1

47 2 0
                                    


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد

اليوم وقد عبرتُ مرحلة المراهقة أتذكّر كلامها وأستعيد علاقاتي فأرى أنّها على حقٍّ، فلقد كانت علاقاتي – إلى حدٍّ ما – مختارة.. اخترتُ الأكثر ذكاءً والأكثر أدباً، وقد لا يجتمعان في مراهق.. فكنتُ أصاحبُ هذا وأصاحبُ هذا، فماذا جنيتُ من ذلك؟

        كان (الأكثر ذكاءً) من حيث لا يعلم، يفيض عليَّ بذكائه من خلال لفتاته البديعة، وعقله اللّمّاح، وقدرته على التعامل، وعلى تحقيق الفوز، وتغلّبه على المشاكل، وموقعه المميّز بين الزملاء.

        وكان (الأكثر أدباً) يُساعدني على أن أتأدّب بأدبه، وأتخلّق بأخلاقه، وكان لابدّ أن أكون متأدِّباً معه على الأقل حتّى ينجذب إليَّ وأنجذب إليه، وقد أدّى ذلك إلى أتأدّب مع غيره.

        فالعدوى إيجابية أيضاً، وقد تأكّد لي بالفعل أنّ الطّبع يأخذ ويستلهم من الطّبع، ولا أقول (يسرق) لكراهيّتي للسّرقة، ولأنّ الأخذ هنا هو كاستنشاق الوردة الزكية.. هي (تفوح) وأنت (تستمتع).

        عذراً إليك قارئي الكريم..

        لقد سبقني القلم يشدّه الحنين إلى أيّام التلمذة، فلم يترك أن أعرِّفك بأسرتي.. كنّا في البيت (أربعة): أبي وأُمِّي وأنا وأختي التي تصغرني بعامين. كان أبي موظّفاً عاديّاً، وأُمِّي قد أنهت دراستها الإعدادية أو الثانوية، وعلى مقربة من بيتنا يقع بيت جدِّي وجدّتي لأبي، وليس بعيداً أيضاً بيت (خالي) الذي يكبرني بسبعة أعوام.

 

        هؤلاء كانوا يُشكِّلون أسرتي الكبيرة، وإنِّي لأحمد الله أن استفدتُ منهم جميعاً، فلهم الشكر موصولاً على ما كان لهم من فضلٍ عليَّ، لقد أحببنا بعضنا، والحبّ هو الذي جعلهم (يعطونني) بسخاء، وجعلني (آخذ) شاكراً.

        في فترة مراهقتي الأولى كنتُ دائم البحث عن ذاتي ولكن بطريقة مشوّشة وغير مدروسة، وكانت أُمِّي مُعلِّمة ناجحة بامتياز، حيث كانت تخلط نصائحها وتوصياتها لي بالكثير من المودّة والحنو، ومع ذلك فإنّني كنتُ مشاكساً وأعاندها لغرض العناد لمجرّد أنِّي أستشعر في نفسي أنّني أصبحتُ كبيراً، ولم تعد قواعد البيت وقوانينه تناسبني.

        ولأنّ عقل أمِّي وقلبها كبيران، كانت تتفهّم هذا التحوّل، فبدلاً من أن تشتري لي ملابس من السوق، راحت تسألني عمّا يعجبني من الملابس لأختارها على ذوقي، وربّما استأذنت للدّخول عليَّ في غرفتي، ولم تعد تضغط عليَّ للقيام بأعمال كانت تطلب منِّي فعلها عندما كنتُ صغيراً.

        وحينما تجدني معانداً في موضوعٍ ما، لا ترغمني عليه، بل كانت تقول لي كلمات من قبل: (أليسَ هذا أفضل؟!) (ما رأيك بهذا؟! ودعنا نؤجِّل هذا إلى وقتٍ آخر.. فكلّ شيء في أوانه جميل)..

        لم تكن (تدلِّلني) كانت (تعلِّمني) كيف أختار الصحيح بدليل أنّني كنتُ في تلك المرحلة مطلبيّاً (كثير الطلبات).. أرغب باقتناء أشياء حتى ولو لم تكن ضرورية، فلم تكن تُلبِّي لي جميع طلباتي، لم أكن أتفهّم أنّ راتب أو معاش أبي لا يُساعد على المصروفات الزائدة أو غير الضرورية.

        والآن حينما أتذكّر استجابتها لمطالبي _ المعقولة في نظرها – أعرف أنّها كانت توازن بين ما هو ضروري وما هو ليس كذلك، لا بالنسبة لامرأة ناضجة مثلها، بل لمراهق في أوّل حياته مثلي.

        كانت تربط بعض التلبيات بأمور تخصّني وتُشعرني بنوع من المكافأة، ففي الطلبات الكبيرة تؤجِّلها أو تُشرطها بشرط نجاحي آخر العام، وفي الصغيرة بأداء واجباتي وتكاليفي أو تعاوني داخل البيت. كانت تعلِّمني أنّ المكافأة لا تُعطى مجّاناً، وربّما ادّخرت لي بعض الطلبات لتعملها مفاجأة لي في عيد ميلادي مثلاً، وقد ترفض بعضها إذا قدّرت ضرره أو صرفه لي عن واجباتي.. وكنتُ أتضايق من ذلك، وأشكو لخالي من (بخل) أمِّي.

 
          -------------------------

الحمد لله
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
            -------------------

✒يتبع......

 

مذكرات مراهق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن