مصعب بن عمير/الجزء الثاني

784 39 16
                                    

وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الإيمان من جانب الإبن .... فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها :اذهب لشأنك ، لم أعد لك أمَّا ...اقترب منها وقال "يا أمَّهُ إنِّي لكِ ناصح وعليكِ شفوق ،فاشهدي بأنه لا إلــٰـه إلا اللّٰه ،وأن محمدا عبده ورسوله "
فأجابته غاضبة مهتاجة:"قسما بالثّواقب لا أدخل في دينك فيُزرى برأيي ، ويضعف عقلي"
وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة .. وأصبح الفتى المتأنق المعطّـر لا يُرى إلا مرتديا اخشن الثياب ، يأكل يوما ويجوع أياما ،ولكن روحه
المتأنقة بسمو العقيدة والمألقة بروح اللّٰه كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ الأعين جلالا والأنفس روعة..
وآنئذٍ اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها:
ان يكون سفيره الى المدينة ، يفقِّه الانصار الذين ءامنوا وبايعو الرسول عند العقبة ، وسدخل غيرهم في دين الله ، ويعد المدينة ليوم الهجرة العظيم ..

كان في اصحاب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام _يومئذ من هم اكبر منه سناً وأكثر جاهاً واقرب من الرسول_عليه الذي والسلام _قرابة ، لكن الرسول اختار مصعب الخير ، وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة ،
ويلقي بين يديه بمصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة ومنطلق الدعوة والدعاة ، والمبشرين والغزاة بعد حين من الزمان قريب ...
وحمل مصعب الأمانة مستعينًا بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم ....ولقد غزا
أفئدة أهل المدينة بزهده وترفعه وإخلاصه ، فدخلوا في دين الله أفواجًا ....
لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى إثني عشر مسلمًا هم الذين بايعوا النبي من قبل  بيعة العقبة، ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول....
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة ، كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفداً يمثلهم وينوب عنهم وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنًا ومؤمنةً ..
جاؤوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم "مصعب بن عمير"...
لقد أثبت مصعب بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عرف كيف يختار ....
فلقد فهم مصعب رسالته تمامًا ووقف عند حدودها . . . .عرف أنه داعية إلى الله ، ومبشر بدينه الذي يدعو الناس للهدى ، وإلى صراط مستقيم . . وأنه كرسوله الذي آمن به ، ليس عليه إلا البلاغ . .

هنالك نهض في ضيافة " أسعد بن زرارة " ، يّغْشيان معًا القبائل والبيوت والمجالس ، تالياً
ما معه من كتاب ربه ، هاتفاً بينهم في رفق عظيم بكلمة الله "إنما الله إلــٰـه واحد" . . .
ولقد تعرض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه لولا فِطنة عقله ، وعظمة روحه . .

رجال حول الرسولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن