مُحتوى للبالغين

٣. أولُ أنواعِ العُزلة

الفصل الثالِث | عنكُم غريبَة حَتى و أنا بينُكم.. وحيدةٌ وسطَ تجمُّع مِن ألف.

***

مَا مَفهوم العُزلة؟
أن يَعيشَ الإنسانُ حياتَهُ مُتقوقِعًا بداخِل غُرفتهِ حَتى توافِيهِ مَنيَّتُه؟
أو أن يذهَب لجَزيرةٍ نائية و يقرِر الاستقرار هُناك مُتغذيًا على نباتَات الطَّبيعة و صيدِ الحيوانَات البريَّة؟

ليسَ سيئًا.
نعم، هَذا تَعريفٌ للعُزلَة، و لكِنهُ تعريفٌ سَطحِي و نادِر الحُدُوث. و بِما أنهُ نادِر الحُدُوث هذا معناهُ أنَّهُ لا يرتبطُ بالواقِع المَعيش، لِذا هُو تعريفٌ مُهمَل.

ما رأيُكم لو أنَّ الإنسانَ يُمكِن أن ينعزِل و هُو يملِك عائِلة و صُحبة و معارِفَ لهُ معهُم علاقة طيبة؟

العُزلَة في أصلِها أمرٌ معنَوي لا ماديّ، و لهَا أنواعٌ كثيرة. و ليسَ بالضرورة أنه عِندما نُطلِق على شخصٍ لقب "مُنعزِل" أن يكون مُنعزلًا في جميع نواحي حياته.

ما مَعنى هَذا العَبث الذي نثرته للتو؟ التوضيحُ قادِم.

سأقسِّم الانعزال إلى أربعَةِ أقسَام:
١ - انعِزالٌ فِكري
٢ - انعِزالٌ اجتِماعي
٣ - انعِزالٌ للتميُّز
٤ - انعِزالُ التعقيد

أولًا: الانعزال الفكري:

مُحاطةٌ بكومَةٍ مِن الساخرين السطحيين الذينَ يُحبون وضعَ لمسَتِهم السلبية و آراءهِم اللاذِعة على كُل شيء تُحبينه.
يسخَرون مِن آرائِك فِي العلاقَات و تحفُّظِك فيهَا، يسخرونَ مِن نوعِ الموسيقَى الذي تستمعينَ لهُ، يسخرونَ مِن مُغنيكِ المُفضَّل أو فرقتكِ الغنائية المُفضَّلة و يستنكرون تعلُّقكِ بِهم. يسخرونَ حتى مِن طريقة حديثِك و طريقة ارتدائِك للملابِس و حتى لنوعِ طعامِك المُفضَّل!

هل.. إنسانٌ يعيشُ في هذَا المُجتمع، سوفَ يُفكِر يومًا في الإفصاحِ عمَّا في رأسِه؟ أو يومًا لو أعجبهُ أمر سيقول "أعجبني"؟

لا بالطبع.

إنسانٌ كهذا سيلجأُ للعُزلة الفكرية. سيجعَل عقله و تفكيره خاصًّا به. سيأخُذ كُل شيء يُحبه و يضعهُ بداخِله و يُغلق عليه.

من يلجأون لهذا النوع مِن العُزلة يلجأون لها لسببين.
أولهُما أن يتفادوا السُخرية و الاستهزاء ممَن حولهم لمُعتقداتهم.
ثانيهما أن يكونوا فقط سئموا تخلُّف هؤلاء البشَر، و خيرُ عِقابٍ للسفيه تجاهُله، لذا لا يتحدثونَ مع أحد بشأن مُعتقداتهم.

***