٣

38.6K 958 11
                                    

الفصل الثالث
*******

كل شئ مر سريعا دون أن تشعر .. غادرت لندن
وها هي الأن في موطن والدها .. وطنها الذي أحبته عبر صديقتها فرح .. وعندما تذكرتها تمنت لو أن أستطاعت التواصل معها ولكن فرح أختفت كما أختفي كل شئ جميل بحياتها ..
فأبتسمت بشحوب عندما وجدت نظرات صديق والدها تُطالعها ..
وربت علي كتفها بحنان .. وهو يبادلها بأبتسامه أبويه دافئه
- يلا يابنتي
نظراته الحنوانه كانت تُطمئنها .. أحبت هذا الرجل منذ صغرها ولكنه أختفي فجأه عنهم .. ليعود ويظهر من جديد
وبعد ساعه كانت السياره تردف داخل بوابة ضخمه
لتُحدق بالمنزل الفخم الذي أمامها فهو يشبه منزلها عندما كانت من الأثرياء .. فطالعت المكان وتذكرت حديث صديق والدها وهو يُخبرها انها ستُقيم هنا في منزل أحد معارفه القريبين منه ويعتبره بمثابة ابن له الي ان يعود مُجددا بعد ان يُصفي حساباته وتعيش معه وتعمل في شركته الخاصه التي سيُنشأها
ورغم قلقها من عيشها في منزل لا تعرف أصحابه الا أن مزاح صديق والدها خفف عنها وبعد وعده بأن لن تطيل سفرته وسيعود سريعا أطمئنت أكثر
ومع كل تلك الدوامه .. لم تشعر بنفسها وهي تجلس بالصالون الفخم بعدما رحبت بهم الخادمه .. وذهبت لتُخبر سيدها بوجود الضيف
فيدخل عمران بهيبته المعتاده .. ويتقدم من حسام بترحيب واحترام فهو كان صديق خاله مراد  وشاكر رحمهم الله ..ولأرتباطه الشديد بأخواله كان بالطبع يري هذا الصديق دائما
فضمه الرجل بمحبه وقدم تعازيه بأسي علي موت شاكر الذي علم به مؤخراً .. وكانت هي تجلس تُشاهد كل هذا بتوتر .. تفرك أيديها ببعضهم وقلبها يخفق بقوه
وداخلها يُخبرها أن هذا الرجل له هيبه ووقار مفرط
وبعدما تبادلوا بعض الأحاديث .. طلب حسام من عمران الأنفراد في غرفة مكتبه .. وابتسم لحياه الجالسه مُطأطأة الرأس بخجل ونظر الي العصير الذي وضعته الخادمه للتو أمامها
- أشربي عصيرك ياحياه يابنتي .. لحد ما أتكلم مع البشمهندس شويه
وسار من أمامها بعد أن حركت له رأسها بتفهم .. فطالعها عمران بنظرات بارده خالية من أي شئ
فأزداد توترها أكثر .. ونظرت الي كأس عصيرها وبدأت ترتشفه بشرود
...............................................................
نهض عمران من فوق مقعده بقسوه وهو يهتف :
- بتقول بنت مين .. لدرجادي انت نسيت الراجل ده عمل فينا ايه
ونسي أحترامه لهذا الرجل الذي سانده بتوسيع علاقاته خارج البلاد .. وأقترب من حسام الجالس بتوتر علي مقعده
- ياعمران يابني افهمني .. حياه مش زي محمود صدقني
فضحك عمران ساخراً
- الزباله عديم الشرف هيخلف ايه .. اكيد زباله زيه
وتنهد بضيق عندما نهض حسام من مقعده
- انا كنت فاكر يابني ان لسا العيله ديه فيها ولاد الأصول
فقطع عمران حديثه
- انت ناسي عمل ايه .. ناسي ولا أفكرك
وضحك بقسوه : وكمان سماها حياه ... يابجاحته
فتمتم حسام بتفهم :
- ياعمران يابني أنا فاهم شعورك كويس .. ولولا عارف كرمك مكنتش جبتها هنا .. للاسف يابني أنا متورط في شوية مشاكل بره البلد ولازم أخلصها
فتنهد عمران بضجر .. وظل يُفكر قليلا الي ان لمعة عيناه بخبث أخفاه سريعا
- موافق تقعد هنا
وجلس علي مقعده بهدوء يليق به
- بس جوه البيت ده لاء ...وسامحيني لان مقدرش أدخل بيتي بنت الراجل الي ماتت عمتي بسببه وحسر جدي وولدي
فنظر اليه حسام بتفهم وتسأل وهو يتمني ان لا يُخيب عمران ظنه
- طب وهتعيش فين .. حياه اول مره تيجي مصر ومتعرفش حد ولا حاجه هنا .. حتي أهل ابوها لسا متعرفهومش ومتوقعش هيقبلوا بيها بعد اللي عمله محمود فيهم
فقبض عمران علي يده بقوه وهو يُتمتم
- في أوضه في الجنينه .. هخلي الخدم ينضفوها ليها
وعندما رأي نظرات الخيبه في عين حسام .. أكمل حديثه
- علي فكره الاوضه ديه والدي الله يرحمه كان عاملها للضيوف اللي بيجولنا من البلد .. عشان ياخدو راحتهم .. ومتقلقش متقلش فخامه عن شكل الفيلا
فأبتسم له حسام براحه :
- ريحتني يابني .. ديه أمانه عندي ومش عايز ابهدلها .. موصكاش عليها ياعمران
ثم تابع : واتمني تلاقي ليها شغل كويس في شركاتك .. حياه درست أقتصاد في لندن
فتمتم بجمود : تمام
وبعد أن أنتهي الحديث عن تلك الجالسه بالخارج تجهل ما يدور في خلد من تجلس ب بيته
تساءل عمران بهدوء عن حياة محمود بعد أن أفلس .. فحكي له حسام كل مايعرفه
ليُتمتم عمران : جدي كان عنده حق العادل حي لا يموت .
كان في عمر التاسعه ولم ينسي قط ماكسر ظهر جده وأبيه .. في موت ابنتهم المدلله بعد أن تزوجها محمود عرفياً ثم تركها بعدما علم بحملها .
...................................................................
وقفت تنظر الي الغرفه التي أصطحبتها اليها الخادمه خارج الفيلا .. فقد كانت غرفة متوسطه الحجم بمرحاض ملحق بها تطل علي الحديقه الواسعه .. اعجبتها الغرفه بشده فقد كانت مفروشه بأثاث عصري وبسيط .. وجدت خادمة أخري تلحق بهما وتحمل شراشف نظيفه بيدها ..واسرعت تعد السرير لصاحبته الجديده ..
أبتسمت بلطافه بعد أن أعدت الخادمتان الحجره وقبل أن ينصرفوا هتفت
- هتمشوا قبل ما نتعرف
ومدّت بيدها نحوهم كي تُصافحهم .. فنظرت الخادمتان لبعضهم متعجبين من فعلتها
- أنا اسمي حياه !
وسريعا زال ذهول الخادمتان .. فصافحوها بحبور وأهتمام
وقالت إحداهن : انا أسمي نعمه ..
واشارت نحو صديقتها : وديه أمل
وتسائلت نعمه : انتي بتتكلمي عربي كويس .. لاء ولغتنا العاميه عادي
فضحكت حياه برقه .. وبدأت تقص عليهم صديقاتها اللاتي تعرفت عليهن بالمنتديات العربيه وكيف كانت تبحث عن اهل وطنها الي أن جائت سيرة فرح ..فقصت عليهم ان لها صديقه غاليه هنا وتتمني أن تلتقي بها
وأنتهي الحديث وذهبت الخادمتان بعد ان تهامسوا لبعضهم عن لطافتها وجمالها الشرقي الهادئ
ووقفت أمل بفزع عندما سمعت صوت عمران يُناديها
- أمل
وألتفت نحوه بأحترام .. وتقدمت منه قائله :
- أفندم ياعمران بيه
فهتف عمران بجمود : البنت اللي بره ديه متدخلش الفيلا خالص .. رجليها متعتبش هنا مفهوم
فتسائلت أمل بحيره : بس يافندم
عمران بأمر : كلامي يتسمع
وتابع بقسوه قد أدهشتها :
- وجبات الأكل تيجي تاكلها معاكم في المطبخ .. وأوضتها بعد كده تنضفها هي بنفسها
وقبل أن تهتف الخادمه بحرف ..ذهب بأعصاره
لتقف تضرب كفً بكف
- غريبه اول مره البيه يعامل ضيف كده .
وأتجهت نحو المطبخ .. لتجد رئيستها بالعمل تجلس تريح أقدامها وتحتسي قهوتها
فأقتربت منها نعمه هامسه : البيه كان عايزك في أيه
فبدأت أمل تحكي لها ما طلبه .. لتنظر اليها نعمه بدهشه متسائله
- لاء فعلا غريبه .. اول مره عمران بيه يعامل حد كده وخاصة لو كان ضيف عنده
وسريعا ما نطقت بعد تفكير
- مايمكن مش عايزها في الفيلا عشان الهانم الكبيره مش هنا .. وهو راجل أعزب ازاي بنت حلوه زيها تقعد معاه وهو لوحده
فطالعتها أمل بأقتناع ... وقبل أن ترد عليها هتفت منيره :
- هتفضلوا تتسيروا كده .. شوفوا شغلكم يلا قبل ماكل واحده فيكم تروح علي بيتها
..................................................................
تسطحت حياه بجسدها علي الفراش بأرهاق وهي مازالت لا تُصدق أنها هنا بمصر .. وان عمها حسام قد رحل وتركها في منزل ذلك الغريب الذي أوصاه عليها ... ونظرت الي الاموال التي امامها وقد أعطاها لها حسام قبل رحيله وأعطي لها رقمه الخاص وودعها الي لقاء قريب
وزفرت أنفاسها .. وتذكرت انها لم تسأل أمل او نعمه صديقاتها الجُدد عن قبلة الصلاة
- غبيه ياحياه .. أممم بكره لازم أسألهم
وغابت في ثبات عميق وهي لا تعلم بما سينتظرها هنا
اما هو وقف في شرفته يُدخن بشرود .. يُطالع حجرتها
- حظك وقعك تحت أيدي
وضحك ساخرا : سماكي حياه علي اسمها .. لاء حقيقي عنده ضمير
...................................................................
أنهي برنامجه وبدء يضحك مع مُعدين حلقة اليوم الي أن جائت إحداهن ترسم علي محياها البراءه والضعف
وهتفت : مستر أمجد
فألتف أمجد نحوها ببتسامه واسعه .. فتلك مُتدربه جديده قد طلب منه احد معارفه ان تتلقي تدريب بعد تخرجها مباشرة
- تقرير النهارده هايل يانهي
وأخذ زجاجة الماء من يد مساعده .. وسار من أمامها وهي تسير خلفه
- هيكون ليكي مستقبل حلو لو أستمريتي علي كده
وقبل أن تنطق بشئ وجدت إحداهن تقترب منه بدلال وتُحادثه ..لتقف في مكانها بضيق وهي تعلم ان الوصول اليه مازال صعب ..............................................................
أشرقت شمس الصباح بنورها الهادئ .. لتفتح حياه شرفتها وهي تتذكر العجوز كرستين وسماء لندن .. وهتفت بشوق:
- وحشتيني ياكوكو
وبسطت يدها تُقبل راحة كفها.. ثم نفخت بأنفاسها كما لو ستطير قبلتها عبر الهواء
- هبعتلك كل يوم قبلة الصباح ياكوكو
لتسمع طرقات خافته علي الباب .. فتسرع لرؤيه من جاء اليها
- ازيك ياأمل .. وتسألت بنصف عين
- أمل مش كده ولا أنا غلطت
لتضحك أمل علي بساطتها المُحببه
- صح ياست حياه
فتُكشر حياه وجهها بطريقه مُضحكه .. وهي تهتف :
اسمي حياه ياأموله فاهمه
وأقتربت منها تُقبل وجنتها : صباح الخير بقي ياأموله
فأبتسمت أمل بسعاده وهي لا تُصدق طيبة روح تلك الفتاه
- أنا جايه اقولك أحنا مستنينك علي فطار انا ونعمه وست منيره
حياه : منيره مين ديه
فأجابت أمل بهدوء : ديه مدبرة المنزل والريسه بتاعتنا .. هتتعرفي عليها لما تيجي .. يلا انا بقي عشان أحضر الفطار للباشا
وكادت ان تنصرف أمل .. فهتفت حياه : أمل أستني
وتسألت وهي تنظر للحجره : هي فين اتجاه القبله عشان أصلي
لتُخبرها أمل بالأتجاه وتنصرف مع أبتسامه طيبه علي وجهها
فتذهب حياه الي المرحاض وتبدء بطقوسها الذي ستعتاد عليه يوميا
...................................................................جلست ليلي بجانب أبنة اخيها في الهواء الطلق .. فجو المزرعه كان يبعث فالروح الهدوء .. وربتت علي يد فرح بحنو
- هتفضلي لحد أمتي كده ياحبيبت عمتو .. فين فرح الي كلها طاقه وروح
فطالعتها فرح بشحوب
- كله راح ياعمتو مع موت بابا
فتأملتها ليلي بحزن فهي أيضا روحها تتألم علي احبابها فقد رحل  شاكر كما رحل أخيها مراد  وزوجها الحبيب ومازن أبنها الاوسط قرة عينها .. وهتفت داخلها
- الصبر من عندك يارب
وعادت تنظر الي فرح الهائمه
- وجع الفراق صعب يابنتي ..وبالذات لما يكون الفراق موت يعني مش هنشوفهم تاني ولا هنشم رحيتهم .. بس احنا مؤمنين وعارفين ان اللي بيروح عمره ماهيغلي علي اللي خلقه
وناولتها المصحف الذي كان بجانبها وهي تنهض
- صبري قلبك بكلام ربنا يافرح
وأنصرفت وهي تدعو لأبنة أخيها ولها بالصبر  
.................................................................
أنهت حياه فطورها بالمطبخ وسط أمل ونعمه ومنيره وايضا السائق  صالح الرجل الطيب .. واندمجت معهم بالحديث
لتنهض أمل من علي مقعدها بسرعه تعد القهوه متذكره بأن ميعاد قهوة سيدها المنضبط بكل مواعيده
فطالعتها حياه بغرابه بسبب فعلتها التي لم تعهدها بعد ونظرت الي منيره تسألها
- مالها أمل قامت من علي الأكل بسرعه
فربتت منيره بطيبه علي يدها ..فقد احبت تلك الفتاه رغم انها ليست من الأشخاص الذين يحبون الغرباء سريعا
- ده ميعاد قهوه عمران بيه .. وامل المسئوله عن كل حاجه تخصه
فحركت رأسها بتفهم .. وبدأت ترتشف عصيرها بهدوء وهي تُجاوب علي أسئله نعمه عن حياتها في بلاد الانجليز كما سمتها منيره المرأه الاربعينيه
...................................................................
هتف عمران بجمود وهو يُطالع الاوراق التي أمامه
- أدخل
فأردفت أمل للداخل وهي تحمل فنجان قهوته .. وبعدما وضعت القهوه أمامه.. كادت ان تنصرف الا ان صوته اوقفها
- الضيفه فطرت
فحركت أمل رأسها بالأيجاب : ايوه يافندم
فمدّ يده بورقه .. لتقترب أمل وتأخذها منه بعد ان أشار اليها بأن تتقدم
- تديها الكارت ده ..تجيلي الساعه عشره الشركه مفهوم
فنظرت امل للكارت المُسجل به عنوان الشركه الأم الخاصه بالمقاولات وذات سيط معروف
وذهبت الي حيث عملها الذي ينتظرها وحياه التي ستخبرها عن اوامر سيدها
ليتذوق من فنجان قهوته بعد أن أنصرفت ... وعيناه تلمع بوميض من القسوه
...................................................................
أرتدت حياه أفخم ثيابها وأبسطهم ..فقد أرتدت بنطال من الجينز الواسع يعلوه بلوزه طويله تصل الي قبل ركبتيها ووضعت حجابها ولفته ببساطه علي خصلاتها التي تشبه عيناها بُنية اللون .. ورغم عدم رضاها علي هيئتها فهي تعلم ان الحجاب يلزمه ألتزام وحشمه أكثر لا تلائمه ملابسها
وزفرت أنفاسها بقلق فهي ستعمل بشركه كبيره كما أخبرها عمها حسام ... وظلت ترسم أحلام جميله لعملها
الي أن دق باب غرفتها .. وهتفت وهي بالداخل
- حاضر يا نعمه انا جايه اه
وفتحت الباب .. لتبتسم لها نعمه قائله : ربنا يوفقك ياست..
وقبل أن تُكمل عدلت حديثها وهي تري أصبع حياه نحو وجهها : قصدي ياحياه بس من غير ست
فضحكت حياه بغرور مصطنع وخرجت من غرفتها قائله :
- ايوه كده
وظلت تتذكر عبارات فرح الي أن هتفت : ناس مبتجيش غير بالعين الزرقه
فضحكت نعمه بقوه وهي لا تقدر علي التنفس
- قصدك بالعين الحمره
فأبتسمت حياه برقه : أهي كلها ألوان
...................................................................
أطال عمران اجتماعه قدر المستطاع في شركة الأدويه التي أسسها جده لأخيه مازن رحمه الله بعد ان تخرج من كلية الصيدله ... ورغم أن الاجتماع لا يستحق كل هذا الوقت الا انه فعل ذلك متعمداً .. وهاهي الساعه الثانية عشر ظهراً
وانتهي الأجتماع لتقترب نيره منه قائله برقه لا تفعلها الا معه :
- الموظفين محتاجين ديما رقابتك ومتابعتك ياعمران ..حاول تيجي الشركه أكتر من كده
لينهض عمران من فوق مقعده هاتفاً بجديه :
- أنتي موجوده بدالي يانيره وانا واثق في قدراتك ولا ايه يادكتوره
فأبتسمت نيره بعلو وهي تراه يمدح بها .. فعمران ابن صديق والدها وحلم حياتها بأن تقترن به ولكن مع عمران العمري لن يكون اقاعه في فخ الزواج أمراً سهلا
................................................................
نظرت الي ساعة يدها فهي جالسة منذ الساعه العاشره والان قد تخطي الوقت الثانية عشر ... شعرت بالملل ولكنها وضعت الاعذار لمديرها .. وأتجهت مره أخري نحو سكرتيرته تتساءل
- امتي عمران بيه هيجيه
وكادت أن تُخبرها سكرتيرته بردها المعتاد .. ولكن رئيسها قد جاء وسار بخطي واثقه أمامهم
- أوراق الصفقه الجديده تيجي علي مكتبي حالا يانجوي
فلملمت نجوي أوراقها سريعاً .. وأتبعته
وكادت أن تهتف حياه بأسمها الا انها أختفت خلف مديرها ذلك الرجل الذي أصبحت تهابه
وعادت تجلس علي مقعدها ثانية .. تعد الأرقام كي لا تشعر بالملل أكثر من ذلك
وخرجت نجوي من مكتب عمران بعد خمسة عشر دقيقه كما عدتهم هي
- عمران بيه مستنيكي .. اتفضلي
فسارت حياه بخطوات متوتره .. وهي تحلم بوظيفتها الجديده
وأردفت داخل مكتبه الفخم .. وطالعته وهو يجلس بهيبه تليق به .. وأنتظرت ان يرفع وجهه عن الاوراق ويُحادثها
الا انه ظل يُطالع أوراقه .. فتنحنحت حرجاً
فرفع عمران وجهه عن الاوراق .. وطالعها ساخراً وبدء يعدل من وضع جلسته حتي أصبح يجلس بزهو علي مقعده وأشار بأصبعه لها بأن تتقدم وتجلس علي المقعد الذي أمامه
فتقدمت نحوه .. وجلست بهدوء وأخرجت أوراقها سريعا من حقيبتها .. فلابد انه سيري شهادة تخرجها الجامعيه كما يفعل الرؤساء
ومدّت أوراقها اليه قائله بخفوت : أتفضل ديه أوراقي
كان الحماس يطل من عينيها .. وهذا مازاده قسوه بأن يكسرها ويحط أحلامها .. وداخله يخبره أليست هذه العداله
فأبيها قد حطم قلب عمتك وحطم حلم جديّك واباك بأن يفرحوا بأبنتهم وهي تزف لعريسها وليس ..
وعندما بدء شريط الماضي يمر أخذ الاوراق منها بقوه وقذفهم أمامه علي المكتب .. فتعجبت من فعلته
ونظرت اليه بحرج .. الي ان
- مش محتاجين الورق ده .. لان اظن انت لسا متخرجه جديد والشركه هنا عايزه ناس خبره
فحدقت به دون فهم .. ليُكمل عمران حديثه بجمود :
- انسه حياه في الشغل معنديش واسطه .. خبرتك هي اللي بتحكم
وتابع حديثه بتساءل : أشتغلتي قبل كده !
فأبتسمت حياه : كنت بشتغل نادله في مطعم
فضحك عمران بتهكم .. فهي قد وضعت وظيفتها بنفسها
- يبقي خلاص شغلك مش هيتغير احنا محتاجين موظفه في بوفيه الشركه
فأنصدمت ونظرت اليه بذهول .. هل هذا هو حلمها ؟
وأبتلعت غصة بحلقها وهي تري القسوه التي تلمع بعينيه ولا تعلم سببها
- بس أنا كنت فاكره
فقبض عمران بأنامله علي قلمه وبدء يمضي علي بعض الأرواق التي امامه دون أن يهتم
- ده عرض الشغل بتاعنا .. واظن الانسان لازم يبدء السلم من اوله ولا ايه ياأنسه حياه
فحركت رأسها بشحوب .. ونهضت من فوق مقعدها .. وبدأت تُطالعه وهي تتساءل داخلها
- أطلع السلم من أوله .. اشتغل نادله تاني
وأبتلعت غصتها مجدداً .. وقبضت بيديها علي حقيبتها
ثم نظرت الي حذائها الذي لمعته بفرحة طفله
فهتف هو بجمود : ها ياأنسه
عباره صغيره قد نطقتها هدمت معها حلم جميل تساقطت ورقته من غصن شجرتها الصغيره
- موافقه
وأرتسم النصر علي فم الجالس بزهو
...................................................................

ودق القلب  (سهام صادق)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن