الفصل الثالث

13.6K 320 5
                                    

مطرٌ... عناقٌ... ووداع

تُقلب في الأوراق بشرود وعقلها لا يتوقف عن التفكير منذ غادرتها شجن، لم تعد تعرف كيف تفكر أو ماذا تفعل، لم يعد شيءٌ ثابتٌ في محيطها. كل ما كانت تعتقده انقلب رأسًا على عقب بعد اعترافات شجن. هي أيضًا تتخبط في حيرتها، لم تعد تعرف نفسها، ما زالت مجروحة منه، وما زالت تعشقه، ما زالت تريد الابتعاد عنه حتى تبرأ، حتى تغفر.

أعادت الأوراق مع جواز سفرها ونهضت تتجه نحو النافذة، أزالت الستار الرقيق تتطلع للمطر بشرود لبرهة، مالت برأسها تنظر للشارع لتشهق مع رؤيتها لخياله لواقف أسفل شجرة يتطلع ناحيتها. ماذا يفعل هذا المجنون؟ يقف في المطر الغزير وفي هذا الوقت المتأخر من الليل؟ هل يريد الموت؟

اندفعت تلتقط معطفها وتلف حجابها وتندفع بسرعة نحو باب الشقة ليصفعها الهواء البارد. غادرت بجسد مرتجف وقلب واجف لتقطع المسافة الفاصلة بينهما وتخطت الشارع الغارق بالماء وأغرقها المطر حتى وصلت إليه لتقف أمامه صارخة

«أنت مجنون؟ هل تريد الانتحار؟ إن كنت تريد الموت أخبرني لأقتلك بنفسي»

ارتجف كما ارتجفت شفتاه وضحك بمرارة

«قلتِ أنكِ ما عدتِ تهتمين لأمري يا سما، ما يهمكِ إن أنا مت أو»

اندفعت لتضرب صدره بقبضتيها صارخة وهي تبكي

«أيها الأحمق، تبًا لك أيها المجنون. هل تريد قتلي؟ لماذا تفعل بي هذا؟ لماذا عدت؟ كنت قد ارتحت، لماذا تصر على تعذيبي هكذا؟»

كانت تهزه بقبضتيها ودموعها تنهمر فمد يديه يمسك جانبيّ رأسها لتشهق وهي تشعرها باردتين كالثلج بينما همس بارتجاف والماء يتساقط من شعره على وجهه وشفتيه.

«لأنني أحبكِ. سامحيني لأنني أناني ولأنني أحبكِ بجنون»

ضربته بقوة أكبر وبحرقة

«أيها الوغد الأناني، لماذا أسامحك وأنت تفعل بي كل هذا؟ لن أسامحك أبدًا يـ»

«أحبكِ»

هتفها وهو يقترب ليُصمِتها بقبلته التي اختلطت بدموعها والمطر الذي انهمر فوقهما، أغمضت عينيها وتعلقت به في يأس، استسلمت لعناقه وهي تزداد بكاء على حبها وضعفها واشتياقها اليائس. لم تعرف كم مضى وهما غارقان هكذا متناسيين الزمان والمكان قبل أن تشعر به يترنح لتشهق مستوعبة ما حدث. هتفت برعب وهي تراه يزداد ارتجافًا

«مازن»

همس بارتجاف شديد

«أشعر ببرد شديد يا سما»

هتفت بحنق وهي تشده ليستند عليها

«هل رأيت ما فعلت بنفسك يا أحمق؟ تحرك معي»

استند عليها وغشاوة سميكة تحيط بعقله، تحرك معها مبتسمًا من بين الغيوم المحيطة به، حبيبته الغاضبة، حبيبته التي تنسى كل شيء أمام قلقها عليها.

لو أنها تغفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن