لم تعطي المصحة النفسية دلائل كافية لتنقذ القضية, فلم يكن أمام الرجال سوى أكثر السيدات قربًا إليه, ألا وهى "جويرية".
-" ماذا تريد؟"
قالت "جويرية" ذلك فى صرامة, حين تم استدعاؤها من قبل المحامى "على", دون سابق معرفة لسبب استدعائها, طلبها في عجلة, ومن ثم قابلها رده المتهدج كالعادة أمام قوة شخصيتها:
-" أنتِ أقرب إنسانة إلى "مالك", نريدك أن تطلعينا عما يحب "مالك", أين يحب أن يتواجد, أخبرينا بما تعرفيه"
صمتت "جويرية" لبرهة, ارتخي جفناها فى راحة, تنفست الصعداء, ومن ثم ارتفعت بنظرها لتقول:
-" "مالك"؟ مممم.. "مالك" يكره النظارات الشمسية, يحب مشروب الليموناضة, يخشى قيادة السيارات, فهو دائمًا كان يجعلها تميل نحو اليسار, لا يمكنه تغيير تلك الجهة, دائمًا ما يلجأ إلى السير فى الأزقة حين يشعر بحال سئ أو خوف ما"
صمتت "جويرية" لبرهة, وكأنها تخبئ شيئًا ما فى خاطرها الضوضائى, فسرعان ما سألها "إبراهيم":
-" هل قابلته منذ أحد عشر عامًا إلى الآن؟"
نظرت "جويرية" ووجهت بصرها إلى "على" وقالت:
-"نعم, لكنني الآن, لا أعلم أين هو.."
-" شكرًا لكِ سيدتي"
التفت "إبراهيم" بعيدًا عن "على" إلى "رامز" قائلًا:
-" اجعلها تحت المراقبة!"
******
ارتدت "جويرية" معطفها, حين بلغت الساعة العاشرة مساءً, ومن ثم توجهت إلى شارعها المظلم, نحو منزل المحامى البسيط, صعدت رويدًا رويدًا على سلمه, وكان أحد رجال "إبراهيم" يقف فى أسفل المبنى, دقت دقًا خفيفًا على باب منزله, وفتح لها, فأخذ الرجل يقترب من الباب ليستمع إلى ما يحدث, بدأ "على" فى عزيمتها على مشروب, ومن ثم عرض عليها قائلًا مبتسمًا:
-" سأعد لكِ بعض الليموناضة, قد تحبينها إن كنتِ لم تجربينها"
همهمت وأومأت "جويرية" بالموافقة, ثم تطلعت أنظارها إلى البيئة المحيطة بها, منزله, جدرانه, الطاولة, ماذا هناك؟, هذا الكتيب مألوف!, أمسكت "جويرية" بالكتيب وفتحته فى اندفاع, وجدت العبارات التى سبقت وكتبتها لـ"مالك" حينما اعترف لها بحبه, ما هذا؟!, هل صحت شكوكها؟, حالما أتى "على" بالليموناضة ووجد الدموع تترنح على وجهها, وقالت فى صوت مرتعش:
-" مالك!"
صمتت قليلًا ثم قالت:
-" نعم إنك أنت "مالك"!, علمت أنك "مالك" منذ البداية, منذ جئت إلى المصحة, ولذلك أدخلتك"
تهدج صوت "على" قائلًا:
-" أنتِ كنتِ صاحبة الكتيب؟"
قالت فى اندفاع:
-" نعم نعم! بعض الأشياء تكون بين أيدينا, ولكننا نبحث عنها مع ذلك, لنكتشف أنها خلقت لتكون مخبأة فى قلوبنا دون الظهور, هكذا كنت معي, وأيقنت أننى سوف أجدك يومًا ما, مازالت الروح عند تلك المحطة التى تركتنى فيها, لو تدرى كم اشتقت إليك يا طفلى!"
اقتحم "إبراهيم" ورجاله المنزل, ما إن تعالى صوت "جويرية" الأمومي فى قلق وهي تلامس يد "على" في لهفة, وشكرها "إبراهيم" فى صرامة على أنها دلتهم على المجرم, تهدج صوتهما, وتفاجأ "على" بوجود "رامز" معهم, تقدم "إبراهيم" نحو "على" قائلًا:
-" تلك القضية كانت تحت يدي, ووكلتك لأنني شككت بك, منذ أن قال لى "رامز" عن كتيبك اللعين, قالت لنا "شيماء" أن "جويرية" لن تسمح لأحد بالدخول لغرفتها سوى "مالك", ألم ترى أن القضية أصبحت سهلة بقدومك الرائع؟ كنا نود التأكد من إدانتك, وكالعادة, فزت, خذوه من هنا"
صرخت "جويرية" وتهدج صوتها وسط بكائها, وسقطت على ركبتيها إثر صدمتها.
******
" بناءً على كل الأدلة قررت المحكمة حبس المتهم "مالك الريحاني" حبسًا مؤبدًا "
كان هذا الحكم, حاملًا للعديد من ردود الفعل, "جودي" التى تعالت قهقهاتها بنيلها الانتقام, "جميلة" التى اندفعت بنظراتها, وكأنها تقول له "أنا, والتى كنت أحادثك عن خوفي من حواف الأمور, وأنني أتكئ عليك لتكون ظهري, أكملت مهمتك الجنونية ودفعتني بكامل وعيك للهاوية " , لم يكن سوى "جويرية", التى اندفعت ممسكة بيدي "مالك" وتقول له:
-" كل شيء سيكون بخير, لا تقلق, لا تخف أنا بجانبك"
كان هذا اليوم هو عنوان ردود الفعل المضطربة...
******
بعد أسبوع من قرار المحكمة, دخل الحارس على "مالك" يخبره أن أحدهم قد آتى لزيارته, فما إن خرج ليلقى ذلك الشخص, حتى وجد "جويرية" والتى كان شعرها منسدلًا كما أحب, واضعة حليها العملية, تبتسم له فى حب ودفء, ومن ثم ترحب به, سألت عنه كثيرًا, حتى قاطعها صوته قائلًا:
-" ما بالك تثقين فى أنني سأكون بخير؟"
لم تنبس بكلمة, حتى قال لها:
-" كيف تحبينني وأنا مخطئ؟"
ابتسمت "جويرية" فى ثقة, ثم قالت له:
-" أنت إنسان ولابد أنك تخطئ, ولكنني أحبك كي أصلحك للخير, لا أن أتركك عند أول خطأ وإن كان كارثيًا كما فعلت يا عزيزي!"
ابتسم "مالك" وضحك وارتد الدم إلى محيّاه الأصفر, فقالت له "جويرية" ضاحكة:
-" ما رأيك؟ لقد جعلت شعرى منسدلًا كما تحب"
ومن ثم توالت كلماتهم وقهقهاتهم, وسط أسوار السجن, كان حرًا بحبها الأمومى الفذ, كانت ملجأه, ومازالت تضحى, لتجعله على درب الصلاح, نحو حبها أيضًا
أنت تقرأ
تحت مسمى الحب
Romanceهنالك دافع من الجريمة يسمى " الحب" ما يجعلنا أحيانًا هواة التدافع إليها.. فى تحقيق المحامي الشهير "على الشريف " لثلاثٍ من القضايا المثيرة للجدل.. ما دافع الحب لإجرائها؟ فى سبعة فصول .. سنعرف ذلك ^_^