٢- ثَرْثَرة

83 13 40
                                    


• اذكروا الله 🌻

•••••

طَرقُ بابَ الغُرفة أيقظها مِن تأمُلها للسقفِ بِشرود ، تَلاه دخولَ والدِها بنظرة تحمِل بعض الاستياء في محْياها ، ناداها فاعتدلت حينما وقعَت أنظارُها عليه ، تنحنح يلمَح ابتسامتِها المصطَنعة

هي فَتاتُه المدلَّلة ، يعلم أنها ليست بخيرٍ حتي و إن أهدَته آلاف الابتِسامات المُصطنعة مثل تلك المرتَسِمة علي شِفتاها الآن ، نفضَ عنه الأفكار ، ليس الوقتَ المناسِب للحديث .

" صَغـيرتـى جَميعُنا بانتظارِك ، لِماذا لم ترتدى ملابِسك إلى الآن "

ظهر على عيناها بعض الترددُ لكنها بددَته و هى تُخبره أنها لا تُريد الذهاب ، تشعُر أنها ليست بِـخير

نظر لها بعتابٍ واضح و هو يخبرها أنهم لن يتأخروا فأجابته بـ " حسـنًا " خافتة و هي تُخبره أن يُلقي لها بالسلام على العائِلة و هو الأمر الذي قابله بحركة من رأسه قبل أن يُغلق بابَ الغرفة خلفَه

و الآن ماذا ؟ تلفتت حولها تنظُر إلي أنحاء غُرفتِها الوردية ، لطالما كرهَت هذا اللون ، يبدو بارداً مملاً مثلها تمامًا ، تنهدت مُذكِرة نفسها أنه اختيار أُمِها ، و متى تُرك لها الخِيار ؟

كانت تملُك كل شئ ، كل ما يمكن أن تتمناه فتاة بمثلِ سنها لكنها افتقدت  ' الشغَف ' ، افتقدت شغفها بالقراءة ، بالكتابة ، بالموسيقى ، و حتى بالحياة

كانت وحيدة برغم عائلتها الكبيرة حولها ، لكنها أحست بفراغ داخلي لم تستطع عائلتها ملؤه بالهدايا و النُزهات ، كان ينقُصها الشغف لتشعر أنها حقا تعيش ، و ذلك الشئ كان يُصعب الحصول عليه ، علي الأقل بالمال .

وقعت عيناها على حقيبتها المُلقاه باهمال تام في زاوية من الغرفة الواسِعة ، أضاءت عيناها بلمعةٍ خفيضة حينما تذكرت أمر الزهرة

لم تكن الأولى ، تكرر الأمر بِضع مرات لكن فى كل مرة اختلفَ لونُ الزهرة ، أرجحت ذلك إلى حب مُرسلها للتنويع لكن كانت تدرك أن ربما خلف الأمر تفسير آخر لكنها فضَلت عدم البحث عن التفسير ، لن تتعجل ، ربما يأتيها التفسير دون أن تبحث عنه .

مدت يدها تبحث عن هاتِفها فوق السَرير ، حين لامست معدنه البارِد أمسكت به ترفعه أمام عينيها ، وضعت اصبعها الإبهام علي الزِر لتظهر شاشة الهاتف تحمل صورةً لها في حفلة عيد مولِدها الرابع عشر ، لازالت تذكُر تفاصيل ذلك الحفل ، لعنت نفسها لانها كبُرت ، ألم تُرد أن تنضج ؟ و الآن لتتحمل .

باغتها ألمٌ بمرفقِها لتترُك الهاتِف متحسِسة معصمِها ، شعرت بألم عندما لامسَت أصابعها تلك الخُدوش ، لا تذكُر متى خدَشت معصمَها ، بات الأمر مُتكررًا حتى فقدت العد و الذِكرى ، فقدت الشعور بالألم كما فقدت مشاعِر أخرى كثيرة .

فزعت حينما اهْتز الهاتف بجانبها فلعنت نفسَها ، باتت كثيرة الفزع ! ، التقطته تتصَفح الرسائل الكثيرة التي تملأ هاتفها ، ثرثرة فتيات غبية ، كادت تُغلق الهاتف لولا رُؤيتها لرسالة شدت كامل انتباهها .

••••

فى مكان آخر بعيدٌ عن بطلتنا ، كان هناك من هو مُنكب على ورقة يرسُم وجهًا مؤلوفًا ،  يُحدد تقاسيم الوجه و الملامح ، يرسُم شخابيطًا تحدِيدية ثم سُرعان ما يلتقط المِمحاه ، يضبِط الخطوط ، يُعدِلها ، ثم يندمِج مرة أخري بالرسِم ، تتفحص عيناهُ الورقة أمامَه ثم يُعيد الكرَّة ، يمْحو ، يُعدِل ، ثم يندمِج .

ترك الورقة من يَده ، أصبح أمرُها يُأرِقه ، و ها هو يقضي يومين متتاليين يُحاول رسمَها و يلعن تلك العطلة المُملة التى منعَته من رؤيتها ، استاء من عدم خروجِها من المنزل خلال اليومين السابقين ، لكنه أعطي نفسه أملًا ، غدًا تعود لمدرَستِها ، غدًا سيَراها .

انتفَض حينما جاءَه صوت صُفارة مُنغمة مُنطلِقة من حنجَرة صديقه ، تنهَد ، حسبَه أحد أفراد عائِلته ، لمْلَم الورَق المُتناثِر و هو يضَعهم داخِل مُغلف الرَسم و يضعه باهتمام داخل دُرج المكتَب تليه عُلبة الأقلام الكبيرة ، التفت اليه بعتاب

" لماذا لم تطرُق البابَ تعلم أنني أكره اقتِحام الغُرف هكذا "

" صديقي النَبيل ، وحدَك من لازال يطرُق الأبواب ، ثم أين هاتِفك لقد بعثتُ إليك مئات الرسائل ألم يكن لدينا موعِد لـلعبِ كُرة القدَم ؟ "

خرجت من فمه " أووه " صغيرة و هو يلتقط هاتِفه و يرى رسائل صديقه المتتالية و شتائِمه لأنه لا يُجيب

" أسف أقسم فقط شردت و انا أرسُم ، أنتَ تعلَم "

" هه العُذر المُعتاد ، ألم تعلم ما حدث ؟ "

" لا لا أعلم "

أخبره بملل واضِح ، ' سيبدأ بالثرثرة حول الفتيات ' أخبر نفسه ذهنيًا ، لكن العِبارة التالية كانت سببًا في تحطُم كأس الماء الذي أمامه إلي قطع صغيرة متناثِرة بالأرضيَة .

•••••

• لطالما علمت أن أصدقائكِ سيكونون عائقًا لنا مُستقبلًا ، لكنكِ أبدًا لم تُصدقينى •

الثَـانـِى مِـنْ مـَـايـُو | Second Of Mayحيث تعيش القصص. اكتشف الآن