مطرٌ... عناقٌ... وجرح
لا يعرف كم مر من الوقت وهو يقف في الشارع المُظلم إلا من إنارات الأعمدة المتناثرة هنا وهناك، المطر ينهمر غزيرًا. رفع رأسه للسماء يستقبل رذاذ المطر الذي يصله رغم وقوفه أسفل شرفة تحميه نسبيًا، لكنَّ ملابسه أُغرِقت بالكامل. فرك كفيه ببعضهما ثم قربهما من شفتيه الباردتين ينفث فيهما علّه يحصل على بعض الدفء. البرد ينخر في جسده بعد كل تلك الساعات التي قضاها منتظرًا قدومها، لكن لا يهم يمكنه أن يقف منتظرًا للأبد إن كان سيحظى ولو بلمحة واحدة من طيفها الحبيب.
طيلة الأيام والليالي الماضية كان يحارب شوقه إليها، منذ غادره طيفها ذلك اليوم، منذ قررت أن كل شيء انتهى بينهما ورفضت بعدها أن يقترب من طريقها إنشًا واحدًا. وهل كان له أن يلومها بعد أن مزق قلبها وطعن أنوثتها وسرق أمانها بأنانيته؟ ما زال صدره يحمل عبق دفئها وأنفاسها قبل أن تفارق ذراعيه، قبل أن تصدر فرمانها الملكي فتطرده خارج أسوار مملكتها وتأمره أمرًا أن يصير شريدًا، مُحَرَمة ٌعليه جنتُها؛ فاضطر للابتعاد وقلبه يعلن عصيانه متوسلًا البقاء فى رحاب حبها. ابتعد يمنحها الفرصة عل الزمن يخفف عنها قسوة خيانته ويرفق به فيجعل مغفرتها أمرًا صعبَ المنالِ لا مستحيلًا.
مد كفه يستقبل قطرات المطر يلامس من خلالها وجه حبيبته، وابتسم بحنين وهو يتذكر يوم زفافهما. حبيبته المجنونة عاشقة المطر التي عاقبته على جنونه واختطافه لها من حفلهما، تذكر كيف جلست جواره تزم شفتيها غضبًا، ترفض الحديث معه قبل أن تأمره أن يوقف السيارة. رفض التوقف لتُوقف قلبه رعبًا وهي تهدده أن تقفز من السيارة مرفقةً تهديدها بفتح الباب. ضغطة على مكابح السيارة تلاها صدمة وهو يراها تخلع حذاءها وتفتح الباب، تقفز إلى الشارع الخالى، ليراقبها بذهول تقفز تحت المطر. لم يستطع تحويل ناظريه عن جنونها، كفاها ترفعان طرف فستانها الذي أغرقه الماء، تركل بقدميها برك المطر الصغيرة وهي تشير إليه ضاحكة. المجنونة أرعبته، كانت تشاكسه. ابتسم وهو يخلع حذاءه ويغادر سيارته لاحقًا بها، شاركها رقصها المجنون قبل أن يضمها إليه يعانقها تحت المطر الذي تعشقه، يخبره أنه لن يقبل فيها أي شريك. كانت له وحده وكان ملكها وحدها، فكيف طاوعه قلبه أن يفعل بها ما فعل؟
************
عاد ليفرك كفيه ببعضهما وهو يتحرك في مكانه وشعوره بالبرد يزداد. إن استمر بوقفته هذه فحتمًا سيُصاب بالمرض، إن حدث هذا فهو يستحق حتمًا. دار بعينيه في الشارع الخالي وهو يتساءل بقلق ينهش قلبه بقسوة، ما الذي أخرها هكذا؟ فقط لو لم تغير رقم هاتفها لتمنعه من الاتصال بها. ماذا يفعل الآن؟ كيف يُطمئن قلبه الذى يكاد يموت قلقا ولهفة عليها؟
يا الله كم اشتاق لها وكم تعذب الأيام الماضية وهو يبحث عن طيفها في كل مكان وفي كل امرأة تمر أمامه. عاد قلبه يصرخ فيه أنه يستحق لأنه خائن، هذه هي الحقيقة. ردد باعتراض لقد خانها بعقله وجسده، لكنّ روحه وقلبه كانا معلقين بها طيلة الوقت يصرخان فيه ألا يوقع بها وبهما هذا الظلم الكبير فهل استمع هو؟
أنت تقرأ
لو أنها تغفر
Romance_"كفى حبيبتي ... أرجوكِ ... لا تفعلي هذا بي ... أقسم لكِ أنها لا شيء ... لا شيء أبداً ... أنتِ فقط حبيبتى ... لا أحد غيرك ... أرجوكِ صدقينى" يتوسلها ؟؟! بعد ماذا ؟ بعد أن غرس سكينه في روحها و راقبها تنزف حتى الموت ... بعد أن طعن أنوثتها و حبها و ثق...