~الفصل الأول~

6K 89 3
                                    

نوفيلا ... إمرأة من ورق

الفصل الاول

تجري الأيام مسرعة ... اسرع مما نشاء ...
ظننت بأننا سنكون الأن معاً وطفلنا الصغير يلعب بيننا .. لكنني أجلس الليوم وحدي ، أندب أحلامي الحمقى ... غارقة في حبي لك ولا قدرة لي  على انتشالك من أعماقي ...
تظن بأنني قادرة على ان اترك كل شيء خلفي وان امضي قدماً .. لكنني ما زلت اتكئ على جدارك الضبابي بانتظار ان تنزل سلالم النور إلي من حيث لا احتسب ..
قهرني هذا الحب ، قهرني لدرجة انني لم اعد افكر في شيء غيره ، احببتك لدرجة انك كنت كل احلامي .. لم اكن بحاجة لحلم أخر .. كنت انت الحلم الكبير والعظيم .. الذي لا يضاهيه في سموه ورفعته حلم .. اقاومك بضراوة ، اقاوم تخليك عني بعنف احياناً وبضعف احياناً اخرى ، اقاوم رغبتك في ان تتركني لانه لا قدرة لي على ان اتقبل تركك اياي ...

أسحبُ حقيبتي خلفي في المطار ، تاركة كل ذكرياتي ، وكل ايامي في هذه البلاد ..
لم يعد لدي القدرة على البقاء بعد كل ما حدث .. وبعد كل ما حصل ..
ارغب في البقاء وحيدة والإختلاء بنفسي ، لعل النسيان يجد طريقه لعقلي وقلبي ...

جلست بهدوء على المقعد الطائرة . . تنهدت بخفة وأغمضت عيناي ، فخطرت على بالي زيارتنا لأهلك في ايطاليا قلت لي في الطائرة وقتها عندما وجدتني متوترة .
" لا تقلقي يا سحر اهلي سيحبوكي لأنني اريدك "
ابتسمت وقتها وقلت لك " هل تحبني يا ادم " هززت برأسك واكملت قراءة ".
لم اعتقد وقتها انك قصدت « لا » وليس « نعم » ...

فتحت سحر عيناها على صوت مضيفة الطيران التي تقف بجانبها " اربطي الحزام لو سمحتي نحن نستعد للهبوط "
عبست باستغراب هل نامت كل هذا الوقت ؟ نعم بالطبع فهي لم تنم ليومين متواصلين ... ربطت الحزام واستعدت للنزول على اراضي استراليا ، كم تمنت ان تأتي الى هنا ، وكم خططت هي وادم قضاء شهر العسل هنا ، لكنها الان وحدها ...

السبب الرئيسي الذي جعلني تأتي الى هنا ، هو حاجتي الشديدة لتكلم عما يزعجني .. وهنا في منتجع السياحي خصص الدكتور النفسي جاد سلقدار تركي الاصل قسم لتحسين نفسية وحياة  المكتئبين او الاشخاص المحتاجين لتكلم ...

ركبت في السيارة التي أخذتها من امام المطار ، متجهة الى المنتجع ...
لم اعرف كم من الوقت مر وانا انظر من النافذة الى هذه المنطقة الرائعة المليئة بالمراعي الخضراء والاشجار الممتدة على طول الطريق من الجانبين ...
كم اتمنى لو كان هو معي الان ، لكن ليس كل ما نتمناه نحصل عليه ..
كنت دائما اصدق قصص الحب في الروايات والافلام والمسلسلات ، وبالفعل عشت قصة حب ، لكنني لم اعرف انها كانت من طرف واحد ، قصة حبي كانت مع شخص بارد متملك ، لكنه لا يعرف الحب .. تمنيت ان تنتهي قصتي كما تنتهي معظم القصص التي تتوج بالزواج ، لكن قصتي انتهت بدمار كل احلامي ومعتقداتي ، وبت لا اصدق ان هناك قصة حب على الارض ابدا ...
احببت كونه متملك من ناحيتي واعتقدت ان التملك هو نفسه الحب ، لكنني كنت مخطئة .. كان متملك فقط كي لا يجعلني انظر الى غيره فكبرياءه لا يسمح له بأن تتركه حبيبته ....
بدأت اسخر من نفسي عندما اتذكر تصرفاته التي اعتقدتها حب ، لكنها كانت لا تمت للحب بصلة ... امقت نفسي وبشدة لانني احببت رجل مثله لا للعاطفة مكان في حياته ، لكنني ما ذلت احبه وكم اكره نفسي عندما ينبض قلبي بشدة عندما اتذكره ، وكم اتمنى ان اقتلعه من جذوره واقتلع قلبي معه لعله لا ينبض مرة اخرى ... وعندها فقط سأدخل في ثبات من الراحة والسلام الداخلي بعيداً عن الحب الذي اصبحت اراه قيداً ... وجعاً ... كذبة ..
وايقنت ان اسمي انقى من ان يعبث به احدهم باسم الحب ، وقلبي اطهر من أن تطأه اقدام المارة ... . وبدأت اشفق على الفتيات ، على سهرهن .. انتظارهن .. دموعهن التي عشتها كلها . وايقنت ان اغلى ما تملكه الانثى هو كبرياؤها ، قلبها  ، دموعها ... لكنني ايقنت كل هذا بعد وقت طويل وبعد اكبر خطء فعلته في حياتي ....

وصلنا بعد وقت ليس بقصر ، ووقفت السيارة امام بوابة المنتجع . ساعدني احد العاملين في توصيل حقائبي الى الداخل ووقفت امام مكتب الاستعلامات ..
" لقد حجزت جناح بإسم سحر ياسين كما حجزت طلب لدا الدكتور النفسي جاد سلقدار "
ابتسمت الموظفة بلطف واعطاني مفتاح الجناح وقسائم الاشتراك مع الطبيب .. وعندما كنت في طريقي الى المصعد مع عامل ارتطمت بحدة بالحائط هذا ما اعتقد ، لكنني عندما التففت وجدت نفسي بين احضام رجل غريب يبتسم لي ابتسامة عميقة وهادئة ، ورغم وسامته لا اعرف لما شعرت بالنفور والتقذذ ، ابتعدت فوراً واكملت طريقي وانا اسب وألعن كل جنس بني ادم ...

                         

ينزل مسرعاً عن الدرج بهيئته الرائعة والملفتة للنظر شعره الاشقر المائل للعسلي وعيونه العسلي وابتسامته الهادئة التي لا تختفي عن وجهه ابداً .. .
اسرع خطواته لتأكد من وصول حاجاته الى المنتجع.. لكنه ارتطم بفتاة تمشي بخطوات سريعة نسبياً ووجهها في الارض فلم تنتبه له الا عندما ارتطمت به .. لاحظ نظراتها المكسورة والجرح العميق داخل عيناها ..
نعم هو فقط من يستطيع قراءة الناس من عيونهم ، فلم يقضي حياته في التعلم عن عبث ..
وعندما ابتعدت عنه واختفت داخل المصعد ، ابتسم بهدوء :" سأعرف ما سبب هذا الجرح في عينيك وهذا النفور الكبير من الرجال وهذا وعد من جاد سلقدار "

                             
وصلت الى غرفتي بعدما ادخلت كل حقائبي الى الجناح ولم استطع تمييز اي شيء داخل الجناح بسبب ارهاقي الشديد وحاجتي للنوم ... ارتميت على السرير بعد ان بدلت ملابسي الى قميص نوم فضفاض ومريح ، واخذت افكر بكل ما مررت به حاولت ان اغمض عيني وارتاح .. لكن ادم قضى على ما تبقى لي من راحة ، ولم اعد استطيع التفكير سوى بما فعله بي وبما اوصلني اليه ..
ابتعدت عن سريري بهدوء وخرجت الى الشرفة ووقفت اتأمل البحر الهادئ والهواء يتلابع في شعري الطويل وقميصي الفضفاض ، داخلاً من انفي الى خلاية جسدي ، فشعرت بالقليل من الاسترخاء ، رغم الأعاصير في داخلي ...
تذكرت حين ذهبت مع ادم رحلة في القارب في وسط المحيط وتشاجرنا وقتها بسبب الدراسة . كنت اعرف بأنني سأنهي دراستي في غضون عام وبضعة اشهر وسأعود أخيراً الى الوطن .. الوطن الذي لو لم اغادره لما حدث كل هذا ..
تشاجرنا يومها وقلت لي " اسمعي ، سحر بصراحة انا لن اعوج سأستقر هنا ..."
صرخت فيك : ماذا عني ... وانا ..؟
هززت كتفيك ببساطة ، فلتبقي سحر .. فلتبقي معي ان اردت وستعملين في احدى شركاتي .
- ماذا يحدث لك يا ادم
صرخت وقلت : اريدك .. انتي ملكي لكنكي لا تفهمين ان اردتي العودة عودي لكننا سننفصل وقتها ...
اعتقدت وقتها ان كلمات ملكي واريدك تابعة للحب ، لكنها كانت مجرد كلمات لا معنى لها ..

كانت سحر غارقة في افكارها واحزانها ، ولم تنتبه على هذا الذي يقف في الشرفة الجانبية يتأملها ... لم يكن يتأمل جمالها وفتنتها ، بل كان ككل طبيب يحاول تحليل ما تخبئه داخل اخضرار عيناها ... تنفس بهدوء وابتعد الى الداخل قبل ان تلاحظه تلك الجنية ....

يتبع....














إمرأة من ورق |نوفيلا|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن