التَّحَدِي الرابِعْ

56 4 11
                                    

كـانَ فَقِيراً مِسكيناً أحْلامُـهُ بَسِيطَة..
السَفَرُ عَلَى مَتْنِ تِلْكَ البَـاخِرة،
رَاهَنَ بِكُلِ مَا يَقْتَاتْ من أَجْلِ تَذْكِرَةِ الرُكـابْ،
حلمه تَحَقَقْ وَ صَارَ فِيهَا، و إذَا بِالقُبْطَانِ اِرْتَابْ!
لِأَنَهُ لَمْ يَكُنْ يَمْلُكْ إِلَا لِبَـاساً وَ كُرَاساً يَرْسُمُ فِيهِ كُلُ مَا يَرَاه.

كَـانَتْ مِنْ طَبَقَةٍ ارسْتُقْرَطِيَةٍ مَرْمُوقْة، لَهَا مِنَ الألْمَاسِ والذَهَب غُيْرُ مَعْهُودْ، مَنْ ذَا الذِي لَا يَطلُبُ رِضَاهَا؟ فَهِي إبْنَةُ الجَاهِ وَالمَالْ.

فِي ليلةٍ بَارِدَة عَلَى تِلْكَ البَاخِرَةِ الفَاخِرة..
كَـانَ يَجْلِسْ تَحْتَ السَمَاء الَصَافِية مَعَ أنْوَارِ القَمَر الزَاهِيَة يَرْسُمُ مَا رآهُ فِي هَذَا العَالَمُ الغَرِيب.
و إِذَا بِهَا تَرْكُضُ مِنْ بَعِيدْ تُرِيدُ أنْ تُرْمَى فِي البَحْرِ العَمِيق لِأنَهَا كَرِهَتْ حَيَاةَ البَرِيقْ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَا النِفَاقْ.

أتَاهَا رَاكِضًا لِمسُاعدتِهَا،
انتَشلها من عتمتها إلى عالمهِ البسيط.

وجدت فيهِ الفَرحةَ والأمان، ضحِكت و رقصت وفعلت كل ما تُريدْ، أحست معهُ أنَّ عادتْ لها روحها الفقيدْ، هم طبقة معدوم إلَّا أنهم بالود يمتازون، أحبتهُ كأنهَا تَعرفهُ مُنذُ زمنٍ بعيْد.
جذبها إليهِ كُراسهُ الصغيرْ؛ فقد لمحتْ رسمًا لها بَين طياتهِ، أغرِمَ بها فرسمهَا.

عاشا معًا يومان كأنهما دهر، علمها معاني الحيـاة
الرائعة.
على قُنـةَّ الباخرة وقفاَ،
يتأملاَن ألوانْ الغروب الزاهية،
برومانسيةٍ وضع رأسهُ على كتفها، وأناملهُ حول خصرها، كان كأنما الكونُ ملكٌ لهما، وما أدراهما أنها اللحظات الأخيرة...

ففي تلك الليلة نام مراقبُ المسير، وضربتْ الباخرةُ بالجليد، كان حدثًا جدُ مشؤوم.. حدثًا تبكي له العيون.

هلَّ الهلعُ على الجموع، الكلُّ يطلُب الخروج.

ألبسوهم سُتر النجاة، لم يُفكروا في برودة الماء.

تعالى الصراخ في الأرجاء فالنفسُ تتمنى البقاء،
مابين الصغير والآباء يستنجدون برب السماء،

إلا هذين الاثنين كانا في الأنحاء، أزارا كلَّ مستعطٍ حتى الرُبان.
آثرا الناسَ عنهما، غامراَ معًا حتّى العاقبة.

حبهما كـانَ حقيقة، اِنتقاهَا عنهُ، عاشت بفضلهِ، ألبسها
طوقُ نجاتَهْ، رفدَ بها عنْ نفسِهْ، واعترفَ لها بِحبه، عاهدتهُ بمِلكه.

ما أعلمهُ أنْ تذكرةَ رحلةِ أحلامه هي تذكرةٌ لمماته.

أنالها حياةً طارفاً تسكنهاَ طولَ الزمان.

11:15Pm


Møny💞ُ
َّ

مشاعر مبعثرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن