كانت حلبة الرقص تغلي بالاجساد الموزعة فيها بفوضى ... اختلطت روائح العطور الغالية مع الرخيصة .. وامتزجت برائحة العرق والرمل المبلل بالماء ... في الجو تشكلت سحابة رقيقة من ضباب الانفاس اللاهثة تخترقها من وقت لآخر شرارات ناتجة عن التصادم العفوي او المتعمد بين الراقصين ..
كانت منال تحس بحريق هذه الشرارات وهو يصلي جسدها وينشر فيه رعشة متوثبة كلما اقتربت من جمال وابتعدت عنه في محيط الدائرة المتمركزة حول رحمة وزوجها ... كانت حركاتهما المتناغمة تبدو تلقائية لكل من حولهما .. وحدهما يدركان ان نية التقارب كانت مبيتة وتم التخطيط لها قبل الحفل بوقت طويل عندما انتزع جمال من منال وعداً بان تكون معه طيلة الوقت ...
- منال .. اوعك يوم العرس ترقصي مع أي زول تاني غيري .. انتي عارفة انا بغير عليك قدر شنو وما بتحمل اشوف حد تاني يقرب منك ..
- ما تخاف يا جمال .. يا انت يا بلاش ... مش في الرقيص وبس .. في حياتي كلها ..
في احدى لحظات التقارب امال جمال راسه على اذن منال وهمس لها ...
- منال .. انا حنسحب هسة وانتي تعالي بعد شوية ... الدنيا جايطة وما حد حيلاحظ غيابنا . عاوزك ضروري ... حستناك في حوش بيتنا .. ما تتاخري ...
كانت انفاسه التي تعبث بشعيرات اذنها تعدها باحتمالات مبهمة ... احست بحرارة جسدها ترتفع حتى خيل اليها ان بخارا يخرج من عينيها ويضفي على محيطها مشهداً سيريالياً ... اومأت براسها ايجابا واشرقت ملامحها بابتسامة حالمة عندما ضغطت اطراف انامله على باطن كفها قبل ان يغادر مكانه بجانبها ... تبعته نظراتها بوله .. وتراقصت غمازتيها بشكل مغر ...
دارت عيناها بحذر فيمن حولها وهي تبحث عن لمحة ادارك لما يدور بينهما .. تنفست بارتياح عندما لاحظت ان الكل لاهي بالتنفيس عن مشاعره في رقص هستيري لاهث وقع نظرها على والدتها وهي تحيط شقيقتها وزوجها بكلتا ذراعيها .. وبين الفينة والاخرى ترفع كفها الذي تصالح مع لون الحناء بعد خصام طويل وهي تمسح به دمعة عصية انحدرت في غفلة منها ... احست منال بموجات من الحنان تعبر حواسها وهي تتامل والدتها ما لبث ان تبعها احساس قوي بالكآبة عندما غزت افكارها الهواجس بما يمكن ان يحدث عندما تعلم عن علاقتها بجمال .. وانتقل عقلها من جو الفرح الذي يحيط بها الى عالم الخوف الذي يناوشها منذ ان اعترفت لنفسها بحبها المستحيل .. لقد ادركت باستحالته منذ الوهلة الاولى ... انكرت احاسيسها ودفعتها خارج قلبها .. حاولت بكل ما تملك من ارادة ان تقاوم مشاعرها التي سكنتها منذ صغرها .. وعندما دخلت الجامعة جاهدت كي توجهها الى اتجاه آخر باقامة علاقة مع احد زملائها الذي استمات في التقرب اليها منذ اول يوم لها في الكلية لكنها فشلت ... كان جمال الوحيد الذي استطاع فك شفرة الدخول الى قلبها واحتلاله بلا منافس .. بمرور الايام اصبحت تحبه بعمق وصدق مخلوط بالخوف والحيرة ... تماوجت ظلال الهموم التي تعتريها على ملامحها وصبغتها بالتوتر كانت تتامل امها الباكية فرحاً وهي تتساءل .. هل ستبكي فرحا اذا ما قدر لها ان تتزوج بجمال ؟؟...
أنت تقرأ
حوش بنات ود العمده
General Fiction📝 بقلم: سناء جعفر روايه سودانيه جريئه غاصت داخل اعماق بعيده للحياه السودانيه المليئه بالتفاصيل المدهشه واخترقت خطوط حمراء كثيره كثيرا مايتحاشاها معظم الكتاب السودانيين انها رواية حوش بنات ود العمده للروائيه سناء جعفر فلنبدا معا هذه الروايه التي تحك...