فطائر التفاح (التعديل الثاني والأخير) 2018

49 6 0
                                    

بلون السماء الصافية كانت عيناها البريئتان تشع، ووسط المروچ تركض وتلاحق الفراشات متناسيةً كل شيء؛ تجر خلفها شعرًا أشقر بديع المظهر. جمال الطفولة كله جمع في تلك القصيرة المرحة، لوحةٌ بديعة وربما يراها البعض من ألهة الجمال في الإغريق.

تبتسم في برائة وتزين شعرها بالزهور من حولها ثم تقف وتنفض بيدها الصغير بعض الأتربة العالقة في فستانها الوردي وتتجه إلى بيتها الصغير القابع فوق التل حين تسمع جرس الإفطار. تمشي بقدمين حافيتين إلى هناك فتبصر من بعيد يدً حنونةً تضع فطائرها المفضلة على النافذة لتتحول خطواتها إلى الهرولة كي تتمكن من شم رائحتها.

لكنها -ومع كل خطوة- تلاحظ ان الرائحة تختلف، إلى أن اصبحت امام الفطائر مباشرةً.

وبشوقٍ حاولت استنشاق رائحتها لكنَّ كل ما حصلت عليه كان رائحةً نافذة لقطعةٍ من المعدن الصدئ، داعبها النسيم البارد وبدلًا من الابتسام ارتجفت وأصبح وجهها بلون الموت، نظرت حولها في خوفٍ وهي ترى كل شيءٍ يتحول إلى الأسود، وكل ما كان يسعدها يختفي؛ وجدت نفسها في لمح البصر تقف وسط الفراغ وقد اختفى فستانها وأصبح قماشًا باليًا صرخت "أمي" بصوتٍ مبحوحٍ وباكٍ لكنها لم تسمع ردًا سوى صدا ارتطام قطعةٍ نقدية في قبعتها البالية على رصيف زقاقٍ ضيقٍ للفقراء. فتحت عيناها ببطئٍ وهي تخاف مما ستلقاه ثم صرخت وهي تسند رأسها إلى جدار بنايةٍ أوشكت على السقوط "أمي" وتردد صدا صوتها في أرجاء الزقاق فسمعت عجوزًا يطلق سبةً على ضجيجها ورأت طفلةً في ملابس فاخرة تحدث امها وهي تشير الى حيث تجلس وتبكي محاولةً كتم شهقاتها

"صوتك مزعج" قالت الطفلة وهي ترمي ببعض القطع إلى قبعتها فكتمت شهقاتها وهي تنظر لها بعيونٍ واسعةٍ بريئةٍ لم تدرك بعد ما يخفيه القدر؛ دمعت عيناها وهي ترى الأم تحتضن ابنتها كأنها تخاف هربها وقالت لنفسها "لماذا ذهبت أمي؟" وقفت من مجلسها وهي تحاول احتضان جسدها الهزيل بيدين سُرقت منهما الحياة وركلت القبعة في غضبٍ طفولي وشرود وهي تنادي بين الجموع "أيها الناس، أرجوكم. من أخذ أمى فليعدها لي، أرجوكم أيها الناس؛ اتوسل اليكم" جثت على ركبتيها وظلت تردد جملتها الأخيرة بوهنٍ وجاء رد الناس عليها بالسب وقذف الحجارة لأنها تسبب الإزعاج "فقط أمي، ارجوكم" كان هذا آخر ما استطاع فمها المرتجف النطق به قبل ان تفقد توازنها وتسقط على الأرض القاسية وبعض المشردين يراقبونها في ذعر

لكنها ابتسمت، فياااه... كم اشتاقت للدفئ!! وهاهي تجده في الدماء المنسابة من رأسها لتحيط بها من كل الجهات، ثم همست بصوتٍ لم يسمعه أحد "أمي، هل انت هنا؟"

تمت...

فطائر التفاححيث تعيش القصص. اكتشف الآن