انكسرت حدة الحرارة قليلاً عندما بدأت الشمس تميل نحو المغيب .. تمددت ظلال الاشجار بجمود .. وخلق انعدام الهواء جواً خانقاً .. انه احد ايام الصيف النموذجية .. تعالى صراخ الاطفال وهم يعبثون تحت زخات المياه المتدفقة من ( خرطوش ) البلاستيك الطويل الذي امسكه حامد بين يديه محاولاً ان يدعّي الصرامة مع صغار الحوش المتحلقين حوله كل يحاول التقاط نصيبه من القطرات الباردة .. جلس حامد ود العمدة هادئاً يتامل احفاده بفخر واتسعت ابتسامته وباتت اكثر حنواً عندما التقت عيناه بعيني حفيده الذي يحمل اسمه .. كان اول حفيد ذكر في عائلته .. وقد احبه منذ اول لحظة وضعه فيها عمار بين يديه ..
- امسك حامد الصغير اذن ليهو في اضنينو يا عمي ..
اغرورقت عيناه عندما فرغ من ترديد الاذان في اذني حفيده ووضع اصبعه داخل الكف الصغير فتحركت الاصابع الطرية بنعومة .. وحبس شهقة دهشة عندما فتح سميه عينان تنافسان عينيه في اللون والشبه ... لقد كان نسخة طبق الاصل من طفله الذي غادر الحياة مبكراً ... وراوده احساس بانه يعيش لحظة مكررة عاشها سابقاً عندما وضعت امونة ابنه بين ذراعيه للمرة الاولى ... احتج على قرار عمار واميرة بتسمية المولود تيمناً به ..
- يا اولاد اختاروا ليكم اسم تاني ... حامد دة بقى موضة قديمة وبكرة الولد يكبر ويزعل انكم سميتوهو بيهو ..
- يا ابوي بكرة حامد لمن يكبر حيشكرنا لاننا اديناهو اسمك .. اريتو يطلع بشبهك في حاجاتك كلها مش الاسم وبس ..
- يا بتي يمكن راجلك عندو راي تاني ولا عاوز يسميهو على ابوهو..
- عم حامد .. انا مصّر اكتر من اميرة انو الولد يشيل اسمك .. كفاية انو وقفتك معانا هي كانت سبب جيتو للدنيا ..
حمل حامد اسم جده وملامحه .. وبرغم امتلاء المنزل بالاحفاد على مر السنين .. الا ان سميه ظل المفضل عنده ..
تشربت الارض العطشى بالرزاز المتساقط عليها بامتنان وتنفست ارتوائها فعبق الجو برائحة التراب المبلل التي اختطلت برائحة شباك الصيد والسمك والرطوبة القادمة من النيل ...
- حامد .. خلاص كفاية رش .. امشي لحبوبة نعمات خليها تجيب الشاي وشوف ابوك وين عشان يجي يشرب معاي ..
امتثل ابن العاشرة لاوامر جده بطاعة فاغلق صنبور المياه باحكام دون ان يبالي بصيحات خيبة الامل الصادرة من جيش الاطفال المحتج على انقطاع مصدر لهوه ... كان حامد يراقب احفاده بنوع من الرضا الممزوج بحزن غامض اصبح جزء منه .. لقد اكسبته الحياة كثير من الخبرات .. وعلمته كيفية التصالح مع كل شئ فيها فتجاوز مشاعر الندم والخوف والالم .. لكنه لم يستطع ابداً تجاوز الحزن المزروع بداخله كنبتة لعينة كلما حاول اقتلاعها ناورته وثبتت جذورها اكثر في اعماقه ..
أنت تقرأ
حوش بنات ود العمده
Ficción General📝 بقلم: سناء جعفر روايه سودانيه جريئه غاصت داخل اعماق بعيده للحياه السودانيه المليئه بالتفاصيل المدهشه واخترقت خطوط حمراء كثيره كثيرا مايتحاشاها معظم الكتاب السودانيين انها رواية حوش بنات ود العمده للروائيه سناء جعفر فلنبدا معا هذه الروايه التي تحك...