المقدمة

23.2K 401 15
                                    

يقف أمامها صامتًا، لا كلمات تسعفه، لم يستطع الاقتراب منها. لا يعرف ماذا يقول أو ماذا يفعل، وهي صامتة لم تنطق بحرف. عرفت وكان عليه أن يتوقع ذلك، لكنّها حتى اللحظة لم توجه له كلمة. كانت تنظر إليه فقط، وجهها شاحب فقد ألوان الحياة، وعيناها، حبيبتاه، كانتا تنظران إليه كأنهما لا تريانه، نورهما الذي يعشقه انطفأ. أراد أن يصرخ بها أن تتكلم، أن تصرخ به، تلومه، تقتله... تفعل أي شيء، لكن لا تقف هكذا تواجهه بنظراتها الميتة التي تصرخ به، أنت قاتل.

أرغم قدميه على خطوة تقربه منها فأوقفت تقدمه بكلمة واحدة

«لماذا؟»

نظر لها بأسى وشفتاه ترتجفان بإجابة يعرف أنها ستمعن في ذبحها، إجابة كانت تعرفها جيدًا لكنّها أرادت سماعها منه فصرخت وكل مشاعرها المتبلدة تنفجر

«لماذا؟»

أغمض عينيه دون رد فاندفعت بحرقة تشد قميصه بقبضتيها

«لماذا فعلت هذا بي؟ كيف فعلتها؟ كيف؟»

هزته بقوة وصرخاتها الملتاعة ترافقها دموعها التي تفجرت بلا وعي

«كيف طاوعتك نفسك أن تفعل هذا بي؟ لقد قتلتني»

رفع كفيه يحتضن قبضتيها هاتفًا برجاء

«اهدأي حبيبتي، دعيني أشرح لكِ»

رمقته من بين دموعها بعذاب

«تشرح لي؟ ما الذي ستشرحه؟ خيانتك؟»

«أنا لم أخنكِ، لم أفعل»

هتفها بألم يوازى ألمها الذي استشرى في روحه لترد بعينين اتسعتا ألمًا وجنونًا وهي تعاود هزه بقوة

«لم تفعل؟ ماذا تسمي ما فعلته؟ لقد منحت حقي فيك لأخرى. أخرى منحتها نفسك وجزءًا منك كان حقي أنا، إذا لم تكن هذه خيانة فماذا تكون؟»

انتزع قبضتيها عنه صائحًا

«لم أخنكِ، لقد تزوجتها»

«سرًا، أنت تزوجتها سرًا. أخفيت الأمر عني، لم تملك الجرأة لتخبرني، كنت تعرف أنك تخونني. كيف طاوعك قلبك؟ لماذا؟»

انهيارها قضى على تماسكه فصرخ وهو يمسك بكتفيها يشدها إليه بقوة

«كان يجب أن أفعل، كان يجب أن أحصل على طفل، كان يجب أن أصبح أبًا»

وها قد قالها ليرى بعينيه أثرها، وجهها يشحب وعيناها مذبوحتان ترمقانه بألم رهيب، يرى من خلفهما روحها تنتفض في نزعها الأخير. خيطان من الدموع انسابا على خديها يوازيان الشريان الذي يسيل عميقًا داخل روحها المذبوحة.

شدها بقوة يخفيها في صدره وسمعها تردد بأنين

«كان يجب أن تصبح أبًا؟»

يعلو صوتها قليلًا وهي تهتف في أحضانه

«كان يجب أن تصبح أبًا؟ وأنا أيضًا كان من حقي أن أصبح أمًا. كان من حقي لكن قدري حرمني هذا الحق»

زاد من ضمها إليه ودموعه تقضي على حاجز تماسكه بينما صوتها المكتوم يتردد وصراخها يمزق صدره المكلوم

«كان من حقك أن تصبح أبًا؟ لماذا إذن أوهمتني أنك تكتفي بي أنا من هذه الدنيا؟ لماذا أخبرتني أنني وحدي الأهم ولا شيء آخر؟ أنت أخبرتني دائمًا أنك لا تريد سواي، فلماذا؟ لماذا حين وثقت بكلماتك طعنتني؟ لماذا أوهمتنى الكمال في حين أنك ترى بي نقصًا؟ لماذا ذبحتني هكذا؟»

«كفى حبيبتي أرجوكِ، لا تفعلي هذا بي. أقسم لكِ أنها لا شيء، لا شيء أبدًا. أنتِ فقط حبيبتى، لا أحد غيركِ. أرجوكِ صدقيني»

يتوسلها؟ بعد ماذا؟ بعد أن غرس سكينه في روحها وراقبها تنزف حتى الموت، بعد أن طعن أنوثتها، وحبها، وثقتها؟ بعد ماذا يتوسلها؟ّ

تشبثت به رغم جرحها منه تختبأ في صدره من ظلمه وخيانته، تشكوه إليه، تلومه وتلفظ روحها بين يديه. مغمضة العينين، همساتها الباكية تنساب مذبوحة في أذنيه.

«أنت حطمت قلبي، أنت قتلتني. أرجوك أخبرني أن كل هذا كذب، قل أنه حلم وسأستيقظ منه... أرجوك»

همس فى أذنها ودموعه تشاركها أنّاتها

«أعدكِ أن كل شيء سيكون بخير، ثقي بي»

تثق به؟ أيسألها ثقتها بعد ما فعل؟ انسابت دموعها بصمت وهي تضمه إليها مرة أخيرة، تعرف أن بعدها وداعًا أبديًا وروحها تهمس بيقين لم يتجاوز شفتيها

«لا، لا شيء سيكون بخير أبدًا. انتهى كل شيء، لقد انتهينا»

تدفن نفسها بداخله أكثر في وداع رافقته همسته التي ترددت بحرقة

«أنا أحبكِ، سامحينى»

*****************

لو أنها تغفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن