بارت ٤

440 18 6
                                    

في بيت عمر ~
دفنة: البيت دافئ، وهادئ أيضاً!
عمر: نعم، قلت لكِ أبقى بمفردي حالياً.
دفنة: أنت وحيد والدتك صحيح؟
عمر: أجل، والدي توفيّ قبل ٨ سنوات.
دفنة: مؤسف! البقية في عمرك.
عمر: وأنتِ، ماذا عنكِ؟
دفنة: والداي منفصلان منذ صغري، كنت أعيش مع جدتي لكنها ماتت قبل سنتين.
عمر: ولم ترينهما منذ ذلك اليوم؟
دفنة: حتى إنني لا أعرف أين هما الآن.
عمر: على كل حال، تعالي معي كي أريكِ أين ستبقين.

غرفة دفنة ~
دفنة:
ذهبت للغرفة كي أرتب أغراضي، وأضع كل شيء بالمكان المناسب، ثم أردت أن أستحم.. سيكون صعب قليلاً لكنني مجبرة لأنني تعفنت ورائحتي أصبحت كالجثة! دخلت إلى الحمام وجلست على حافة الحوض، ثم أخذت المرش وبدأت أرش الماء الدافئ على جسدي، لا أستطيع الوقوف طبعاً، وكنت أحاول ألا أبلل الجبيرة بالماء، ثم غسلت رأسي بعد ذلك وإنتهيت بعد ربع ساعة أو عشرون دقيقة تقريباً، لففت جسدي بالمنشفة الموجودة وخرجت من الحمام لأرتدي ملابسي.. وقفت أمام المرآة أنظر إليّ.. أنظر لشكلي بإنكسار أنظر للكدمات الملونة التى عليه، أنظر للمكان وإذ بي أمكث عند رجل غريب لا أعرفه ولا يعرفني.. إلى أين وصلت؟ ماذا دهاني؟.. هذه لست أنا! كيف وثقت به؟ وأنا كنت قد عاهدت نفسي على ألا أثق بأحد! اللعنة على الحاجة والضعف.

عمر:
إنه وقت الغداء، لقد طلبته من الخارج ووصل.. دفنة لا صوت لها أتكون نامت في هذا الوقت؟ حتى لو نامت يجب أن تستيقظ للتناول الطعام، فلا يمكنها أخذ العلاج على لحم بطنها! ذهبت لغرفتها، لكنني توقفت عندما رأيتها واقفة لا يغطي جزء قليل من جسدها إلا المنشفة البيضاء الصغيرة.. هذه المرأة فاتنة جداً! يراودني شعور غريب تجاهها! ساقها الأبيض النحيل أول مارأته عيناي حينها ثم أكملت بالنظر صعوداً من ساقها حتى وصلت لمؤخرتها، فأكملت لأصل ليداها الملونة بالأزرق والأحمر من آثار ذلك الحادث اللعين! لكنني لم أرى هذه العلامات قبيحة بل على العكس، كنت أراها كما لو أنني أرى كعكة بنكهة الفانيلا مزينة بالورود الملونة، أراها بنظرة مختلفة جداً! شعرها الأحمر الناريّ المبلل بالماء بشكل لطيف!.. كل مابها يثيرني ويجذبني إليها بشدة، يكون المرء أحياناً غير مسؤول عن تصرفاته.. كدت أن أدخل لأفعل مايدور بمخيلتي الخبيثة! لكن أوقفني ضميري الذي لم يمت بعد؛ 《 عمر أنت لم تحضر دفنة لبيتك حتى تلعب معها، أساساً حالها يكفيها!! 》فتنحنح وأنزل رأسه قائلاً: هيا وقت الطعام.

إستدارت جهة الباب سريعاً بعد أن قطع صوته حبل أفكارها التعيس لتراه يقف عند زاوية الباب منزلاً رأسه بإستحياء، فذهبت من الجانب الآخر بحيث لا يراها ثم قالت: حسناً، سأرتدي ثيابي وآتي.

وقت الغداء ~
كانت شاردة الذهن، متواجدة بهذا العالم وعقلها بعالم آخر.. كانت تقلب الطعام الذي بطبقها سارحةً بأفكارها وظلامها المزعج الذي يراودها منذ يوم الحادث..
عمر: دفنة، لم تأكلين شيء!
دفنة: أنا شبعة، أعتقد أنني لن آكل.
عمر: لا يمكن، علاج من غير طعام لا يعطي مفعول!
دفنة: عمر حقاً لا أريد، نفسي لا تشتهي شيء.
جر كرسيها إليه بحيث صارت قريبة منه..
عمر: جيد، إذاً أنا سأطعمكِ بهذا الوضع.
دفنة: عمر!! لا أشتهي!
عمر: ماذا عمر؟ عمر ماذا؟ هيا إفتحي فمكِ وإلا فتحته لكِ قسراً.
دفنة: قسراً؟ أتراني طفلة أمامك؟
فكرر صوتها بطريقة مضحكة وحرك شفتيه بسخرية لتضحك بقوة، ثم وضع اللقمة بفمها سريعاً فإبتلعتها، لتسعل..
عمر: رائع! هذه اللقمة الأولى، برافو.
دفنة: أح أح، كدت تخنقني! مابك؟
عمر: يجب أن تأكلي حتى لو قليل هذا كي تتحسني وليس كي تتلذين بمذاق الطعام.
دفنة: عمر، أرجو ألّا تفهمني بطريقة خاطئة لكن حقاً أود أن أعرف! لماذا تهتم بي لهذه الدرجة؟
عمر: فلنقل لأنني أشعر بالذنب.
دفنة: أي ذنب؟!
عمر: يوم الحادث، كنتِ تركضين بسرعة ولم أستطع أن ألحق بكِ.
دفنة: وأنت ما علاقتك بما حصل لي؟
عمر: قلت لكِ، إعتبرت نفسي أنا من تسبب بهذا.
دفنة: وأنت تساعدني الآن لتكفر عن ذنبك يعني؟
عمر: ليس فقط هكذا.. وأيضاً أعتقد إنكِ لا تستحقين ماحصل، أتألم عندما أراكِ مهزومة أو ضعيفة.. أول مرة رأيتكِ بها كنتي بين الحياة والموت حينها، غائبة عن الوعي! قد تموتين بأيّ لحظة جسد فقط بلا روح، كل ما بكِ تلطخ بدمائكِ!! والآن أنتي حية أمامي!! حقاً شيء غريب للغاية، لا أعرف كيف سأصِفه.
وضعت كفها على فخذه لمواساته، ثم قالت بدفء بعد أن إمتلأ الدمع بعينيها: لا تحمل نفسك أخطاء الآخرين، ولا تتهم نفسك عبث.. أنا إذا سأكون بخير فمن أجلك أنت فقط وليس لسبب آخر، لا تلُم نفسك بإستمرار.
وضع يده اليمنى فوق يدها ثم قال بإبتسامة: هيا إذاً كلي طعامكِ بأكمله كي تأخذين الدواء.
قالت له بإبتسامة شكر: تمام، سأفعل.
عمر: وأيضاً عيناكِ تصبح جملية جداً هكذا، أي وهي لامعة.. لكنني لا أريد أن أرى هذه الدموع مرة أخرى لو سمحتي. إتفقنا؟
فضحكت حتى سالت دمعتها من عينها: لو كان بإرادتي أن أتحكم بهما لما كنت قد بكيت أبداً.
ثم إقترب ليمسح الدمع من خدها وقال بلطف: حسناً يا قطة، سنحاول أن نتحكم بها مع الوقت.

إنتهيا من طعامهما، وجلسا معاً ليشاهدان فلماً كان يحادثها بمنتصف الفلم ولم يسمعها ترد عليه، فإلتفت ليراها نائمة بهدوء كالملاك الجميل.. إبتسم وأخفض من صوت التلفاز ثم ذهب ليجلس بقربها وبدأ ينظر لها بتأمل عميق، يحب أن يتأملها فمنذ ذلك اليوم بالمشتشفى وهو حائر بها، كان يحاول حفظ كل تفاصيلها.. كيفية تنفسها وطريقة إغماض عينها، والجهة التي تميل رأسها إليها عندما تنام، كل شيء كان مهتم به، تفصيل بسيط أو صغير.. ثم رفع يده لجلد وجهها وأصبح يتحسس بشرتها المخملية بحب وهو ينظر لها بإبتسامة.. ثم أخذ يمرر إبهامه ببطء على شِفاها الناعمة، فإقترب أكثر ليدفن رأسه بين عنقها وشعرها الحريري المنسدل كي يتنفس ويستنشق رائحتها التى أثملته.. ثم إبتعد بعد دقائق ليهمس عند أذنيها بصوت خافت؛ أيُّه الملاك، دفنة! إستيقظي لتنامي على سريركِ براحة! فلم تستيقظ لأنها كانت تغط بنوم عميق.. فحملها بحرص كي لا تفيق، و ذهب بها لغرفتها.

#يتبع..

أنتِ لي - قيد التعديلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن