دميان

بين اللصوص

لو شئت لاستذكرت عدة فترات جميلة من طفولتي :الاحساس بالامان الذي منحني اياه والداي و طبيعتي العاطفية و العيش اليسير في رضى و مرح وسط اشياء لطيفة تحيط بي

لكن اهتمامي متمركز على الخطوات التي اتخذتها للوصول الى نفسي انني اترك ورائي في البعيد الفاتن الساحر كافة لحظات الهدوء و جزر السلام و الامان التي احسيت بها و لم اعد اطلب ابدا ان اضع قدمي فيها

و لهذا و بما انني _ما ازال عند طفولتي_ساركز على الامور التي جاءتني من الخارج و التي كانت جديدة و التي دفعتني الى الامام او اقصتني

و هذه الدوافع كانت تاتي دائما من العالم الاخر و كانت مصحوبة بالخوف و الارتباك و الضمير المتعب و كانت دائما محرضة و مهددة للسكينة التي كنت اتمنى ان ابقى اعيش فيها للابد

ثم جاءت تلك السنوات التي أُجبرت فيها على تلمس وجود دوافع في داخلي كان مضطر للتصاغر  و الاختفاء عن عالم النار لقد تغلب علي الاحساس المتيقظ ببطء بدوافعي الجنسية مثلما تتغلب على كل انسان

مثل عدو و ارهابي مثل شيء ممنوع و مغو و مغمس بالخطيئة و ما كان يبحث عنه فضولي و ما ولد من احلام و شهوات و مخاوف _السر العظيم للبلوغ_ لم يعد ابدا يتلائم و طفولتي المحمية
كنت اتصرف مثل غيري و بدأت اعيش الحياة المزدوجة للطفل الذي لم يعد طفلا

كانت نفسي الواعية تعيش داخل العالم المألوف و الموافق عليه و الذي ينكر العالم الجديد الذي اشرق في داخلي و جنب الى جنب مع هذا العالم

كنت اعيش حياة في عالم اخر من الاحلام و النوازع و الرغبات ذات الطبيعة المختلفة و التي عبرها كانت نفسي الواعية تبذل قصارى جهودها لمد جسور هزيلة و هشة ذلك ان عالم الطفولة في داخلي كان يتداعى

و مثلما هو الامر لدى معظم الاباء فان ابواي لم يستطيعا ان يقدما يد العون لي و انا اواجه مشكلات البلوغ الجديدة التي لم تتم الاشارة إليها ابدا
كل ما فعلاه هو الوقوع في مشكلة لانهاية لها في محاولتهما لدعم محاولاتي اليائسة لانكار ااحقيقة و لاستمرار في المكوث داخل عالم الطفولة الذي بدأ شيئا فشيئا يتحول الى عالم غير حقيقي

لم تكن لدي ادنى فكرة عما اذا كان الابوين قادرين على المساعدة و لذا فأنني لم اعتب على والداي
انها مشكلتي ان اتوازن مع نفسي و ان اعثر على طريقي و مثلي مثل معظم الاولاد حسني التربية تصرفت بشكل غير صحيح

كل انسان يمر في هذه الازمة و للشخص العادي تلك هي النقطة التي تتعارض فيها بحدة متطلبات حياته الجديدة مع بيئته و التي فيها التقدم الى الامام يجب ان يتحقق بادنى الوسائل المتوفرة لديه

كثيرون يموتون و كثيرون يولدون للحياة_و هذا قدرنا_و في هذه الحياة تصبح طفولتهم فارغة و تبدأ بالانهيار تدريجياً كل ما يحبونه يبدأ بالابتعاد عنهم و بغتة يحسون انهم محاطون بالوحشة و البرد الفاني في هذا الكون و كثيرون جدا يحتجزون الى الابد في هذا الطريق المسدود و يظلون طوال حياتهم الباقية متعلقين بشكل مؤلم بماضيهم الراسخ بحلمهم عن الفردوس المفقود و الذي هو اسوأ الاحلام و اكثرها قسوة