بسم الله الرحمن الرحيماللهم صل على محمد وعلى آل محمد
سمعني خالي ذات يوم وأنا أصف أبي بأنّه ذو عقلية قديمة، وحينما خلونا إلى بعضنا، قال لي بصراحته المعهودة: إذا كنتَ تعيش الآن عصرك، فحينما كان أبوكض في مثل عمرك كان يعيش عصره أيضاً، وفي غد قد تبدو في نظر إبنك أو بنتك من الماضي أو من الطِّراز القديم، واختلاف الأذواق أمر طبيعي بين المراهقين أنفسهم، ولكن إيّاك أن تعتبر أنّك باتِّباعك لإيقاع العصر أن عقلك أكبر من عقل أبيك.. إنّ استعمالك للكمبيوتر أو للأجهزة التقنية الحديثة، أو معرفتك بآخر إصدارات السينما العالمية لا يعني أنّك أفهم من أبيك، قد تفوق خبرتك في هذه الأشياء خبرته، لكن يجب أن تضع في بالكَ أنّ تجربة أبيكَ أنضج من تجربتك بأضعاف المرات، وإذا كنتَ (خرِّيج المدرسة) فهو (خرِّيج الحياة).. لقد أراد الله تعالى للأجيال أن (تتكامل) لا أن (تتصارع).
وعندما أستوقفه لأضرب له بعض الأمثلة عن المفارقات التي كانت تحصل، كان يوافقني على بعضها، لكنه يقول لي في النهاية: كما أنّك لا تحبّ لأحدٍ أو لأبويكَ أن يجرحا مشاعرك.. افعل الشيء نفسه معهما.. حاول أن تقول كلمتك، ولكن حاذر أن تجرح مشاعرهما.. تأدّب حتى في نقدهما.
ومنه (من خالي) تعلّمتُ أنّ كلمة (أفّ) القرآنية التي نهى الله تعالى عنها كأدنى درجات السوء في التعامل مع الوالدين، لا تحمل معنى التضجّر فقط، بل هي كل ما يُسيء إلى الوالدين من كلمات جارحة، بما في ذلك الاستخفاف بعقولهما أو الاستهانة بمعرفتهما.
وبحقٍّ أقول لكم، أنّني – لم أكن في داخلي مسيئاً أو بذيئاً أو محبّاً لإثارة المشاكل – بل على العكس من ذلك، كنتُ طيِّب القلب، مُرهف المشاعر، بدليل أنّني عندما أعرف خطأي – فقد لا أعترف به – لكنني أندم على ما ارتكبه منه بالقول أو بالفعل، أي بالألفاظ أو التصرفات.. وبصدق أؤكِّد لكم، أنّ الكثير من أخطائي لم تكن مقصودة، لا أريد أن أبرِّرها، لكن تسرّعي هو الذي كان يوقعني فيها، وإذا كنتُ قد أدركتُ ذلك متأخِّراً، فإنّ أبواي كانا يعلمان ذلك جيِّداً، لأنّهما كانا لا يستقبلان أخطائي على أنّه (خطيئة)، وإن كنتُ أقرأ على وجوههما (سحابة) خفيفة طفيفة من ألم وحزن.
كانت جدّتي – في أوقات هدوئي وصفائي – تقول لي: إنّ قلب أمّك وأبيك أكبر ممّا تتصوّر.. إنّهما لن يغضبا عليك، وإنّما يغضبان على تصرّفاتك الحمقاء، وثق إنّهما يسامحانك قبل أن تعتبذر إليهما، بل حتّى إذا لم تعتذر إليهما، وتقرِّب لي الصورة أكثر، فتقول: عندما كنتَ (تسقط) على الأرض وأنتَ طفل صغير لا تقوى قدماك على المشي.. كانت قلوبهما (تسقط) على الأرض معك، لأنّهما يعرفان إنّك صغير لم تُحسن المشي، وقد تؤلمك السّقطة..
واليوم حينما (تسقط) في كلامك أو تصرّفاتك.. يُدركان أيضاً أنّك لم تتعلّم بعد (السّير) في الطريق الصحيح للحياة، ولذلك يعذرانك.. فقلب الوالدين – يا ولدي – ليس كقلب الولد.. إنّه أكثر رحمة وأشدّ شفقة.
أنت تقرأ
مذكرات مراهق
ChickLitروايه من بين طيات أفكاري ومن بين الحاضر و الماضي التمس من ذلك العالم ذكرياتي ذكريات مراهق