يجلسُ مُتربعًا على سريره والأوراق مُتبعثره حوله، يرسم بعشوائيّة على هوامِش الكتاب كما يفعل دائمًا، عيناه مُحمرّة لم تذق النوم منذ يومان، هاجمهُ ألد أعداءِه فجأة، الأرق.مُنذ كلماتِ هاري تِلك هو لم يستطع التفكير، النوم، الأكل، وحتى رسمه أصبح غير مفهوم ومليء بالخربشات التي بلا معنى، الأمر كان يُسيطر عليه وأسوأ مِما يبدو.
كانت الكلِمات تعودُ إليه وتلاحقه، كلما حاولَ النوم الكوابيس تطغي عليه وتسحبه لحُفرة عميقة منها، يهرب بِصعوبة ويستيّقظ وهو غارقٌ في عرقه ودموعه.
بالطبع ماحدث لهُ لم كافيًا، صِراعات والده وزوجته إزدادت، والدهُ لم يكن يضربه ولكن كان يقتله ببطئٍ بكلماته الحادّة كالسيف.
تسلّلت أصواتهم إلى غرفته، كالعادة، يزداد الصُراخ أكثر وأكثر لكن لم يعد يهتم بعدَ كل شيء.
أصبح الأمرُ ميؤوسًا منه، لم يعد يحاول الهروب من الحقيقة بالإستماعِ إلى الموسيقى أو تغطية أُذنيّه وإغماض عينيه بقوة، هو فقط إستسلمَ للواقع لأن لا شيء أبدًا سيتغير.
وقفَ من على سريره وأخذ بعض الأوراق وأنابيب الألوان وحشرها في حقيبته بإهمال وأغلقها بقوة، إرتداها سريعًا وقفز خارِجَ النافذة لتخُط قدماه على سلم الطوارئ.
لم تتسارَع خُطواته كما المرات السابقة، مشى بكل هدوء، يلعنُ حياته في كل خطوة.
توَقف عِند حديقة قريبة من منزله بعد أن خرج من بِقالة وأشترى علبة سجائر وبيرة، جلسَ على إحدى كراسي الحديقة وهو يقوم بإشعال سيجارته من أسفل قميصه بسبب الهواء الذي يُطفئ نار ولاعته.
نفث بعض الدُخان في الهواء، ولأن حظه جميل جدًا كان الهواء ناحية وجهه ودخل دُخانه في عيناه ليشتِم.
- بحق اللعنة، حتى الطبيعة ضدي.
- أنتَ من لوّث هواءها عزيزي.
صوتٌ ظهر من خلف لوي، وهو يعرف تمامًا من هو، دعَك عينيه قليلًا وإلتف إليه.
- مالذي تفعله هُنا؟.
تحدّث الشاب ألى لوي، كان طويل قليلًا يبدو في العشرين من عُمره، أعيُّنه خضراء، شعره قصير بلونٍ أزرق مُخضّر، ويضع عِدة أقراط، واحِدة في حاجبه وكِلتا أُذنيّه. يجلِس بجانب لوي وهو يضع قدمًا على أُخرى.
- أتسكعُ قليلًا، مالذي تفلعه أنت هُنا؟ إذهب إلى المنزل، غريب الأطوار.
تكلم لوي بإنزعاج، لم يهتم الشاب بالشعر الأزرق بِما قاله، سحب السيجارة من يده وأرتشف مِنها بعض الدُخان لينفثه في وجه لوي الذي يدحرِج عيناه بغصب.
- تعلم لاتوجد فائدة من محاولات هُروبك الحمقاء، بالنهاية أنت مُدركٌ تمامًا سلطة والِدك، بنقرة إصبعٍ ستجتمع الشُرطة حولك وتعود حياتك كالسابِق وأسوأ.
قال الشابُ الأزرق وهو ينفث الدُخان في السماء.
- أعلم لو أني غير مُدركٍ لهذا لمهربت فِعلًا، أني فقط أكذِب على نفسي دائمًا
زفَر لوي بِغضب وأعاد السيجارة من يد الشاب الأزرق ويضعها بين شفتيّه للحظاتٍ وأخرجها.
- أنت غريبُ أطوارٍ أحمق، يُمكنك الهرب بِكل سهولة واللعين أوستن لن يُفكر بالبحث عنك حتى بل سيكون سعيدًا، لمَ مازلت هُنا؟ لا أفهم كيف يعمل عقلك.
تحدّث مجددًا، قاطِبًا حاجبيّه ويحدّق فيه يُحاوِل فهم مايدور في باله، وأكمل
- أنت مُتبنى، أعني.. لماذا تمتلك هذا الإنتماء العجيب؟.
- من الخطأ أن تُذكِّر شخصًا بأنه مُتبنى!
قال الشاب الأزرق وهو ينفخ خداه، بطريقةٍ لاتُكاد تُفهم، يعلم كم يُغضِب لوي إدعائه بالغباء.
- بحق الجحيم فقط تحدّث!!
صرخ لوي بِوجهه وهو يبتسِم ببلاهة، تنهَد الشاب الأزرق و زمّ شفتيّه لِيُفكر وهو ينظر للأعلى، ثوانٍ حتى أعاد بصره إلى لوي بِجانبه.
- أتعلم لِمَ؟ أُمك.. أُمنا، أختارتني أنا بالذات، لقد آمنت فيني يا لُو، وأنا لن أخذلها لن أراقب منزلها يتحطم وأهرُب بِكل سهولة، قبل قليل عِندما نظرت إلى السماء، إستطعتُ سماع همساتِها وهو تقول 'لاتقلق، سأكون بِجانبك'.
قال وإبتسامته تُزيّن وجهه، لوي أشاحَ بِنظره عنه يُحاول عدم الإبتسام والبُكاء في الوقت ذاته، لكن مشاعره خذلته لِتهرب دُموعٌ من عينيه.
- كانت دائمًا تُردد هذهِ الجملة، لا أحد إستطاع أن يُرددها كما تفعل هيَ، كانت تحمل مشاعِر في كل حرف.
قال وهو يُحاوِل إخفاء وجهه عن الشاب الأزرق الذي لاحظه، ليأخُذ السيجارة من يدِه ويرميها ويسحبهُ في عِناقٍ عميق، إحتاجه كلٌ مِنهما. شعرَ الشابُ الأزرق بِرطوبة في عُنقه ليفهم الأمر ويشدّ بيده أكثر على العِناق، عكس أيّدي لوي البارِدة المُتراخية.
لأول مرةٍ مُنذ فترة طويلة، لوي شعَر بالسلام ينتشر في جسده.
-
عرفتو من الشاب الأزرق؟ بالحقيقه هو مغني وصديق للبويز عاد صارت واضحه، المهم البارت كان مُجرد نظرة على روتين لوي وتأثره من آخر حدث صارله.
الشاب الأزرق وراه سالفة، لاتحسبونه شخص عابر+توقعاتكم وإنطباعاتكم عنه؟.
أنت تقرأ
Two ghosts. | L.s
Nouvellesالفتى الصغير السوداويّ في صف الفنون، وعازف البيانو الحزين في صف الموسيقى المُجاور.