الفصل الثاني

15.9K 339 12
                                    

شجن

نهضت بوقتٍ متأخر في اليوم التالي بعد أن سهرت وقضت ساعات الليل في البكاء لتصحو وقد تورمت عيناها وأحاطتهما هالات سوداء. تحركت بتثاقل لتنهض، من الجيد أن اليوم عطلتها فهي لا تكاد تشعر بنفسها قادرة على الحركة. ليتها تستطيع محو هذا الألم الذي يقتلها بشدة منذ رحل وتركها، الألم الذي أوهمت نفسها أنها تناسته حين تركت بيتهما قبل أكثر من شهرين شاعرة أنّها تركت نفسها خلفها، هناك بين ذراعيه بعد أن ودعها الليلة السابقة.

عضت شفتها بقوة، تتذكر ليلتهما الأخيرة وسالت دموعها وهي تعود إلى تلك اللحظة التي واجهته فيها بالحقيقة واعترف هو ثم ضمها في انهيارها ذاك يتوسلها أن تسامحه، تتذكر كيف دفعته بعد أن تمالكت نفسها وصرخت فيه أن يبتعد، واندفعت إلى غرفتهما لتنهار على نفسها باكية تلعق جروحها بمفردها بعيدًا عن جلادها الذي لم يمنحها الفرصة، ولحق بها يعانقها كما فعل بالأمس. ضمها بقوة وبتملك رافضًا أن تطرده أو تبتعد عنه كما أرادت.

دموعهما امتزجت وهو يخبرها مع كل لمسة وقبلة أنه يحبها هي فقط، أنه لم ينظر لغيرها ولم يخنها، لم يشعر بامرأة غيرها ولم يرد سواها وفقدت هي نفسها لمرة أخيرة بين ذراعيه.

أرادت أن تنسى، ربما أرادت أن تودعه لمرة أخيرة قبل أن ترحل عنه وتحرم نفسها من دفئه للأبد. تلك الليلة كانت مختلفة، شعرت أنه هو أيضًا يودعها، يمنحها نفسه كما لم يفعل من قبل، حتى توسلتها روحها ألا تتركه وتتعذب بعيدًا عنه. لا، لم تكن المرة الأولى التي تشعر فيها أنه يريد أن يضيع معها وفيها ويضيعها معه. هناك تلك الليلة قبل أشهر حين أخبرها أنه سيسافر لأسبوع من أجل العمل، لكنها فوجئت بعودته في نفس اليوم بوقت متأخر من الليل. كان مهمومًا بشدة، شاحب الوجه وثيابه مشعثة وشعره، كأنه لم يرتح لحظة واحدة منذ غادرها صباحًا. اندفعت وقتها إليه متخلية عن مفاجأتها وقبل أن تسأله بقلق عما به وعن سبب عودته من سفره كان يكتسحها بعناق أضاع منها كل كلمة وتفكير.

غمرت الدموع خديها وهي تتذكر كلماته ليلتها، لم تفهم ماذا يحدث له، شعرت أنه يعتذر بحبه عن أمرٍ لم يكن بيده. كذبت نفسها أنها شعرت بدموع اعتذاره وندمه تلامس بشرتها، لكنها أحست به وهو مستيقظ طوال الليل يلامس شعرها ويقبلها معتذرًا. لم تفهم ولم تجرؤ على سؤاله كأنما كانت تخشى، هل كان قلبها يشعر أن ما سيقوله سيطعنها حتمًا وسيقتلها؟

رفعت وجهها تنظر لانعكاسها بالمرآة، بشعرها المشعث وعينيها المنتفختين وابتسمت بمرارة وهي ترفع كفيها تلامس بطنها وبكت أكثر وهي تتذكر كلماته أمس. تحبه، هي تحبه بجنون ولم تنسه ولا تعتقد أنها ستفعل يومًا، لكنه ذبحها بفعلته. لا تستطيع أن تغفر له، لو أنها فقط تستطيع تجاوز الحاجز الذي وضعه بينهما، لو أنها فقط تنسى ذلك الجرح البشع... فقط لو أنها تغفر.

تمالكت نفسها ومسحت دموعها بقوة، لا يجب أن تضعف، ماذا إن كانت قد رأته مجددًا؟ وماذا إن كانت شعرت بحضنه الدافئ من جديد؟ هذا لن يغير شيئًا، هو فقط جعلها متأكدة من شيء واحد. لن تبرأ منه مادامت تحيا معه تحت نفس السماء مهددَة بلقائه في كل لحظة. لقد اتخذت القرار الصحيح، لا عودة للوراء مرة أخرى.

لو أنها تغفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن