الفصل الثامن

4.5K 146 1
                                    


ركضت ملاك في أروقة المشفي يتبعها أحمد.. لم تبالي بحجابها الذي لم يلف جيدا ولا بنظرات الناس لها بسبب دموعها التي تغطي وجهها.. كل ما كان يهمها هو.. هو فقط والدها.. سندها في الحياة.. لم تصدق عمر عندما أخبرها بوجود والدها في المشفي..... كيف يمكنها أن تتخيل والدها
مريض؟ والدها القوي والمرح الذي طالما ساندها في أحزانها ووجهها للطريق الصحيح لا تستطيع أن تتخيله مستلقي علي فراش ابيض ووجهه يكسوه الشحوب.. توقفت عندما وجدت والدتها وعائلة كريستين وكريستين وإسراء وعمر وخالتها وإلياس  امام باب الغرفة الموجود بها عثمان  اقتربت من والدتها وهي تسألها بهلع "ايه اللي حصل لبابي؟ " لم تجب ليالي واستمر بكائها ليعلو صوت ملاك وهي تقول بإنهيار  "بابي حصله ايه يا مامي؟ ابوس ايديكي اتكلمي.. هموت من الرعب " اقترب أحمد من ملاك وربت علي كتفها "اهدي شوية يا حبيبتي " تجاهلته ملاك واتجهت لإسراء قائلة بعيون لامعه من الدموع "بابي ماله يا إسراء؟ " مسحت دموعها وقالت "معرفش يا ملاك... مامي بتقول أنه وقع فجأة علي الأرض وعمو جرجس هو اللي نقله المستشفي.."ارتفع نشيجها وقالت"والدكتور بتاع بابي قالنا أنه عنده سرطان في المخ وحالته خطيرة وهو كان عارف بس مش رضي يقولنا... قالنا ادعوله.. تخيلي بابي حالته صعبه ومحتاج  دعاء.. والدكتور حتي قال أنه مش هيقدر يدخله عمليات حاليا..  " تراجعت ملاك حتي اصطدمت بالحائط واجهشت بالبكاء.. اقتربت منها كريستين واحتضنتها قالت ملاك من بين شهقاتها التي تقطع طيات القلب "بابي تعبان أووي يا كريستين... أنا خايفة خالص لأخسره.. يارب احميه يارب أنا هموت لو حصله حاجة " تألم قلب كريستين من معاناة صديقتها....
~~~~~~~~~~~
في منزل كريم.....
رن جرس المنزل لتفتح والدته الباب... شهقت وهي تري أفراد من الشرطة... تنحنح الضابط وقال بأدب "ده بيت الدكتور كريم عز الدين؟ " ازدردت ريقها وأجابت "أيوة يا بني خير في حاجة؟ "... "لا يا أمي مفيش بس احنا عاوزينه هو فين؟ "خرج كريم من غرفته وهو يقول"مين علي الباب يا.. "قطع كلماته عندما رأي الشرطة اقترب من الباب وقال "افندم حضرتك عايز حاجة؟ ".. "أنت دكتور كريم؟ "قالها الضابط ليومئ بالإيجاب "طيب يا أستاذ كريم.. احنا محتاجين نستجوبك  في القسم في جريمة قتل الأستاذ مدحت عدلي " ضربت والدته علي صدرها بفزع....
~~~~~~~~~~
في المشفي....
خرج الطبيب من الغرفة وهو واجم.....
اقتربت ملاك منه وهي تردد بفزع وقالت"ها يا دكتور بابي أخباره ايه؟ ".. "أنا آسف... البقاء لله " ازداد بكاء ليالي بينما استندت إسراء علي عمر وهي مصدومة.. أما ملاك فهي ركضت  إلي الغرفة واقتربت من والدها الشاحب وهي تهزه وتقول بصوت ضعيف "بابي.. اصحي.. الدكتور اللي برة بيقول كلام غريب أووي... تخيل بيقول أن حضرتك سبتني... ازاي هتسيب موكة؟ .. مش انت قولت أنك هتفضل جمبي علطول علشان تفرح معايا وتمسح دموعي لما أبكي.. "هطلت دموعها بغزارة وهي تقول "ابوس ايديك يا بابي متعملش كده.. أنا ممكن أموت " أخذت تهزه وهي تصرخ"اصحي يا بابا أنت مش هتموت.. هتسبنا لمين؟ أنا ولا حاجة من غيرك "اقترب أحمد منها وهي يمسكها قائلا "هش خلاص يا حبيبتي أهدي... الله يرحمه  " ابعدته بحده وهي تصرخ"لااا.. بابا مستحيل يسبني... هو قالي كده... يارب متحرمنيش منه... آه.. بابا "... لم تستطع أن تحتمل كل هذا الضغط لذلك رحمها عقلها من هذا الألم لتفقد وعيها وتهرب من واقعها المرير وتلتمس قرب والدها حتي لو كان في حلمها.......
~~~~~~~~~~~~~
بعد أربعة أيام....
انتهت ايام عزاء عثمان.. وذهب الجميع إلا أحمد وإسراء وعمر وعائلة كريستين وإدوارد وخالة ملاك وإلياس
كان الجميع جالس في صالة منزل عثمان وليالي يحاولون تهدئة ليالي واسراء المنهارتان بينما أحمد قلق علي ملاكه..  فملاك  بعد موت والدها هربت من واقعها بالنوم... وكلما استيقظت كانت تصرخ بهستيرية ليحتضنها هو بقوة محاولا تهدئتها ثم تنام مرة آخري.... لم يتخيل أن يري ملاكه منهارة لهذا الحد.. تنهد  بتعب فهو منذ وفاة عثمان لا ينام إلا نادرا.. متألم هو لموت حماه.. عثمان كان دائما الإنسان المثالي بالنسبه له.. كان الأب المثالي والزوج المثالي والصديق المثالي والحما المثالي... ساعده كثيرا لإستعادة ملاك...  تفهمه وتفهم أخطائه بطريقة لم يفهمها والده البيولوجي...
في غرفة ملاك....
استيقظت ملاك واعتدلت علي فراشها... كانت تشعر بالخواء التام... لقد رحل سندها في هذه الحياة.. رحل بلا عودة... نهضت من سريرها وارتدت عباءة سوداء فوق ملابسها وحجاب اسود واتجهت بخفة إلي غرفة نوم والديها... كانت تسير كالمغيبة كانت نظراتها جامدة لا تذرف حتي الدموع وكأن دموعها نضبت من كثر ما ذرفتها.. أخذت تتلمس فراش والديها.. رفعت الوسادة ابتسمت بحنين وهي تجد حافظة نقوده ومفاتيح سيارته الصغيرة تحتها كالعادة.. لطالما وضعهما تحت وسادته.. كانت هذه عادته.. أخذت حافظة النقود واحتضنتها بألم.. ثم التقطت المفاتيح بتردد وهي تحسم أمرها...
في صالة المنزل....
رن جرس المنزل لتفتح كريستين الباب.. شهقت عندما وجدت كريم بوجه قلق.. فهي قد علمت من ملاك بتخطيط كريم وجوليا لتفريقها عن أحمد.. ووجود كريم الآن سوف يجعل أحمد يفقد صوابه..وهذا ليس الوقت المناسب
ولج كريم متجاوزا كريستين واتجه إلي الصالة... نهض أحمد وقال بعنف "أنت بتعمل ايه هنا؟ اطلع برة! " تجاهله كريم وهو يقول بهدوء ظاهري لليالي "البقاء لله يا مدام " اومأت بضعف وهي تمسح دموعها  ازدرد ريقه وقال "فين ملاك؟ عايز اقولها حاجة؟ " اندفع إليه أحمد وهو  يغلي من الغيرة وامسكه من قميصه قائلا "عايز ايه منها يا حقير؟ مش كفاية كنت عايز تخدها مني" أمسك كل من إلياس وعمر أحمد وحاولا تهدئته بينما قال كريم محاولا السيطرة علي أعصابه"فين ملاك؟ لازم اتكلم معاها ... حياتها في خطر..  جوليا قتلت مدحت وهربانة وهدفها التاني ملاك "شحب أحمد بشده بينما صدم الجميع حرك أحمد فمه ليتحدث عندما سمع صوت انطلاق سيارة ركضت إسراء بجوار النافذة وصرخت "دي عربية بابي وتقريبا ملاك اللي ركباها  " اتسعت عيون أحمد برعب وهو يركض خارج  المنزل لكي يلاحق ملاك.. أنه متأكد أن ملاك من تقود  تلك السيارة وأنها قد خرجت من باب المطبخ......
توقفت السيارة بجوار المقبرة المخيفة والباردة استطاعت ملاك فتح سور المقبرة المتهالك ودخلتها وعندما أصبحت بداخلها اجتمعت الدموع بعينيها مرة آخري.. لطالما كانت تشعر بالخوف من ذلك المكان.. ليس خوف من الأشباح الوهمية التي يؤمن بها البعض ولكن خوف أن يحتضن هذا المكان شخص عزيز عليها في يوما ما... وهذا اليوم التعيس قد أتي فوالدها في هذا المكان... يحتضن التراب جسده الفاني بينما صعدت روحه الخالدة إلي خالقها.. "بابي.. أنت فين؟ "قالتها ملاك وهي تذرف الدموع وأكملت "ليه سبتني؟ أنت مش قلت أنك بنفسك هتعمل الأسبوع لأبني... وهتخليني اسميه بأسمك " أخذت تسير في المقبرة ببطء وهي تنظر إلي المقابر لعل عينيها تلتقط اسم والدها اخذت تحرك رأسها بهيسترية قائلة بصوت عالي "بابا... أنت فين؟ اصطدمت عينيها باسمه المنقوش علي القبر لتقترب من القبر وتركع بجواره وهي تتلمس اسمه وتبكي بشدة.. ظلت تبكي وتشهق بشدة حتي شعرت بتمزق قلبها المتألم ... تمنت لو تموت اليوم للتخلص من الم فقدان والدها... رباه إن هذا الألم لا يطاق... صحيح أن الموت حقيقة ثابتة ولكنه حقيقة مؤلمة أيضا.. شعرت بشئ صلب يوضع علي رأسها يبدو أنه سلاح ناري وصوت جوليا الساخر يقول "موكة حبيبتي.. وحشتيني "
يتبع
التحرر من قيود عشقك
فاطمة علي

التحرر من قيود عشقك الجزء التانيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن