5. للموت حبائل

143 13 47
                                    

قبل أن أبدأ بخاطرتي أريد التنويه إلى أن كل ما ستقرأونه حدث معي حقاً لذا أتمنى أن تقرأوا جيداً بعقولكم لا بعيونكم وبقلوبكم قبل أفواهكم لكي لا تقعوا فيما وقعت به، قراءة ممتعة للجميع.

سرت في طريقٍ يغطيه الوحل، تعتريني من رأسي إلى أخمص قدماي الآفات والعلل، كنحلة أقفز من إثمٍ إلى إثمٍ دون كلل، أمتص رحيق كل الأزهار والبشر، ظننت بأنني هكذا سأُغرق قلبي بألذ أنواع العسل، نصحني الأحباب والأهل: "حذاري من هذا الطريق فإن سرته حتماً ستضمحل"، فقلت في نفسي دعهم ليقولوا ما قالوا من الحيل، فهؤلاء لم يبتغوا لك يوماً سوى الخراب والخلل، ويوماً بعد يوم بدأت أتعثر وأغرق في الظُلل، أصوات المحبين والأيادي من حولي تجلجل، وكل ما لدي لهم هو الإهمال لا أكثر ولا أقل، أصابني الملل ظننت أنه لم يكن بالشيء الجلل، إلا أنني ضعت وانتهت حياتي لا جدل، توقفت كل جوارحي عن العمل، لقد غرقت واستسلمت وها أنا صريع الإهمال والجهل، ندمت وتحسرت فالنصيحة كانت بجَمَل، وأنا بعت النصيحة والجمل وكل محبٍ وكل الأهل، ماذا عساي أن أفعل الآن لم أعرف ما العمل، كجنين قرشٍ أكل كل أخٍ له وبه نكل، كذبابٍ يعيش على بقايا الجيف يعيش أسبوعاً ولوحده يُقتل، عبدتُ القرش كعبادة قريشٍ للات والعزى وهُبل، انهارت حولي السماء وسقط على رأسي كل جبل، معصوب العينين أصمٌ اتخبط أمدُ يدي لأُنتشل، وكنت كلما ركضت إلى منقذي أُخذل، حتى شعرت باقتراب الأجل، رميت كل شيء خلفي ورميت نفسي خلف هذا النسل، انسلّت مني قطرات الحياة والأمل.
أجوفٌ تصفّر الرياح داخلي تغلفني بالزمهرير والأسل، وصلت إلى حافة هذا الكون تدوسني الأقدام والأرجل، الدموع كانت في عينيَّ تقتتل، تتسابق لتحرق وجهي وتنزل، سأنهي هذه الحياة قد اكتفيت من التذلل، لن يدري بموتي أحدٌ فكما أَهملتُ سأُهمل، أمسكتُ أحدَّ الأنصال، وقيدتُ نفسي بالأغلال، سأرمي نفسي للهلاك وللقبر السمُل، النصل على رسغي سأقطعه لن أتمهل، فلم أصل إلى هذا الحد إلا من بعد موت ما كان بي من الأمل، تصببت عرقاً ودموعي بدأت تنهال وتنهمر "لا تتخلوا عني"، وهكذا بدأت أقطع عرقي وأبتهل، رافق الألم اليأس ومني نال، وبين جفاف عروقي والبِلال، ناداني صوت عذب بعدما ظننت أن هذا محال، صوت قال لي: "الله أكبر" فتبارك ربي وتعال، يُمهل ولا يهمل، كأيوبٍ بعد سقمي ذهبت للإغتسال، وما بين التكبير والتهليل، غسل الله قلبي وزرع به التفاؤل، وولد حُلمي من بعد تضاؤل، من قال أن تغير الحال من المحال؟

أنظروا كيف كان الحال وكيف آل، نظرت للوحل تحت قدماي فرأيت جناناً من الأزهار، سيولد الأمل ولو كان يتلظى بأفواه النار، لن يخذل اللهُ من حافظ على الوصائل، تحلى بالأمل فإنه ولو قُتل عاد لك عاتياً ولآمالِ غيرك مصاول، تمسك بالحياة فهي حقٌ عليك ولاتكن لنفسك ظالم، واعلم أن الموت لن يهرع إليك عند حاجتك إليه فللموت حبائل.


فاني..

المحسنات البديعية نفسها في الفصل السابق.

علامات الفصل السابق: 43.7 على ما أذكر

عدد كلمات الفصل: 399 كلمة

شبهت نفسي بجنين القرش لأن أول جنين من القروش تظهرله أسنان يقوم بإلتهام بقية القروش ليبقى على قيد الحياة.

واستخدمت تشبيه الذباب لأن دورة حياته لا تتعدى الأسبوعين فحتى إن لم تقتلوا الذبابة ستموت من تلقاء نفسها.

شبهت حالي بحال نبي الله أيوب فبعد صبره على البلاء شفاه الله وقال له في كتابه الكريم: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب.
والمقصود هنا ان يشرب ويغتسل ليذهب ما كان داخل جسده وما كان عليه.

الأسل: نبات شائك
القبر السمل: القبر البالي
مصاول: منافس

للموت حبائل تعني أن للموت أسباب وأردت لفت أنظاركم إلى أن الموت حولنا دائماً ولكن له أسباب ولن يأتي لمن يتمناه فقط لأنه تمناه وإن حاولتم نيله بالقوة كما فعلت أنا فلن يأتي طالما أن الله لم يأذن للموت بالإقتراب منك، وإن لم يقترب منك فاعلم أن لحياتك أسباب أيضاً وأن الأمل يمكن أن يخرج من الموتى كما كنت أنا.

اعتنوا بأنفسكم جميعاً وشكراً لدعمكم أتمنى أن أتأهل للمرحلة الأخيرة، حقاً لقد كانت تجربة ممتعة.

خواطر الأنامل الفضيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن