ما الحياة سوى مجموعة من الفرص؛ فرص قد تأتيك على طبق من ذهب فقط لكونك قد خلقت في هذا العالم محاطًا بما يؤهلك لذلك، وأخرى نادرة قد تحدث لمن هم مثلها؛ كفتاة في الحادي والعشرين من عمرها، بلا نسب معلوم وقد قضت سنوات عمرها السابقة في دار لرعاية الأيتام هي تعتبر نفسها من المحظوظات، ربما تلك مبالغة نوعًا ما ولكنه شعورها في بعض الأوقات، أو ربما هي فقط تمتلك من القناعة ما يكفي لتفعل؛ فعلى عكس أخواتها في الدار لقد كانت المفضلة لدى مديرته، مدللتها كما كانت تصفها قبل أن تلفظها جدرانه للطرقات وقد أتمت الثامنة عشر، الجميع خرج خالي الوفاض إلا منها؛ فبمبلغ معقول دسته السيدة فاطمة بيدها في آخر لقاء جمعهما، وترشيح للعمل في أحد مراكز التجميل كانت قد حصلت على فرصة؛ فرصة لم تمنح لغيرها بكل أسف ولكنها وبالطبع لم تكن تمتلك رفاهية الاعتراض أو المطالبة بالمساواة؛ فقد علمت بأقسى الطرق الممكنة أن رقة القلب في حالتها تلك ستكلفها الكثير... خاصة تلك الأفضلية التي إكتسبتها في قلب تلك المرأة الحنون، وهي وبكل تأكيد لم تكن لتجازف بدرعها الوحيد، خاصة وقد عانت الويلات ممن سبقها في إدارة شؤون الدار، الضرب والإهانة، الجوع، الألفاظ النابية والتحقير؛ وكأنها ورفاقها أدنى من أن يحصلون على معاملة آدمية كما باقي الخلق، لتأتي السيدة فاطمة بين ليلة وضحاها، وقد رق القدر لحالها أخيرًا،تمييزها لها عن الجميع.. ربما لهشاشتها الخارجية، وربما فقط ملامحها تذكرها بغالية راحلة ورغم عدم إفصاح الأخيرة.. إلا أن ذلك التوقع لازمها لسنوات، خاصة مع ترقرق الدموع بعينيها كلما التقتها بعيدًا عن النظرات الفضولية، إلا أن تخمينها ذاك بقى وحتى الآن مجرد إفتراض، لم تتعرف يومًا على والدتها البيولوچية ولكن السيدة فاطمة كانت الأقرب لذلك الوصف؛ ربما كلتاهما قد ألقتا بها في نهاية المطاف في غياهب النسيان، عالم مخيف حمل لها بين جنباته العديد من المفاجآت غير المرغوبة، ولكن الأخيرة على الأقل لم تكن تمتلك خيار بديل ربما امتلكته صاحبة الرحم الذي لفظها خارجه، لتنبذها صاحبته فيما بعد عن عالمها لكونها كما كانت تنعتها بعض مشرفات الدار ( لقيطة ) نبتة فاسدة كل ذنبها فساد بذرتها؛ مودعها ومتلقيها على السواء، تعترف اليوم وبعد ثلاثة أعوام قضتها أنيسة وحدتها بأنه لولا تلك المرأة رقيقة القلب التي احتوتها لكرهت نفسها أو ربما حاولت التخلص من تلك الأنفاس الملعونة التي أبقتها عنوة على قيد الحياة