين العشاء والأفطار شعور بأمكان الرجوع عن مشروعها .
وأستسلمت في النهاية لشعور قوي يغريها بأن تذهب لتستطلع نوايا ليام , فهي لا تريد أن تراه بل تريد أن تعرف ما ينوي أن يفعله بجزيرتها.
وأحست بالألم عندما فكرت أنها ستضطر أن تدخل الجزيرة عن طريق القناة التي لم يجرؤ أحد سواها على أن يجتازها لسنوات طويلة , وتذكرت كيف أقتربت بعصبية من الشاطىء في أول مرة وكيف صارعت ضد الشجيرات الصغيرة .
وعندما بلغت المنزل لم تجد أي تغييرات واضحة منذ آخر مرة كانت هناك , ولكنها عندما أقتربت من الباب الأمامي وجدته هذه المرة مفتوحا على مصراعيه , وسمعت صوت منشار ..... ووقفت في الردهة تحاول أن تتعرف على مصدر الصوت , بينما أنطلق قط في مقتبل نموه من غرفة الجلوس يشمشم حولها ويحك جسمه في ساقيها البنيتين العاريتين .......
وأنحنت لتداعب القط قائلة :
" بسبس.........".
كان القط نحيلا للغاية ولم تكن فروته في حالة طيبة ,وبدا كأنه حيوان ضال يعاني من نقص التغذية , لكنه لم يكن عصبيا أو نافرا , وربتت عليه بيدها فأنس لها في أطمئنان وتقدير .
وتوقف صوت المنشار وسمعت وقع أقدام وظهر ليام في أعلى السلم فتوقف لحظة وأرتفع حاجباه , ثم هبط ألى الردهة قائلا :
" أهلا وسهلا....... كيف حالك؟".
وأحمر وجهها , وقالت في شيء من الحذر :
" صباح الخير".
" ما كنت أتوقع أن أراك قبل أسبوع أو أسبوعين .... وظننت أنك لن تستطعي الحضور ألا مرة في الشهر ".
وعلّقت في شيء من القسوة :
" أعتقد أنك لم تكن تنتظر أن تراني بالمرة :
" هل ذلك لأنك كنت مضطربة في المرة الماضية ؟ كان ذلك أمرا طبيعيا , وكنت أعرف أنك ستهدأين وتقتنعين عندما تجدين الوقت لتستعرضي الأمر من جديد ".
زقبل أن تفتح فمها لتدحض هذا الكلام أضاف :
" كنت على وشك النزول لأخذ كأسا من الشراب , ماذا تشربين ؟ كوكاكولا أم قهوة؟".
" لا أريد شيئا , شكرا ".
" لا ! حسنا! لنذهب معا ألى المطبخ ونرى - هيا يا أوليفر !".
وأشار ألى القط الذي جرى أمامهما على الفور أتجاه المطبخ .
وقال ليام وهو يفتح علبة الشراب :
" من حسن الحظ أنك جئت اليوم أذ كنت بالأمس في المدينة وتركت لك ملاحظة على الباب ".
ونظرت شارلوت ألى أوليفر , وقالت :
" من أين حصلت على هذا القط؟".
" ألتصق بي أول مر ذهبت فيها ألى المدينة وكان من الواضح أنه ليس ملكا لأحد وقد أحضرته ليؤنسني وسمّيته أوليفر لأنه كان هزيلا أعجف , ولكنه الآن أفضل حالا , أما زلت مصرّة على ألا تشربي شيئا؟".
" لا....... شكرا!".
" أذن فلنخرج ألى الهواء الطلق .... وهناك بعض الكراسي المريحة في فناء البيت".
ولاحظت شارلوت أنه قام بأخلاء مساحة كبيرة من الشجيرات والأعشاب التي كانت تنمو وراء المنزل منذ زيارتها السابقة , وكان هناك كرسيان من الألومنيوم , ومنضدة تحت شجرة من أشجار الياسمين الهندي العطرة , وسألته شارلوت بعد أن جلسا :
" هل يعرف أهل القرية أنك تعيش هنا؟ وهل أستخدمت أحدهم في أصلاح المنزل".
ووضع كأسه على المنضدة , وهز رأسه قائلا :
" أنني أعتمد على نفسي في الوقت الحاضر وعندما يصبح المكان جاهزا للسكن أحتاج ألى طاه وبستاني , ولكنني أفضل الأعتماد على نفسي في هذه المرحلة ".
وأبتسم ثم أستطرد يقول :
" هل تظنين أنني لا أستطيع العيش بدون خدم ؟ أن أعداد الطعام أم تنظيم المسكن من الأمور التي لا تحتاج ألى مهارة كبيرة".
" تستطيع أن تحتمل لأسابيع قليلة , ولكن الأمر سوف يحتاج ألى شهور لتنجز كل شيء بنفسك".
" أقدر أنه يحتاج ألى حوالي ستة شهور شرط أن يتم تركيب المولد الكهربائي في وقت قريب".
" ولكن حتى لو توفرت الكهرباء , لا تستطيع أن تعيش هنا وحدك لعدة شهور".
" أنك لا تقدرينني حق قدري يا عزيزتي , فمن المعروف عني أنني أتم قراءة كتاب بين حين وآخر , ولا تظنين أنني محروم من المصادر ".
" أنك لم تتعود هذا اللون من الحياة ...... وبرغم أننا أعتدناه فأننا نشعر بالضيق في بعض الأحيان".
وعلق ساخرا :
" أنك شابة وطبيعي أن تشعري بالقلق , أما أنا فقد أستمتعت بالحياة وذقت ألوانا عديدة منها".
وقالت في قسوة :
" أعتقد أن بك جنونا , أنني أعرف تماما ما سوف يحدث , سوف تدخل تعديلات على المنزل وسوف تسيء أليه حتى تضيق به وتبيعه , وعند ذاك سوف ترحل وتبدد المال".
وضحك وقال :
" لا أظن أنني سأعاني من الضيق طالما أنك قريبة مني يا شارلوت".
وحدّقت في دهشة قائلة :
" ولكنني لن أكون قريبة منك....".
" جئت اليوم ".منتديات ليلاس

شاطىء العناق - آن ويل - روايات عبير  منقولة من منتديات ليلاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن