الفصل الاول

15.1K 204 2
                                    

هبت رياح شباط ( فبراير ) القارسة من الشمال ، تصفر فوق المقبرة التابعة للمعبد الموجود في قرية غلينكريغ ، ما جعل شجرتي الصنوبر العملاقتين القائمتين على جانبي بوابة المدخل تلوحان بفروعهما محتجبتين .

وقف ستروم غالبريث وحده ، وقد تصلبت قامته الفارعة ، أمام حجر صغير من الصوان ، ولم يكد يشعر بتلاعب الريح بشعره وهو يحدق في تلك الكلمات المحفورة على الحجر . هازيل دنبار زوجة هوغ دنبار الحبيبة ...

لقد رأى أنها توفيت منذ عام . و كان عمرها ثلاثة وثلاثين عاماً فقط . ودفع بيديه في جيبي معطفه الكشميري وقد لوى شفتيه ساخراً . لقد كانت هازيل في الثامنة عشرة من عمرها فقط عندما أمضت معه وقتاً ممتعاً قبل زواجها . ثمانية عشر عاماً فقط حين منحته من حياتها ثلاثة أسابيع ... واحداً وعشرين يوماً ولكن هذه الفترة القصيرة قد غيرت حياته بأكملها . غيرت حياته ، محولة إياه من رجل منح قلبه بكل زخم عواطفه وبدون تحفظ ، إلى الرجل الذي أصبح الآن بلا قلب .

وعندما علم ، مؤخراً ، بمبلغ خيانتها وقسوتها ، تجدد غضبه القديم من تحت الرماد حاملاً معه ذكريات كان يعتقد أنه دفنها منذ سنوات ، ذكريات كانت ما تزال حية مؤلمة . وأخذ يتمتم ، يا للسافلة . ليعود فيرفع صوته مرة أخرى بنفس الكلمة ، يا للسافلة ، مصحوبة بتأوه نابع من أعماق نفسه وهو يمسح عينيه بأصابع مرتجفة . ما الذي جعله يحضر إلى المقبرة؟ طبعاً ليس لتقديم احترامه ، فهذه الكلمة الاحترام ، لا تتفق مع شعوره نحو هازيل دنبار . فما الذي جره بكل هذا العناد والتصميم إلى ....؟

وجاءه صوت من خلفه يقول :"
- هل أنت بخير ؟

فجمد في مكانه لدى سماعه هذا الصوت الناعم الموسيقي النبرات . لا بد أن مخيلته تعبث به ، إذ خيل له ، في لحظه جنونية لا شعورية ، أن هذا الصوت قد جاءه من أعماق الضريح .. واستدار فجأة ، وهو مازال تحت تأثير الصدمة ، ليعود إليه رشده بشيء من الارتياح وهو يرى أن مصدر الصوت لم يكن شبحاً وإنما شخصا ً من لحم ودم كان واقفاً خلفه .
إ
مرأة شابة ممشوقة القوام ترتدي معطفاً لونه بيج من الصوف الطبيعي ، وحذاء بنياً عالي الكعب . و كان شعرها مغطى بعصابة عريضة مربوطة تحت ذقنها ، تحيط حواشيها الحريرية بوجه بيضاوي رقيق الملامح ذي لون عاجي شفاف تقريباً. وكان التعب يبدو منهما وهي تنظر إليه بقلق .

وعادت تقول وهي تحني كتفيها توقياً للريح :
- هل أنت بخير ؟ كنت أتساءل عما ....

فقال بشيء من العنف سببه ظهورها المفاجئ و شعوره بالمرارة :
- طبعاً أنا بخير . وشعر بالأسف للهجته تلك وهو يخاطبها ، فعاد يقول ملطفاً من لهجته : 
- ولم لا أكون كذلك ؟

فنظرت إليه بعينيها تلك الكثيفتـين الأهداب ، وهي تقول بهدوء :
- لقد رأيتك تنظر إلى ضريح هازيل . هل كنت تعرفها ؟

دعني أحبك عبير   للكاتبة: غريس غرين   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن