(٤)
في اليوم الأول من عيد الفطر ، في ذلك الزقاق القديم من أحياء كربلاء، وعلى قرابة مسافةٍ قليلة لاح ظل سيارة محملة بجسد لف بعلم العراق، والورود زينت نعشه الطاهر.
اصطف كثيرٌ من الناس حول تلك السيارة، واختلفت أحوالهم بين باكِ وبين صارخ وبين معزي، وبين من يهنئ ويغبطهم على هذا الشرف والمنزلة العالية التي اختصهم الله بها اذ اوسمهم بوسام " عائلة شهيد "
كان حال أم علي يفجعُ القلب ويحطم الفؤاد
إذ إنها كانت ترمي الحلوى العراقية " الجكليت " وتزغرد بأعلى صوتها وتذرف دموعها كعادة إعتادتها أمهاتُ الشهداء.
أما والده كان صلباً ولم يرى له دمعةٌ واحدة ووقف يستقبل جسد عزيز قلبه من أعلى السيارة.
أما سجاد، ذاك الجامد كما كان يسميه البعض،
كان يصرخ بصوت عالِ ويحاول أن يخرج الجسد من كفنه وكأن يصرخ ب" أنا أسف أرجوك عد إلينا يا علي " ولكن هيهات فالروح قد حلقت بعيداً عن ذاك الجسد الطاهر.
زهراء التي كانت تقف داخل منزلها وحيدة في غرفة علي تحتضن ثيابه وتتذكر أيامها وطفولتها وكل لحظة مرت لها مع عزيز قلبها " علي "
وفاطمة الشجاعة التي وقفت بصلابة تستقبل النساء المعزيات في منزل علي وتساعد النساء في العمل، فهي قد أخذت مبتغاها منه واتفقت معه على موعد اللقاء في جنان الله.
من بين كل تلك الجموع هتف أحد الشباب اللذين قدموا مع الجنازة، وكان يرتدي زي المقاتلين، زي الحشد الشعبي.
تقدم وهو يقول:
قبل كل شيء يا عم أريد أن أخبركَ بإن لدي لكم من علي هدية أوصاني بأن أوصلها لكم، وهي أمانة لدي فتفضل وخذها.
قالها مهدي وهو يخرج صندقاً صغيراً سلمه لوالد علي
اجتمعت عائلة علي وحشدٌ من الناس حول والد علي الذي فتح الصندوق وأخرج خمسة رسائل عنونها علي بالأسماء،
واحدةٌ لأمه وواحدةٌ لوالده وواحدةٌ لأخته وواحدةٌ لأخوه والاخيرة لكل شخص مستمع.
بدأ مهدي بقراءة الرسائل بصوت عالي
بطلب من والد علي كي تصل وصية علي للكل وتكون درساً ومنهجاً للشباب والأباء والعوائل.
من علي، إلى من وصفت بالجنة، لكِ ياِ أمي
حبيبتي وجنتي هذا أنا ولدكِ وعزيز قلبكِ علي،
أخط لكِ هذه الرسالة لأخبركِ بأنني الأن بأحسنِ حال وأفضل ما يمكن أن يکون عليه أحد ، أنا الآن في ظل حب الله حيث اختارني لأڪون مجاهداً.
جنتي، لم ادعوكِ يوماً بغير هذا الإسم فأنتِ مذ فتحت عيني على هذا العالم کنتِ لي الظل الحنون الذي استظل به، أرشدتني لحب الله واطعمتني حب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وارضعتني حب علي ( عليه السلام ) وجعلتني منتظراً لصاحب الزمان.
وها انا اليوم اثبت عهدي مع صاحب الامر حينما أخط بدمي ڪلمة النصرة له.
جنتي أنا اليوم سائر إلى مکان بعيد وسفر طويل سابتعد عنكِ جسداً لا روحاً فالشهداء مخلدون لا يموتون.
سيطول الفراق لکنني أعدك بأنه لن يدوم بل سنلتقي بأذن الله هناك عند الصراط حينما تاخذ الزهراء (سلام الله عليها) بيد شيعتها إلى الجنة وإلى ذلك اليوم انتظري لقائنا
ولاتحزني لبعدي عنكِ، لا تشقي جيباً ولاتلطمي خداً واذا ما شعرت بأنك بحاجه للبكاء ،فأبکي يا أمي لابأس ولکن ليس علي أنا، أبكِ على مصاب ابا عبدالله على عزيز أمه الزهراء وعلى مصاب زينب...
والآن أستطيع القول لكِ إلى اللقاء ياجنتي، وموعدنا في الجنان.
ضج الملأ ببكاءٍ مرير بينما مسحت أم علي دموعها ووقفت شامخة صابرة محتسبة كما طلب منها علي.
طلب والد علي من مهدي أن يستمر بقراءة الرسائل حتى يستفيد الناس الحاضرين من العبرة الموجودة فيها وهذه المرة بدأ مهدي بقراءة رسالته لوالده.
_ إلى ذلك الشخص الذي كان قدوتي في حياتي،
إلى الشخص الذي رباني وكان سندي وصديقي في آنٍ واحد ، إلى عزيز قلبي أبي : أتذكرُ يا والدي عندما كنتَ تروي لي مقتل واستشهاد علي الأكبر إبن الإمام الحسين (عليهما السلام) وكيف وقف إلى آخر لحظة مع والده وإمام زمانه الحسين ( عليه السلام )،
فضحى بدمه من أجل أن يبقى دين محمد، وحينما سأله الإمام الحسين عن موقفه سأل أباه قائلا:أبتِ ألسنا على الحق؟ وفوراً أجابه أبوه الإمام بلى نحن والله على الحق. فقال علي الأكبر: إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا !! فالمسألة عنده ليست مسألة أبيه وإنما هي قضية الحق، وفي سبيل الحق يهون تحمل الآلام واستقبال الموت.
كنت تقول دائماً لي بأنك تريد مني أن أكون
كعلي الأكبر، وأن أثبت على عقيدتي في هذا الزمان، وأن لا أنحرف في هذه الحياة عن طريق الصواب.
وها أنا الآن يا أبي أنفذ وصيتك إذ إنني اليوم سأضحي بدمي " لأني أؤمن بأننا على حق"
أبتي أعلم بأنك قوي لذا كُن سند لوالدتي ولزهراء في هذه المصيبة ولا تجعل الاعداء تتشمت بنا، بل إرفع رأسك دائماً وقل أنا من ربى مجاهداً في بيته وزففته شهيدا.
أغلق مهدي الرسالة ليتوجه للرسالة الأخرى وقد لاحظ عليها إسم سجاد، انتفض سجاد واقفاً ودموعه تجري بلا توقف
، سحب الرسالة من يد مهدي وبدأ يقرأها وحده وقد لاحظ الجميع تغير حال سجاد وبان الهدوء على وجهه
ما هي إلا دقائق حتى إنتهى من تلك الرسالة وتبدل حاله
بعد أن ابتسم ابتسامة جعلت الجميع يستغرب موقفه!
أعطى سجاد الرسالة لمهدي وعاد لداخل المنزل
بينما طلب والد علي من مهدي ان يقرأ رسالة علي الثالثة.
أنت تقرأ
الجندي العاشق (مُكتملة)
Short Storyهتافاتٌ هنا وهناك، أكتافٌ تحملُ نعشاً، شهيدٌ بعمر الزهور محمولاً على الأكتاف، يلقى ربه بدمه! قصة بطل ولد ليكون مضرباً للمثل في الشجاعة والبسالة، إتخذ من أبي الفضل العباس قدوةً له، لا يهاب شيء سوى الله، هذا هو شهيدنا ،الجندي العاشق.