في اليوم التالي أخبرت فتى الكشك بما حدث واقترحت عليه أن نكتب على اللعبة لافتة تقول: إنه من غير المسموح ركوب قطار بيت الرعب مع أشياء ثمينة، وأننا غير مسئولين عن فقدها، فأخبرني بوجود لوحة تعليمات على باب مدينة الملاهي تنبه بالحفاظ على الأمتعة الشخصية ولكن كل هذا لا فائدة له. لابد من شخص مهمل هنا أو هناك، ولابد أن تساعده في إيجاد ما ضاع منه. هذا التنبيه فقط لإخلاء المسئولية القانونية؛ ولكن المسئولية الإنسانية تظل قائمة. ثم انقلب إلى المزاح قائلا: إن المشكلة ليست في الأشياء الضائعة فهذه يمكن إيجادها؛ المشكلة في الأشياء المسروقة. وأخذ يردد عبارته المفضلة وكل شيء بينسرق مني. فأخرج من جديتي وأقول له: إني لم أر شيئاً يسرق منه أبدا رغم ما يبدو عليه من اللامبالاة؛ بل إن عينيه كعيني صقر إن حاول أحدهم سرقة شيء من الكشك.
لكل شخص أشياؤه الثمينة التي يحافظ عليها، ويبدو أن هذا الشاب ليس لديه أي شيء ثمين في حياته سوى هذا العمل؛ لهذا فهو يستميت من أجل الحفاظ عليه من السرقة. خفضت بصري وأنا أعود لمكاني عند لعبة بيت الرعب، كان لدي أنا أيضا حلم ثمين بأن أكون عالما في الفيزياء ولكني لا أعرف كيف ولا متى سرق مني.
أضيفت إلى مهمتي الرئيسية بتشغيل وصيانة اللعبة مهمة جديدة، أن أنبه كل الراكبين بالحفاظ على متعلقاتهم الثمينة، وأن أنبه هذه الفتاة لكي تغلق حقيبتها جيدا، وهذا الشاب لكي يضع هاتفه في يده ولا يتركه يسقط من جيبه. وأحيانا آخذ منهم الأشياء الثمينة وأبقيها معي حتى يخرجون من اللعبة إذا طلبوا ذلك. بمرور الأيام بدأت أشعر أني أتحول من عامل صيانة وتشغيل -كما هو المسمى الوظيفي- إلى موظف أمانات يحفظ الأشياء الثمينة، ويساعد الذين ضاعت أشياؤهم في العثور عليها وأحيانا تطييب خاطر من سرق منه شيء.
تباعدت المسافة بيني وبين عالم الفيزياء "باول ديراك"، ولم يعد "إنريكو فيرمي" يثير اهتمامي بقنبلته النووية، لا أعرف من هم رموز مهنة موظف الأمانات حتى أضع صورهم على حائط غرفتي مكان هؤلاء العلماء. هل حصل أحد على جائزة نوبل أو أي جائزة لأنه يعمل في تشغيل ألعاب الملاهي؟ أعرف أن هذه أفكار ساذجة وتخريف يحدث لي بسبب انتقالي إلى عالم جديد، ربما يكون هو عالمي الأصلي. تبدو كلية العلوم خارج السياق وأحلام المجهر الإلكتروني وأوهام المعادلات المعقدة غير واقعية. كأني ولدت عامل صيانة ألعاب منذ اللحظة الأولى، وما كانت دراستي إلا انعطافة خاطئة عدت بعدها لما خلقت من أجله اليوم قرر مدير المدينة أن يمر بنفسه على الألعاب ويشاهد الناس ويسمع رأيهم وشكاواهم. كان يقف أمام كل لعبة عدة دقائق يسأل واحداً أو اثنين من الأطفال أو الشباب عما أعجبه وما لم يعجبه، يمزح قليلا معهم، وقد يلتقط صورة مع بعضهم ثم يذهب إلى اللعبة التالية. لم تمر ساعة حتى وجدته أمامي ومعه رئيس العمال ورجل أمن ورجلان لا أعرفهما. أشار إلى بيت الرعب وبدأ يحدّث الرجلين عنه بطريقة أحسست منها أنهما ضيوفه، ربما صحفيان سيكتبان عن المدينة أو شيء من هذا القبيل.
استوقف فتى كان خارجا من قطار بيت الرعب وسأله عن رأيه فقال بحماس: إن هذه ثاني مرة يأتي للمدينة في أقل من أسبوع، وإنه سعيد لأنه وجد وحوشا جديدة في بيت الرعب! لم يفهم مدير المدينة ماذا يعني الفتى بالوحوش الجديدة؛ إذ لم تكن هناك أية ألعاب جديدة تم تركيبها في أي مكان في المدينة؛ لكنه أهمل هذه الملاحظة ونظر إلى الضيفين بنظرة معناها ألم أقل لكما، الناس تحب مديتنا وتأتي كثيرا.
مرت بجواره طفلة كانت أيضا خارجة من لعبة القطار؛ ولكن الإحباط كان واضحا على ملامحها الصغيرة. أمسك بيدها وسألها بلغة طفولية: وأنت لماذا لا يبدو عليك الحماس؟ ألم تعجبك اللعبة؟ هزت كتفيها الصغيرين وقالت: لقد ذهبت لبيت الرعب في هذا الصباح وكان هناك التمساح الكبير وقد أعجبني شكله لأنها أول مرة أشاهد تمساحا. ولما دخلت الآن مرة أخرى وجدت التمساح قد ذهب، هل تعرف متى يكون التمساح موجودا؟.
كان يضحك ولا يعرف ماذا يقول لها، حاول أن يشرح لها أن الألعاب لا تتحرك، وأن هذا التمساح هو بالتأكيد في مكانه دائما وكل يوم. وأنها ربما لم تره لأنها كانت تنظر في الجهة الأخرى مثلا. ثم فكر أنه ربما يكون ذلك التمساح أصيب بعطل منعه من الحركة فعلا فقال لها: وربما يكون التمساح يستريح قليلا، إذا جئت مرة أخرى غداً ستجدينه بكل تأكيد.
قبل أن يترك منطقة بيت الرعب، قرر أن يسأل شابا ناضجا عن رأيه لكي يستمع إلى شيء من الكلام العاقل. اختار شابا يبدو هادئا ورزينا وأخبره أنه مدير المدينة ويريد أن يعرف إذا كان لديه أي ملاحظة على بيت الرعب. قال الشاب: بصراحة هذه أجمل لعبة هنا، وأنا متعجب من التكنولوجيا الحديثة التي لديكم، لقد كانت الوحوش تتحرك كأنها حقيقية، لكني لم أفهم كيف كان التنين الأخضر في بداية اللعبة منذ عشرة دقائق، ولما دخلت مرة أخرى مع أخي الصغير وجدنا التنين قد انتقل إلى مكان آخر بعد تمثال الرجل ذي الأربع أياد، وقد كان قبله بكثير. كيف تقومون بهذه الخدع؟.
بدت الحيرة على وجه المدير وهو يعرف جيدا أن قطع الألعاب مثبتة في أماكنها ولا يمكن أن يحركها أحد بهذه السرعة. نظر في عين الشاب محاولا معرفة إن كان جادا فيما يقول. الطفلة قالت إن التمساح اختفى، والشاب يقول التنين يتحرك، وهناك لغط كثير يدور حول بيت الرعب منذ فترة. لا يمكن أن يكون هناك تنين أخضر يلعب بحرية داخل نفق قطار بيت الرعب أو تمساح حي يتنقل بين أركان مدينة الملاهي.
نفض الأفكار الساذجة عن عقله وهو يقول لنفسه إن التنين حيوان خيالي أصلا، ولكنه قرر أن يركب لعبة قطار بيت الرعب بنفسه حتى يشاهد هذا التنين المزعوم. بدت الدهشة على وجه رئيس العمال الذي لم ير مديره يجرب أي لعبة بنفسه قط. دائما هناك شخصية المدير الجاد الحازم الذي لا يهز هيبته بركوب ألعاب الأطفال، حتى إن كانت تأتيه رغبة قوية بعض الأوقات لتجربة لعبة مثيرة؛ إلا أنه يقاومها حفاظا على هيبة استغرق بناؤها سنوات وسنوات.
![](https://img.wattpad.com/cover/146143634-288-k492366.jpg)
أنت تقرأ
بيت الرعب
Horrorقصه مرعبه وهيه ايضا قصه مختلفه عن كل القصص الي انشرها قروها واستمتعوا. ...