[ 1 ]

247 21 32
                                    


°°°

لو أنّ أحدًا يسألُه عن مصدرِ إلهامِه، لكانَ جوابُه حتمًا الليل..
لكانَ جوابُه هو نورُ القمرِ البعيد حينَ ينيرُ الظلمةَ بحدٍ يكفي ليرى فيه في ديجورِ الليل..
لكانَ جوابُه هو الظلُ الذي تخلقُه خطواتُه وهو يسيرُ تحتَ أنوارِ الشوارعِ شاقًا طريقَه على الأرصفةِ الخالية.
لكانَ جوابُه هو كلُّ ما يمدُه الليلُ لأولئكَ الذين تجرؤوا على اختلاسِ النظرِ إليه من تحتِ ملاءاتِهِم، وكلُّ ما تحتويه الظلمةُ خارجَ حدودِ الغُرفِ الوثيرةِ في منازلنا، وكلُّ ما يَخفى عن أعينِ البَشر.

تلكَ الأشياء هي الأشياءُ التي يفتحُ لها صدرَه مُرحِبًا..
تلكَ النزهات الليلة التي يقيمُها بمفردِه هي منبعُ الأفكارِ الغامضةِ الغريبةِ والمُحيرةِ في عقلِه.
في قصصٍ كقصصِه، كلُّ شيءٍ موضوعٌ بعينِ الإعتبار، كلُّ جانبٍ وكلُّ تفصيلٍ في غايةِ الأهمية.
الواقعيةُ مفتاحٌ نعم، ولكن كذلكَ المجهول، وكذلكَ الخوارقُ التي تربطُ وتصلُ كلَّ شيءٍ ببعضِه.

لا يؤمنُ الإنسانُ بالأشياءِ التي لا يشرَحُها العِلم، وهدفُ تشانيول هو أنّ يجعلَ أكثرَ الأشياءِ العلميّةِ هذه يشككُ في النظرياتِ التي يدّعي الناسُ بأنها تحكمُ هذا العالم..
أو هذا ما يتمناه..

" كاتبُ القصصِ القصيرةِ التي تُشعِرُ القُراءَ بالارتيابِ وتقشعِرُ أجسادَهم مع كلِّ كلمةٍ تُخطُ على الصفحات، الكاتبُ الذي اكتُشِفَ مؤخرًا، سيد بارك تشانيول. "

ارتعشت شفتاه بسخريةٍ وهو يتذكرُ تلكَ الكلماتِ مرارًا وتكرارًا. نعم، كانَ باركَ تشانيول على مشارفِ أنّ يكونَ كاتبًا معروفًا يومًا ما، فقد كان دائمًا ما يأتي بقصةٍ مثاليةٍ حتى وإنّ اضطرَ إلى أنّ يبدأ من أدنى نقطة، وبعدها سيقاتلُ أيُّ ناشرٍ فقط في سبيلِ أنّ تُطبَعَ تحتَ اسمِه.

أخرجَه صوتُ ضربِه لحجرةٍ على الرصيفِ من ضجيجِ أفكارِه، ثم تجرأ أخيرًا ورفعَ نظرَه.
لم يعرف كم كانت الساعةُ بالضبطِ لحظتَها، إلا أنه يذكرُ أنّه عندما خرجَ من شقتِه لمحَ أنها الثانيةُ عشرةَ أو ما شابَه.

لم يكن هناكٌ إنسيٌّ واحدٌ في الشارعِ سوِاه، والرصيفُ بكلِه ساحةٌ رحيبةٌ له. خيلَ له أنّ الحيّ الساكنَ يرجوه ليركلَ حجرةً أخرى، لعلّ صوتها سيملأ فجواتِ الصمتِ تلك.

لم يكن هناكَ أي صوتٍ حتى..
عادةً ما يكونُ هناكَ صوتُ صراصيرِ الليلِ حتى، رغم ما قد يوحي ذلكَ من الخوف. ولكنه على الأقلِ صوت!
ولكن في تلكَ اللحظةِ لم يُسمَع أيُّ صَوت.

صمتٌ تام.. حتى أكثرُ أنواعِ الصمتِ راحةً قد يصبحُ أكثرها تكديرًا حتى يستحيلَ تحمُلُه.
نتاجًا للقلق، وجدَ تشانيول حجرةً أخرى وركلها بساقِه مرةً أخرى.
سمعَ صوتَ ارتطامِها على الرصيفِ ثم سقوطِها على الطريقِ  المُعبَّدِ بجانبِه، وإذا بالقعقعةِ تترددُ في ذلكَ الخواء، وبالأشياءِ التي تحيطُ بِه ترحبُ بالصوتِ الجديدِ أملاً له بأنَ يطولَ قدرَ المستطاعِ حتى لا يعاودَ الصمتُ الثقيلُ حضورَه.

سَاراحيث تعيش القصص. اكتشف الآن