في تلكَ الليلة، توارت بعض الرؤى إلى ذهنِ لويس..
ذِكرى مُبهمةٌ حَيثُ تُحيطُ بِهِ ألسِنَةُ النيرانِ في مكانٍ مُغلقٍ لَم تَعُد مَعالِمهُ واضِحة لِعيناه سَماويتا اللونِ.
تِلكَ العَينانِ اللاتي كانَتا تَبرُقانِ صَفاءً حَتى قَبلَ حين، أصبحتا داكِنتانِ واهنتانِ تَخلوانِ مِن وَمضةِ ضَوءٍ، أو شَرارةِ أمل.
جَسدُهُ بُقِعَ سُخامًا أسودَ داكِن، فَحتى خُصَيلاتهُ لَم تَسلم مِن تِلكَ القاذوراتِ العالقةِ سَويًا مَعَ الغُبارِ والحصى.
و لعلَ رئتاهُ كانَتا المُتضررَ الأكبر، إذ أنَّ الرمادَ المُتطايرَ في الجَوِ ما يَلبثُ المُرورَ أمامَ الطِفلِ حَتى يُمسي مُتكدسًا في قُصيباتهِ وصولا إلى تِلكَ الرئة الصغيرة التي بَلغت حَدها سَلفًا.
×[ 19 ديسمبر - الساعة 10:30 دقيقة. ]×
شَعرَ بِرعشةِ قُشعريرةٍ تَلتَفُ بَينَ عِظامهِ و تُهاجِمُ جِلدهُ دَفعت بِقَلبهِ للخفقانِ وجفونهُ للافتراقِ مُدركًا بقُزحيتاهُ المُرتجفتانِ رَهبة ضوء النهارِ.
تَرددت نَبضاتُ قَلبِهِ في مَصغاهُ تَضربُ بِقوةٍ أضلاعَ صَدرهِ كأنما تبتغي كَسرها.
وأحسّ ببضعِ لَسعةٍ تستقرُ فؤادهُ و تتَفشى مَيسرةَ جَسده كافة، و مَصدَرُ الألمِ كانَ حَيثُ تطايرت بِضعُ شرارةٍ زرقاء.
أخذَ نَفسًا عَميقًا يقبضُ مكانَ الألم وأغمضَ عَيناهُ بشدةٍ يحجبهما بساعدهِ الآخر.
تَمتَمَ " مؤلم."
و تَهشمَ الهدوءُ مِن حَولهِ مَرشوقًا بصوتِ ديميان الذي قالَ قَلقًا " أيؤلمكَ لو ؟"
كان هذا حينَ أدركَ لويس ما الذي هَمسَ بهِ بالفعلِ ليُحدِقَ بشقيقهِ صامِتًا، أجابَ بعد أن رَتبَ كَلماتَهُ جَيدًا.
-" لَيسَ هذا ما كُنت أعنيهِ... أقصد--"
ابتلعَ لويس حُروفهُ حينَ شَعرَ بكَفِّ الأكبرِ تُداعبُ شعرهُ، وحينَ كانَ ديميان على وشكِ الحديث دَخلت فّيوليت تُمسكُ بيدها كِتابًا لتقتربَ مِنهما قائلة
-" لويس.. وَعدُنا !"
ابتسمَ لها المَعنيُ مُمتنًا في داخلهِ كَونها أنقذتهُ مِن مَوقفٍ لَن يَودُ يَومًا أن يَكونَ فيهِ.
إن أفصحَ عَن حَقيقةِ ما رآه في مَنامهِ قَبلَ لحظةٍ سيزرعُ قَلقًا غَيرَ ضَروريٍ في قَلبِ شَقيقهِ مِن وجهةِ نَظرهِ.
و إن اعترفَ بلسعاتِ الألمِ في صَدرهِ لَن تتغَيرَ النتيجةُ كَثيرًا فأجابَ فّيوليت مُتذمرًا ليتفادى الحَديث.
-" نحنُ لَم نفطُر بَعد، سأقرأ لكِ بَعد أن نأكُل."
هَزت الشابةُ رأسها نافيةً بقوةٍ بَينما تُغلقُ عَينيها ليتبعثر شَعرُها المُلونُ أرجاءَ ملامحِها وثيابِها.
أنت تقرأ
Milky Way
Science Fictionأرضُنا لَم تَكُن أبدًا أكثرَ مِن نُقطةٍ في بَحرِ الفَلكِ. وَ واحِدُنا لَم يَكُن يَومًا أكبرَ مِن نُقطةٍ في أرضِنا هَذهِ. لَكِن كَتأثير الفراشة.. يُمكنُ لأصغرِ نُقطةٍ أن تَقلبَ أكبر الموازين، و تعيدَ كِتابةَ دُنيا الفَردِ بأكمَلِها. حينَ يَبلغُ عالَم...